سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
ارتفعت وتيرة الاحتجاجات في الجزائر مع اقتراب موعد الانتخابات الرئاسية المقررة في الشهر المقبل. ويشكك المحتجون في نزاهة هذه الانتخابات ويعتبرونها محاولة لإعادة “إنتاج” نظام بوتفليقة، بينما تعتبرها السلطات الحل الدستوري للوضع في الجزائر.
هذه الاحتجاجات المتزايدة تجعلنا أمام تساؤل مهم وخطير في آنٍ: ماذا لو أجريت انتخابات ولم يصوت أحد؟ هذا السؤال مطروح بقوة الآن في الجزائر، في ظل رفض شعبي للانتخابات، وإصرار رسمي عليها، ممثلاً في حكومة الرئيس المؤقت عبدالقادر بن صالح التي حددت موعد الانتخابات الرئاسية في 12 ديسمبر. ومع ذلك، فإن الانتخابات تخاطر بأن تنتهي كممارسة وتجربة عبثية: جميع المنظمات السياسية والمدنية الجزائرية تقريبًا رفضت تأييد المرشحين الرسميين الخمسة، وطالبوا الجزائريين بالامتناع عن التصويت.
لكن، من المفارقات أن فشل هذه الانتخابات سيشير إلى نجاح تطلعات البلاد الديمقراطية، على النحو المعبر عنه من خلال ظاهرة هيمنت على المشهد السياسي الجزائري منذ أواخر فبراير.
الحراك الجزائري.. تفرد وخصوصية
ومن بين حركات الاحتجاج التي اندلعت، أخيرًا، في جميع أنحاء العالم، فإن الحراك الجزائري يقف منفصلاً ومتفردًا بخصوصياته وسماته. على الرغم من استمرار الاحتجاجات في هونغ كونغ ووقوع بعض الشغب، فإن الحراك الجزائري ما زال مسالمًا. وعلى الرغم من إصرار الانفصاليين الكاتالونيين في دعوتهم إلى الاستقلال، فإن الحراك الجزائري لا يزال على عهده بتكاتف الشعب الجزائري. وعلى الرغم من معارضة السترات الصفراء للحكومة والقيادة في فرنسا، فإن الحراك الجزائري يقبل بضرورة التحالفات السياسية والتنظيم. سيتم تحديد مستقبل الجزائر من خلال قدرة الحراك على الحفاظ على هذه التوترات والتحديات مع إدارة انتقال إدارة البلاد إلى الديمقراطية.
بالنسبة للملايين من الجزائريين الذين ملؤوا شوارع البلاد وساحاتها في مطلع نوفمبر الجاري، كان لهذا التاريخ معنى خاص. تزامن الاحتجاج مع الذكرى 65 لبدء الانطلاقة الرسمية لحرب الاستقلال الجزائرية. لكن في حين كانت فرنسا هي المُضطهِد قبل 65 عامًا، فإن هذا الدور تولى منذ ذلك الحين من قبل السلطة، أو”le pouvoir”، وهو المصطلح الشعبي للمصالح الصناعية العسكرية التي حكمت الجزائر طيلة نصف القرن الماضي، جنبًا إلى جنب مع الدولة وجهازها الأمني.
كانت الذكرى عظيمة جدًا، أعظم من أن يمكن تجاهلها. تجمهر حشد لأكثر من مليون جزائري احتفالاً بذكرى الاستقلال. كانت هتافاتهم: “الجزائر تستعيد استقلالها”، و “الشعب يطالب باستقلالهم”، ولافتاتهم: “جيل الثورة حرر الأرض، والحراك سيحرر الشعب”، و”الأمة في خطر: معركة الجزائر مستمرة”. ربط المتظاهرون الصراع الحالي بصراع أسلافهم قبل جيلين. وكما أعلن أحد المشاركين، “لقد حارب أسلافنا الفرنسيين من أجل الاستقلال، ونحن نحارب المافيا التي صادرت نفس الاستقلال”.
