سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
إميل أفدالياني
تحت قيادة الرئيس دونالد ترمب، تم إنشاء قيادة الفضاء الأميركية في ديسمبر 2019، وفي 14 يوليو 2020 أعلن زعيم العالم الحر عن عقوبات كبيرة ضد جمهورية الصين الشعبية ومسؤوليها الرئيسيين.
تعكس هذه السياسات والتطورات الهيكلية التحولات الرئيسية في السياسة الخارجية والأمن القومي للولايات المتحدة، والتي كان البيت الأبيض رائدًا فيها بشكل رئيسي مثل الحرب السيبرانية، ومكافحة التجسس، وكبح التأثير الجيوسياسي والتجاري للصين في جميع أنحاء العالم. لقد حافظت سياسة “أميركا أولاً” في واشنطن على موقف أكثر صرامة ضد بكين. ومع ذلك، فقد طور الرئيس الصيني “شي جين بينغ” سلاحًا متطورًا وركز بشكل كبير على تحسين قدرة الهجمات الإلكترونية في جميع أنحاء العالم.
إن العمليات القسرية التي تقوم بها بكين في بحر الصين الجنوبي والمحيط الهندي، إلى جانب الحملة الدبلوماسية العسكرية المعقدة في أوروبا، وظهورها كقوة جيوسياسية رئيسية في منطقة الهند والمحيط الهادئ وفي أطراف أوروبا، إنما هي نتيجة مباشرة للموقف الداخلي للولايات المتحدة.
وقد أدت المواجهة التجارية والاحتكاك التجاري بين الولايات المتحدة والصين إلى مزيد من التغيير في الاقتصاد العالمي والتحديات المستمرة التي لا تقهر بما يتطلب قيادة صريحة ومشتركة تفرض بدورها شراكة طويلة الأمد عبر الأطلسي. وقد تمَّ تعزيز ذلك خلال زيارة نائب الرئيس “جو بايدن” إلى تبليسي – بعد ستة أشهر فقط من أداء اليمين الدستورية – في الثالث والعشرين من يوليو 2009 وزيارة رئيس وزراء جورجيا “جيورجي كفيريكاشفيلي” إلى واشنطن العاصمة في أبريل 2016.
ورغم التقارب العام الذي نشأ بعد زيارة نائب الرئيس “مايك بنس” لجورجيا، في أغسطس 2017، بمناسبة الذكرى الخامسة والعشرين للعلاقات الثنائية، فإن واشنطن كانت مترددة في تعزيز التعاون التجاري ونادرًا ما دخلت في مناقشات سياسية مع تبليسي؛ وبالتالي تسبب في غياب متزايد لدورها بجانب تشكيل اتجاهات جيوسياسية جديدة في أوروبا والقوقاز على مدى السنوات الثلاث الماضية.
ومن الواضح أن الاتحاد الأوروبي وجمهورية جورجيا وبلدان أخرى، ستعمل على زيادة شراكتها الاقتصادية والسياسية مع المهندس الرئيسي لـ”مبادرة الحزام والطريق”، مما يؤدي إلى انخفاض كبير وضعف الوجود الأميركي في أوروبا.
وفي سياق “المحور الأميركي تجاه آسيا”، اتخذت إدارة الرئيس أوباما أيضًا تدابير وبدأت مفاوضات تجارية في 2009 – 2011 مع الشراكة عبر المحيط الهادئ التي تضم 12 دولة، والتي تنصلت منها إدارة ترمب في عام 2017، رغم أنها تعدُّ أكبر صفقة تجارية حرة في العالم، حيث تغطي أكثر من 40% من الاقتصاد العالمي. وخلافًا للنهج الانطوائي في التجارة الدولية، واصل البنتاغون تعزيز وجوده العسكري وتعاونه الدفاعي مع عدد قليل من البلدان التي تقع في المناطق التابعة للصين، في حين أن حدودها البحرية مهددة دائمًا من قبل القوات البحرية المتنامية في بكين.
لقد اعتمدت الدبلوماسية الأوروبية بشكل متزايد على التحركات الحالية لوزارة الخارجية الأميركية وجورجيا، كدولة لديها تطلعات اندماج في الاتحاد الأوروبي، وقد شعرت بواقع العلاقات الجارية عبر الأطلسي.
