سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
ماجد الجريوي – مشعل الوعيل
في سائر المجالات والتخصصات تكون المستجدات متسارعة ومتلاحقة، وهو ما يجعل العلم يحاول ملاحقة تلك القفزات والتطورات، غير أن ما يحدث في الإعلام يختلف تمامًا عن بقية المجالات، فالعجلة في عالم الإعلام لا تسير بسرعة عالية فحسب، وإنما بشكل صاروخي يصعب جدًا ملاحقتها، ولا نبالغ أن وصفنا التحديث والتطورات في المجال الإعلامي بأنه تكون في كل ساعة بشكل تفوق سرعة البرق، فالحديث عن الإعلام في عام 2010 يختلف جذريًا عن حديثنا عنه اليوم، وكذلك المجالات ذات الصلة بالإعلام شهدت تحولات عديدة طوال تلك الفترة.
الحديث عن التغيرات الحادثة في الإعلام ليس مقتصرًا على جوانب تقنية وتطور تكنولوجي فحسب، بل الحديث أعمق وأبعد من ذلك كثيرًا، فلا يمكن اقتصاره على مفاهيم تغيرت، بل نستطيع القول إن هناك مفاهيم ولدت وتجددت إبان تلك الفترة وظهرت تخصصات وتفرعات أكثر تجذرًا في الإعلام عما كان عليه في السابق.
والحديث عن التحولات لا يقتصر على الإعلام كمصدر إرسال للمعلومة، بل امتدت إلى تغيرات نوعية وديموغرافية في المتلقي ألا وهو الجمهور.
وحتى في الإطار النظري الإعلامي نجد أن العديد من نظريات الاتصال خبا بريقها بفضل التحولات العديدة، في حين شهد المجال ولادة نظريات اتصالية جديدة.
كما أن التحول الذي طرأ على المجال لم يقتصر على تفاصيل المجال الداخلية فحسب، بل توسع لما هو أبعد من ذلك من خلال وظيفة ومكانة المجال في تركيبة المجتمعات وكيف ولّد العقد الماضي سلطة خامسة تعقب السلطة الرابعة الإعلامية التي بدورها تقوم بدور الرقيب على السلطات الثلاث في أي مجتمع.
فالإعلام خلال العقد الماضي شهد تحولاً جذريًا في الكم والكيف من حيث تضخم أعداد وسائل الإعلام بمختلف أطيافها، وكذلك من حيث آلية وطريقة المواضيع المقدمة من خلاله.
وسيناقش هذا التقرير أبرز التحولات في المجال الإعلامي في العقد الماضي من الفترة (2010 – 2020) عبر جوانب وأبعاد عديدة على النحو التالي وهي:
وسنتناول في كل جزئية من تلك المحاور كيف كان وضع الإعلام في مطلع العقد، وكيف أضحى حاليًا، وما هو المتوقع خلال العقد الجديد.
المحور الأول
الإعلام التقليدي والإعلام الرقمي من المنافسة إلى السيطرة
منذ ظهور شبكات التواصل الاجتماعي في منتصف الألفية الجديدة وتكون قاعدة جماهيرية لها، كان السؤال المطروح حينها مهنيًا وأكاديميًا: هل ستنجح تلك الشبكات في مزاحمة الكيانات الإعلامية العملاقة وسحب جزء من البساط منها؟ وكان هذا السؤال هو الرائج في الفترة من (2005 – 2010) وكانت هناك العديد من الشكوك التي تتمحور حول قدرة تلك الشبكات في ذلك على عدد من الاعتبارات:
غير أن كافة تلك المعطيات سرعان ما ذوّبها عامل الزمن وانتقلت العلاقة بينها إلى الإطار التنافسي على أكثر من شكل:
إذ شهدت الفترة الزمنية من (2010 – 2015) اكتساحًا كبيرًا من قبل شبكات التواصل الاجتماعي للإعلام التقليدي. وتبرز ملامح هذا الاكتساح في ازدهار منصة “يوتيوب” حيث كانت في عزِّ توهجها، بالإضافة إلى انطلاق منصة “سناب تشات” عام 2012، ثم “تيليغرام” 2013، ثم “بيرسكوب” 2015 ولاحقًا منصة “تيك توك” 2016، وهو ما جعل الإعلام التقليدي يغير في نمط واستراتيجيات التعامل مع تلك الشبكات في الفترة ما بين (2015-2020) عبر عدد من الطرق:
