الصراعات العرقية في ميانمار | مركز سمت للدراسات

التهديد الجهادي في ميانمار

التاريخ والوقت : الخميس, 17 يونيو 2021

دانيلي جاروفالو

 

على الرغم من أن ميانمار دولةٌ ذات أغلبية بوذية، فإنها متنوعة عرقيًا، وتعترف الحكومة بوجود 135 جماعة عرقية و108 جماعات عرقيةٍ لغويةٍ. وقد عانت ميانمار منذ استقلالها تفشي الصراعات العرقية، فضلًا عن تصاعد الاشتباكات الناجمة عن نزاعاتٍ دينية. ومنذ عام 1948، أخضع الجيش البورمي، الذي وصل إلى السلطة عبر انقلاب عام 1962، العديد من الجماعات العرقية للعمل القسري، والتعذيب، والاغتصاب، والاعتقالات، والقتل خارج نطاق القضاء. وغيّر المجلس العسكري اسم الدولة من بورما إلى ميانمار في عام 1989 ونقل العاصمة إلى نايبيداو في عام 2005.

في عام 2011، سمح المجلس العسكري لحكومةٍ مدنية بتولي مقاليد السلطة في أعقاب الانتخابات العامة التي أجريت في عام 2010 وأطلق سراح الزعيمة الديمقراطية أونغ سان سو تشي، إلى جانب العديد من السجناء السياسيين. وفي انتخابات عام 2015، فازت الرابطة الوطنية للديمقراطية -وهي حزب مدني بقيادة أونغ سان سو تشي- بالأغلبية في مجلسي البرلمان. ومع ذلك، واجهتِ الحكومة انتقاداتٍ دولية بسبب تعاملها مع التوترات العرقية والاشتباكات الدينية. وبحلول نهاية عام 2020، كانت الرابطة الوطنية من أجل الديمقراطية قد فازت بنسبة 83% من مقاعد البرلمان.

في 1 فبراير2021، اعتقل المجلس العسكري أونغ سان سو تشي، والرئيس وين مينت، ووزراء ونواب وبعض أعضاء البرلمان. وأعلن الجيش حالة الطوارئ لمدة عام، وعين الجنرال مين أونغ هلاينغ زعيمًا للحكومة المؤقتة. بعد الانقلاب، تعامل الجيش بقسوة مع احتجاجات المتظاهرين، واعتقل آلاف الأشخاص، وقتل وأصاب المئات بجروح. وتبدو أسباب الانقلاب كامنة في المشهد السياسي المعقد في الدولة وتوازنها الهش.

يمنح الدستور التاتماداو (Tatmadaw)، الاسم الذي يُطلق على القوات المسلحة في ميانمار، دورًا مركزيًا في السيطرة على الحياة السياسية والاجتماعية والاقتصادية، ويمنح الحزب العسكري (رابطة التضامن والتنمية) حصة ثابتة من المقاعد البرلمانية (25%) والسيطرة على وزارات الداخلية والدفاع وشؤون الحدود. ويبدو أن العوامل الرئيسة التي ربما ساهمت في قرار تنفيذ الانقلاب هي الفوز الساحق للرابطة الوطنية للديمقراطية في انتخابات نوفمبر، والأزمة الاقتصادية وأزمة كوفيد-19، علاوة على حالة الجمود التي تسود مفاوضات السلام مع المتمردين.

الروهينجيا

يعتبر المسلمون أقلية في ميانمار، حيث يُشكِّلون 4.3% من السكان، وتشكل عرقية الروهينجيا غالبية هؤلاء السكان المسلمين. يعتبر مسلمو الروهينجيا، الذين يعيش معظمهم في الجزء الشمالي من ولاية راخين الشمالية الغربية، أنهم ينحدرون من أسلافٍ استقروا في منطقة أراكان قبل الاستعمار، ولكن لا يُعترف بهم كأقلية عرقية. وتعتبرهم الحكومة مهاجرين بنغاليين، وحرمتهم من الجنسية البورمية (لا تمنح إلا لمن يحمل أحد والديه على الأقل الجنسية البورمية أو من يمكنهم تقديم أدلة على أن والديهم كانوا يقيمون في ميانمار قبل الاستقلال في عام 1948).

