الانسحاب الأميركي من سوريا.. هل تتفاقم الأزمة؟ | مركز سمت للدراسات

الانسحاب الأميركي من سوريا.. هل تتفاقم الأزمة؟

التاريخ والوقت : الخميس, 3 يناير 2019

مع تأزم الموقف على الأراضي السورية، والتفاف المشهد السوري بالغموض الذي يصعب التكهن بتفاصيله ونتائجه، أمر الرئيس الأميركي دونالد ترمب، بسحب ألفي جندي أميركي من سوريا، ووقَّع وزير الدفاع “جيمس ماتيس”، أمرًا بتكليف القيادة المركزية للجيش الأميركي بوضع خطة للانسحاب، لكن الأمر لم يشتمل على جدول زمني، بالإضافة إلى إعلان البيت الأبيض أن واشنطن بدأت في مرحلة جديدة في حربها ضد تنظيم “داعش” في سوريا، وبدأت في سحب قواتها التي كانت تتعاون مع قوات “سوريا الديمقراطية الكردية” في شمالي سوريا؛ وهو ما أثار العديد من ردود فعل وتكهنات مختلفة بصعود نجم تركيا وروسيا وإيران في سوريا، وازدياد نفوذ “داعش”، إلا أن البعض الآخر يراه إيجابيًا؛ إذ يمثل فرصة للدولة السورية لاستعادة سيادتها، وإيجابي – أيضًا – بالنسبة لواشنطن ذاتها.

ردود فعل عدة

يبدو أن توقيت القرار واتخاذه طابع المفاجأة، قد أثار العديد من ردود الفعل حوله، وهو ما نستدل عليه مما جاء في صحيفة “واشنطن بوست” حول كون القرار صدمة للداخل الأميركي، فضلاً عن مناهضة بعض الخبراء الدوليين للقرار، واعتبار قوات سوريا الديمقراطية انسحاب القوات الأميركية طعنة في الظهر، وتشكيك الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في الانسحاب.

الداخل الأميركي

صحيفة “واشنطن بوست” قالت إن إعلان الرئيس الأميركي دونالد ترمب، سحب القوات من سوريا، كان بمنزلة صدمة للشعب في الداخل، والمجتمع الدولي في الخارج، فضلاً عن شعور المسؤولين العسكريين الكبار بالخداع بسبب التحول الجذري في سياسة واشنطن تجاه سوريا(1).

الخبراء

 خبراء دوليين في مكافحة الإرهاب، كانوا مناهضين للقرار أيضًا، وحذروا من أن انسحاب أميركا، قد يؤدي إلى عودة تنظيم “داعش” الإرهابي، إذ إن ترمب أعطى هدية عيد الميلاد لأعداء الولايات المتحدة “روسيا وإيران”، كما أكد القادة العسكريون الأميركيون أنهم لم يتلقوا أية “جداول زمنية أو أوامر مباشرة” من البنتاغون لتنفيذ قرار ترمب.

قوات سوريا الديمقراطية

قوات سوريا الديمقراطية “قسد” التي كانت تقف في صفها الولايات المتحدة، اعتبرت الانسحاب بمنزلة “طعنة في الظهر وخيانة “، وهو ما جاء على لسان المتحدث باسم القوات، مصطفى بالي، الذي قال إن القوات ستفعل كل ما يمكنها القيام به لمواصلة المعركة، لكن القرار الأميركي كان مؤسفًا وغير متوقع.

