سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
لوكاس ميليفسكي
فاز “جو بايدن”، الذي هزم الرئيس الحالي “دونالد ترمب”، بالانتخابات الرئاسية الأميركية وسيتم تنصيبه رئيسًا للولايات المتحدة رقم 46 في 20 يناير 2021. وأعرب “بايدن” في الحملة الانتخابية عن نيته العودة إلى علاقات أقل انقسامًا مع حلف الناتو والاستمرار في دعم دول البلطيق. ومع ذلك، فإن التحولات الرئاسية المشحونة بطبيعتها بتغيير السياسات تثير التساؤلات حول تأثير التغييرات على التعاون الدفاعي بين الولايات المتحدة ودول البلطيق. ويجب على المرءِ أولاً أن يأخذَ في الاعتبار واقع التخطيط الدفاعي، قبل الانتقال إلى النجاحات الأخيرة في التعاون الدفاعي بين الولايات المتحدة ودول البلطيق، وميزانية الدفاع للسنة المالية 2021.
إن الواقع الواسع للتخطيط الدفاعي والقضايا المصاحبة له مثل التعاون الدفاعي يفيد بأن التغييرات في التعيينات السياسية والعسكرية يتم وضعها في سياقها، بل حتى التخفيف منها في بعض الأحيان، من قبل المخططين المحترفين في وزارة الدفاع. وبالتالي، فإن دورات التخطيط الدفاعي، ودورات السياسة والإدارات الرئاسية تبدو متمايزة ولا تتطابق في كثير من الأحيان. وقد يستغرق الأمر عامين حتى تقوم الإدارة الجديدة بإصدار استراتيجية جديدة للأمن القومي، على أن تتبعها استراتيجية الدفاع الوطني لوزارة الدفاع والاستراتيجية العسكرية الوطنية للأركان المشتركة. وبحلول الوقت الذي يتم فيه الانتهاء من هذا الاتجاه السياسي وتسليمه إلى المخططين لبدء تعديل خططهم من جديد، سيكون قد انقضى بالفعل نصف الفترة الرئاسية.
ولذا، فإن تنفيذ السياسة الدفاعية في النصف الأول من ولاية أي رئيس يعدُّ بالأساس إرثًا من فترة الرئاسة السابقة. فقد كان تنفيذ السياسة الدفاعية خلال العامين الأولين من ولاية “ترمب” الفردية هو إرث “باراك أوباما”، في حين أن العامين الأولين من سياسة “بايدن” الدفاعية ستكون إرث “ترمب”. وبسبب هذا التأخر المتأصل بين التخطيط والانتخاب والسياسة والتخطيط الإضافي، فإنه من الصعب على رئيس مثل “ترمب” تغيير سياسة الدفاع والتخطيط بشكل حاسم، ذلك أن ثمة فرصة ما لتدوين السياسة الكبرى، برغم التفاصيل السياسية، مثل عدد القوات المنتشرة في ألمانيا، حيث يمكن تغييرها في لحظات التوتر، مع تداعيات على المدى الطويل.
والملاحظ على ذلك أنه ينطوي على أخبار جيدة بالنسبة لأولئك القلقين بشأن الآثار طويلة المدى على دفاع البلطيق عن علاقات “ترمب” الشخصية المشكوك فيها مع روسيا، لا سيَّما مع الرئيس “فلاديمير بوتين”، وتشكك “ترمب” في حلف الناتو، على المدى القصير، وهو ما مثل الأساس الدفاعي بين الولايات المتحدة ودول البلطيق. ومن خلال الممارسة العملية للاستراتيجيات الوطنية المختلفة لإدارة “ترمب” المنتهية ولايته يبدو التعاون أكثر وضوحًا رغم أن إدارة “بايدن” ستتمكن – بلا شك – من تغيير التفاصيل الرئيسية. وللتنبؤ بالوضع خلال السنوات الأولى لإدارة “بايدن”، فيما يتعلق بالتعاون الدفاعي بين الولايات المتحدة ودول البلطيق، فليس من المهم تمامًا دراسة العام الأخير لإدارة “ترمب”، وهو – في أحسن الأحوال – العام الثاني عند تنفيذ سياسة الدفاع، المستمد من التخطيط الفعلي لسياسة “ترمب”، وليس من الإرث الذي خلفته إدارة “أوباما”. وعليه، فإن العنصر الحاسم بطبيعة الحال هو الميزانية، التي بدونها لا يمكن فعل أي شيء.
