الانتخابات الإسرائيلية.. كيف يُصنع القرار السياسي بنكهة عسكرية؟ | مركز سمت للدراسات

الانتخابات الإسرائيلية.. كيف يُصنع القرار السياسي بنكهة عسكرية؟

التاريخ والوقت : الأربعاء, 30 يناير 2019

 شكلت المواجهة الأخيرة بين الفصائل الفلسطينية في غزة والجيش الإسرائيلي، عامل دفع للحكومة الإسرائيلية برفض الانتخابات المبكرة، ووصفها رئيس الحكومة، “بنيامين نتنياهو”، بالخطوة الخاطئة في ظل المخاوف الأمنية القائمة، وقال في مؤتمر صحفي في أعقاب فشل المواجهة الأخيرة مع غزة، والتوصل لاتفاق وقف إطلاق نار في 13 نوفمبر الماضي، “إنها ظروف لا يتم فيها إسقاط حكومة، فهذه عدم مسؤولية، نحن في أوج المعركة، ولا يتم ترك الميدان في هذا الوقت، أمن الدولة فوق الاعتبارات السياسية”.(1)

لكن استقالة وزير الدفاع، “أفيغادور ليبرمان”، وانسحابه من الحكومة احتجاجًا على وقف إطلاق النار في غزة، وما تبعها من استغلال وزير التعليم ورئيس حزب “البيت اليهودي” نفتالي بينيت، للوضع القائم وتهديده بالاستقالة – أيضًا – من منصبه والانسحاب من الائتلاف الحكومي في حال عدم توليه وزارة الأمن، لولا وساطة قادة حاخامات المستوطنات، جعلته يتراجع ويُلوح بتبكير الانتخابات مع محاولاته الحثيثة بإقناع قادة الأحزاب بالحفاظ على ائتلاف الحكومة واستقرارها لتمكينه من الاستمرار؛ غير أن ذلك لم يدم طويلاً، فـ”نتنياهو” أيقن أن لا مجال من الذهاب لانتخابات مبكرة، فبرع في الحشد لاتخاذ القرار.

استغل بداية أزمة قانون تجنيد اليهود المتدينين “الحريديم”، فدعا قادة الأحزاب إلى جلسة استثنائية لبحث القانون المثير للجدل والمختلف فيه، فخرجوا بإعلان انتخاباتٍ مبكرةٍ، وحل الكنيست كون استقالة “ليبرمان” وانسحابه من الائتلاف الحكومي أبقت حزب “الليكود” بأغلبية صوت واحد في الكنيست، وهو وضع لا يُمكن معه تمرير أي اقتراحات. وتُشير خطوات الدراما السياسية التي اتبعها “نتنياهو”، إلى أن قرار حل الكنيست، كان مؤجلا ًمنذ استقالة “ليبرمان”، غير أن غضب المجتمع اليهودي عليه وقتها، خاصة المستوطنين في غلاف غزة، دفعته للتأجيل قليلا ًعلَّه يستمر حتى مايو المقبل، ليتمكن من توظيف إنجازاته في احتفالات إسرائيل 71 لقيامها، خاصة في ظل علاقات التطبيع السياسية التي أجراها مع بعض الأنظمة العربية، فيبرز كأنه الأقدر على مواجهة التهديدات العسكرية والأمنية التي تُهدد إسرائيل على مختلف الجبهات، لكن تأتي الرياح بما لا تشتهي السفن – كما يقولون.(2)

حل الكنيست أسباب ودوافع خفية لتبكير الانتخابات

رغم قرار حل الكنيست الـ”20″ وإنهائه الطريق أمام الحكومة الإسرائيلية الحالية، فإنَّ ثمَّة ثقة لدى “بنيامين نتنياهو” بأن الأحزاب المُشكلة للائتلاف الحالي، هي نفسها من ستُشكل نواة الحكومة المُقبلة. ولعلَّه يستند في ذلك إلى الإنجازات التي حققها على الصعيد السياسي للهروب من النتائج المحتملة لاتهامه بالفساد في أربع قضايا كُبرى.

