سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
خبير اقتصادي زيمبابوي
يبدو أن هناك اعترافًا من “بنك الاحتياطي الزيمبابوي” (RBZ)، بأن البلاد تندفع بسرعة نحو الخروج من منظومة الدولار بسبب فشل الحكومة بشكل أساسي في مراقبة قواعد نظام العملة.
لقد كان جوهر تلك الأزمة يكمن في تخفيف دور الحكومة في ميادين الصحافة المطبوعة، وخفض سقف المال الصناعي، تلبية لاحتياجات الطلب الذي لا يمكن استيفاؤه، وهو ما انتهى إلى حدوث التضخم المفرط عام 2008؛ الذي تمَّ التعامل معه من خلال الدولار في عام 2009. ومع ذلك، فمن الواضح أن الحكومة تقاوم عملية التكيف مع احتواء إملاءات نظام العملة المتعددة، كما يتضح من الميل المتزايد نحو البحث عن إجراءات غير تقليدية لطبع النقود لسد حاجاتها المتزايدة للاستهلاك من خلال إصدار أذونات الخزانة، وغيرها من الوسائل الأخرى.
وفي الوقت الذي ينبغي أن تتوفر لدينا عملة سيادية خاصة بزيمبابوي، فمن الواضح أن البلاد ليست مستعدة – حاليًا – لهذا الأمر الحتمي، وهو ما يبدو أنه السبب الحقيقي في قيام “بنك الاحتياطي الزيمبابوي” بتعزيز نظام عملاته المتعددة؛ وهو ما يطرح بدوره سؤالين محورين هما: هل ستُقدم الحكومة على تغيير سلوكها الاستهلاكي؟ وهل ستكون الحكومة مستعدة لإعادة عرض عملتها السيادية؟
لكن، يبدو أن هذين السؤالين يثيران الحيرة لدى المراقبين، من حيث ما يُقترح فصل العملة الأجنبية في التسوية الإجمالية. وهنا يبدو أن هذا الأمر صحيح، حيث يتبين لنا بوضوح أن زيمبابوي لا تزال مقيدة رسميًا بالدولار ولا تملك عملة سيادية خاصة بها.
وتأتي الحاجة إلى الفصل بين هذين الاعتبارين على خلفية طباعة النقود التي أصبحت – حاليًا – أكبر بكثير بالنسبة للعملة المحلية، مقارنة بالعملات الأجنبية، مما يؤدي إلى ممارسة دور أكبر من هذه الأخيرة؛ وهو ما استدعى الحاجة إلى حشد العملات الأجنبية بالنسبة لأصحاب العملات الأجنبية التي يعتمدها المنظمات الدولية، وتحويلات العاملين بالخارج، وعائدات الصادرات، وكذلك العائدات على القروض. وعلى هذا النحو، فإن أي شخص يحتفظ بسندات في بنك الاحتياط الزيمبابوي، لم يعد بإمكانه التعامل مع البنك والمطالبة بالعملات الأجنبية حتى ولو كانت متوفرة.
ومع ذلك، فمن المعروف أن هناك نقصًا حادًا في العملات الأجنبية في زيمبابوي التي تعتمد على الاستيراد الذي تموله أرصدة “بنك الاحتياط الزيمبابوي” مقابل القدرة على كسب العملات الأجنبية المقيدة، ما يعني أنه سيكون من الصعب جدًا على المرء التعامل مع البنك من خلال سحب الدولار الأميركي نقدًا أو تسديد الدفعات الأجنبية.
وهذا ما يفسر لجوء “بنك الاحتياط ” للحفاظ على نظام “الاحتفاظ بالعملة الأجنبية” لاحتواء أصحاب الدخول الأجنبية الرئيسيين من أجل تلبية احتياجات البلاد من الضروريات مثل الوقود والكهرباء.
الاحتفاظ بالفوركس للمصدرين
ويستعرض “بنك الاحتياط الزيمبابوي” التحويلات النقدية بالعملات الأجنبية على كلٍّ من الذهب والبلاتين والماس والكروم والتبغ والقطن، والذي حصل على أكثر من 85% من العملة الأجنبية في البلاد، و30% بالنسبة للذهب، و35% بالنسبة للبلاتين والماس والكروم، و20% بالنسبة للتبغ والقطن، لتبقى الفائدة أكثر على من لا تتاح لهم العملات الأجنبية من خلال الاستمرار في شراء الواردات الضرورية، مثل الوقود والكهرباء والعقاقير الطبية من خلال رصيد السندات “بنك الاحتياط الفيدرالي”، كما يمكن لجميع المصدرين الآخرين – الآن – الاحتفاظ بنسبة 100% من عملتهم الأجنبية لتلبية متطلبات الاستيراد مما يحفزهم على المزيد من ذلك.
