الانتقائية في تغطية قضية خاشقجي | مركز سمت للدراسات

الانتقائية في تغطية قضية خاشقجي

التاريخ والوقت : الإثنين, 29 أكتوبر 2018

سام منسى

في قضية جمال خاشقجي، هناك دخان كثيف يكاد يحجب خطراً كبيراً هو أن إيران وحلفها في المنطقة هما أول المستفيدين من هذه القضية. هذا الكلام لا يعني التقليل من الجريمة ولا هو استخفاف بالمواقف المستنكرة، بل لتصويب البوصلة باتجاه أهم مشكلة تواجه المنطقة برمتها وهي الدور الإيراني على الصعد كافة.

إن آخر ما تحتاجه هذه المنطقة المنكوبة هو أن تحصد إيران وحلفاؤها مكاسب كبيرة أو صغيرة، استراتيجية أو تكتيكية في الإقليم وخارجه على حساب السعودية من جهة، أو على حساب العلاقات الأميركية الخليجية عامة والأميركية السعودية خاصة.

أكثر ما يشكو منه الإقليم منذ أكثر من عقد من الزمن هو الانكفاء الغربي وخصوصاً الأميركي، والذي جرى ملؤه بتمدد إيراني أولاً وروسي ثانياً، ومن شأن المزيد من الانكفاء الغربي أن يدخل المنطقة في حلقة مفرغة من التراجع السريع على جميع الأصعدة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية.

صحيح أن المطالبة بالعدالة عبر كشف ما حصل ومحاسبة من يثبت التحقيق ضلوعه فيها هما مطلبان لا خلاف عليهما. إلا أن التنديد يكون فجاً والمطالبة بالعدالة تكون وقحة عندما يأتيان على لسان أكثر من جهة تحاصر، بل تقضي على المناهضين السياسيين وتزج آلاف المعارضين في السجون وتضيق على الحريات كما على الإعلام المعارض.

ويكون التنديد فجاً والمطالبة بالعدالة وقحة عندما يأتيان من دول أغمضت عينيها عن جريمة قتل نحو 350 ألف شخص وإصابة نحو ثلاثة ملايين آخرين، ونزوح أكثر من 6.5 مليون نسمة، وسجن وتعذيب مئات الآلاف في حرب خاضها رجل واحد ضد شعب برمته.

ويكون التنديد فجاً والمطالبة بالعدالة وقحة عندما يأتيان من مجتمع دولي وقف عاجزاً أمام استخدام الأسلحة الكيميائية ضد مدنيين، وهو على وشك مصافحة يد رأس النظام المسؤول عن كل هذه الجرائم وإعادة الشرعية إليه. ويكون التنديد فجاً والمطالبة بالعدالة وقحة عندما يأتيان على لسان سفير هذا النظام لدى الأمم المتحدة أو على لسان نائب رئيس البرلمان في دولة لا تحصى لائحة الصحافيين والناشطين الذين فارقوا الحياة تحت التعذيب في سجونها.

والمضحك المبكي أن هذا الرجل استغل مقتل خاشقجي ليشيد «بقوة الإعلام الحر» في العالم! أما إيران فهي تعمل منذ عقود على خلق كيانات ضمن الدول في منطقة الشرق الأوسط، وعلى تغيير نسيجها الاجتماعي، وزعزعة أمنها، واستغلال قضاياها لحقد تاريخي لم يعد دفيناً ولطموح إحياء إمبراطورية غاربة.

مشكلة الإعلام في عصرنا هذا أنه بات كفقاقيع الصابون تكبر فجأة وتتلاشى فجأة، أو كالكاميرا الموجهة تسلط الضوء بانتقائية على ما تريد وتغض النظر عمّا لا تريد. كلبنانيين يحق لنا أن نسأل الإعلام الغربي مثلاً: لماذا لم يثر هذا الضجيج الإعلامي إثر جرائم قتل سمير قصير وجبران تويني لكي لا نعود إلى سليم اللوزي ومن لحقه؟ ويحق للإيرانيين أن يسألوا أين قضية مقتل الناشطة الإيرانية ندا آغا سلطان عام 2009؟ ويحق للسوريين أن يسألوا الإعلام الغربي أين هو من قضيتهم، كما يحق للإزيديين في العراق أن يسألوا السؤال نفسه.

المؤسف أن تسليط الإعلام الغربي الضوء بهذا الحجم على مقتل خاشقجي لم يأت احتراماً للحياة الإنسانية وبحثاً عن العدالة وصوناً للحرية فقط، بل جاء أيضاً تصفية لحسابات في وقت تتقاطع وتتشابك فيه مجموعة من الأحداث والمصالح الإقليمية والدولية. ما يقلقنا ليس تسليط الإعلام الغربي الضوء على مقتل خاشقجي، ولكن العور الذي أصاب هذا الإعلام وبات معه يعمل وفق معايير مزدوجة.

مرة أخرى، نقول إن الجريمة بشعة ككل جرائم القتل، والكشف عن تفاصيلها مهم أكثر للمملكة منه للعالم أجمع. ومع ذلك، على العالم ألا يفقد بوصلته لأن أهمية السعودية إقليمياً ودولياً تبقى غير قابلة للنقاش، لا سيما في ظل الحرب شبه الدولية ضد التطرف والإرهاب وضد طموحات إيران التوسعية في المنطقة، وفي ظل انفتاح داخلي وسعي نحو التنمية البشرية الذي تشهده المملكة منذ العقد الأخير. إن الهجوم على المملكة بالشكل الذي يجري يشي وكأن البعض يريد للأمور أن تعود إلى الوراء ويقول إنه ممنوع أن تشهد المملكة نهضة ثقافية واجتماعية وتنموية تضاهي نهضتها الاقتصادية. ممنوع أن تنشأ دبي أخرى في المنطقة في بلد بحجم السعودية وبثقلها السياسي والاقتصادي.

مهما كانت النتائج التي ستسفر عنها التحقيقات في جريمة خاشقجي، ستلقي بظلالها على السعودية وستدفعها حتماً إلى مراجعة العديد من الأمور بدءاً بتصويب دور اللوبي العربي وأدائه في واشنطن، مروراً بمحاولة فهم وإحاطة أكثر بطريقة عمل الإعلام الغربي، وصولاً إلى التمسك أكثر فأكثر على الجبهة الداخلية بمسيرة الإصلاح التي بدأت. وقد نتهم بالسذاجة إذا أملنا أن يعي العالم الغربي عامة وأميركا خاصة، خطورة الاستمرار في سياسة الانكفاء والتراجع في المنطقة لصالح إيران وحلفائها، إذ لا نستطيع أن نواجه ونحقق مكاسب آنية على جبهة في الحرب وننسحب ونخسر استراتيجياً على جبهة أخرى.

نتهم بالسذاجة، لأن آمالنا هذه تصطدم بجدار الانتكاسة التي يعاني منها اليوم العالم الغربي بعامة، وهي أزمة الديمقراطية فيه وتراجع جاذبية مبادئها وتسخيف قيمها، مقابل تنامي الوزن السياسي لقوى أقصى اليمين وأقصى اليسار، وتصاعد النزعة الشعبوية والقوميات المغلقة، وانهيار أخلاقي وإنساني، وعنف فكري، وخطاب كراهية لا يضاهيه سوى عنف الجماعات المتطرفة.

 

المصدر: صحيفة الشرق الأوسط

النشرة البريدية

سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!

تابعونا على

تابعوا أحدث أخبارنا وخدماتنا عبر حسابنا بتويتر