سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
نيكولاس والر
اتخذ المستشار النمساوي سيباستيان كورتز، مؤخراً، عدداً من المبادرات التشريعية التي تستهدف الجماعات والحركات الإسلامية النشطة داخل البلاد، وتشمل هذه المبادرات فرض حظر على “استخدام الرموز” المرتبطة بجماعة الإخوان المسلمين، إلى جانب تلك الخاصة بالمنظمات الإرهابية الإسلامية؛ مثل “الدولة الإسلامية”، و”القاعدة”، و”حماس”، و”حزب الله”.
وتأتي هذه الخطوة بعد أشهر من التحقيقات التي لاحقت بقوة جماعة الإخوان المسلمين، وغيرها من الجماعات الإسلامية، في أعقاب الهجوم الإرهابي المميت الذي وقع في نوفمبر الماضي في قلب العاصمة فيينا؛ وهو هجوم نفذه أحد المتعاطفين مع تنظيم الدولة الإسلامية.
وفي أواخر العام الماضي، شنت السلطات النمساوية سلسلةً من المداهمات التي استهدفت أفراداً ومنظمات مرتبطة بجماعة الإخوان المسلمين و”حماس“؛ حيث وصف المدعون العامون النمساويون الجماعة بأنها “منظمة إسلامية متطرفة نشطة عالمياً ومعادية بشدة للسامية” تحاول “إقامة دولة إسلامية على أساس الشريعة الإسلامية في جميع دول العالم”.
ومع تزايد المخاوف بشأن دور الإخوان المسلمين في تطرف الأفراد المنتمين إلى الأقليات المسلمة في مختلف أنحاء أوروبا، تحذو حكومات الاتحاد الأوروبي الأخرى حذو النمسا. وبينما بدأت الحكومات الأوروبية تتجه إلى اعتبار جماعة الإخوان المسلمين تهديداً لا يمكن تحمله للتماسك الاجتماعي والقيم العلمانية، فإن الدور الذي تلعبه الجماعة في الأزمة الليبية يساعد على توضيح ميولها المعادية للديمقراطية.
الوضع الحرج للإخوان المسلمين في جميع أنحاء الاتحاد الأوروبي
وبينما كانت فيينا تضع جماعة الإخوان المسلمين نصب أعينها منذ سنوات، فقد بدأ القادة السياسيون في باريس تبني نهج مماثل بعد سنوات من الهجمات الجهادية البارزة التي ارتكبها أفراد متطرفون داخل فرنسا وأوروبا؛ بما في ذلك قطع رأس المدرس صامويل باتي، خارج باريس، وهجوم بسكين على كنيسة كاثوليكية في نيس، وكلاهما وقع خلال العام الماضي.
وقد أصدر الرئيس الفرنسي ماكرون، “ميثاق مبادئ” صاغه ممثلون بارزون عن الجالية المسلمة الفرنسية، ووضع مبادئ توجيهية لمواءمة الممارسات الدينية الإسلامية، وقيم الجمهورية العلمانية الفرنسية. ورفضت مجموعة فرعية من المنظمات الإسلامية في فرنسا بشدة محتويات هذا الميثاق، مع معارضة تقودها منظمات الشتات التركية، ولجنة التنسيق للمسلمين الأتراك في فرنسا؛ وكلتاهما مرتبطة ارتباطاً وثيقاً بحكومة رجب طيب أردوغان وحزب العدالة والتنمية الحاكم في تركيا.
وحزب العدالة والتنمية هو سليل أيديولوجي مباشر لشبكة من الحركات الإسلامية في القرن العشرين، والتي خرجت من تحت عباءة الإخوان المسلمين. وتحت حكم أردوغان، عملت تركيا كراعٍ رئيس للتنظيم في ليبيا وأوروبا، وأجزاء أخرى من الشرق الأوسط.
ومن جانبه، اختص ماكرون جماعة الإخوان المسلمين، إلى جانب الوهابية والسلفية، باعتبارهم المحرك الرئيس للتطرف في المجتمع الفرنسي. ففي جميع أنحاء أوروبا، حيث يجد القادة أنفسهم دوماً في خلاف مع الحكومة التركية حول المعايير الديمقراطية والقيم الغربية، توفر جماعة الإخوان المسلمين وغيرها من الجماعات الإسلامية المنحازة أيديولوجياً، وسيلة لتركيا للتأثير على المجتمعات المسلمة داخل الاتحاد الأوروبي وممارسة الضغط على خصوم أردوغان الأوروبيين.
وعلى الجانب الآخر من البحر الأبيض المتوسط في ليبيا، تقدم جماعة الإخوان أيضاً لأنقرة قوة دفع للحفاظ على نفوذها في البلاد والتأثير على مستقبلها السياسي؛ بما في ذلك من خلال استمرار نشر المقاتلين المدعومين من تركيا على الرغم من مطالبات الحكومة الانتقالية والمجتمع الدولي بالانسحاب.