إذ لم يكن السبب السابق المُعنون  بـ(الخلاف على قانون تجنيد المتدينين)، وعدم حظيه بالأغلبية لتمريره، الوحيد الذي أدى بـ”نتنياهو” إلى إعلان حل الكنيست وتبكير الانتخابات، يُضاف إليه أهداف خفية، فـ”نتنياهو” يُريد مواجهة تهم الفساد وهو على رأس حكومة جديدة وليس في نهاية عهدها. كيف لا، وهو قد شهد قولاً وفعلًا على قرار المدعي العام للدولة “شاي نيتسان” الذي أوصى فيه الادعاء العام قبل أيام قليلة بتوجيه الاتهام رسميًا إليه بالفساد، كما يعلم تمامًا التحديات الأمنية واشتعال جبهة سوريا بالتزامن مع عمليات المقاومة في الضفة المحتلة، ناهيك عن التحديات الداخلية واتهام المستوطنين في غلاف غزة له بالخيانة وعدم الالتفات لمطالبهم والخضوع لحماس في قطاع غزة، سواء بإدخال المال القطري لها، أو بتوقيع اتفاق هدنة معها لوقف المواجهة التي اندلعت بعد فشل الجيش في تنفيذ عملية عسكرية في خان يونس جنوب قطاع غزة، في منتصف نوفمبر الماضي؛ كل ذلك جعل “نتنياهو” يستبق الأحداث ويذهب بقرار مفاجئ لانتخابات مبكرة محددًا التاسع من أبريل القادم موعدًا لإجرائها.(3)

 

 بازار الأحزاب المشاركة في الانتخابات

 وأدت الدعوة إلى الانتخابات المبكرة إلى إحداث حالة أشبه بالبازار السياسي داخل إسرائيل، فبين ساعةٍ وأُخرى، أحزاب تُنشئ وأخرى تُفكك؛ ما أفضى إلى كشف الستار عن تحالفات وشخصيات انحسرت سنوات، وتبدو هذه الحالة مألوفة في كل الانتخابات الإسرائيلية منذ عام 1948، فلم يحدث في تاريخ إسرائيل حتى اليوم، أن تمكن حزب إسرائيلي بمفرده من تشكيل حكومة، فكانت جميع الحكومات المتعاقبة ائتلافية، كما لم يبدو غريبًا أن تخرج نتائج الاستطلاعات للرأي العام الإسرائيلي الأخيرة بتوقعات محافظة الأحزاب المُشكلة للائتلاف الحاكم الحالي على الأغلبية المطلقة في البرلمان القادم.

وبحسب مراقبين، فإن السبب في ذلك هي تغير التركيبة السياسية في إسرائيل خلال العقدين الأخيرين وميولها إلى التطرف ومنح الأحزاب الدينية بشقيها “الحريديم” والديني القومي، حق المشاركة في الحكومة، وهو ما يُفسر ميل الناخب الإسرائيلي بين اليمين واليمين المتطرف، وإيجاد حالة من المنافسة الشرسة بين الأحزاب فيمن سيكون أكثر تطرفًا وقسوة ضد الفلسطينيين في كل خريطة سياسية تنتج عن الانتخابات البرلمانية الإسرائيلية.

وفي سياقٍ آخر،أشار استطلاع للرأي أجراه الإعلام الإسرائيلي، إلى أن حزب “الليكود” سيتصدر النتائج بـ29 مقعدًا وسط تراجع حزب “المعسكر الصهيوني” وحصول حزب جديد برئاسة رئيس الأركان السابق “بيني غانتس” على 12 مقعدًا.(4)

وكان رئيس أركان الجيش الإسرائيلي الأسبق، “بيني غانتس”، ووزير الأمن الأسبق، “موشيه يعالون”، أعلنا خوضهما الانتخابات ضمن تحالف انتخابي فقط يمنح لكل منهما المحافظة على حزبه بعد الانتهاء من الانتخابات، آملين أن ينضم إليهما المزيد من الأحزاب والحركات من أجل تشكيل تكتل جديد يتمكن من مجابهة رئيس الحكومة الإسرائيلية، “بنيامين نتنياهو”، الذي شن هجومًا على “غانتس” ووصفه بـ”اليساري” واستخدم أساليب رخيصة للتشهير به وتشويه سمعته.(5)

ووفقًا لما تُبديه استطلاعات الرأي، فإن ترأس “غانتس” تحالف “المعسكر الصهيوني” من شأنه أن يُبقيه على قوته الحالية بالحصول على 24 مقعدًا، خاصة أن كافة الاستطلاعات تشير إلى أن هذا التحالف سيخسر حتى نصف مقاعده الحالية، في حال خاض الانتخابات بذات التركيبة الحزبية الحالية، وهو ما يقتضي من متآلفيه التعلم من التجربة والإقرار بأن القوة الحقيقية لأحزاب جديدة لا يمكن معرفتها، إلا حين تتكشف تركيبتها الكلية، وقائمة مرشحيها للانتخابات.