ومن المتوقع أن يشهد العقد القادم العديد من التحولات في هذه العلاقة على النحو التالي:
المحور الثاني
تفتيت الجمهور وقولبة المعادلة
لم يقتصر التحول خلال العقد الماضي على الجانب الإعلامي (المرسل) فقط، فقد شهدت تلك الفترة تغيرًا كبيرًا في سلوكيات وممارسات المتلقي. ويمكن تحديد أبرز تلك التحولات الواقعة من قبل الجمهور خلال تلك الفترة فيما يلي:
كما شهد العقد الماضي بروز مفهوم “السلطة الخامسة” التي لعبت دور الرقيب على السلطة الرابعة الإعلامية التي تعمل كمراقب على أداء السلطات الثلاث:
وبذلك أصبحت الجماهير تراقب أداء وسائل الإعلام وكيفية تعاطيها مع الأحداث من حيث الجوانب المهنية والموضوعية، وهو ما أوقع وسائل الإعلام تحت وطأة الضغط، ما جعل الكثير من الوسائل التقليدية تعمل على تحسين جودة المحتوى، بالإضافة إلى حرصها على إظهار الموضوعية قدر الإمكان. وهذا اتضح جليًا من خلال محاولة العديد من الوسائل تمرير أجندتها بطريقة غير مباشرة خشية الوقوع في مصيدة الجمهور.
وقد لاحظنا خلال العقد الماضي العديد من الحملات من قبل الجمهور لمقاطعة وسيلة إعلامية لاعتبارات عدة، منها:
وقد نجحت كثير من حملات المقاطعة تلك في التأثير على متابعة وسائل الإعلام التقليدية.
المحور الثالث
الدخول في اللعبة السياسية
شهدت بداية الثمانينيات الميلادية ولادة العديد من القنوات التلفزيونية في معترك السياسة، إذ كان حضورها في المسرح لافتًا وكبيرًا من خلال قنوات خصصت للجانب السياسي فقط كتجربة حديثة حينها. وتنامى أعداد الصحف والإذاعات والمجلات السياسية المتخصصة في مطلع تسعينيات القرن الماضي، حتى بات الكثير من تلك الوسائل تشكل منصات دعائية. ومنذ بداية الألفية توسعت رقعة الإعلام السياسي وباتت وسائل الإعلام التقليدية تلعب دورًا هامًا وجوهريًا في ساحة الأحداث السياسية، خصوصًا أن الضخ المالي لتلك القنوات بات يتضخم. وفي الفترة ما بين (2010 – 2020) شهدت علاقة الإعلام بالسياسة العديد من المتغيرات، أهمها ما يلي:
غير أن هذا الاتجاه الكبير نحو شبكات التواصل الاجتماعي في الشأن السياسي لم يقابله قلة إقبال نحو التقليدي، بل ظل الساسة يحرصون على الوجود عبر تلك الوسائل، وحرصت الكثير من الدول على إيجاد قنوات دعائية لها بشكل أكبر خلال العقد الماضي.
ومن المتوقع أن تشهد الفترة المقبلة العديد من التغيرات فيما يخص ملف العلاقة بين السياسة والإعلام وفق التصورات التالية:
المحور الرابع
ولادة ونمو الشرق أوسطية
ظل الإعلام الأميركي على مدار عقود طويلة هو الوحيد المتمكن من الوصول للجمهور الشرق أوسطي بشكل كبير جدًا من خلال صناعتين أساسيتين:
إذ شهدت تسعينيات القرن الماضي – تحديدًا – بروزًا لافتًا لقناة CNN في تغطية الأحداث ومتابعتها مع منافسة شديدة من قبل إذاعةBBC ، خصوصًا فيما يتعلق بالأخبار الشرق أوسطية. وفي مطلع الألفية وُجدت العديد من القنوات العربية التي كانت تهدف إلى مخاطبة الجمهور العربي بعمومه دون أن تكون مخصصة لدولة أو إقليم محدد.