إن مصالح الولايات المتحدة في جنوب القوقاز، تبدو على درجة كبيرة من الحيوية، وأنها طويلة الأمد، وتتسم أيضًا بالوضوح وتميز القوى الكبرى الأخرى مثل تركيا وروسيا والاتحاد الأوروبي.
وربما كانت هناك تذبذبات في موقف واشنطن تجاه جورجيا في السنوات أو العقود الماضية، ولكن بشكل عام، ظل التفكير الاستراتيجي الأميركي والموقف العام يتسم بقدر من السلمية.
وكانت إحدى الضرورات الجيوسياسية للولايات المتحدة منذ تفكك الاتحاد السوفييتي، تتمثل في تمكين جورجيا المستقلة حديثًا من استخدام موقعها الجغرافي كنقطة محورية في ممرات الطاقة والنقل الناشئة في جنوب القوقاز. إضافة إلى ذلك، فإن فعالية الممر الجورجي ستدعم أيضًا مشروعًا أكبر، ممر عبر بحر قزوين (ويتكون من خط أنابيب، وبنية تحتية لوجستية من ميناء إلى آخر، وما إلى ذلك)، إذ إنها لا تزال في طور التفكير مع بعض النجاح الطفيف، إذ ربَّما تصبح، في ظل ظروف متغيرة، حقيقة جيوسياسية؛ وهو ما سيؤدي حتمًا إلى زيادة استقلال جورجيا في مواجهة شبكات النقل الروسية. وقد أثبتت هذه الرؤية نجاحها، وخلال الثلاثين عامًا تقريبًا التي مرت، منذ نهاية الاتحاد السوفييتي، تمَّ اتخاذ خطوات كبيرة للحد من طاقة روسيا ووجود البنية التحتية في البلاد.
ورغم أن العامل الحاسم، بالنسبة للكثيرين، يكمن في الوجود العسكري الأميركي بالقرب من الحدود الجورجية أو في الدولة نفسها، فإن الحماية العسكرية ليست طويلة الأمد كما قد تبدو دائمًا. وهناك أيضًا برامج المساعدة الأميركية التي تعمل على تحسين البنية التحتية لجورجيا، والتي تعوقها عادةً الظروف الجغرافية الصعبة (وهو ما يمثل عاملاً معوقًا لقدرة جورجيا السياسية وقدرتها على السيطرة على المناطق النائية).
وتتمثل إحدى المهام المستقبلية للولايات المتحدة في دعم البناء الناجح لميناء “أناكليا”، حيث سيزيد موقع الميناء وحجمه ليس فقط من قدرات جورجيا في العبور، ولكن أيضًا تنفيذ الاستراتيجية الأميركية في جورجيا، وهو ما يساعد تبليسي لتصبح أقل اعتمادًا على طرق العبور البديلة.
ورغم كون جورجيا دولة صغيرة جغرافيًا ذات إمكانات عسكرية واقتصادية محدودة، فإنه لا يزال من المهم للولايات المتحدة تقييم التطورات السياسية الداخلية. وفي الوقت الذي تستعد فيه جورجيا لإجراء انتخابات برلمانية حاسمة في أكتوبر، يبدو من المتعين إجراء تعاون واسع النطاق مع مختلف الأحزاب. فمن وجهة نظر الولايات المتحدة، فإن الأحزاب الأكثر شعبية في جورجيا هي في الواقع موالية للغرب. ويعدُّ هذا بمثابة أساس جيد لتكوين استراتيجية طويلة الأجل والعمل على إعادة ضبط الواقع الحالي.
ومن بين الأركان السياسة الأميركية الرئيسة في جنوب القوقاز، وجمهورية جورجيا على وجه الخصوص، نجد تعاون واشنطن الأعمق مع تركيا.ورغم أن الدولتين قد واجهتا بعض المواقف المضطربة في السنوات الأخيرة، فإن أنقرة وواشنطن لا تزالان متقاربتين من الناحية الاستراتيجية. ذلك أنه من مصلحة تركيا القصوى الحفاظ على أمن جورجيا، حيث توفر الأخيرة الممر البري الوحيد لتركيا للوصول إلى جمهورية أذربيجان وبحر قزوين؛ وهو ما يؤكد أن أنقرة تعارض تعزيز روسيا لمواقفها في جنوب القوقاز. وبالتالي، وبعبارات أوسع، فإن المصالح الاستراتيجية لتركيا وأذربيجان بشأن جورجيا تبدو أكثر اتساقًا مما قد يظهر في أوقات متفرقة.
