سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
علي قاسم
سمعنا الكثير حول قضية الأمن الغذائي، ولكن بالكاد سمعنا عن قضية أكثر خطورة، سيكون حلها شبه مستحيل.
التحدي المسكوت عنه حتى اليوم، هو أثر ارتفاع درجات الحرارة على صحة البشر.
منذ أن استبدلت البشرية العمل اليدوي بالماكينات والآلات، وأقبلت على استخدام الوقود الأحفوري (وهو تاريخ مختلف عليه) ارتفعت درجات الحرارة في جميع أنحاء العالم بنحو درجة مئوية واحدة. كان هذا كافيا لتجتمع 196 دولة في عام 2015، وتوقع على اتفاقية باريس التي هدفت إلى الحد من ارتفاع درجات الحرارة إلى 1.5 درجة مئوية فوق مستويات ما قبل الصناعة.
حينها عهد إلى فريق بحثي من كلية ولاية بنسلفانيا للصحة والتنمية البشرية، وكلية العلوم بجامعة بوردو ومعهد بوردو لمستقبل مستدام بوضع نموذج خرائط لمناطق شهدت زيادات في درجات الحرارة تتراوح بين 1.5 و4 درجات مئوية – وهو ما يعتبر السيناريو الأسوأ حيث يبدأ الاحترار في التسارع – وكان الهدف تحديد المناطق التي قد يؤدي فيها الاحترار إلى مستويات حرارة ورطوبة تتجاوز حدود احتمال البشر.
ما تم التوصل إليه كان مخيفا؛ البلدان المرشحة لتصبح شديدة الحرارة بحيث لا يمكن العيش فيها، تشمل مناطق يعيش فيها قرابة 2.2 مليار إنسان في باكستان ووادي نهر السند في الهند، ومليار شخص في شرق الصين، و800 مليون شخص في أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى، أي نصف تعداد سكان العالم (حاليا 8 مليارات نسمة).
ولمعرفة طبيعة الكارثة لا بد من الحديث عن طبيعة المخاطر الصحية هذه.
نكافح السخونة عادة بالمزيد من التعرق، حيث يتم ضخ المزيد من الدم إلى الجلد حتى نتمكن من الحفاظ على درجات الحرارة الأساسية عن طريق فقدان الحرارة إلى البيئة. وعند مستويات معينة من الحرارة والرطوبة، لن تكون هذه التعديلات كافية، وتبدأ درجة حرارة الجسم الأساسية في الارتفاع. وإذا لم نجد طريقة للتبريد في غضون ساعات، فقد يؤدي ذلك إلى الإرهاق الحراري أو ما يعرف بضربة الشمس، وبالتالي الضغط على القلب والأوعية الدموية، وهو ما يمكن أن يؤدي إلى نوبات قلبية مميتة.
وفق الدراسة لم يتم تسجيل درجات الحرارة والرطوبة التي تتجاوز الحدود البشرية إلا مرات قليلة، ولساعات قليلة فقط، وهذا حدث في الشرق الأوسط وجنوب شرق آسيا.
لن نستشهد على كل ما سبق بالحرائق والفيضانات التي شهدتها مناطق كثيرة في العالم خلال العالم الحالي، وأبرزها فيضانات درنة، قد يقول القائل إنها حوادث استثنائية لعام استثنائي، لن نجادل، ولكن سنصغي لما يقوله الخبراء والعلماء بشأن ارتفاع درجة حرارة الأرض بشكل غير مسبوق، والتي أكدت أن شهر آب – أغسطس، هو أكثر الشهور المماثلة له حرا على كوكب الأرض، وشهد نصف الكرة الأرضية الشمالي أكثر فصول الصيف ارتفاعا في درجة الحرارة، وفقا لما ذكرته الهيئة الوطنية الأميركية للمحيطات والغلاف الجوي.
وجاء ارتفاع درجة الحرارة في أعقاب دراسة نشرتها مجلة تقدم العلوم الأميركية أشارت إلى أن كوكب الأرض تجاوز ستة من أصل تسعة حدود للعمليات التي تعد ذات أهمية قصوى للحفاظ على استقرار ومرونة نظام الأرض ككل.
وهذه الحدود تشمل سلامة الغلاف الجوي، والتغيرات التي تطرأ على المياه العذبة والتغير المناخي.
درجات الحرارة العالمية على سطح الأرض خلال أغسطس الماضي سجلت درجتين وربع الدرجة أعلى من متوسط درجة الحرارة في ذات الشهر خلال القرن العشرين، أي قاربت الرقم الحرج (3).
ولم تكن الأرض وحدها هي التي تغلي من شدة الحرارة، فشهر أغسطس سجل أيضا رقما قياسيا في ارتفاع درجة حرارة سطح البحر بشكل غير مألوف على أساس شهري، مسجلا 1.85 درجة فوق المتوسط.
وقال الخبراء بعد مراجعة البيانات التي وصفت بالمذهلة، إن هناك الآن فرصة تصل إلى 95 في المئة أن يصنف عام 2023، بين أكثر عامين في شدة الحرارة على الإطلاق.
أخطر ما جاء في الدراسة هو إعلانها صراحة ودون مواربة أن “الأرض أصبحت الآن خارج مساحة التشغيل الآمنة للبشرية”.
ماذا تتوقع من إنسان مهدد بالموت أن يفعل؟
دعونا نجري مقارنة مع ما يحدث اليوم؛ بالتأكيد الأوضاع الاقتصادية والأمنية على صعوبتها في القارة الأفريقية وفي الشرق الأوسط ومناطق أخرى في العالم، لم تصل إلى حد من السوء يمكن أن يقارن مع السيناريو السابق. رغم ذلك تواجه أوروبا سيلا من الهجرات لا يتوقف.
هذه الهجرات التي دفعت حكومات دول الاتحاد الأوروبي إلى الاستنفار، لن تكون سوى نموذج مصغر لما ينتظرها من هجرات إذا صدق السيناريو وشهد العالم ارتفاعا بثلاث أو أربع درجات. عندها سيكون الحديث عن الأزمات الاقتصادية ترفا. لن يغادر الناس أوطانهم فرادى بل جماعات. وقد نرى انتقال شعوب بأكملها بحثا عن منطقة جغرافية أخرى للعيش فيها إن لم يكن بالرضا فبإعلان الحرب.
قبل أن تضيق الأرض بمن عليها، وقبل أن يكون هناك أي حديث عن التغير المناخي وارتفاع درجات الحرارة، كانت هناك هجرات جماعية، دوافعها غالبا اقتصادية، رافقتها الحروب.
الأمثلة على ذلك عديدة أبرزها هجرة الشعوب الجرمانية من شمال أوروبا إلى جنوبها في القرنين الرابع والخامس الميلاديين.
وهجرة الشعوب المغولية من آسيا الوسطى إلى آسيا وأوروبا والشرق الأوسط في القرون الوسطى.
السؤال الآن هل ستكون تلك الهجرات سلمية أم سترافقها الحروب؟
لا شك في أن معظمنا يعلم الجواب أو يتوقعه.
المصدر: العرب
سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
تابعوا أحدث أخبارنا وخدماتنا عبر حسابنا بتويتر