غير أنه منذ نهايات العقد الماضي، وبداية العقد الحالي، حرصت الكثير من الدول والكيانات الإعلامية الدولية الضخمة على مزاحمة الإعلام الأميركي في تغطية أخبار الشرق الأوسط من خلال إطلاق قنوات ناطقة بالعربية ومهتمة بأخبار الشرق الأوسط لتفتح نافذة جديدة ومهمة للتواصل مع جمهورها. ومن أمثلة تلك القنوات التي إمَّا ازدهرت وتعزز حضورها، أو وُجدت خلال العقد الماضي في الشرق الأوسط:
وقد سعت تلك القنوات من خلال وجودها لدى المشاهد الشرق أوسطي إلى الغوص في تفاصيل الأحداث المتعلقة بالمنطقة والانتشار عبر سلسلة مكاتب بعواصم عربية هدفت من خلالها إلى الوجود بشكل أقرب من موقع الحدث ومتابعته بأدق تفاصيله. ويمكن القول إن تلك القنوات حققت طوال العقد الماضي الأهداف التالية:
المحور الخامس
شمولية الإعلام
أدى تنامي أعداد شبكات التواصل الاجتماعي وتطور الإعلامي الرقمي إلى ولادة مفهوم مختلف لمصطلح الإعلامي الشامل الذي كان يُعرف فيما مضى بأنه الإعلامي القادر على التعاطي مع مناخات ومجالات الإعلام المتعددة، التي صنعت وشكلت على ضوئها مفهومًا لشمولية الإعلام. غير أن التقنيات الحديثة واستخدامات الوسائط المتعددة في الحقل الإعلامي حوَّرت هذا المفهوم، أو بمعنى أدق أعطت بعدًا مختلفًا لمفهوم الإعلامي الشامل، فلم يعد الإعلامي كما كان في السابق مقتصرًا أداؤه على جانب واحد من الجوانب الإعلامية من صياغة أو إخراج وخلافه.
إذ أصبحت ديناميكية الإعلام تتطلب من العاملين في الحقل القدرة على تفعيل العديد من المهارات المتنوعة من خلال القدرة على تحويل النصوص الإعلامية إلى مواد مرئية تفاعلية.
وهذا جعل البعض يعتقد أن التقنيات تسببت في تقليص عدد العاملين في المجال الإعلامي، إلا أن الواقع مختلف تمامًا؛ إذ إنه بفضل تلك التقنيات ومدى تمكن الشخص من التميز في مهارات مختلفة، باتت منفذًا هامًا وجاذبًا لسوق العمل. ولهذا بات من النادر أن تطلب المؤسسات الإعلامية، أو الجهات، صفة إعلامية بارزة فيمن تريد استقطابه، بل أضحت تلجأ للبحث عن مهارات في ذات الشخصية.
ولذا، مجالات ومسارات الإعلام المتنوعة شابها حالة من ذوبان الحواجز فيما بينها، وبات على الإعلامي التعايش مع كافة مسارات المهنة المتعددة.
إن تلك الشمولية في الإعلام التي برزت في العقد الماضي لم تقتصر على الممارسين فحسب، بل امتد نطاقها إلى ما هو أشمل وأوسع، إذ أصبحت أيضًا الكيانات الإعلامية هي الأخرى مطالبة بالشمولية من حيث دمج عدد من المسارات في مسار واحد، والأمثلة على ذلك:
– صحافة الفيديو.
– الإذاعات المرئية.
– الصحافة التلفزيونية.
كما أدى هذا النمو في مسارات الإعلام المتنوعة أيضًا إلى تنوع في الاستثمارات للكيانات الإعلامية، حيث اتجه الكثير منها إلى الاستثمار في المجال الرقمي أو التقني.
المحور السادس
تجذر إعلامي
وعلى النقيض تمامًا مما تطرقنا إليه في المحور الماضي حول شمولية الممارسات الإعلامية التي قابلتها ولادة تخصصات فرعية أكثر وأعمق فيما يتعلق بمجالات الإعلام، فلم يعد الحديث مقبولاً في الإعلام خلال العقد الماضي عن عموميات المجالات، وإنما لا بدَّ من مواكبة كافة التطورات التي صاحبت المجالات الأخرى، وكذلك الحال القفزات الهائلة الحادثة في الحقل الإعلامي لا من حيث الممارسات أو المضمون، ولا كذلك الجوانب الفنية، فجميع تلك الركائز ولدت إعلامًا متخصصًا وعميقًا أكثر.
