تتزامن استضافة المملكة اليوم للدورة الثالثة من مبادرة مستقبل الاستثمار، مع صدور تقرير التنافسية 2020 من البنك الدولي خلال الأسبوع الماضي، الذي أشاد بتقدم المملكة 30 مركزا في ممارسة أنشطة الأعمال، لتتصدر 190 بلدا حول العالم كأكثر دولة تقدما وإصلاحا لبيئة الأعمال والاقتصاد، وذلك بفعل خطوات إصلاحية اقتصادية ملموسة. ويأتي نجاح المملكة في تقليص الفجوة مع الدول المرجعية الرائدة في العالم بـ7.7 نقطة، وهي الأعلى بين جميع الدول المشاركة في التقييم، لتصعد المملكة على مؤشر بدء النشاط التجاري من المرتبة الـ141 إلى المركز الـ38، وتقفز خمس مراتب في مؤشر تسجيل الملكية من الـ24 إلى الـ19، إضافة إلى تقدمها أربعة مراكز لتحتل المرتبة الثالثة عالميا في حماية أقلية المساهمين.
جاءت هذه القفزة الهائلة نتيجة قيام المملكة بتنفيذ ثمانية إصلاحات رئيسة في العام الماضي، من أهمها إنشاء منفذ موحد لتأسيس الشركات، وإلغاء شرط تقديم المرأة المتزوجة لوثائق إضافية عند التقدم بطلب للحصول على بطاقة هوية وطنية، وسرعة إجراءات الاستيراد والتصدير من خلال تعزيز النافذة الموحدة للتجارة الإلكترونية، وتمكين عمليات التفتيش القائمة على تحليل المخاطر، وزيادة إمكانية الحصول على الائتمان، وتعزيز الحماية لأصحاب أقلية الحصص من المساهمين، وتيسير تسوية حالات الإعسار.
كما تحقق تقدم المملكة السريع على مؤشر التنافسية نتيجة الإصلاحات المتنوعة التي تم تنفيذها على مستوى اللوائح والأنظمة والإجراءات، بالتعاون مع 50 جهة حكومية وقطاعا خاصا، لتؤكد أن ما تم تنفيذه من إصلاحات لتحسين بيئة الأعمال، وتعزيز تنافسيتها، منح السوق السعودية شهادة عالمية كأفضل الأسواق العالمية جذبا للاستثمار، محققة بذلك أهداف “رؤية 2030” للوصول بالمملكة إلى مصاف الدول العشر الأكثر تنافسية دوليا.
ولعلنا نشعر اليوم بأن التحول الرقمي للإجراءات كان عاملا دافعا لتقدم ترتيب المملكة على مؤشر التنافسية، خاصة أنها نجحت في تنفيذ 28 إصلاحا، وطرح 300 مبادرة لتحسين بيئة الأعمال، بدءا من ممارسة النشاط التجاري، وتخفيض إجراءات إصدار تراخيص البناء، وتسهيل إجراءات التجارة عبر الحدود، من خلال تقليص مدة فسح الحاويات في المنافذ البحرية إلى 24 ساعة، والسماح أيضا بفسحها قبل وصول السفن إلى الميناء.
رؤيتنا الطموحة جاءت لتوفير العيش الكريم لأجيالنا بعد إنقاذ اقتصادنا من عقدة النفط الذي كان يشكل نحو 82 في المائة من عوائدنا السنوية، ما أدى إلى تراجع إيراداتنا إلى النصف لدى انخفاض أسعاره العالمية، ليرتفع عجز الميزانية خمسة أضعاف خلال عام واحد. وكان من المؤكد أن هذا العجز سيتفاقم مستقبلا لتتآكل جميع مدخراتنا وتزداد قيمة ديوننا السيادية، فجاءت الـ”رؤية” لزيادة إيراداتنا غير النفطية ستة أضعاف، من 163 مليارا إلى تريليون ريال، ورفع حصة صادراتنا غير النفطية في ناتجنا المحلي من 16 إلى 50 في المائة على الأقل، والوصول بمساهمة قطاعنا الخاص في ناتجنا الوطني من 40 إلى 60 في المائة لتصبح المملكة ضمن أفضل 15 اقتصادا في العالم بدلا من موقعها الراهن في المرتبة الـ19.
كما أن أهداف طرح نحو 5 في المائة من شركة أرامكو السعودية للاكتتاب العام وتخصيص 16 نشاطا حكوميا بالمشاركة مع القطاع الخاص، جاءت لتحويل صندوق الاستثمارات العامة إلى صندوق سيادي بأصول تقدر قيمتها بنحو تريليوني دولار، ليصبح بذلك أضخم الصناديق السيادية عالميا ويسيطر على أكثر من 10 في المائة من القدرة الاستثمارية في الكرة الأرضية، ويقدر حجم ممتلكاته بأكثر من 33 في المائة من الأصول العالمية. وبالتالي سيستهدف الصندوق استثمار مدخراته في القطاعات الربحية داخل المملكة وخارجها، وعلى رأسها قطاع التعدين السعودي الذي تزيد قيمة موجوداته المؤكدة على 1.3 تريليون دولار، وذلك لتنويع مصادر دخلنا وزيادة فرص العمل في هذا القطاع إلى 90 ألف فرصة عمل بحلول عام 2020.
رؤيتنا الطموحة جاءت لترشيد الإنفاق وتصحيح الدعم وتوجيهه للمستحقين فقط، بعد أن ارتفعت تكاليفه السنوية عام 2015 إلى 500 مليار ريال، لتعادل 25 في المائة من الميزانية و12 في المائة من ناتجنا المحلي الإجمالي.
وكان لإصرار رؤيتنا الطموحة على تخفيض معدلات البطالة من 11.6 إلى 7 في المائة، ورفع نسبة مشاركة المرأة في سوق العمل من 22 إلى 30 في المائة، هدف رئيس لزيادة المحتوى المحلي لحجم مشترياتنا الخارجية التي وصلت إلى 230 مليار دولار في الأعوام الماضية، وتشمل القطاعات العسكرية والنقل وتقنية المعلومات، فاتخذت المملكة قرارا حاسما بتصنيع 50 في المائة من هذه المشتريات محليا، لتنجح في توليد هذه الوظائف وتوطينها ونقل التقنية.
هذه النتائج غير المسبوقة أعادت الاعتبار للسوق السعودية، التي تستعد اليوم لاستقبال آلاف الاقتصاديين والخبراء من معظم دول العالم في مبادرة مستقبل الاستثمار.
ولا شك أن نجاح المملكة في مواجهة تحدياتها بصدق وإخلاص دون المساس بالتزاماتها تجاه مواطنيها ومجتمعها، مدعمة بآليات حوكمة عملها، تم تتويجه بصدور تقرير التنافسية ليؤكد حرص المملكة على قضايا المواطن الأساسية، ومسيرة الإصلاح الهيكلية المتزامنة مع خطط تنويع مصادر الدخل الحقيقية.
أهلا وسهلا بالتنافسية السعودية في مبادرة مستقبل الاستثمار .