سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
سانديب كومار ميشرا
شهدت منطقة شرق آسيا تغيرات كبيرة خلال العقد الماضي، سواء على الصعيد المحلي داخل بلدان المنطقة، أو في علاقاتها مع بعضها البعض. ويمكن الإشارة إلى ثلاثة اتجاهات عامة لفهم العديد من التطورات التي حدثت.
أولاً: أصبحت منطقة شرق آسيا أكثر بروزًا من الناحية الاقتصادية والاستراتيجية في السياسة العالمية.
ثانيًا: لقد شهدنا صعود قادة أقوياء عبر المشهد السياسي المحلي لمعظم هذه البلدان.
ثالثًا: أصبحت المسارات الموازية للتعاون الاقتصادي والخلاف الاستراتيجي التي جرت معها العلاقات بين الدول في وقت سابق غير واضحة بشكل متزايد، حيث أثَّر التنافر السياسي على تدفق وتواتر التبادلات الاقتصادية.
بروز شرق آسيا المتزايد في السياسة العالمية
لقد كتبت وزيرة الخارجية الأميركية “هيلاري كلينتون” في أكتوبر 2011، مقالاً في مجلة السياسة الخارجية Foreign Policy بعنوان: “قرن المحيط الهادئ في أميركا”، قالت فيه: “إن مستقبل السياسة سيتقرر في آسيا، وليس أفغانستان أو العراق”، وحددت كلينتون “محور الولايات المتحدة” بالنسبة للسياسة في آسيا. وكان هذا يمثل مؤشرًا واضحًا على النية الأميركية لزيادة الاستثمار في المنطقة دبلوماسيًا واستراتيجيًا واقتصاديًا وغير ذلك. وقد استمدت من تطور عام 2011؛ حيث تفوقت الصين على اليابان كثاني أكبر اقتصاد في العالم بقيمة تقدر بحوالي 5.88 تريليون دولار (وكانت اليابان تقدر بـ5.47 تريليون دولار). وقد قُدِّرَ أن الصين ستتفوق على الولايات المتحدة بحلول عام 2027. وفي وقت سابق من هذا العقد، أصبحت شرق آسيا موقعًا للتفاعل بين أكبر ثلاثة اقتصادات في العالم.
علاوة على ذلك، فقد أصبح صعود الصين “الحازم” أكثر وضوحًا. وكان هذا تطورًا صعبًا للنظام الإقليمي، وكان تتبع مسار بكين المتغير يمثل اعتبارًا مهمًا لجميع الجهات الفاعلة. كما أنها شكلت تحديًا لتفوق الولايات المتحدة على الصعيدين الإقليمي والعالمي. إن الخلاف الثنائي بين الولايات المتحدة والصين، الذي يعدُّ أهم متغير استراتيجي في السياسة العالمية، قد تفكك بشكل بارز في آسيا.
ولفت الموقف المتغير لليابان في عهد رئيس الوزراء “شينزو آبي” مزيدًا من الانتباه إلى شرق آسيا. وقد صاغت طوكيو بنشاط ومتابعة استراتيجيتها في المحيطين الهندي والهادئ، والتي كان لها تأثير على علاقاتها المتبادلة مع بكين. وبالتالي سيكون لليابان “الحازمة”، كما رأينا خلال العقد الماضي، تداعيات على السياسة الإقليمية والعالمية.
إن تغيير القيادة في كوريا الشمالية بعد وفاة زعيمها، “كيم جونغ إيل”، والتأثير المزعزع للاستقرار للأسلحة النووية والقدرات الصاروخية لـ”بيونغ يانغ”، قد أسهم في إلقاء الكثير من دائرة الضوء في العلاقات الدولية. وقد حظيت التداعيات الأمنية العالمية للتجارب النووية والصاروخية المتكررة لكوريا الشمالية باهتمام أكثر جدية من ذي قبل. وقد أدى ذلك، من بين أمور أخرى، إلى اقتراح الرئيس الأميركي “دونالد ترمب” عقد اجتماع قمة مع زعيم كوريا الشمالية “كيم جونغ أون”، وتم عقد ثلاثة اجتماعات بهذا الصدد.
وفي عام 2018، حاولت الولايات المتحدة معالجة ممارسات الصين التجارية غير العادلة من خلال وضع حواجز جمركية. وتطور هذا الأمر تدريجيًا إلى حرب تجارية ثنائية. وبالتوازي مع التداعيات الاقتصادية لوباء “كوفيد – 19″، سيكون له عواقب مهمة على سلاسل التوريد العالمية.