صاحب ذلك التجذر والعمق في المجالات الإعلامية، ما يلي:
ومن المتوقع أن تشهد الفترة المقبلة انحسارًا أكثر في الإعلام العام (ونقصد هنا بالعمومية عمومية الأحداث والمواضيع المطروحة) وتزايد التغطية للإعلام المتخصص.
المحور السابع
ولادة نظريات جديدة
شهد العقد الماضي تحولاً أيضًا على الصعيد الأكاديمي والنظري في مجال الاتصال، إذ سعى الأكاديميون إلى ملاحقة تلك التطورات الهائلة من خلال العديد من الدراسات والبحوث لدراسة تلك التحولات. ولم يقتصر التحول الكبير على الجانب البحثي، بل امتد أيضًا إلى نظريات الاتصال، إذ شهد العقد الماضي ولادة نظريات جديدة تهدف إلى قياس التأثيرات الاتصالية على الجمهور. ومن تلك النظريات التي ظهرت:
مبادئ نظرية تحول الوسائل
وضع “روجر فيدلر” ستة مبادئ للنظرية، وفيما يلي عرض لتلك المبادئ:
التطور والتعايش:
توجد جميع أشكال الوسائط الإعلامية داخل نظام قابل للتكيف، حيث يتسم هذا النظام بالتعقيد والاتساع، وبظهور أي شكل جديد يتم تطويره يكون له تأثير بمرور الوقت وبدرجات متفاوتة على تطوير كافة النماذج الموجودة.
وترى النظرية أن التعايش والتطور بين وسائل الإعلام هو تزاوج ينتج من تحول كل وسيلة على حدة، فضلاً عن إنشاء وسائل جديدة. وعلى ذلك، فإن وسائل الإعلام الموجودة اليوم هي نتيجة لاندماجات صغيرة لا تعد ولا تحصى كانت تحدث بين وسائل الإعلام بشكل متكرر طوال الوقت.
ويمكن النظر إلى التقارب بين وسائل الإعلام باعتباره عملية تقوم من خلالها باستعارة الجديد من الوسيلة الأخرى وتطويعه واستخدامه. ووفقًا لهذا الفهم كان من الطبيعي أن تطور محطات التليفزيون مواقع لها على شبكة “الويب” لتنشر من خلالها مقاطع الفيديو، أو تقدم من خلالها أيضًا البث التليفزيوني المباشر لقطاعات أخرى من الجمهور.
التحول الشكلي:
وسائل الإعلام الرقمية لا تنشأ من تلقاء ذاتها أو بشكل مستقل، ولكن تظهر تدريجيًا من التحول الشكلي لوسائل الإعلام القديمة، وعندما تظهر النماذج الجديدة لوسائل الإعلام تتجه وتميل النماذج القديمة لوسائل الإعلام للتكيف، وتستمر في التطور بدلاً من الاندثار والزوال.
زودت الصحف النموذج ليكون متحولاً في بنيته داخل صفحات “الويب” الإخبارية، كما أن تحديد عرض النطاق قيَّد استخدام مصادر الوسائط المتعددة. ثم إن شبكة الإنترنت العالمية في الغالب قائمة على النص واعتمدت على استخدام بنية الصحف القديمة كنموذج لها، فضلاً عن أن شركات التليفزيون اعتمدت على الاستعارة من الصحف في صنعهم لمحتوى عمليات الويب، بينما انتظرت تحسينات عرض النطاق التي تمكنهم من استخدام المزيد من الفيديوهات والملفات الصوتية.
الانتشار “التوالد”:
وسائل الإعلام (الإذاعة – التليفزيون- الصحافة) بسماتها المهيمنة ساعدت في ظهور ونشأة النماذج الجديدة لوسائل الإعلام. واستمرت هذه السمات وانتشرت من خلال مجموعة من الرموز التواصلية تُسمى لغات. وساعدت الصحافة الشبكية بالفعل في إبراز سمات الصحف، باعتبارها نموذجًا أساسيًا يستخدم لتنظيم المحتوى. وقد حاولت أيضًا المجلات الشبكية التأقلم أو تكرار السمات الأساسية للمنشورات الأسبوعية والشهرية.