في حين تُشير معطيات ترأس رؤساء الأركان لأحزاب ائتلافية وخوضهم غمار الصراع في الحلبة الانتخابية، إلى مدى تقبل المجتمع الإسرائيلي لهم في الحياة السياسية، وتدل أكثر على تغلغل التطرف لدى الإسرائيليين بتفضيلهم الشخصيات العسكرية في قيادة الدولة لاعتبارات عدة، منها أن المجتمع الإسرائيلي، مجتمع شبه عسكري، فالكل هناك يخدم بالجيش، بالإضافة إلى الأوضاع الأمنية، وانعدام الشعور بالأمن في المجتمع الإسرائيلي بسبب الصراع الفلسطيني.

وفي تطور ملحوظ توالى تشكيل الأحزاب اليمينية، وشهدت الساحة السياسية انشقاقات عدد من الوزراء في الائتلاف الحكومي السابق لتشكيل أحزاب جديدة أكثر تطرفًا تُحقق رغبات المستوطنين في الجنوب أكثر من سياسة “بنيامين نتنياهو”، ومن أولئك الوزراء كان وزيري التعليم “نفتالي بينيت”، والقضاء “إيليت شاكيد” اللذين انشقا عن حزب “البيت اليهودي” وشكلا حزب “اليمين الجديد” بهدف العمل على محاربة الفلسطينيين ومنعهم من إقامة دولة، بالإضافة إلى منع الإفراج عن “المُخربين” في إشارة إلى الأسرى الفلسطينيين. وعمد الحزب الجديد إلى ضم المتدينين والعلمانيين المؤيدين لفكر اليمين إليه على خلاف الحزب السابق “البيت اليهودي” الذي كان يضم أحزابًا وحركات صغيرة تنطلق أفكارهم من حزب “المفدال” الديني.(6)

ولعل ما يُمكن قوله هنا أن تشكيل هذا الحزب برؤيته الجديدة وتركيبته المختلفة، قوميًا ودينيًا، من شأنه ليس فقط أن يؤثر على نتائج الانتخابات بشكل كبير، بل كذلك يؤثر على مستقبل السياسة الإسرائيلية تجاه العديد من الملفات والقضايا المتعلقة بالشأن الفلسطيني، وهو ما يقتضي تعزيز قوة اليمين بشكل عام، إذ من المتوقع أن يُصوت أتباع التيار الديني بشكل جارف للحزب الجديد، في حين سيكون التصويت بدرجة أقل جدًا لنسخته القديمة “البيت اليهودي”، في حين سيُصوت جمهور اليمين من العلمانيين والمحافظين (الشرقيون بشكل خاص) لـ”الليكود”، وبهذا يتقلص مستوى تشتت أصوات اليمين.

وفي حال أسفرت الانتخابات عن تعزيز قوة أي حزب يقوده “بينيت”، فإن ذلك سينعكس بشكل كبير على الصراع، وتحديدًا على مستقبل المواجهة مع غزة، بسبب مواقفه المعروفة من الاستيطان وتحمسه للمواجهة مع المقاومة هناك.

وفي وقتٍ لاحقٍ أُعلن عن تشكيل حزب جديد باسم “حركة الاحتجاج لقيادة الدولة”، يترأسه النائب في الكنيست “إلداد يائيف”، ويسعى هذا الرجل إلى تشكيل الحزب الجديد على أساس هيكل حزب “دولة جديدة”. وتُشير التقديرات الشعبية إلى أنَّه لم يحظَ بنسبة الحسم، فهو لم يحصل إلا على 26 ألف صوت في شبكات التواصل الاجتماعية. وعلى الرغم من ذلك، فإن “يائيف” لا يخشى إحراق الأصوات هذه المرة، بل بدا مؤمنًا بأن اللحظة قد حانت لأن يتولى أناس جدد وحقيقيون قيادة الدولة.(7)

التحديات أمام الانتخابات الإسرائيلية

لا ينعزل أي تغيير على الساحة السياسية عن الواقع الأمني في ذروة الانتخابات، وذلك من أجل تحقيق المكاسب المرجوة والحصول على أصوات الناخبين المؤيدين في الغالب لسياسة الردع والضرب بقوة الحديد والنار على من يتجرأ على الدولة الإسرائيلية – وفق ما تُقره عقيدتهم الدينية – خاصة في المناطق المحيطة التي تُدير صراعًا سياسيًا مع الدولة كـ”غزة ولبنان وسوريا”.