حافظ المتظاهرون على ثقلهم على النظام طوال أواخر الشتاء وأوائل ربيع عام 2019. وشجع المتظاهرون التهديدات والتحذيرات من الحكومة، حيث ملأ المتظاهرون هتافات: “20 عامًا تكفي”.
في شهر مارس، اختارت “le pouvoir” تفسير الطلب على أنه ينطبق فقط على بوتفليقة. أعلن رئيس أركان الجيش أحمد قايد صالح، أن الحالة الصحية “المنهكة” لبوتفليقة تمنعه من الترشح لفترة ولاية خامسة. بعد أن أبعد رئيسه السابق عن المسرح السياسي، اختار قايد صالح، عبدالقادر بن صالح رئيسًا. في الوقت نفسه، أمر صالح بالقبض على العديد من الوزراء والمسؤولين السابقين المرتبطين ببوتفليقة، وأهم من ذلك شقيقه سعيد بوتفليقة، الذي اتُهم بالفساد المالي والتآمر السياسي. الدافع وراء هذه الاعتقالات كان توجيه رسالة من قايد صالح للمتظاهرين، وهو ما يمكن وصفه بأنه “سقوط رؤوس من أجل التعبير عن مظهر التغيير السياسي”.
صراع الانتخابات
في أعقاب هذا التطهير الرمزي، دفع النظام قدمًا في خطط الانتخابات. لكن حركات المعارضة رفضت الانتخابات باعتبارها أقل رمزية من التطهير، ورفضت تقديم مرشحين. خلال المظاهرات الأسبوعية، هتف المحتجون: “لن يكون هناك تصويت”.
وفي الوقت نفسه، نظمت مجموعات المجتمع المدني – بما في ذلك جمعيات المحامين والقضاة والأساتذة والطلاب – الإضرابات، وأصروا على أن الجنرالات والقادة المؤقتين، هم المشكلة التي تظاهروا بأنها الحل. وكما جادل الجزائريون، فإن الاعتقالات كانت تنازلات وليست إصلاحًا. إنها خطوة كلاسيكية: من أجل البقاء، يضحي النظام بجزء من نفسه.
طالب المتظاهرون بأن يتنحى الرئيس المؤقت بن صالح ورئيس الحكومة نور الدين بدوي، باعتبارهما من رموز نظام بوتفليقة، والسماح للحكومة الانتقالية أن تتولى السلطة. بحلول منتصف يونيو، أصدر تحالف من 70 منظمة سياسية ومهنية، قال إنه يمثل المجتمع المدني، خطة مفصلة لانتقال الجزائر إلى نظام شفاف وديمقراطي بالكامل. التحالف شدد على أن اتباع الخطة سيساعد في فهم المستقبل وتمزيق القطيعة مع نظام يقوم الآن بمناورة الرأي العام والتلاعب به من أجل البقاء في السلطة.
في حين أثبتت “le pouvoir” أن عنادها يضاهي إصرار المتظاهرين، إلا أنها أثبتت أيضًا أنها أكثر جاذبية. رفض صالح التراجع في مواجهة مطالب الحراك، وأمر بدلاً من ذلك باعتقال العديد من قادة الإضراب، وكذلك الشباب الذين يعرضون علمًا أو شارة للأمازيغ، كتذكير بأن الدولة ذات الحزب الواحد قد قمعت منذ فترة طويلة البربرية العرقية والهوية اللغوية. ومع ذلك، فقد تجنب في الغالب المواجهة المفتوحة مع المتظاهرين. حتى استخدام خراطيم المياه، وقوات الأمن تبدو غير متحمسة له.
في الوقت الحالي، قرر صالح التصعيد والتمسك بالانتخابات. في منتصف سبتمبر، أعاد التأكيد على تصميم النظام على أن تجري الانتخابات في الموعد المحدد. ومع اقتراب هذا التاريخ، وكذلك وجود النظام في الشوارع، إذ اعتقلت الشرطة واحتجزت عددًا متزايدًا من المتظاهرين، فإن المخاوف والشكوك حول مستقبل الجزائر وانتخاباتها الرئاسية تتزايد.