وبينما يستمر البحث عن وسائط لغوية جديدة، استولى، مؤخرًا، الوعي بقيمة الأخبار الإذاعية “للصِحفيين الشبكيين”. ومنذ أن أصبحت الأخبار العاجلة من أهم الأقسام للعديد من المواقع الصحفية، حاكت الصحافة الشبكية الملاحظات القصيرة ونظام النقط للأسلوب الإذاعي. وقد ذكر الآن مؤشر الأخبار العاجلة العديد من الناس بالطبعات المتعددة للصحف التي لم تعد على قيد الحياة – تلك التي أضحت ضحيةً لوسائط الإعلام متحولة البنية. الواشنطن بوست – على سبيل المثال – دعت اسم قسم الأخبار العاجلة لديها “بي إم إكسترا” – محاولة التأقلم ليس فقط في الأسلوب، ولكن من خلال استخدامها للاسم على نطاق واسع من قبل صحف الظهيرة والمساء القديمة.
البقاء:
أُجبرت جميع نماذج وسائط الإعلام – وكذلك المؤسسات الإعلامية – على التأقلم والتطور لتستطيع البقاء في بيئة متغيرة؛ حيث لن يبقى أمامها سوى الزوال إن لم تتطور وتتأقلم.
استحوذ كل من التأقلم والتطور على تفكير الوسائل الإعلامية القديمة لكي تظل على قيد الحياة جنبًا إلى جنب مع النماذج الجديدة التي تظهر. في الوقت الحالي، لا تحاول النماذج الموجودة التأقلم مع الزمن الحديث فقط؛ بل أيضًا تحاول أن تهاجر بشكل جماعي للوسيط الجديد باعتباره جزءًا من استراتيجيتها في الحفاظ على بقائها. يوجد توافق آراء في صناعة وسائل الإعلام مفاده بأنه أيًا كان السيناريو الذي سيكشف عنه في المستقبل المتعلق بشأن وسائل الاتصال الجماهيري، فقط من سيبقى من المؤسسات الإعلامية هي من ستكون لها القدرة على التأقلم والتطور في هذه البيئة الجديدة.
الفرصة والاحتياج
لم تتأقلم وسائل الإعلام على المزايا التكنولوجية وحدها. فلا بدَّ أن يكون هناك فرصة، مثل: التحفيز المجتمعي سواء كان سياسيًا أو اقتصاديًا لتنمية وسائل الإعلام الرقمية.
وهناك عدة أمثلة للتكنولوجيات الإعلامية التي أُطلقت في العقود القليلة الماضية التي باءت بالفشل، نظرًا لأن الفرصة والاحتياج لم تكن موجودة.
وخير مثال على ذلك هو “النص الفيديوي” الذي اختبرته الصحف على نطاق مكثف خلال الثمانينيات، حيث كانت التكنولوجيا متاحة للصحافة الشبكية من خلال قنوات الكابل وتوزيع النص التليفزيوني، ولكن الشركات لم تستطع إيجاد الأسباب الاجتماعية والسياسية والاقتصادية المحفزة.
وأن نمو وانتشار الأخبار عبر شبكة الإنترنت يبرهن على وجود عامل “الفرصة والاحتياج ” للصحافة الشبكية عبر الإنترنت.
التبني المؤجل
التكنولوجيات الإعلامية الرقمية تستغرق دائمًا وقتًا أطول من المتوقع لتصبح نجاحات تجارية، فهي تميل إلى أن تتطلب على الأقل جيلاً إنسانيًا واحدًا يتراوح بين 20 – 30 عامًا للتقدم من إثبات المفهوم إلى التبني الواسع النطاق.
والواقع أن ما ذكره “فيدلر” عن “الميديا مورفسيس” يدعمه التطور الكبير الذي حدث في وسائل الإعلام في السنوات الأخيرة؛ إذ تقاربت وسائل الإعلام التقليدية مع وسائل الإعلام الرقمية بشكل أكبر، وتحولت هذه الوسائل إلى منصات للنشر بشكل أساسي، وأصبحت كل وسيلة تستخدم إمكانات الوسيلة الأخرى على نطاق واسع.