لا يمكن للروهينجيا السفر دون إذن، ولا يمكنهم امتلاك ممتلكات، ولا يمكنهم الإنجاب أكثر من طفلين. في عام 1982، لم يشمل قانون الجنسية الصادر عن المجلس العسكري البورمي (الذي تم إقراره في يوليو 2012) الروهينجيا كمجموعةٍ عرقية معترف بها. وفي فترة التسعينيات، غيّر المجلس العسكري اسم مقاطعة أراكان إلى ولاية راخين (نسبة إلى مجتمع الراخين الذي يعيش في المنطقة). حاول النظام العسكري البورمي، على مرِّ السنين، طرد الروهينجيا بالقوة والعنف من الدولة، متهمًا إياهم باتباع أجندة انفصالية.

في وقتٍ مبكر من عام 1947، قبل وقتٍ قصير من الاستقلال، ساند الروهينجيا حركة جهادية مسلحة وأسسوا حزب المجاهدين، بهدف إنشاء دولة إسلامية مستقلة في أراكان. خلال انقلاب الجنرال ني وين عام 1962، اتخذ الجيش البورمي إجراءاتٍ عسكرية عنيفة ضد أقلية الروهينجيا، ما دفع العديد من المسلمين إلى الفرار إلى بنجلاديش وباكستان. على مرِّ السنوات، نفّذ الروهينجيا العديد من عمليات التمرد المسلحة التي أعقبتها حملات قمع عنيفة من قبل السلطات في أعوام 1978 و1991-1992 و2012 و2015 و2016 و2017-2018. وفي الوقت نفسه، سعَت المنظمات الإرهابية الدولية والمحلية إلى تحويل الروهينجيا الساخطين على الأوضاع للتطرف، وحتى تجنيدهم، فضلًا عن تحريض المسلمين على الذهاب إلى ميانمار، والقتال فيها للدفاع عن الإسلام.

النشاط الجهادي

تستغل الجماعات الإرهابية الجهادية الأزمة الإنسانية التي تعانيها أقلية الروهينجيا لأغراضٍ دعائية وعملياتية منذ سنوات عدة. في عام 2014، أشادت حركة الشباب الجهادية الصومالية بالمسلمين في ميانمار لتصميمهم وصمودهم. وفي يونيو 2014، دعا أبو بكر البغدادي، الخليفة السابق لتنظيم داعش، إلى الجهاد في ميانمار ووعد بالانتقام من الفظائع المرتكبة ضد المسلمين. وفي سبتمبر 2014، قال زعيم تنظيم القاعدة أيمن الظواهري، في مقطع فيديو أعلن فيه عن تشكيل تنظيم القاعدة في شبه القارة الهندية، إن التنظيم سيقاتل من أجل توحيد شبه القارة الهندية، وتحرير ميانمار، من بين أمورٍ أخرى. وفي مايو 2015، حثّ بيان جديد صادر عن حركة الشباب الصومالية المسلمين على القتال من أجل المسلمين في ميانمار والدفاع عنهم. في يونيو 2015، حضّ متحدث باسم حركة طالبان الباكستانية الروهينجيا على القتال، وعرض عليهم التدريب، والموارد المالية والأسلحة.

في عام 2016، أعاد زعيم فرع تنظيم داعش في بنجلاديش أبو إبراهيم الحنيف التأكيد على الدعوة إلى الجهاد في ميانمار لدعم الروهينجيا. في عام 2017، حثّ تنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية المسلمين في بنجلاديش والهند وإندونيسيا وماليزيا على القتال ضد حكومة ميانمار لدعم الروهينجيا. وفي 13 مارس 2021، نشرت “سحاب ميديا” مقطع فيديو مدته 21 دقيقة يركز على الوضع في ميانمار، ويناقش الانقلاب الأخير. يتضمن الفيديو رسالة صوتية من زعيم تنظيم القاعدة أيمن الظواهري (ربما تكون مؤرخة)، يهدد فيها ميانمار و”الحكومة البوذية الإجرامية”. وبحسب الظواهري، “جرح مسلمي الروهينجيا هو جرح الأمة بأسرها”، ومن ثم لا يوجد سوى سبيل واحد للمضي قدمًا: “ضرب مصالح ميانمار”.