في الأشهر الأخيرة، كانت الولايات المتحدة تتعاون مع دول البلطيق، وخاصة إستونيا، بشأن الأمن السيبراني في الفترة التي تسبق الانتخابات الرئاسية الأميركية في 3 نوفمبر. وهذا هو أحد المجالات التي تتعلم فيها الولايات المتحدة من إستونيا، والتي لم تكن فقط أحد أكثر دفاعات الشبكات تعقيدًا في أوروبا، ولكنه كان هدفًا تقليديًا مبكرًا مفضلاً للتكتيكات السيبرانية والمعلوماتية الروسية. وقد سمح هذا للولايات المتحدة بمشاهدة التكتيكات الروسية المحتملة في المستقبل قبل أن تضرب أوروبا الغربية أو الولايات المتحدة، وبالتالي يخف الضرر المحتمل.
ومنذ عام 2014، تعمل مبادرة الردع الأوروبية الأميركية (EDI) بشكل مستمر، وذلك رغم أن طلب ميزانية السنة المالية 2021 أقل بنسبة 25٪ من المبلغ المخصص في السنة المالية 2020، وستكون السنة الثانية على التوالي التي ينخفض فيها تمويل التبادل الإلكتروني للبيانات. علاوة على ذلك، فقد شهدت السنة المالية 2019 والسنة المالية 2020 تأجيل إنفاق مبادرة الردع الأوروبية الأميركية لدفع تكاليف جدار “ترمب” الحدودي مع المكسيك، وهو ما يمثل تشتيتًا بالنسبة للميزانية، أي أنه لن يستمر بالتأكيد في ظل إدارة “بايدن”. وقد أثَّر تأجيل ميزانية التبادل الإلكتروني للبيانات على المشروعات في منطقة البلطيق أيضًا. ومع ذلك، فقد تمَّ الانتهاء من مشروعين رئيسيين للتبادل الإلكتروني للبيانات في منطقة البلطيق خلال الأشهر الأخيرة. وكان التحسين الممول من المبادرة للقاعدة الجوية في إستونيا بقيمة 10.8 مليون دولار، قد اكتمل في أغسطس 2020. في لاتفيا قد أدت استثمارات بقيمة 3.7 مليون دولار في إطار المبادرة إلى إنشاء قاعدة عمليات خاصة جديدة في ريغا، بما في ذلك مرفق خدمة المركبات، وتخزين الذخيرة، ومدرجان لهبوط الطائرات العمودية كي يستخدمهما جناح العمليات الخاصة رقم 352 ومقره المملكة المتحدة.
وبالنظر إلى طلب الميزانية المخصصة للمبادرة في السنة المالية 2021، وبغض النظر عن الأعمال التي لم تنتهِ بعدُ فيما يتعلق بإعادة انتشار القوات الأميركية المفوضة إلى ألمانيا، ومن المحتمل أن يكون بعضها في دول الناتو الواقعة في أقصى شرق الناتو. ومن المحتمل أن تكون تحسينات البنية التحتية الممولة من المبادرة وبناء القدرات المحلية الشاملة هي الموضوع الرئيسي للولايات المتحدة في إطار التعاون الدفاعي مع البلطيق للعام أو العامين المقبلين. وتنقسم أموال المبادرة إلى فئات عديدة، وكلها ذات صلة عامة بدفاع دول البلطيق. ولكن من الأهمية بمكان بالنسبة للمستقبل القريب العمل على “تحسين البنية التحتية” و”بناء قدرة الشراكة”، وقد يكون أي منهما وثيق الصلة بتطوير البنية التحتية العسكرية في منطقة البلطيق ولا يخضع لأي تخفيضات رهيبة (فقد انخفضت البنية التحتية من 539.6 مليون دولار في السنة المالية 2020 إلى 436.4 مليون دولار في السنة المالية 2021، وقدرة الشراكة من 424 مليون دولار إلى 384 مليون دولار).
