فيروس كورونا في دول الآسيان | مركز سمت للدراسات

التكيف مع “كوفيد – 19” على طريقة الآسيان

التاريخ والوقت : السبت, 18 يوليو 2020

هاريداس راماسامي

 

شككت جائحة “كوفيد – 19” في العديد من جوانب التفاعلات الإقليمية في منطقة جنوب شرق آسيا. فقد دفعت الاستجابات البطيئة من جانب الدول الأعضاء في تجمع الآسيان، عندما أصاب الفيروس تايلاند أول مرة في 13 يناير، الكثير من الناس إلى التساؤل عما إذا كانت هذه المنظمة الإقليمية المتعددة الأطراف على مستوى التعامل مع الوباء، وكيف يمكن أن نقيم استجابة الآسيان للأزمة الصحية العالمية؟

في حالة تقييم استجابة الآسيان التي يصل عمرها لأكثر من 50 عامًا تجاه أزمة “كوفيد – 19″، يمكن القول بأنها ينبغي أن تكون أكثر استباقية في ردها على ما وصفه رئيس وزراء سنغافورة “لي هسين لونج” بأنها “أخطر أزمة للصحة العامة التي تتعرض لها البشرية خلال هذا القرن. نعم، لقد فشلت استجابة الآسيان لمواجهة الأزمة. ولكن بالعودة خطوة للوراء، ومع محاولة فهم هدف الآسيان وطريقة عملها بالأساس، نجد أنه بالكاد ضلت طريقها. فقد استجابت مجموعة الآسيان بدقة بالطريقة التي صممت من أجلها.

فالانطباع الشائع بأن الآسيان لا تفعل ما يكفي لمكافحة “كوفيد – 19” ينبع من صورة كاريكاتورية قديمة لها كمتحدث باسم دولها الأعضاء. والحقيقة أن ميل الآسيان لإصدار البيانات وإدراكها الخاطئ كمجرد مكان لتجمع ممثلي عدد من الدول للحديث حول القضايا الإقليمية، قد أعطتها سمعة سلبية باعتبارها مجرد ممثل أو متحدث باسم أعضائها. ويبدو أن أزمة “كوفيد – 19” قد أدت إلى تضخيم هذا التصور، خاصة عندما اقتران الانتشار السريع لفيروس “كوفيد – 19” مقابل المخطط الزمني للاستجابات في جنوب شرق آسيا.

وفي 11 مارس، عندما ظهرت الفلبين كأول دولة من دول الآسيان، وحاولت تنفيذ إجراءات الإغلاق، كان هناك 841 إصابة و11 حالة وفاة في جنوب شرق آسيا. وفي أبريل، عندما دخلت كمبوديا في الإغلاق، تضاعف عدد الإصابات 20 مرة تقريبًا، إذ وصلت إلى 16919، وتضاعفت الوفيات 54 مرة، إذ وصلت إلى 593. ومنذ قمة 14 أبريل الخاصة بالآسيان + 3 بشأن الاستجابة لـ”كوفيد – 19″، أصاب الفيروس 3910 أشخاص آخرين، ومات على إثره 253 شخصًا. وعلى الرغم من أن قادة الآسيان نفذوا مجموعة من الإجراءات، فإن هذا الدفع المتأخر قد أسهم في تردي الأوضاع وازديادها سوءًا.

ولكن: هل هذا تقييم عادل؟

إن الآسيان هي منظمة حكومية دولية (IGO)، وليست هيئة فوق وطنية مثل الاتحاد الأوروبي. كما أنه ليس لدى الآسيان سلطة تنفيذية مستقلة. وبدلاً من ذلك، فإنها تعمل بتوافق الآراء، وتعتمد في النهاية على حسن النية والتعاون من الدول العشر الأعضاء. إذ ترتكز طريقة العمل هذه التي تحمل اسم “طريقة الآسيان” على المبادئ التأسيسية للآسيان وتسمح للازدهار الإقليمي دون نفي أولوية الدولة القومية.

من خلال التأكيد على أن التكاليف السياسية تفوقها مزايا العضوية، لا تزال الآسيان ذات صلة في منطقة متنوعة بشكل لا يمكن تصديقه. إن توقع تحول الآسيان بعيدًا عن المؤسساتية الناعمة حتى وسط الأزمة الصحية الحالية أمر غير واقعي.