هناك أيضًا مجال حاسم للتأثير، إذ يمكن للولايات المتحدة توفير الخبرة والمساعدة الحيوية في الاقتصاد المحلي. ومع ذلك، لن يكون هناك استقرار طويل الأجل لجورجيا ما لم تتمتع البلاد بنمو اقتصادي كبير يعتمد على القدرات الصناعية والتصنيعية.
ووفقًا للدكتور “ستيف هانك” Steve H. Hanke، أستاذ الاقتصاد التطبيقي والمدير المشارك لمعهد الاقتصاد التطبيقي والصحة العالمية ودراسة مؤسسة الأعمال(IAEGHSBE) في جامعة جونز هوبكنز فقد:
“تباطأ الاقتصاد الجورجي في الأيام الأخيرة من الاتحاد السوفييتي وفي السنوات الأولى من الاستقلال عن الحكم الروسي، حيث انخفض الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 68% وبلغ التضخم 1500% بين عامي 1990 و1994. لكن منذ ذلك الحين، قد تحقق نمو متسارع، مع زيادة الناتج المحلي الإجمالي بنحو خمسة أضعاف مع مطلع الألفية الجديدة، حيث ظلت أسعار صرف “الـلاري الجورجي” مستقرة، وزاد الاستثمار الأجنبي المباشر بشكل مطرد. ومع ذلك، فإن دخل الفرد الجورجي السنوي لا يزال اليوم أقل من 6000 دولار، ويتجاوز معدل الفقر الرسمي 17%، و(كغيرها من العديد من البلدان النامية الدول) تسجل جورجيا نتائج ضعيفة نسبيًا في مقاييس الفساد وعدم المساواة في الدخل، وتحتل مرتبة قريبة من دول مثل نيكاراغوا وساحل العاج.”
وتفتقر جورجيا بشدة إلى عناصر الاقتصاد الوطني القوي والقطاع الصناعي المتقدم، مما يجعل البلاد عرضة للتطورات السياسية والاقتصادية الإقليمية. وبعبارة أخرى، ستكون هذه المساعدة متعددة الأبعاد أكثر جوهرية بالنسبة لموقف الولايات المتحدة في جنوب القوقاز بشكل عام.وفي وقت لاحق، يمكن القول إن سياسة واشنطن تجاه جورجيا لم تتغير منذ نهاية الاتحاد السوفييتي. إذ كانت هناك فترات من التعاون منخفض الكثافة، وفي المقابل كانت هناك محاولات لتعميق العلاقات الثنائية، لكن الهدف الاستراتيجي للولايات المتحدة تجاه جورجيا بشكل عام، ظل كما هو متمثلاً في “تحسين البنية التحتية كأساس لتعزيز سيادة البلاد ضد الصعاب الجيوسياسية الخارجية.”
ومع خضوع بكين لتحول اقتصادي جذري في الداخل، ومراجعة تحالفاتها الأوروبية بحكمة وإعادة تشكيل شراكاتها في القوقاز؛ تجد نفسها في منافسة مع واشنطن على كسب ولاء السلطة في جورجيا وفي منطقة جنوب القوقاز، وستجعل الإجراءات الاقتصادية المقبلة إدارة ترمب أكثر نشاطًا دبلوماسيًا في أوروبا وخارجها.
لذا، يجب على الولايات المتحدة أن تفصل العلاقات الاقتصادية بين الصين والقوقاز وأن تجعل أوروبا أكثر اعتمادًا اقتصاديًا على الشراكة عبر الأطلسي وأن تعزز التكامل الاقتصادي القائم على تحديد نقاط الضعف والقوة في بروكسل.
واليوم، يعتبر الاتحاد الأوروبي الصين قوة عالمية صاعدة ومنافسًا اقتصاديًا جادًا، إذ يتم تناول هذه الأمور باستمرار في مناقشات الاتحاد الأوروبي والناتو. وبالتالي، واستنادًا إلى التطورات الحالية، فإن واشنطن لديها فرصة رائعة لكسب حضور أكبر في جورجيا وإرساء موطئ قدم اقتصادي مع مصالح جيوسياسية تؤدي إلى وجود عسكري أميركي إقليمي.
إعداد: وحدة الترجمات بمركز سمت للدراسات
المصدر: أوراسيا ريفيو Eurasia Review
سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
تابعوا أحدث أخبارنا وخدماتنا عبر حسابنا بتويتر