ومن الواضح، أن هذه الإجراءات لن تتمكن من مواجهة السوق السوداء للعملة؛ فمعظم المستوردين الذين يقومون – حاليًا – بتوظيف العملة الأجنبية من هذا السوق، سيمضون في ذلك. مع العلم أن البنوك لم تعد لديها أي التزامات أو ضغوط لدفع العملة الأجنبية لجميع حاملي الدولار، أو العملات المحلية؛ وهو ما يعني أن المدفوعات الخارجية التي تتجاوز 700 مليون دولار ببنك الاحتياط الزيمبابوي، ستتدفق في السوق الموازية، بالإضافة إلى زيادة الطلب على الفوركس. وقد يكمن السبب في ذلك، في قيام وزير المالية البروفيسور، “مثولي نكوبي”، بزيادة الضرائب المفروضة على تحويل الأموال.
استعادة ضريبة تحويل الأموال
إن إعلان “نكوبا” Ncuba، تراجعه عن ضريبة الانتقال المالي من خمسة سنتات لكل معاملة إلى سنتين لكل دولار، ابتداء من 1 أكتوبر 2018، لم يتم قبوله بشكل جيد؛ إذ إنه يتضمن عبئًا إضافيًا على الاقتصاد المرهق فعلاً. كما أنه ينفي الجهود المبذولة لزيادة المدخرات؛ لأن هذه الرسوم تتجاوز فائدة الـ5% على سندات التوفير. وهنا ربَّما يميل المرء إلى الاعتقاد بأن هذا إجراء مؤقت للسيطرة على السوق الموازية للعملات، وكذلك محاولة متعمدة لحجم القطاع الخاص. ومع ذلك، فمن المسلم به على نطاق واسع، أن الحكومة هي التي تحتاج إلى تعديل ذلك الوضع أكثر من غيرها.
وبناء على ما ذُكِر، يمكننا تتبع حالة عدم استقرار العملة في البلاد والتطلع إلى جذب الأموال من قبل الحكومة، فمنذ عام 2013، ارتفع الاقتراض الحكومي، والسحب على المكشوف من البنك المركزي من نسبة 10% إلى 67%.
فقد شهد الدين المحلي نموًا من 276 مليون دولار عام 2013 إلى 5.9 مليار دولار، كما نمت أذونات الخزانة من 1.2 مليار دولار أميركي عام 2016 إلى 6.7 مليار دولار عام 2018. كما زاد السحب على المكشوف إلى 1.2 مليار دولار أميركي، مقابل الحد القانوني الذي يبلغ 764 مليون دولار أميركي بما يمثل 20% من إيرادات السنة السابقة. كما أن إجمالي الدين الوطني البالغ 9.16 مليار دولار أميركي، قد تجاوز الحد القانوني البالغ 70% من الناتج المحلي الإجمالي عند حوالي 100%.
وبالنظر إلى الوضع الحالي، فإن محافظ بنك الاحتياط الزيمبابوي، “جون مانغوديا”، يبدو محقًا عندما تحدث عن تحديد الحجم المناسب للحكومة كنقطة انطلاق لتحقيق استقرار العملة، والتي ينبغي أن تركز على تدابير لزيادة الإنتاج؛ وهو ما يعني أن نافذة السحب على المكشوف بالنسبة لبنك الاحتياط الزيمبابوي، يجب تشديدها بحيث تنخفض إلى الحد القانوني بنسبة 20%. كما أنه على الحكومة أن تقلل – بشكل كبير – من إصدار أذونات الخزانة من خلال تقديم نظام المزاد الشفاف مقابل ذلك، بالإضافة إلى اعتماد نظام التعيين الخاص غير الشفاف الذي أثبت أنه ينطوي على سعر غير فعال.