ولكن، هل ينبغي التخلي عن رابطة أمم جنوب شرق آسيا، والسماح لها بالاستناد إلى مبدئها الراسخ المتمثل في عدم التدخل أثناء جائحة “كوفيد – 19″؟ رغم أن الهدف الأساسي من تشكيل رابطة أمم جنوب شرق آسيا في عام 1967، لم يكمن في التعامل مع أزمة صحية عالمية نشهدها اليوم، إلا أنها نمت لتصبح منظمة إقليمية لديها القدرة على تطوير آلياتها وقدراتها دون المساومة على جوهر مبادئها.

إن الهياكل المؤسسية الناعمة لرابطة أمم جنوب شرق آسيا، لا تمنعها من اتخاذ الإجراءات اللازمة، حتى لو كانت هذه الإجراءات مخصصة.

وقد أثبتت الرابطة قدرًا من المرونة وخفة الحركة باعتبارها منظمة حكومية دولية في الاستجابة للوباء. وفي غضون أربعة أيام من إعلان منظمة الصحة العالمية، أن أزمة “كوفيد – 19” تمثل حالة استثنائية وطارئة للصحة العامة ذات الاهتمام الدولي، وبعد يوم واحد من خطة التأهب والاستجابة الاستراتيجية، قامت الآسيان بتفعيل آلياتها الصحية التعاونية السبع. وقد شمل ذلك شبكة مركز عمليات الطوارئ الخاصة بها لحالات الطوارئ الصحية العامة، وذلك بتوجيه من مجلس التنسيق على المستوى الوزاري للآسيان.

وبتتبع عدد من الاجتماعات التي عقدها الآسيان في مارس، نجد أن عددًا كبيرًا من الاستجابات السياسية توضح كيفية تعاون دول جنوب شرق آسيا بنشاط والبحث عن طرق للتخفيف من آثار”كوفيد – 19″.

وتعمل الإجراءات السريعة والجماعية على ضمان عمل الآليات التعاونية القائمة بكفاءة، والحفاظ على سلامة سلاسل التوريد الإقليمية وخارجها، مع تعزيز تبادل المعلومات الطبية وضمان تحقيق أفضل الممارسات. إضافة إلى ذلك، فبينما يركز قادة دول الآسيان على إنقاذ الأرواح، يدركون تمامًا أن عمليات الإغلاق والاختلالات الاقتصادية الطويلة يمكن أن تؤدي بسهولة إلى إحداث توتر وعدم استقرار اجتماعي محلي.

ومع نمو الأزمة، ازدادت استجابة دول الآسيان. ففي منتصف أبريل، تحرك قادة الآسيان بشكل حاسم لإنشاء صندوق للاستجابة لوباء “كوفيد – 19” بهدف ضمان الإمدادات الطبية الكافية في المنطقة، وتفعيل احتياطيات الغذاء في حالة الطوارئ في الآسيان، بالإضافة إلى العمل على تعزيز وضمان الأمن الغذائي.

وبالتالي، فإن وجود مركز تنسيق المساعدة الإنسانية التابع لرابطة أمم جنوب شرق آسيا بشأن إدارة الكوارث بمخزوناتها من لوازم الطوارئ، إنما هو دليلٌ أيضًا على أن الآسيان لديها البنية التحتية اللازمة لتحويل الموارد التي تشتد الحاجة إليها لاستخدامها في حالة وقوع كارثة طبيعية أو جائحة.

ولا ينبغي إغفال هذه التدابير الحاسمة التي تنفذها رابطة أمم جنوب شرق آسيا. الآسيان تعمل بمهارة على معالجة الأزمة الحالية التي تدور في جوهرها من خلال ما يعرف بـ”طريقة الآسيان” التي تركز دائمًا على إنجاز المهمة، حتى في غياب الإمكانات.

 

إعداد: وحدة الترجمات بمركز سمت للدراسات

المصدر: منتدى شرق آسيا

النشرة البريدية

سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!

تابعونا على

تابعوا أحدث أخبارنا وخدماتنا عبر حسابنا بتويتر