الجانب الروسي

الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، كان من المتشككين في إعلان ترمب، انسحاب بلاده من سوريا، وهو ما يتضح من حديثه حول أنه متفق إلى حد بعيد مع الرئيس الأميركي دونالد ترمب، على أن تنظيم “داعش” قد انهزم، لكنه عبَّر عن تشككه فيما إذا كانت الولايات المتحدة ستنسحب بالكامل من سوريا،  بالإضافة إلى قوله إن موسكو لم ترصد أي مؤشرات على الانسحاب الأميركي، وإن الولايات المتحدة قالت مرارًا إنها ستغادر أفغانستان، لكنها لم تفعل.(2)

خطوة إيجابية

على الرغم من بعض المخاوف المطروحة إزاء القرار، والتكهن بأنه سيكون له تداعيات سلبية، فإن هناك طرحًا آخر يمكننا تناوله، وهو كون القرار إيجابيًا، وسيترتب عليه نقاط إيجابية وليست سلبية، فقرار الانسحاب يعطي فرصة للدولة السورية لتأكيد سيادتها واستعادة توازنها، وأنه يحمل بعض المنافع لواشنطن.

استقالة “ماتيس”

لعل قرار ترمب بسحب القوات من سوريا، كان له تداعيات على حكومته أيضًا، فبعد أن وقَّع وزير الدفاع الأميركي “جيمس ماتيس” على القرار تنفيذًا لتعليمات ترمب، قدَّم استقالته من وزارة الدفاع. الاستقالة اعتبرها البيت الأبيض على لسان المتحدث باسم وزارة الدفاع الأميركية، طبيعية؛ لأن ترمب قد أعلن أنه سيختار خلفًا لـ”ماتيس” قبل شهرين من الموعد المقرر.(3)

أسباب أخرى يمكننا ترجيح وقوفها خلف استقالة “ماتيس”، تكمن في اختلاف وجهات نظره مع سياسات وقرارات ترمب – التي يراها البعض غير مدروسة بشكلٍ كافٍ – وهو ما نستدل عليه مما أورده وزير الدفاع المستقيل في خطابه الذي جاء فيه: “لأن لديك (ترمب) الحق بأن يكون لديك وزير دفاع تتشابه وجهات نظره مع وجهات نظرك، أعتقد أنه من الصواب بالنسبة لي الاستقالة من منصبي.. لا يمكننا حماية مصالحنا أو القيام بعمل جيد في هذا الدور دون المحافظة على تحالفات قوية وإظهار الاحترام لكل حلفائنا”.(4)

الرابحون من الانسحاب

مصائب قوم عند قوم فوائد.. لا ندرك معنى تلك الجملة إلا عندما يستغل طرف ما حدث لآخر لكي يحقق ما يريد. فالانسحاب الأميركي من سوريا من المحتمل أن يمنح فرصة  لعدة جهات بالصعود والسيطرة على مجريات الأمور في الأراضي السورية، وسيعطي الفرصة لقوات عدة بتجهيز نفسها لتحصل على ما تريده من سوريا. كما أن الولايات المتحدة نفسها ستسفيد من قرار الانسحاب، وهو ما نستدل عليه من حديث الرئيس الأميركي دونالد ترمب بأن القرار لم يكن مفاجئًا.

كما أن  تركيا وروسيا فرصة القرار بسحب القوات الأميركية، فسرعان ما أعلنتا عن لقاء مشترك للتشاور حول الوضع في سوريا، وهو ما جاء على لسان وزير الدفاع الروسي “سيرغي شويغو”، أن وزراء الدفاع والخارجية لروسيا وتركيا سيبحثون في موسكو انسحاب القوات الأميركية من سوريا، والوضع في إدلب، وعددًا من القضايا الأخرى في هذه الدولة، كما أشار إلى أنه من المقرر مناقشة “ما يجب القيام به بعد إعلان انسحاب القوات الأميركية من سوريا(5).”

 الولايات المتحدة نفسها:

الرئيس ترمب بصفته رجل أعمال، فإنه لن يتخذ قرارًا إلا إذا رأى به فائدة، فقرار الانسحاب من سوريا ربَّما به بعض المنافع بالنسبة لواشنطن.

– الوجود الأميركي في سوريا كان يدير الموضوع لتحقيق استراتيجية الولايات المتحدة.

– ترمب قال إنه تمَّ القضاء على “داعش”، فبالتالي ليس هناك مبرر لوجود القوات بعد مواجهة التنظيم.