صعود قادة أقوياء وسياسات محلية قومية
شهدت السياسات المحلية في شرق آسيا تغييرات كبيرة في النصف الأول من العقد. وقد شكل هذا ليس فقط الطبيعة الداخلية ومسار البلدان الفردية، ولكن أيضًا المنطقة. فقد تولى القادة “الأقوياء” مناصبهم، وفضل المزاج الشعبي في معظم هذه البلدان مثل هذا التغيير. وقد أظهر “شي جين بينغ”، الذي أصبح رئيسًا للصين في مارس 2013، عزمه على تغيير استراتيجية “إخفاء قوتك” في بكين. وقد أدَّى ذلك إلى أن تصبح الصين أكثر حزمًا في ظل حكمه. ويتمتع “شي” بسلطة معززة ومركزية من خلال تحركات لمكافحة الفساد وإلغاء الحد الرئاسي بفترتين.
وأصبح “شينزو آبي” رئيسًا لوزراء اليابان في ديسمبر 2012. وكانت هذه فترة ولايته الثانية كرئيس للوزراء، وجعلته استقالته التي قدمها في أواخر عام 2020 أطول زعماء اليابان خدمة في فترة ما بعد الحرب. بدأ “آبي” بـأبينوميكس “Abenomics” : وهي مجموعة من السياسات لتنشيط الركود الاقتصادي في اليابان وتحقيق الاستقرار في السياسة المحلية، والتي كانت شاهدًا على تغييرات القيادة المتكررة. كما سعى إلى إجراء تغييرات حاسمة في الموقف الدفاعي من خلال مراجعة المادة 9 من الدستور الياباني. وفي ديسمبر 2013، قدَّم “آبي” مفهوم “السلام الاستباقي” وخطة خمسية للتوسع العسكري. وفي يوليو 2014، أعادت طوكيو تفسير الحكم الدستوري الخاص بـ”الدفاع الجماعي عن النفس”، وسمحت لقوات الدفاع الذاتي اليابانيةبالمساعدة والدفاع عن حليف يتعرض للهجوم، وهو ما لم يكن مسموحًا به سابقًا.
لقد شهدت السياسة الكورية الشمالية تغيرًا جيليًا في بداية العقد. وكان انتقال السلطة إلى الجيل الثالث من عائلة “كيم” سلسًا نسبيًا. إذ تولى “كيم جونغ أون” السلطة بسرعة وعزز موقعه. وبين عامي 2012 و2017، أجرت كوريا الشمالية تجارب نووية وصاروخية أكثر من جميع السنوات السابقة مجتمعة، وكان مجموعها أربعًا. وأوقفت كوريا الشمالية الاختبارات في 2018 وبدأت اجتماعات قمة مع الولايات المتحدة على أمل تخفيف العقوبات. إلا أن هذه الاجتماعات لم تسفر عن النتائج المرجوة. فقد كانت الأمور مليئة بالأحداث في كوريا الجنوبية أيضًا. ويُنظر إلى المحافظين مثل “لي يونج باك” Lee Myung-bak ، و”بارك جون هي” Park Geun-Hye ، أو التقدمي “مون جوي إن” Moon Jae-in على أنهم قادة أقوياء. وأدت محاولات القادة المحافظين لتقييد الفضاء الديمقراطي للبلاد إلى احتجاج ديمقراطي غير عنيف. وقد أدَّى ذلك إلى مساءلة “بارك جون هي” في عام 2017، وهي أول حالة في تاريخ كوريا الجنوبية يتم فيها عزل رئيس من منصبه بنجاح من خلال المساءلة. وحاول الرئيس الحالي “مون جاي” استعادة الفضاء الديمقراطي، وبذل جهودًا لإشراك كوريا الشمالية.
أظهرت تايوان نزعة سياسية محلية مماثلة. وقد أصبحت أقل مساومة تجاه الصين، وهو ما ظهر في تغيير الحرس في 2016 من “ما يينج جو” Ma Ying-jeou إلى “تساي إنج مين” Tsai Ing-wen التي تولت القيادة الجديدة في تايوان كدولة مستقلة؛ وهو ما يعدُّ حقيقة ينبغي أن تقبلها الصين.
تأثير التنافس الاستراتيجي بين الولايات على الصداقة الاقتصادية
من الناحية التاريخية، كانت العلاقات بين الدول في شرق آسيا تتم على مسارين. إذ كانت دول المنطقة في وقت سابق قادرة على عزل علاقاتها الاقتصادية المتنامية من الخلافات في المجالات الأخرى، وخاصة تلك التي لديها ذات التوجه الاستراتيجي والسياسي. وقد تضاءل هذا الفصل بشكل متزايد.