فالصحف الورقية أصبح لها مواقع تفاعلية متعددة الوسائط على “الويب”، وحسابات على شبكات التواصل الاجتماعي مثل: فيس بوك، وتويتر، ويوتيوب، وإنستجرام، وغيرها، وتطبيقات على الهواتف الذكية والأجهزة اللوحية تمكنها من استغلال كافة الإمكانات التي أتاحتها وسائل الإعلام الرقمية والاستفادة منها. والنموذج الأوضح هو الهواتف الذكية التي دخلت الجيل الرابع لها، وأصبحت قادرة على القيام بوظائف وسائل الإعلام إلى جانب الاتصال الشخصي، مثل: تصفح الإنترنت، واستخدام شبكات التواصل الاجتماعي، والتقاط الصور ومقاطع الفيديو وتبادلها، وسداد الفواتير، ومتابعة الحسابات البنكية، وحجز تذاكر السفر، وكل ذلك يؤكد صحة نظرية “فيدلر”.
ومن النظريات المفسرة للإعلام الرقمي :النظرية التكنولوجية لـ”مارشال ماكلوهان”.
تعدُّ النظرية التكنولوجية لوسائل الإعلام من النظريات الحديثة التي ظهرت عن دور وسائل الإعلام وطبيعة تأثيرها على مختلف المجتمعات، ومبتكر هذه النظرية هو الباحث “مارشال ماكلوهان”، خاصة ونحن نعيش الآفاق التي لا حدود لها والتي افتتحت أمام الاتصال البشري والنمو والتطور نتيجة تزاوج ظاهرتي المعلوماتية وثورة وسائل الاتصال عن بُعد، حتى أصبحت عملية الفصل بين دور المعلومات وتكنولوجيا الاتصال أمرًا مستحيلاً؛ لأنهما وجهان لعملة واحدة، إذ يتضافران ليكونا مفهومًا شاملاً هو تكنولوجيا المعلومات التي تعرف في إحدى صيغها على أنها اقتناء واختزان وتجهيز المعلومات في مختلف صورها وأوعية حفظها، سواء كانت شفوية، أو مطبوعة، أو مسموعة، أو مصورة، أو مرئية، أو ممغنطة، وبثها باستخدام المعدات الإلكترونية الحاسبة، ووسائل وأجهزة الاتصال عن بُعد. وتشهد نهاية القرن الحالي تحولاً واضحًا يتمثل في تعدد إنجازات تكنولوجيا الاتصال الرقمية التي أصبحت تهدد الوسائل القديمة المستخدمة في نفس المجال والمتمثلة في شتى التقنيات المتطورة للاتصال السمعي البصري بوجه عام.
ونقدم هنا أيضًا مجموعة من الرؤى النظرية حول الإعلام الرقمي:
1- مدخل “نيغروبونتي” لفهم الإعلام الرقمي
يحصر “نيغروبونتي” الميزات التي يتحلى بها الإعلام الرقمي مقارنة بما سبقه في:
“استبداله الوحدات المادية بالرقمية، كأدوات رئيسة في حمل المعلومات يتم توصيلها في شكل إلكتروني وليس في شكل فيزيائي، ويتم توزيع الكلمات والصور والأصوات والبرامج بناء على الطريقة الجديدة وتشبيك عدد غير محدود من الأجهزة بعضها مع بعض.
2- النموذج الاتصالي الجديد لـ”كروسبي”
ويشترك “كروسبي” مع “نيغروبونتي” في الأفكار نفسها، ويعقد مقارنة ثلاثية متسلسلة بين الإعلام الرقمي والقديم، ابتداء من أول نموذج اتصالي بين البشر، الذي كان من نوع الاتصال الشخصي، وهو اتصال ليس بحاجة إلى وسائل تكنولوجية لكي يتم.
أكاديمي متخصص في العلاقات العامة*
أكاديمي متخصص في الصحافة*
المرجع: الإعلام الرقمي: من البدايات إلى تشكل الإمبراطوريات
سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
تابعوا أحدث أخبارنا وخدماتنا عبر حسابنا بتويتر