سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
كول بيكر
في أغسطس 2019، دخل رجلٌ مسلحٌ مستقلاً سيارة في “وول مارت” بمدينة إل باسو بولاية تكساس وأطلق النار ما أسفر عن مقتل 22 شخصًا. في أعقاب إطلاق النار، سيطر على الخطاب العام عدد من المواضيع مثل السلامة من السلاح والتأثير الخبيث للخطاب التي تغذيه الكراهية. وفي حين أن هذه التطورات تبدو على قدر من الأهمية بحيث يرجح أن تثير الكثير من النقاش قبل انتخابات عام 2020، فإن الكثير من جوانب الخطاب السائد يتجاهل جانبًا رئيسيًا من الأيديولوجية التي يتبناها من قام بإطلاق النار. ورغم أن هذا الاهتمام المتواضع لم يكن متوقعًا، فإنه كان بمثابة مؤشر مهم على السياق العام المحيط بتلك الأحداث، حيث من المحتمل أن يتأثر مستقبل التطرف الداخلي في الولايات المتحدة بشكل متزايد بالفاشية المعادية للبيئة.
ما هي الفاشية البيئية؟
إن الفاشية البيئية اليوم تبدو بمثابة أيديولوجية سياسية متطرفة من جانب اليمين المتطرف. وقد نشأت وتأثرت بأفكار لأفراد مثل “توماس مالتوس”، الاقتصادي الذي عاش في أواخر القرن الثامن عشر، والذي افترض أن النمو السكاني سيؤدي في النهاية إلى تجاوز قدرة الأرض على إنتاج الغذاء. وبسبب التهديدات المتزايدة لتغير المناخ، فإن سلالة التطرف تلك تبدو في حالة انتعاش ملحوظ. ومع ذلك، وعلى خلاف مؤيدي تغير المناخ، لا يعتقد علماء البيئة أن تسعير الكربون والطاقة المتجددة هي الوسيلة المثلى لإنقاذنا. فبدلاً من ذلك، تقع أيديولوجيتهم على أفكار أكثر ضررًا، مثل البيئة العميقة والإيمان بـ”الدم والتربة”.
وتعتبر الإيكولوجيا العميقة فلسفة بيئية ترى الحياة البشرية على أنها مجرد عامل واحد متساوٍ بين الكثيرين في النظام البيئي العالمي. إضافة إلى ذلك، تقر تلك الفلسفة بأن الطريقة الوحيدة للحفاظ على حياة الإنسان هي تقليل عدد البشر. إذ يعزو ذلك علماء البيئة إلى الفهم الأكثر تطرفًا للإيكولوجيا العميقة، التي تتميز بشكل أفضل بأفكار “بنيتي لينكولا” Pentti Linkola- عالم الإيكولوجيا، الذي يقول “ماذا تفعل عندما تنقلب سفينة تحمل مئة راكب فجأة ويوجد قارب نجاة واحد فقط؟ عندما يكون قارب النجاة ممتلئًا، سيحاول من يكرهون الحياة تحميله بمزيد من الأشخاص ليغرق الكثيرون. أولئك الذين يحبون الحياة ويحترمونها سيأخذون فأسًا بالسفينة ويقطعون الأيدي الإضافية التي تتشبث بالجانبين”.
بالإضافة إلى الإيمان بالتحكم النشط في معدل تزايد السكان، فإن الناشطين في مجال البيئة يعتنقون أيضًا فلسفة “الدم والتربة”، التي كانت عقيدة أساسية للأيديولوجية النازية. وتجسد هذه العبارة اعتقاد الفاشيين الإيكولوجيين بأن العرق مرتبط بأرضه الأصلية. لذلك يرى منظرو الأيديولوجية الإيكولوجية أن التعددية الثقافية والهجرة عاملان رئيسيان وراء الزيادة السكانية في البلدان والمناطق، مما يساهم حتمًا في عدم الاستقرار الثقافي وحالة الدولة.