وفي بداية السنوات العشر التالية لعام 2010، تواجهت الصين واليابان في بحر الصين الشرقي على جزر سينكاكو/ دياويو، مما أثر سلبًا على التبادلات الاقتصادية بينهما. وأظهرت العلاقات بين الصين وكوريا الجنوبية اتجاهات إيجابية في بداية العقد، حيث اجتمع كبار قادة البلدين في 2013 و2014 و2015. وانضمت سيول إلى بنك الاستثمار في البنية التحتية الآسيوي الذي تقوده بكين كعضو مؤسس على الرغم من تحفظات حليفتها الولايات المتحدة. ومع ذلك، بدأت العلاقات تتدهور عندما سمحت كوريا الجنوبية للولايات المتحدة بتثبيت نظام الدفاع الجوي على ارتفاعات عالية على أراضيها. ومرة أخرى، عانت الديناميكية الاقتصادية نتيجة لذلك.
ومرت العلاقة بين الصين وكوريا الشمالية بمرحلتين في هذا العقد: شهدت الأولى خلافات، ثم تلتها مرحلة إعادة الاتصال. وكزعيمين، لم يلتقِ “كيم جونغ أون” و”شي جين بينغ” حتى عام 2018. وكانت التبادلات رفيعة المستوى بين البلدين نادرة للغاية، وكان من المفترض أن “بيونغ يانغ” لم تكن راضية عن التزام بكين بخط المجتمع الدولي بشأن العقوبات على كوريا الشمالية. وفي وقت سابق، لم يكن للفجوات في أولويات السياسة الوطنية تداعيات اقتصادية مماثلة.
والمثال الأكثر وضوحًا على التداعيات السياسية على الاعتبارات الاقتصادية هو العلاقة بين اليابان وكوريا الجنوبية. وينطبق هذا بشكل خاص على العامين الماضيين، اللذين شهدا فرض كل من سيول وطوكيو قيودًا تجارية متبادلة ردًا على التصعيد السياسي. وعندما أعلنت كوريا الجنوبية عن نيتها مراجعة بعض الاتفاقيات الثنائية، وأمرت محاكمها الشركات اليابانية بدفع تعويضات عن العمل القسري في زمن الحرب، أزالت طوكيو سيول من “القائمة البيضاء” التجارية. وهو ما يعني أنه تمت إزالة بعض الصادرات اليابانية إلى كوريا الجنوبية من قائمة الموافقة التلقائية. كما أصبح الحوار الثلاثي السنوي حول القضايا التجارية والاقتصادية بين الصين واليابان وكوريا الجنوبية الذي بدأ في عام 2008 غير منتظم. ولم يتم عقد آخر حدث كان مقررًا عقده في سيول بسبب استياء اليابان من مسألة السخرة.
ومع ذلك، فإن الوباء العالمي، الذي أثر حتمًا على جميع الاقتصادات، قد يكون حافزًا إيجابيًا بشكل مدهش في إحداث بعض التقارب السياسي في المنطقة. وهناك مؤشرات على أن العواصم الإقليمية قد تكون على استعداد لإعادة الفصل بين المشاركة السياسية والاقتصادية. أحد المؤشرات على هذا الاتجاه هو توقيع الصين واليابان وكوريا الجنوبية على اتفاقية الشراكة الاقتصادية الإقليمية الشاملة في نوفمبر 2020 على الرغم من الاحتكاك الاستراتيجي.
التطلع للأمام
إن أي تكهنات مستقبلية ستجعل نهج الرئيس الأميركي “جو بايدن” تجاه الصين وحلفاء الولايات المتحدة في شرق آسيا، هو المتغير الأكثر أهمية في التحليل. وفي حين أن الولايات المتحدة ستستمر على الأرجح في طريق التوترات والمواجهة مع الصين، فمن المرجح أن تكون أكثر مبدئية. وستكون واشنطن أيضًا أقل تعاملات في علاقاتها مع اليابان وكوريا الجنوبية، وستسعى إلى بناء المزيد من الثقة في التحالفات.
لقد وصلت العلاقة بين طوكيو وسيول حاليًا إلى الحضيض، لكن هذا قد يبدو على ما يرام في السنوات المقبلة. ويدرك كلا البلدين أن أي تدهور إضافي في العلاقات سيكون ضارًا لكليهما. وسيظل برنامج كوريا الشمالية النووي غير قابل للتنبؤ به وسببًا للقلق الشديد. ومن غير المرجح أن تنزع “بيونغ يانغ” الأسلحة النووية، على الرغم من أنها قد تواصل رسميًا إجراء محادثات مع واشنطن وسيول بشأن هذه القضية.
وكما كان خلال الفترة 2010 – 2020، ستستمر شرق آسيا، وربَّما تصبح أكثر مركزية بالنسبة للسياسة العالمية. كموقع للتعاون الإقليمي والعالمي والنزاع، سيكون لها تداعيات ستتجاوز حدودها السياسية.
إعداد: وحدة الترجمات بمركز سمت للدراسات
المصدر: معهد دراسات السلام والصراعات
سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
تابعوا أحدث أخبارنا وخدماتنا عبر حسابنا بتويتر