ورغم أن مخاطر وفاة صغار السن من جرّاء تداعيات كوفيد-19 لا تزال متدنية، وتأثير اللقاح في تقليل فرص الإصابة بالأعراض الخطيرة لكورونا مرتفع، وكل الأبحاث التي تشير إلى نقل الأمهات المحصنات بالتطعيم الحماية إلى أطفالهن، إلا أن التردد بتلقي اللقاح بسبب التضليل على مواقع التواصل والإنترنت، يعرّض الأهل والأطفال على حدّ سواء للخطر.

وتشير الإحصائيات إلى أنه لم يحصل سوى 27 في المئة من الأطفال الذين تتراوح أعمارهم بين 5 و11 عاما على الجرعة الأولى من اللقاح في الولايات المتحدة.

ووصلت حالات الاستشفاء إلى مستوى وبائي مرتفع بلغ 914 طفلا يوميا خلال يناير الجاري، بارتفاع كبير عن الذروة السابقة البالغة 342 في سبتمبر 2021.

ويرجع مراقبون هذه الأرقام إلى الانخفاض الكبير في معدل الإقبال على التطعيم بين الأطفال، وخصوصا منذ بداية العام الجديد 2022، وسببه التضليل الذي يمارس بشأن التطعيمات، ونشر معلومات غير صحيحة على منصات التواصل الاجتماعي.

ووفق بحث أجراه مركز “مكافحة الكراهية الرقمية”، فإن 12 حسابا على مواقع التواصل، تقف وراء المعلومات المضللة التي تستهدف تعطيل حملات التطعيم، وغالبها يتخذ من موقع “فيسبوك” منطلقا له.

كما كشفت منظمة “نيوغارد”، وهي هيئة غير حكومية تراقب المعلومات الخاطئة على الإنترنت، عن الكثير من الحسابات التي تحظى بمتابعة مئات الآلاف على تطبيق “تيك توك” وقد احتوت على معلومات تدعو إلى عدم الحصول على اللقاحات المضادة لكورونا، بالإضافة إلى الترويج لـ”أكاذيب ومعلومات مضللة” عن الوباء.

قد تكون مهمة فرز الكم الهائل من المعلومات المرتبطة بلقاحات كورونا عسيرة على الأهل، الأمر الذي قد يضطرهم إلى البحث عن إجابات لأسئلتهم على منصات التواصل، دون أن يعرفوا أنهم قد يكونون مستهدفين من الجماعات المناهضة للتطعيم.

وتتميز الجماعات المناهضة للتطعيم بكونها أكثر تنظيما وخبرة في التعامل مع هذه المنصات، وتكييف رسائلهم مع اهتمامات المترددين في تلقي اللقاح، مقارنة بالأهالي والأشخاص العاديين من ذوي الخبرة غير الفائقة في آليات وخوارزميات مواقع التواصل.

ومن بين الأساليب الملتوية التي يتبعها المضللون، اجتزاء المعلومة، بمعنى البدء بتقديم البيانات المتعلقة باللقاح بشكل صحيح، ومن ثم إضافة كلمات وجمل تخالف ما ذكر سابقا، وهو ما يزرع في نفس المتصفح الشكّ، ويكون تأثير المنشور أكبر من الناحية السلبية.

كذلك أشار مختبر “ديجيتال فورنسيك ريسيرتش لاب” المتخصص في رصد التضليل الإعلامي وتحليله ومقره واشنطن، إلى أن “فوضى الدراسات الطبية” قد استغلها المشككون في اللقاحات، لإضفاء مصداقية على الدراسات التي يقومون بمشاركتها.

ويكمن خبث تحركات المضللين أيضا في إحداث ما يشبه الفرقعة في الصمت، أي إثارة جزئية معينة متعلقة باللقاح ومن ثم إمطار رواد مواقع التواصل بدراسات وأبحاث قد لا تكون صحيحة، أو أنها لم تخضع للتدقيق العلمي بعد، لتبعث الشك في نفوس من يفكر بتلقي التطعيم.

كما يجيد المناهضون للقاحات اجتزاء المعلومات من البيانات الصحفية الخاصة بشركات تطوير التطعيمات، لتبرز ما يصلح للتضليل فقط، كأن تشير مثلا إلى وفاة عدد قليل من الأفراد بعد تلقي جرعة من لقاح ما، دون أن تكمل البيان، وتكشف أن هؤلاء كانوا يعانوا أصلا من أمراض أخرى خطيرة، أو لأن الفيروس كان في مراحل متقدمة لديهم.

ويردد كثير من معارضي التلقيح أمثلة غير قابلة للقياس، كأن يقولوا بأن التطعيمات المضادة لأمراض معروفة مثل الحصبة والجدري وغيرها، قد استغرقت سنوات لتطويرها بينما تمّ ذلك على عجالة بالنسبة لكوفيد-19، متناسين فارق التوقيت الزمني وما ترافق معه من سرعة تبادل للمعلومات ومشاركتها، والتقدم الهائل الذي حصل في ميدان تصنيع اللقاحات والأبحاث وغيرها الكثير من العوامل.

ويستغل مناهضو اللقاحات أيضا النقص الأولي في البيانات بجانب معين في رسائل يوجهونها للحضّ على الامتناع عن التطعيم، حيث انتشرت منشورات على “فيسبوك” و”تويتر” تفيد بارتفاع معدل وفيات المواليد بعد الضغط لتطعيم الحوامل.

