سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
أوني فروى أزيمي
وصلت السياسة العالمية إلى درجة مثيرة للاهتمام، ذلك أن الزيادة التدريجية التي طرأت على وضع التعددية أدت إلى خلق فضاءات جديدة للجغرافيا الاستراتيجية للدول التي تُنَاوِر من أجل مصالحها الفردية. وفي الوقت ذاته، صاحب ذلك فتح طرقٍ جديدة للتعاون من أجل المصالح الجيوسياسية المشتركة. وهو السيناريو الذي تبنته عدد من الدول التي عملت على تعديل وتيرة سياساتها الخارجية والتكيف مع المعطيات الجديدة والمتغيرة.
وقد أدى التغير الذي طرأ على وتيرة الحركة العالمية إلى ظهور العديد من المواءمات التي تعمل بالتوازي مع بعضها البعض. فعلى سبيل المثال، بات من الواضح أن المحور الروسي الصيني الباكستاني في طور الإعداد؛ إذ تتعاون الدول الثلاث مع بعضها البعض في إطار “مبادرة الحزام والطريق” (BRI)، التي دشنتها الصين، وذلك عبر عملية السلام والمصالحة الجارية بأفغانستان حاليًا. وفي الوقت نفسه، يبرز دور المثلث الاستراتيجي بين روسيا والهند والصين كظاهرة متكررة. ففي محاولة لبناء ممر انتقالي موازٍ، وهو الممر الدولي للانتقال بين الشمال والجنوب، تتعاون روسيا والهند معًا، تاركتين الصين وباكستان خارج المشروع.
وهنا يثار التساؤل وهو: هل يمكن وضع العلاقات الباكستانية الروسية في سياقها الطبيعي، في ظل هذا الوضع المتدفق للعلاقات بين الدول؟
في هذا السياق يمكن الإشارة إلى المشاركة الروسية والاستثمار؛ فبصرف النظر عن التعاون الدفاعي، فإن تخفيض عدد القوات الأميركية في أفغانستان يعزز التقارب السريع بين مصالح روسيا وباكستان. وباعتبارها حليفًا قويًا لبكين، تحتل إسلام آباد مكانة خاصة في حسابات موسكو الاستراتيجية؛ فقد عقدت كلٌّ من باكستان وروسيا والصين ثلاثة حوارات حول أفغانستان. عُقِدت الجولة الأولى في بكين، والثانية في “إسلام آباد”، والأخيرة في موسكو. وقد عقد هذا الحوار الثلاثي على خلفية انسحاب الناتو من أفغانستان وتداعياته على المنطقة. وفي هذا السياق، كان مؤتمر موسكو للسلام، الذي عُقد هذا العام، استمرارًا للتعاون الثلاثي، وبخاصة في ظل انسحاب القوات الأميركية من كابول.
وعلى هذا، فإن وجود تنظيم “داعش” الإرهابي (ISIS) في أفغانستان، يعدُّ هو الآخر حقيقة غير سارة بالنسبة لكل من باكستان وروسيا. ثم إن ذلك التهديد يحفز التدريبات العسكرية المشتركة للحد من خطر الإرهاب. ومع ذلك، لا يقتصر التقارب بين موسكو وإسلام آباد على مجال الأمن والسياسة، بل إنه يتوسع في المجال الاقتصادي كذلك.
ففي أكتوبر 2015، تمَّ توقيع مذكرة تفاهم لبناء خط أنابيب غاز بطول 1.100 كيلومتر لربط محطات الغاز الطبيعي المسال (LNG) في مقاطعات السند والبنجاب الباكستانية. وقد كان من المتوقع أن يتم تنفيذ هذا المشروع بواسطة شركة روسية للموارد العالمية (RT Global Resources) في العام الماضي وتسليمه إلى باكستان لمدة 25 عامًا، من خلال نموذج “نقل البناء الذاتي” (BOT). ووقَّع “كونسورتيوم” النفط والغاز الروسي، Inter RAO Engineeringو Himmash-Apparat، مذكرة تفاهم مع شركة “خيبر باختينشكوف” Khyber Pakhtunkhwaللنفط والغاز المحدودة (KPOGCL) من أجل تأسيس مصفاة للنفط في منطقة “كوهات”. وتتفاوض الشركات الروسية على تحويل محطة للطاقة تعمل بالغاز والنفط في إقليم “مظفر جار” و”البنجاب”، إلى محطة تعمل بالفحم.