دوافع لتعطيل انتقال السلطة
لقد أعاد انهيار ملتقى الحوار السياسي الليبي، الذي ترعاه الأمم المتحدة قبيل الانتخابات الليبية المقبلة في ديسمبر، فتح الباب أمام السؤال عما إذا كانت الحكومة المؤقتة التي يقودها رجل الأعمال الذي تحول إلى سياسي عبدالحميد دبيبة، سوف تحترم في نهاية المطاف التزاماتها الدولية بالتنحي في نهاية هذا العام.
بينما نشر الاتحاد الأوروبي بالفعل تهديداتٍ بفرض عقوبات اقتصادية لثني الجهات الفاعلة داخل ليبيا عن التدخل في الجدول الزمني للانتخابات؛ لكن الديناميكيات السياسية الكامنة وراء المأزق الحالي قد لفتت الانتباه مجدداً إلى نفوذ جماعة الإخوان المسلمين في الدولة الواقعة شمال إفريقيا.
وفي حين كان تشكيل حكومة مؤقتة موحدة في وقتٍ سابق من هذا العام أحد أكثر التطورات الإيجابية بالنسبة إلى ليبيا منذ انقسام البلاد إلى إدارات غربية وشرقية متنافسة عام 2014، إلا أن العديد من أصحاب المصالح الخاصة الذين أذعنوا للترتيب السياسي الجديد باتوا الآن متهمين بمحاولة عرقلة الخطوات التالية للانتقال إلى الحكم الديمقراطي.
ومن بين أصحاب المصالح الخاصة جماعة الإخوان المسلمين، التي تمتعت بنفوذٍ كبير في طرابلس بعد سقوط معمر القذافي؛ خصوصاً بعد عودتها المظفرة في الانتخابات البرلمانية الليبية عام 2012. وفي حين أن الحركة مارست نفوذاً كبيراً على حكومة الوفاق الوطني بقيادة فايز السراج، في طرابلس، فإن الانتقال إلى حكومة انتقالية موحدة يُنظر إليه باعتباره انتكاسة للإخوان، على الرغم من أن دبيبة كان ينتمي إلى الجماعة في السنوات التي تلَت ثورة ليبيا عام 2011.
وقد ابتعد رئيس الوزراء الليبي الجديد عن حلفاء حكومة الوفاق الوطني؛ في محاولةٍ لحمل خصوم حكومة طرابلس في الشرق على الانضمام إلى مؤيديه، في حين أن إخفاقات جماعة الإخوان قد كلفتها شرعيتها في نظر العديد من الليبيين. وإذا سمح بإجراء انتخابات ديسمبر كما هو مخطط لها، فإن الخبراء مثل كريم مزران، زميل المجلس الأطلسي، يتوقعون أنه من غير المرجح أن يفوز حزب العدالة والبناء التابع للإخوان وحلفاؤه بأكثر من خُمس المقاعد في البرلمان الجديد.
وهذا من شأنه أن يعطي الحركة سبباً كافياً لتأجيل الانتخابات أو تعطيلها، بغضّ النظر عن التكاليف التي قد تتكبدها عملية السلام الليبية. وقد أشار المعلق التونسي حبيب لاسود، في جريدة “أراب ويكلي”، في أعقاب محادثات جنيف، إلى أنه تم تخصيص 45 من أصل 75 مقعداً لجماعة الإخوان المسلمين وحلفائها، معتبراً أن الليبيين أنفسهم توقعوا انهيار المناقشات؛ بسبب الحوافز القوية للمشاركين لنسف العملية الانتخابية.
ومن المفارقات أنه إذا نجحت الجماعة وحلفاؤها في تأخير الانتخابات الليبية في محاولةٍ للحفاظ على ما تبقى من موقفهم السياسي، فإن المستفيد النهائي سيكون دبيبة، الذي سيكون قادراً على البقاء في منصبه بعد تاريخ انتهاء ولاية حكومته في ديسمبر.
والآن مع خروج ملتقى الحوار السياسي الليبي عن مساره، يبقى أن نرى ما إذا كان الاتحاد الأوروبي سوف ينفذ تهديده بفرض عقوباتٍ على الجهات السياسية الفاعلة المسؤولة عن انهيار المحادثات. ومن جانبها، فقد بدأت الحكومات الأوروبية بالفعل في التحرك منفردةً ضد جماعة الإخوان المسلمين ضمن حدودها؛ وهو الاتجاه الذي يصيغ في نهاية المطاف السياسة على مستوى الاتحاد الأوروبي أيضاً.
المصدر: كيو بوست
سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
تابعوا أحدث أخبارنا وخدماتنا عبر حسابنا بتويتر