احتقان وانقسام
مثل هذا الاضطراب، هو ما يدفع الغموض والتوتر إلى الواجهة، خاصة في ظل حالة الاحتقان السياسي، التي تُعاني منها الجزائر، في المرحلة الراهنة، بخصوص تنظيم الانتخابات الرئاسية.
بات الوضع السياسي أمام حالة معقدة وخاصة جدًا، في إطار التناقضات الكثيرة، وحالة الشد والجذب غير المسبوقة التي يعرفها المجتمع الجزائري، بين من يرون أن تنصيب رئيس للجزائر عبر صناديق الاقتراع، هو المخرج الدستوري والقانوني للأزمة؛ وبين من يرونه حلاً متسرعًا قد يساهم في تعميق الأزمة، في ظل عدم توافر الظروف الملائمة لإجرائه.
إذ يتبدى بوضوح أن تيارين يتقاسمان هذه الحالة من التجاذبات السياسية؛ فمن جهة، هناك التيار الذي تمثله المؤسسة العسكرية وبعض الشخصيات المحافظة وجانب من الحراك الشعبي، ويعتبر أن تنظيم الانتخابات هو الممر الوحيد للخروج من الأزمة.
ومن جهة أخرى، هناك التيار الذي تقوده أحزاب ومنظمات أغلبها علمانية ويسارية، تنضوي تحت ما يُسمى تحالف “قوى البديل الديمقراطي”، وينتقد خيار تنظيم الانتخابات بدعوى أنها سوف تساهم في إعادة إنتاج النظام السابق. ويتداخل مع هذا التيار، الجزء الأكبر من الحراك الشعبي الذي تتصادم مواقفه مع مواقف المؤسسة العسكرية، ومن إصراره على استبعاد كافة رموز النظام.
أيضًا، تقاطع الانتخابات حركة مجتمع السلم، وكانت من القوى المشاركة في “التحالف الرئاسي” الذي دعم بوتفليقة، إلى غاية انسحابها منه في 2012.
وتقاطعها أيضًا جبهة العدالة والتنمية، التي يرأسها عبدالله جاب الله (إسلامي)، والحزب الديمقراطي الاجتماعي الذي أسسه كريم طابو أحد المسؤولين السابقين في جبهة القوى الاشتراكية المعارضة.
ويرفض هذه الانتخابات أيضًا عدد من الشخصيات السياسية، من أبرزها رئيس الحكومة السابق مولود حمروش، وهو من الشخصيات الإصلاحية في جبهة التحرير الوطني، وكان رفض دعوات شعبية تطالبه بالترشح مشككًا في أن تؤدي إلى حل جذري للأزمة التي تمر بها البلاد.
المرشحون وحظوظهم
الملاحظة المهمة، هي تواصل الحراك الشعبي منذ أن بدأ في 22 فبراير ٢٠١٩، ويتبنى عددًا من المطالب تكاد تكون ثابتة، وهي ضرورة القطيعة مع العهد السابق وممارساته، مع التأكيد على ضرورة رحيل كافة رموزه.
غير أن مثل هذه المطالب، كما يرى كثير من المهتمين بالشأن الجزائري، تبدو صعبة التحقيق؛ ففي ظل الظروف التي تمر بها البلاد، تظل المُطالبة بإخراج رموز وأفراد النظام السابق من المشهد السياسي مُطالبة صعبة، خاصة أن هؤلاء كثيرون نتيجة انتمائهم لحزب “جبهة التحرير الوطني”. أيضًا، تبدو المُطالبة بتأجيل عقد الانتخابات الرئاسية، مُطالبة في غير توقيتها؛ فالجيش الجزائري هو الذي دعا إليها ويقوم بتنظيمها وتأمينها والإشراف عليها.
هكذا يضطرب المشهد السياسي في الجزائر، إلى الدرجة التي يصعب معها الإجابة عن التساؤل من هو المرشح الأكثر حظًا للفوز بالسباق الرئاسي، كما جرت العادة منذ أول انتخابات رئاسية تعددية تشهدها البلاد في نوفمبر عام 1995.
المجلس الدستوري كان قد وقَّع على قائمة نهائية بأسماء المترشحين، وهم خمسة:
– عبدالمجيد تبون: مرشح مستقل، ورئيس وزراء سابق.