–  من المرجح أن ترمب رأى أن أبناء المنطقة هم من يجب أن يحاربوا “داعش”.

– ربَّما رأت واشنطن أن الانسحاب يحافظ على قواتها العسكرية ويضمن عدم استنزافها.

– من المرجح أن واشنطن لم تُرِد إنفاق المزيد من الأموال في قتال “داعش”.

روسيا:

من المحتمل – أيضًا -ألا تفوِّت موسكو(العدو الأول للولايات المتحدة والمنافس الأكبر على الأراضي السورية)، فرصة سحب القوات الأميركية من دون محاولة تحقيق الاستفادة والسعي وراء مصالحها، فعلى الرغم من اتفاق بوتين مع ترمب في نقطة القضاء على “داعش”، فإنه ألمح إلى صعود النجم الروسي في المسألة السورية، وهو ما يتضح من حديثه حول أن يكون للمتعاقدين العسكريين الروس التابعين لشركة تعرف باسم (فاجنر جروب)، الحق في العمل والسعي وراء مصالحهم في أي مكان في العالم ما داموا لا يخالفون القانون الروسي؛ وهو ما نستنتج منه أن روسيا ستسعى لتثبيت أقدامها بشكل أكبر في الأراضي السورية.(6)

تركيا:

من المرجح – أيضًا – أن تكون أنقرةمن أبرز الساعين لتحقيق الاستفادة جراء الانسحاب الأميركي من سوريا، إذ ما لبثت أن اتجهت للتنسيق مع الجانب الروسي والتباحث حول المستقبل، بيد أنها ستجد الفرصة سانحة أمامها للاستمرار في ملاحقة الأكراد والقضاء عليهم، وهو ما دفع عدة مسؤولين أميركيين لتنبيه المقاتلين الأكراد الذين يحاربون تنظيم “داعش” بالاحتفاظ بالأسلحة التي قدمتها لهم الولايات المتحدة، إلا أن هناك العديد من الأنباء التي تتحدث عن تعزيز تركيا لقواتها في سوريا.(7)

إيران:

من النخاوف المطروحة أيضا محاولة إيران (الداعم الأول لنظام الأسد) لتحقيق نوع من الاستفادة عقب الانسحاب الأميركي من سوريا؛ إذ إنه بعد الانسحاب من المحتمل أن تسهل عملية نقل السلاح الإيراني مباشرة إلى سوريا و”حزب الله”، دون أي اعتراض. بيد أن “حزب الله” (المدعوم من إيران) سيكون له نتائج جيدة، من جراء هذا الانسحاب المفاجئ.(8)

السيطرة على حقول النفط – أيضًا – من المحتملأن تكون من المميزات التي سيتحصل عليها الجانب الإيراني عقب انسحاب القوات الأميركية من سوريا.

“داعش”:

صعود نجم “داعش” وعودته للسيطرة على أجزاء أكبر من الأراضي، من المحتمل أيضا أن يكون إحدى نتائج انسحاب القوات الأميركية من سوريا – وفق السيناريو الذي يرسمه معارضو القرار – الذين يرون أنه ليس بالجديد أن تخطو الولايات المتحدة خطوة الانسحاب، أو إفساح المجال لعناصر “داعش” بالتوغل، وهو ما حدث عندما انسحبت واشنطن من العراق قبل تقوية أركان الدولة العراقية مما أفسح المجال لـ”داعش” بالظهور(9)

وعلى الجانب الآخر، فإنه من المتوقع – أيضًا – أنه قد تمَّ دحر وتراجع عناصر تنظيم “داعش” في سوريا – كما تقول الولايات المتحدة – وعدم عودتهم للمشهد مرة أخرى؛ لذا قرر ترمب سحب قواته.

نقاط لا يجب إغفالها..

