البنوك المركزية والعملات المشفرة خطان متوازيان.. هل يلتقيان؟ | مركز سمت للدراسات

البنوك المركزية والعملات المشفرة خطان متوازيان.. هل يلتقيان؟

التاريخ والوقت : الثلاثاء, 14 مارس 2023

جيليان تيت

 

في الطابق الثالث من البرج الأسطواني المظلم، حيث يقع مقر بنك التسويات الدولية، رأيت منظرا جعلني أرمش متفاجئة، جدرانا بيضاء.

قد لا يبدو ذلك مدهشا، لذا دعوني أشرح لكم. بنك التسويات الدولي هو البنك المركزي للبنوك المركزية. يقع البنك في سويسرا، أحد مراكز العالم المالية الشهيرة. عندما زرته من قبل، كان التصميم تقليديا بشكل مطمئن. تكسية خشبية داكنة، وكراسي بسيطة، وألوان باهتة، ولوحات فنية مملة. مثل معظم البنوك المركزية، كان يعكس شعورا من الاستقرار الأزلي بالأعمدة الرخامية.

لكن الجدران البيضاء هي إحدى العلامات على أن تجربة ثقافية مثيرة للاهتمام تجري هنا. قبل عام، أطلق بنك التسويات الدولية ستة “مراكز ابتكار” ستتبنى مبادرات في العملات المشفرة والعوالم الإلكترونية. إنه يساعد على إنشاء سلسلة من مشاريع العملات الرقمية للبنوك المركزية حول العالم على وجه الخصوص. في نهاية 2022، كانت نحو 114 دولة تبحث في العملات الرقمية للبنوك المركزية ، و20 دولة منها تجربها، و11 دولة أطلقتها وفقا للمجلس الأطلسي، المؤسسة الفكرية للشؤون الدولية. أعلن بنك إنجلترا، الذي كان يدرس العملات الرقمية للبنوك المركزية منذ أواخر 2021، أنه قد تكون هناك حاجة إلى “جنيه رقمي” في المستقبل.

لذلك، في محاولة لمحاكاة وادي السيليكون أو مركز التكنولوجيا المالية الأقرب في السويد، استبدلت إحدى زوايا بنك التسويات الدولية التكسيات الخشبية الداكنة بألواح بيضاء وزجاج وكراسي مريحة. عند المقارنة، لا تشبه التجديدات الشقة العلوية المريحة في الباهاماس، التي كانت مقر سام بانكمان-فرايد مؤسس “إف تي إكس” سيئ السمعة، ولا المبنى المغطى بالرسومات الجدارية في بروكلين الذي هو مقر شركة كونسينسيس، التي كان لها دور رئيس في عملة إيثريم. لكن من الواضح أن الشكل الجديد هو جزء من جهود لكسر الصورة المملة للمصرفية المركزية قليلا فقط.

أهذه فكرة سديدة؟ جواب هواة العملات المشفرة سيكون “لا” قطعا. في النهاية، معظم الذين كانوا جادين بشأن بيتكوين أو إيثريم انخرطوا لأنهم يريدون إلغاء التسلسلات الهرمية المالية الحالية، ويعتقدون أن المصارف المركزية تقليدية للغاية لدرجة أنه لا يمكنها فهم القوة الابتكارية للأصول الرقمية.

علاوة على ذلك، إنهم يخشون أن يكون السبب الوحيد في تجربة المؤسسات مثل بنك التسويات الدولية للعملات الرقمية للبنوك المركزية هو تحطيم رموز القطاع الخاص التي قد تتحدى العملات التقليدية أو الورقية، ليس بالحظر التام على المنافسين، بل بسرقة متاعهم الإلكتروني.

أصحاب نظريات المؤامرة محقون جزئيا. في اجتماع أخير حضرته لمحافظي البنوك المركزية والمنظمين في برج بازل ذاك، كان هناك اعتقاد واضح، أو أمل، بأن تحل العملات الرقمية للبنوك المركزية محل معظم الرموز الخاصة في المستقبل، ولا سيما أن الأصول المشفرة مثل بيتكوين قد انهارت قيمتها، والفضائح مثل فضيحة بورصة إف تي إكس تثير حملات تنظيمية. في الواقع، يقول أجوستين كارستنز، رئيس بنك التسويات الدولية، “إن الأحداث الأخيرة تعني أن المصارف المركزية قد كسبت المعركة بين العملات المشفرة والورقية”.

قد يكون الأمر كذلك. لكن ليس جميع من في أبراج البنوك المركزية هذه يعتقد أنه من الضروري أو المعقول تجربة العملات الرقمية للبنوك المركزية. قد يجعل الابتكار البنوك تتحكم في كميات هائلة من بيانات المواطنين وتقوض دور المقرضين التجاريين. حتى إنها قد لا تقدم مدفوعات أسرع للمواطنين. في تقرير حديث من مجلس اللوردات طرح تساؤل عما إذا كانت العملات الرقمية للبنوك المركزية هي “حل لا قيمة له”، بينما يجادل توني ييتس، مستشار سابق لبنك إنجلترا، بأن “المهمة الضخمة ببساطة لا تستحق التكاليف والمخاطر”. كما يقر جاي باول، رئيس الاحتياطي الفيدرالي، بأنه “متردد شرعيا بشأن إذا ما كانت الفوائد تفوق التكاليف أو العكس”.

ولا عجب في ذلك. حتى مع تداخل هذين العالمين، يظل التعصب قوة كبيرة. محافظو البنوك المركزية مدربون على التحرك بحذر ويقدرون الاستقرار ويعملون ضمن هياكل سلطة هرمية. على النقيض، يقدر رواد أعمال التكنولوجيا الذين يقودون ثورة الأصول الرقمية “الشبكات” -قوة الحشد، لا التسلسل الهرمي- ويريدون إحداث ثورة في المؤسسة عن طريق المخاطرة وأخذ خطوات جريئة. “الثقافتان مختلفتان تماما، إنهم يعتقدون أنهم يتحدثون عن الموضوع نفسه”، كما قال أحد محافظي البنوك المركزية الذي تعامل مع “فيسبوك” عندما حاولت إطلاق مشروعها للأصول الرقمية “لبيرا” في 2019. لكن ذلك المشروع فشل في النهاية.

يحاول بعض سد الفجوة. يقول جيريمي آلير، مؤسس مجموعة سيركل التي تدير عملة رقمية مربوطة بأصول أخرى، “إنه يريد العمل مع المنظمين لا ضدهم”. حتى إنه يرتدي قميصا وسترة بسيطين بدلا من بنطال قصير وقميص غير مرتب مثل بانكمان-فرايد. في الوقت نفسه، يحاول بنك التسويات الدولية توظيف أشخاص من عالم التكنولوجيا، كما يخلع بعض محافظي البنوك المركزية معاطفهم. لكن الجمع بين طرفي بازل والتكنولوجيا لن يكون سهلا، علاوة على أن كليهما يعتقد أنه يجب أن تكون له اليد العليا.

 

المصدر: صحيفة الاقتصادية – خدمة فايننشال تايمز

النشرة البريدية

سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!

تابعونا على

تابعوا أحدث أخبارنا وخدماتنا عبر حسابنا بتويتر