حتى لو ظل هذا هو المحور الأساسي للتعاون الدفاعي بين الولايات المتحدة ودول البلطيق، فلا ينبغي أن يخيب آمال البلطيق. ولا يمكن لأي بنية تحتية عسكرية سوى استيعاب قدر كبير من القدرة العسكرية، وحركة المرور، وما إلى ذلك. كما لا يمكن إجراء المزيد من عمليات الانتشار العسكري في تلك المنطقة بشكل عام، بغض النظر عن المطالب الاستراتيجية المحتملة لمزيد من التعزيز.
ويزيد تطوير البنية التحتية من قدرة البنية التحتية العسكرية في البلطيق على استيعاب ودعم القوة العسكرية المتحالفة. ذلك أن قيام الولايات المتحدة بتمويل مشاريع البنية التحتية العسكرية هذه يدل على أنها تدرس بجدية وتخطط على الأرجح لاحتمال أنها قد تضطر إلى الاستفادة من تلك البنية التحتية المحسنة في وضع افتراضي لدفاع البلطيق.
إن الفئة الرئيسة الثالثة في التبادل الإلكتروني للبيانات تكمن في “التدريب والتطوير”، وهو ما اجتذب تخفيضات مروعة. كما أنه من المرجح أن تنخفض من 608.7 مليون دولار في السنة المالية 2020 إلى 293.8 مليون دولار في السنة المالية 2021. وقد يكون الكثير من هذا التباين مرتبطًا بـ”تدريبات الدفاع يورو 20” لعام 2020، والذي تمَّ تقليصها إلى الحد الأدنى بسبب جائحة “كوفيد ــ 19″، والتأثير المستمر للوباء على التدريبات العام المقبل، حيث لم يصل اللقاح إلى الكمية بعدُ.
وبالنسبة للكثيرين، ومعظمهم في أوروبا، فإن “بايدن” يعتبر تغييرًا مرحبًا به مقارنة بـ”ترمب”. ومع ذلك، من المرجح أن تكون الآثار قصيرة المدى لهذا الانتقال الرئاسي أقل لأسباب التخطيط والسياسة والدورات الانتخابية. وهناك سببٌ آخر وهو تقلص ميزانية التبادل الإلكتروني للبيانات، وذلك رغم أنه ليس من المستحيل أن يتغير هذا الاتجاه لمدة عامين مع السنة المالية 2022، أي الميزانية الأولى خلال حكم “بايدن”.
وإجمالاً، يبدو من المرجح أن يكون تركيز التعاون الدفاعي بين الولايات المتحدة ودول البلطيق، هو تطوير البنية التحتية المحلية التي تشتد الحاجة إليها. ويمكن دفع هذا لأبعد من القواعد الجوية ومواقع العمليات الخاصة إلى مسائل أكبر تتعلق بالطرق والسكك الحديدية والجسور ومرافق الموانئ وغيرها، رغم أن الاتحاد الأوروبي قد يمول أيضًا مشاريع البنية التحتية ذات الاستخدام المزدوج. وبالنظر للظروف الجيوسياسية العالمية فيما يتعلق بجائحة “كوفيد ــ 19″، وصعود الصين، إن لم تكن معادية بالكامل بعدُ، فإن مثل هذا التعاون الدفاعي بين القوة العظمى الوحيدة في العالم وثلاث دول صغيرة على حدود العالم الغربي الليبرالي ربَّما يكون كافيًا، وذلك باستثناء أي زيادة في سلوك جائر من روسيا.
إعداد: وحدة الترجمات بمركز سمت للدراسات
المصدر: معهد أبحاث السياسة الخارجية
سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
تابعوا أحدث أخبارنا وخدماتنا عبر حسابنا بتويتر