وفي هذه المنظومة تمثل أفغانستان مشكلة شائكة؛ فبعد يومين من إجراء محادثات بين الولايات المتحدة وطالبان في الإمارات العربية المتحدة، لم يُعرب الجانب الروسي عن مخاوفه فحسب، بل إنه رتَّب لقاء مع عدد من الدبلوماسيين الهنود في نيودلهي أيضًا. وكما ذكرت “وكالة سبوتنيك”، فإن الاجتماع انعقد بين الهند وروسيا على خلفية المحادثات بين الولايات المتحدة وطالبان. وإذا أردنا العثور على إشارة حول وضع الهند في “اللعبة الكبرى” الجديدة لدى روسيا، فسنجد ذلك بوضوح في البيان الصحفي الصادر عن وزارة الخارجية الروسية.
فقد جاء بالبيان أن باكستان وروسيا لديهما مصالح مشتركة في تهيئة الظروف لعملية السلام “الأفغانية التي تقودها أفغانستان”، ولكن في الوقت الذي يشار فيه إلى دور الهند في أفغانستان، فإن انضمام الهند وباكستان إلى منظمة شنغهاي للتعاون، أعطى تلك المنظمة دفعة جديدة بالنسبة لمجموعة الاتصال بين منظمة شنغهاي وأفغانستان. فكثيرًا ما كانت الهند مصدرَ إزعاجٍ للعلاقات الباكستانية الروسية، وما زالت مستمرة حتى الوقت الراهن. أمَّا بالنسبة للاعتراضات الهندية على التدريبات العسكرية المشتركة، قال مدير الادارة الثانية بوزارة الخارجية الروسية، “زامير كوبولوف”، إن الهند ليست قلقة بشأن التدريبات العسكرية؛ لأنها لن تجري في المناطق المتنازع عليها.
وما بين موسكو وإسلام آباد، يشكل النزاع الاقتصادي القديم عائقًا كبيرًا أمام تحسين العلاقات الاقتصادية؛ فقد أدى الخلاف الاقتصادي إلى تجميد الأصول الروسية (بقيمة 120 مليون دولار أميركي) لدى باكستان. إذ لم تسفر الجهود المبذولة لحل هذا النزاع عن نتائج، وقد كان من المتوقع أن يتم تنفيذ ممر الغاز بين الشمال والجنوب في عام 2018، لكن لا يزال ذلك في حالة من عدم اليقين؛ لأن الخلافات حول تعريفات الترانزيت أدت إلى تأخير تنفيذ مشروع خط أنابيب الغاز. وقد توقع “فيكتور كلادوف”، مدير شركة “روستيك كوربوريشين” Rostec Corporationللتعاون الدولي والسياسة الإقليمية، المزيد من التأخير في المشروع بعد عام 2018.
وتكمن الإشكالية الأساسية في التنافس العميق بين الصين وروسيا، وهو ما يتضح بشكل أكبر في المجال الاقتصادي. ففي بياناتهم الرسمية، يؤيد الروس “مبادرة الحزام والطريق”(BRI)، والممر الاقتصادي الصيني الباكستاني (CPEC)، لكنهم في الواقع العملي، يخلقون مجالاً خاصًا لهم في قطاعات الطاقة والتنمية بباكستان. وتؤكد مشاريع ومبادرات الطاقة التي تقودها روسيا هذا النمط من الاستثمار. فعلى رأس القائمة يأتي خط الغاز بين الشمال والجنوب، الذي سيتم تشغيله بالتوازي مع “مبادرة الحزام والطريق” في وسط وجنوب آسيا. بجانب ذلك، نشير إلى مصفاة النفط والغاز في منطقة “كوهات” كمشروعٍ ثنائي. لكن لا توجد مشاريع روسية في محيط الممر الاقتصادي الصيني الباكستاني حتى الآن. لكن بكين وموسكو لم تتوصلا إلى اتفاقٍ حول نسبة الأسهم الروسية والصينية في الممر الاقتصادي الصيني الباكستاني على وجه الخصوص، إذ لا يزال الاستثمار الروسي في قطاع الطاقة الباكستاني يمثل تحديًا كبيرًا. وفي المستقبل المنظور، ستكون روسيا في طريقها نحو سياسة متعددة الجوانب، بل ومعقدة، بشكل يمكن أن يستمر في التكيف وفقًا للمصالح الوطنية. إلا أنه نتيجة للتغييرات الهيكلية التي طرأت على النظام الدولي وتداعياتها على المستوى الإقليمي، فإن التوجهات المشتركة بين موسكو وإسلام أباد، تبدو أكثر وضوحًا. ومع ذلك، فإن باكستان لا تزال في حاجة إلى التوصل لنهج استباقي وعملي يستدعي سياسة خارجية متنوعة.
إعداد: وحدة الترجمات بمركز سمت للدراسات
سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
تابعوا أحدث أخبارنا وخدماتنا عبر حسابنا بتويتر