نقاط هامة يجب أخذها في الاعتبار فيما يتعلق بانسحاب القوات الأميركية من سوريا، وتتمثل في:

-الانسحاب الأميركي من سوريا قد يعرض الأكراد لخطر تركيا ويعطيها الفرصة لملاحقتهم والقضاء عليهم.

 – الانسحاب ربما يترك فراغًا كبيرًا ستسعى لملئه قوات لديها أجندات خاصة ومشروعات تخدم مصالحها وتتعارض مع مصلحة الشعب السوري.

 -هناك مخاوف من تكرار سيناريو انسحاب أوباما من العراق في عام 2011، وهو ما سمح بعودة “داعش” وسيطرتها على ثلث مساحة العراق في عام2014.

 -من الناحية الإيجابية، يُعدُّ الانسحاب خطوة لتأكيد سيادة سوريا المستقبلية بخروج قوات أجنبية.

– قرار الانسحاب يحمل في طياته منافع لواشنطن من خلال عدم رغبتها إنفاق المزيد من الأموال واستنزاف مجهود قواتها بعد القضاء على “داعش” كما قال ترمب.

استشراف وتوقعات مستقبلية

 من المتوقع أن يكون للقرار العديد من التداعيات في المستقبل، وذلك على النحو التالي:

-من المتوقع معارضة بعض القادة الأميركيين لـ”ترمب”، أو أننا نرى مزيدًا من الاستقالات في حكومته على خطى وزير دفاعه المستقيل “جيمس ماتيس”.

 -المتشائمون والرافضون لقرار الانسحابيرون أنه من المحتمل ازدياد نشاط “داعش” في الأراضي السورية، وهو ما سيترتب عليه صعود نفوذه في العراق أيضًا. فلا يزال لدى “داعش” عدد من المقاتلين في كل من العراق وسوريا، وقد تعود الخلايا الخاملة إلى الظهور من جديد .

 – من المحتمل تفاقم أزمة اللاجئين السوريين إذا ما زاد نشاط “داعش” واحتدم الصراع مرة أخرى على المسرح السوري.

-من المحتمل – أيضًا – أن قرار الانسحاب ينمُّ عن توجه استراتيجي جديد للولايات المتحدة “بخفض اهتمام الدولة العظمى في الشرق الأوسط، الذي بدأ مع أوباما ووزيرة خارجيته هيلاري كلينتون، اللذين اعتبرا أن مستقبل السياسة الخارجية بات في التركيز على مصالح أميركا في شرق آسيا، لأسباب تجارية وعسكرية.(10)

 

وحدة الدراسات السياسية*

المراجع

1- الرابح الأكبر”.. كيف تستفيد تركيا من انسحاب أميركا من سوريا؟ مصراوي.

2-الرئيس الروسي: أشكك في انسحاب أميركا الكامل من سوريا، اليوم السابع.

3-الدفاع الأميركي: انسحاب أميركا من سوريا وراء استقالة ماتيس، المشهد العربي.

4-مصدر يكشف عن غضب ترمب من خطاب استقالة ماتيس، سي إن إن عربية.

https://cnn.it/2AkZtS8

5-وزراء دفاع وخارجية روسيا وتركيا يبحثون خروج القوات الأميركية من سوريا، سبوتنيك.

6-مرجع سابق .

7-قادة أميركيون يوصون باحتفاظ المقاتلين الأكراد بالأسلحة بعد الانسحاب من سوريا، يورونيوز.

8-موقع استخباراتي يكشف تداعيات الانسحاب الأميركي من سوريا، سبوتنيك.

9- الحشد الشعبي يعلن استعداده لمواجهة توغل “داعش” بعد الانسحاب الأميركي من سوريا، روسيا اليوم.

10-صحف عربية: انسحاب أميركا من سوريا “توجه استراتيجي جديد” أم “كذبة جديدة، بي بي سي عربي.

https://bbc.in/2Tkq3lJ

 

النشرة البريدية

سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!

تابعونا على

تابعوا أحدث أخبارنا وخدماتنا عبر حسابنا بتويتر