الإصلاح المستعصي على الحكومة
تعدُّ فكرة “الحجم الأمثل” للاقتصاد، فكرة نبيلة، لكن تنفيذها صعب على “مانغوديا”Mangudyaبسبب مقامة الحكومة للإصلاح، وفي غياب استقلال بنك الاحتياط الزيمبابوي، لا يمكن للحاكم فرض تدابير السياسة النقدية المشددة على الحكومة، والتي هي – بالأساس – سيئة السمعة بالنسبة لمقاومة تدبير التقشف منذ عام 1991.
إن مجرد نظرة خاطفة إلى بيان الميزانية السابق من قبل وزير المالية الأسبق، “باتريك شيماناسا”، من شأنها أن تكشف عن ذلك، فهناك مجموعة من إجراءات التقشف الموثوقة التي قصد منها تخفيف العجز المالي من 14% من الناتج المحلي إلى 8% لتبقى غير قابلة للتحقق. وفي الواقع، ارتفع الدين المحلي للحكومة بمقدار 5 مليارات دولار أميركي، وزادت نسبة سندات الخزانة إلى الناتج المحلي الإجمالي – بشكل كبير – إلى 36.5%، في نهاية أغسطس 2018، مقابل 4.4% في عام 2014، وهو ما يعود في مجمله إلى الافتقار للإرادة السياسية.
وفي ذلك الغياب للإرادة السياسية لتطبيق إجراءات التقشف، فقد فات الحكومة – أيضًا – استقرار العملة وإصلاحاتها، ويكفي أن نقول إن السندات لا تكفي للإنفاق الحكومي.
تحديد حجم القطاع الخاص
وينبغي – أيضًا – أن يمتد تحديد القيمة إلى القطاع الخاص، لأن الفائض في السيولة التي وفرتها الحكومة المركزية تنتهي بالقطاع الخاص إلى بيع السلع والخدمات. ومن هنا تبدو الحاجة إلى تحديد حجم القطاع الخاص، وهو ما يعدُّ تمشيًا مع الممارسات المصرفية العادية؛ فقد فرض بنك الاحتياط الزيمبابوي شرطًا احتياطيًا قانونيًا بنسبة 5% على الأرصدة للتخلص من السيولة في الاقتصاد.
الاستعداد لمعايير الضبط الحقيقية
لقد تمَّ الحفاظ على سعر الصرف عند نقطة التقاء يمكن أن تكون بمثابة البداية التي تشير دائمًا إلى الحاجة إلى هبوط ناعم. ومن الآن فصاعدًا، سيتم تعديل سعر الصرف – بالتأكيد – ليظهر النقص في العملة المحلية. ولا ينبغي أن يكون هذا المعدل مختلفًا تمامًا عن سعر السوق الموازي، حيث يقوم البعض – حاليًا – بتوظيف العملة الأجنبية لتلبية متطلبات الاستيراد.
الانتعاش.. شارع ذو اتجاهين
وكما يبين بنك الاحتياط الزيمبابوي، ينبغي أن يتم دعم التحجيم الاقتصادي عن طريق تدابير لتحسين الإنتاج، وباعتماد اقتصاد يعتمد على السلع الأساسية؛ فإن زيادة عائدات السلع الرئيسية، لا سيما الذهب والتبغ، ستكون مكسبًا سريعًا لكسب كمية كبيرة من العملات الأجنبية للحفاظ على العملة السيادية وتحقيق معدل جيد للنمو الاقتصادي.
ويدعي بنك الاحتياط الزيمبابوي، أنه مع وجود التمويل المناسب، فإن ثمة إمكانية هائلة لزيادة الإنتاج الوطني من الذهب إلى 100 طن في السنة، مقارنة بالوضع الحالي الذي يبلغ 30 طنًا، فيما يحقق مكاسب تصل إلى 4 مليارات دولار، وهو ما يعادل الموازنة الوطنية لزيمبابوي. كما ينطبق الأمر نفسه على التبغ، الذي يمكن أن يولد حوالي 1.5 مليار دولار في السنة، فيما ينبغي بعد ذلك، استخدام تلك الإيرادات على هذه السلع لتنويع الاقتصاد من خلال دعم قطاع التصنيع بشكل رئيس، وهو ما يعدُّ أمرًا مهمًا لمعالجة مشكلة البطالة.
إعداد: وحدة الترجمات بمركز سمت للدراسات
المصدر: إندبندنت زيمبابوي
سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
تابعوا أحدث أخبارنا وخدماتنا عبر حسابنا بتويتر