وردّت المراكز الأميركية لمكافحة الأمراض والوقاية منها على تلك المزاعم، بأن بيانات ولادة 1.2 مليون ولادة في الولايات المتحدة، أظهرت عدم وجود دليل على أن معدل وفيات المواليد أعلى بشكل عام أثناء الجائحة.

وفي تقرير لوكالة “فرانس برس”، قالت تلك المراكز: “بالمقارنة مع الحوامل غير المصابات بكوفيد-19، فإن الحوامل المصابات بكوفيد-19 معرضات بشكل أكبر لخطر نتائج الحمل السلبية بما في ذلك الولادة المبكرة وولادة جنين ميت”.

واستهدف المضللون أيضا الرضاعة الطبيعية زاعمين أن أطفالا عانوا من الطفح الجلدي أو توفوا بعد أن رضعوا من أم تلقت اللقاح، وهو ما يتعارض مع توصية جمعية طب الأم والجنين الأميركية، والتي قالت في بيان إنه لا يوجد سبب لوقف الرضاعة الطبيعية بعد تلقي اللقاح.

ولم يجهض هذا البيان تحركات المضللين بل على العكس حيث شجعوا على إنشاء مجموعات للأمهات على “الفيسبوك” لطلب “الحليب غير المُحصّن”، أي ذلك المأخوذ من أم لم تحصل على لقاح كورونا.

وفي وجه هذا التضليل، انبرت مواقع التواصل للدفاع عن نفسها باستعراض ما قامت به في وجه الأخبار الكاذبة، حيث أعلن “فيسبوك” وضعه حدا لعملية تضليل إعلامي سعت إلى نشر معلومات مغلوطة حول اللقاحات المضادة لكورونا عبر خداع مؤثرين على مواقع التواصل الاجتماعي لدفعهم إلى تأييد مزاعم كاذبة.

ووصفت شبكة التواصل الاجتماعي الأكبر العملية بأنها “غسل لمعلومات مضللة” سعت إلى إضفاء طابع الصحة على مزاعم خاطئة من خلال نشرها بواسطة شخصيات طيبة السمعة.

وقال “فيسبوك” إنه حذف، في يوليو 2021، 65 حسابا عبر منصته و243 حسابا على “إنستغرام” ذات صلة بالحملة.

منصة “يوتيوب” من جانبها كشفت عن تعزيز سياستها لمكافحة المضامين المناهضة للقاحات، حيث قالت في بيان: “سنزيل المحتويات التي تدعي كذبا بأن اللقاحات المصادق عليها خطرة أو بأنها تسبب آثارا دائمة على الصحة أو تؤكد أن اللقاحات لا تقلص نقل العدوى أو الإصابة بالأمراض أو التي تحوي معلومات مغلوطة عن المواد الموجودة في اللقاحات”.

وبيّنت المنصة التابعة لغوغل أن القرار “يشمل المحتويات التي تؤكد زورا أن اللقاحات تتسبب بالتوحد أو السرطان أو العقم، أو بأن المواد الموجودة في اللقاحات قادرة على تعقب الأشخاص الذين يتلقونها، وغيرها من المعلومات التي تندرج تحت نظريات المؤامرة”.

وتبنى “تويتر” في ديسمبر سياسة متعلقة بالمعلومات المضللة حول الفيروس التاجي، لا يجوز بموجبها مشاركة المحتوى المزيف أو المضلل بشكل واضح والذي قد يؤدي إلى مخاطر كبيرة من الضرر (مثل زيادة التعرض للفيروس أو الآثار السلبية على أنظمة الصحة العامة) على الموقع، ويشمل ذلك مشاركة المحتوى الذي قد يضلل الناس حول طبيعة فيروس كورونا أو فعالية وسلامة التدابير الوقائية، أو العلاجات أو غيرها من الاحتياطات للتخفيف من حدة المرض أو علاجه، أو اللوائح الرسمية، أو القيود، أو الإعفاءات المتعلقة بالنصائح الصحية، أو انتشار الفيروس أو خطر الإصابة أو الوفاة المرتبطين بالفيروس.

وذكرت السياسة الخاصة بتويتر: “قد نطلب من العملاء حذف التغريدات التي يتضح أنها تنتهك هذه السياسة وأنها تسبب ضررا خطيرا. كما قد نقوم بمنعك مؤقتا من استخدام حسابك قبل أن تتمكن من التغريد أو من مشاركة أي معلومات مجددا”.

وفيما يجادل كثيرون بأن مواقع التواصل لا تبذل كل جهدها في مواجهة انتشار المعلومات المغلوطة كونها تستفيد منها من الناحية المادية لأنها تجذب المستخدمين، تظل مسألة نشر “ثقافة المؤامرة” عقبة أمام حملات التطعيم المضادة لكوفيد-19 وبالتالي القضاء على الوباء، وخصوصا أن طبيعة وهيكلية تلك المنصات تجعلها عاجزة عن مجابهة الأكاذيب قبل اكتشاف تمريرها لأعداد غفيرة من المستخدمين قبل حظرها، الأمر الذي يحتّم عليها تطوير أدواتها وتقديم المزيد من الأسلحة في هذه المعركة لإثبات حسن نيتها وعدم تضحيتها بصحة الملايين على حساب العوائد المالية المجزية.