لماذا يبدو ذلك الأمر مهمًا؟
في بيانه، أكد من قام بإطلاق النار على أن نمط الحياة السائد في الولايات المتحدة يدمر البيئة وأن الحل الوحيد هو “التخلص من عدد كافٍ من الناس”. ولسوء الحظ، فإن أيديولوجية الفاشية البيئية في طريقها لأن تبدو ذات شعبية متزايدة.
فالولايات المتحدة تمتلك أعلى نسبة من مناهضي التغير المناخي في العالم المتقدم، لكن التحليل يظهر أن الأميركيين يقبلون بشكل متزايد بتغير المناخ. ومن المحتمل أن يستمر هذا الاتجاه. فغالبية الأفراد الذين قبلوا بتغير المناخ في السنوات الخمس الماضية يشيرون في الغالب إلى سبب واحد لتصوراتهم المتغيرة، ألا وهو الأحداث المناخية القاسية. ومن المتوقع أن تزداد توترات وشدة هذه الظواهر الجوية، التي ستستمر بلا شك في إقناع الأميركيين بوجود وتهديد تغير المناخ.
ومع تزايد قبول الأميركيين لتغير المناخ، فإنه من المحتمل أن ينمو عالم الفاشية البيئية. إن الشريحة الأخيرة من السكان التي تقبل تغير المناخ، إلى حد بعيد، ينتمون إلى التيار السياسي المحافظ.
وبناءً على ذلك، فإن هؤلاء الأفراد هم أكثر عرضة من المواطنين العاديين لاستهداف الهجرة غير الشرعية، وحتى النظر إلى الهجرة القانونية على أنها تقوض ثقافة وأمن الولايات المتحدة. ذلك أنه من المحتمل أن تتفاقم تلك الأفكار من بين 25 مليون إلى 1 مليار لاجئ بيئي يُقدر أنهم يتحركون إما داخل بلادهم أو عبر الحدود بحلول عام 2050.
وفي حين أن غالبية المحافظين السياسيين ليسوا متطرفين ولن يقبلوا التطرف في المستقبل، إلا أن هناك أقلية عرضة للتطرف. فشريحة السكان التي يحتمل أن تكون أكثر عرضة لأيديولوجية الفاشية البيئية لا تؤمن بعد بتغير المناخ. ومع ذلك، وبما أن الواقع المتغير الناشئ عن تغير المناخ يجبرهم على إعادة التفكير في قناعاتهم، فمن المحتمل أن تكون الفاشية البيئية وجهة نظر عالمية تتوافق بشكل أفضل مع وجهات نظرهم المتباينة. وإضافة إلى ذلك، ونظرًا لأن الأفراد المعرضين لتلك الأفكار باتوا يعتقدون أنهم وعائلاتهم في خطر حقيقي وفوري، فسيصبحون أكثر عرضة لتبني حلول لم تكن متصورة في السابق.
إننا ننطلق حاليًا بوتيرة متسارعة نحو مستقبل تكون فيه الفاشية البيئية في وضعٍ مثاليٍ لتزدهر تلك الأفكار. ولتخفيف تأثير تلك الأفكار، يتعين على الولايات المتحدة مواجهة جانب واحد على الأقل من الخوف الذي يقوم عليه عقيدة الفاشية البيئية من خلال العمل الجاد للتخفيف من آثار تغير المناخ. لذلك يجري حاليًا تقديم مقترحات عملية لحلول مثل تسعير الكربون والطاقة المتجددة، إذ إن ذلك يعتبر أفضل ما لدينا من أجل الحفاظ على آمالنا لتجنب الإبادة الجماعية وهو ما يبدو بعيد المنال في المستقبل.
إعداد: وحدة الترجمات بمركز سمت للدراسات
المصدر: Geopolitical Monitor
سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
تابعوا أحدث أخبارنا وخدماتنا عبر حسابنا بتويتر