كتيبة المهدي في بلاد الأراكان

في أوائل نوفمبر 2020، ظهرت جماعة جهادية جديدة هي “كتيبة المهدي في بلاد الأراكان”، وأقسمت، من خلال المتحدث باسمها أبو لوط المهاجر، الولاءَ لزعيم تنظيم داعش أبو إبراهيم الهاشمي القريشي (نُشر القَسَم في مجلة “صوت الهند” التي تصدرها ولاية الهند). وقد يشير ذلك إلى وجود تعاون عملياتي مع مجموعاتٍ تعمل في الهند وسريلانكا وبنجلاديش). كما يشير استخدام مصطلح الكتيبة إلى استخدام العنف والكفاح المسلح لتحقيق أهدافهما.

نشرت كتيبة المهدي في بلاد الأراكان على الفور مجلة جديدة باللغة الإنجليزية، بعنوان “أركان” (Arkan) تروّج للجهاد، وتدعو المسلمين للهجرة إلى ساحة المعركة في ميانمار. في العدد الأول، الذي صدر بعنوان: “دعوة للهجرة”، الذي يصل إلى 40 صفحة، قالت الجماعة إنها فريضة على المسلمين أن يقاتلوا حيث يقيمون أو يهاجروا، لتحويل دار الكفر إلى دار الإسلام. ودعا أبو داود الأركاني، زعيم الجماعة، المسلمين كافة إلى الهجرة إلى أراكان “لمساعدة إخوانهم”.

في المجلة، تحدد الجماعة العدوين اللذين تقاتلهما في ميانمار: البوذيون والحكومة المركزية -اللذان تتهمهما بقمع المسلمين وبأنهما كفار- إضافة إلى الجماعات الإسلامية المتنافسة (التكفيرية) المتهمة بالتوجه نحو القومية.

الخلاصة

في الوقت الذي تتسبب فيه الاشتباكات بين المحتجين والجماعات المتمردة والقوات المسلحة في تدهور سريع في الحالة الأمنية داخل ميانمار، يمكن ربط تطور الأحداث في المستقبل برد فعل المجتمع الدولي، الذي انقسم حتى الآن في موقفه تجاه المجلس العسكري. وقد كان تأثير كل من تنظيم القاعدة، وتنظيم القاعدة في شبه القارة الهندية، وتنظيم داعش، على مسلمي ميانمار وقدراتهم على التجنيد منخفضة حتى الآن. وحتى في الماضي، فشل تنظيما القاعدة وداعش في تجنيد مسلمي الروهينجيا في الشبكات الجهادية، وشنّ الكفاح المسلح.

غير أن الوضع الأخير وتصاعد العنف العرقي-الديني في الدولة يمكن أن يهيئا بيئةً محتملة تقود لتطرف جزءٍ من السكان المسلمين. ويمكن أن يشير ظهور وتشكيل كتيبة المهدي في بلاد الأراكان إلى بداية انتعاش الجهاديين في الدولة، وتدهور العلاقات المعقدة بالفعل بين المسلمين والبوذيين في ميانمار. ومن المحتمل أن يثير ظهور كتيبة المهدي قضايا أمنية كبيرة، لا سيّما في أعقاب الانقلاب والاشتباكات التي اندلعت على أثره. فولاية راخين ضعيفة جدًا، ويسهل الوصول إليها، ويصعب حمايتها. ويمكن أن يكون الصراع في شمال راخين بمثابة ساحة تدريب لمسلحي تنظيم داعش، فضلًا عن تطوير جبهة جديدة في جنوب شرق آسيا، بعد تجربة احتلال ماراوي في الفلبين.

المصدر: كيو بوست

النشرة البريدية

سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!

تابعونا على

تابعوا أحدث أخبارنا وخدماتنا عبر حسابنا بتويتر