– علي بن فليس: رئيس وزراء سابق، ورئيس حزب طلائع الحرية.
– عز الدين ميهوبي: الأمين العام لحزب التجمع الوطني الديمقراطي وآخر وزير للثقافة.
– عبدالقادر بن قرينة: رئيس حزب العدالة والبناء، تقلد عددًا من المناصب من بينها وزير السياحة ورئيس البرلمان.
– عبدالعزيز بلعيد، وهو رئيس جبهة المستقبل.
تتراوح أعمار المترشحين بين 56 و75 سنة، وجميعهم تقلدوا مناصب سياسية في عهد بوتفليقة.
وينظر لعلي بن فليس على أنه “جزء من النظام السابق”، وأنه أقرب لأحزاب المعارضة التقليدية، خاصة بعد رفضه للمرحلة الانتقالية، وقبوله دعوة الجيش للانتخابات.
أمَّا عبدالمجيد تبون، فهو الآخر يتذكره غالبية الجزائريين كوزير للسكن، ورئاسته للحكومة لم تدم أكثر من ثلاثة أشهر في 2017، بسبب خلافات بين المسؤولين داخل النظام السابق.
وبالنسبة لعبدالقادر بن قرينة، فهو ممثل التيار الإسلامي في قائمة المرشحين. كان أحد مؤسسي حركة مجتمع السلم (تيار الإخوان المسلمين) قبل أن ينشق عنها ويؤسس حركة البناء الوطني.
ويرأس عز الدين ميهوبي حزب التجمع الوطني الديمقراطي، أحد الحزبين الرئيسيين للسلطة، إلى جانب جبهة التحرير الوطني.
أمَّا عبدالعزيز بلعيد، فهو الأقل شهرة بين المترشحين، وقد تدرج في المنظمات الشبابية الموالية للسلطة، إلى أن أصبح رئيس حزب، وكان طيلة مسيرته، من بين من اعتمد الرئيس السابق عبدالعزيز بوتفليقة على دعمهم في سنوات حكمه.
المستقبل القريب مليء بالشكوك. وللمرة الأولى، الجزائريون يجهلون مصير الانتخابات الرئاسية. خلال الخمسين سنة الماضية، كانوا يعرفون مقدمًا من سيكون رئيسهم، إلى جانب المستوى الدقيق للمشاركة ونسبة الأصوات. لأول مرة، لا يتم كتابة أي شيء مسبقًا.
نتائج وتساؤلات
– لأول مرة منذ 50 عامًا، الجزائريون يجهلون مصير الانتخابات الرئاسية ونتائجها.
– الإصرار على الانتخابات سيعمق الخلاف بين الحراك والمؤسسة العسكرية، مهما كانت النتيجة.
– الحراك أمامه أيام قلائل للحيلولة دون الانتخابات، ومن أهم خصوصيات الحراك التزامه بالسلمية، فإلى أي مدى سيحافظ عليها؟
– أهم تحديات ما بعد الانتخابات: هل يقبل الحراك بالنتيجة؟ وهل يسترضي الجيش الحراك لاحقا؟ كلا الطرفين (الحراك والجيش) يشتركان في التغاضي عن نقطة خطيرة: التدهور الاقتصادي لقرب نضوب النفط والغاز.
– سيشهد عام 2020 سابقة خطيرة، تتمثل في إقدام الجزائر على الاقتراض لسداد عجز الموازنة المتوقع مع نضوب النفط.
– في حال تدهور الاقتصاد، سيسرع كل طرف إلى اتهام الآخر بالتسبب في الأزمة.
– صورة العشرية السوداء حاضرة في الأذهان.. وأسبابها تبدو قيد الإعداد (انقسام بسبب انتخابات) وهنا يظهر التساؤل الأهم إذا كانت العشرية السوداء سبب سلمية الحراك.. فكيف سيتخطى تكرارها؟ وهل سينجح؟.
وحدة الدراسات السياسية*
المراجع
سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
تابعوا أحدث أخبارنا وخدماتنا عبر حسابنا بتويتر