هذه المرة، ووفقًا لقراءة في المواقف الإسرائيلية، فإن غزة لن تكون من الساحات التي سيحاول “نتنياهو” تحقيق مكاسب فيها عشية الانتخابات عبر تنفيذ عمل عسكريضدها،خاصة بعد فشل جيشه في الجولة الأخيرة، وكشف المقاومة في غزة مخططه الذي كان مزمعًا تنفيذه بحق القيادة الفلسطينية والمقاومة المُسلحة هناك خلال نوفمبر الماضي، بل سيعمد إلى تعزيز مكانته عبر العمل في الساحات الأكثر سهولًة كـ”الشمال” في لبنان، خاصة أنها تمثِّل خطرًا يُهدد أمنها مما جعلها تُنفذ عملية درع الشمال أخيرًا، وضرب إيران في سوريا من الناحية العسكرية لأن فرص الرد عليها تؤول إلى الصفر. أمَّا من الناحية السياسية، فسيسعى إلى إحداث طفرة في الاستيطان بالضفة، خاصة في ظل سلوك الرئيس الفلسطيني محمود عباس، الذي لا يُمثل تحديًا لديه، وقد بدأ ذلك فعليًا بإقرار بناء 2000 وحدة استيطانية جديدة. كما يُمكن أن تشهد الأشهر القادمة التي تسبق ذهاب الإسرائيليين لصناديق الاقتراع، مزيدًا من الاقتحامات الأمنية للضفة الغربية، للظهور بمظهر الممسك بزمام المبادرة الأمنية، وعدم الاعتماد على أي طرف آخر بحفظ أمن المستوطنين، ناهيك عن الاستفادة من فرص التطبيع مع أنظمة الحكم العربية عبر تفنيد مزاعم معارضيه.

نتائج

مما سبق، يُمكن الخروج ببعض النتائج التي يُمكن أن يؤول إليها المشهد السياسي الإسرائيلي في ظل الانتخابات البرلمانية المزمع عقدها في التاسع من أبريل القادم:

1- إن فشل الجيش الإسرائيلي في معركته الأخيرة بغزة، يُبقي الفرصة أمام “نتنياهو” لتحقيق إنجازات عسكرية متاحة فقط في الساحة السورية، من خلال شن هجمات ضد إيران وامتداداتها، خاصة في ظل توجه المجتمع الإسرائيلي عمومًا نحو اليمينية والتطرف.

2- حلقة المعارضين لـ”نتنياهو” في حزبه ومعسكر اليمين الاستيطاني، باتت أكبر من ذي قبل، وقد بدا ذلك جليًا في الانشقاقات الحزبية لائتلافه الحكومي.

3- تشكيل الأحزاب التي تخوض معترك الانتخابات برؤية جديدة وتركيبة مختلفة، قوميًا ودينيًا، من شأنه أن يؤثر على نتائج الانتخابات بشكل كبير، وأن يؤثر كذلك على مستقبل السياسة الإسرائيلية تجاه العديد من الملفات والقضايا المتعلقة بالشأن الفلسطيني.

4- دخول نجوم جدد على حلبة السباق الانتخابي يتميزون بانتمائهم السابق للمؤسسة العسكرية، يُشير بقوة إلى علاقة السياسي بالعسكري، ومن يحكم من، وكيف تتم صناعة القرار السياسي الإسرائيلي.

5- إمكانية نجاح “نتنياهو” في ترأس الحكومة المقبلة بعد الانتخابات، يؤجل نهايته السياسية قليلاً، لكنه لن يمحو أبدًا إمكانية محاسبته في ضوء سلسلة قضايا الفساد التي تلاحقه.

وحدة الدراسات السياسية

المراجع

1- نتنياهو يرفض تبكير الانتخابات ويتولى منصب وزير الأمن، عرب 48.

2- استقالة ليبرمان تزعزع ائتلاف نتنياهو الحكومي، جريدة الشرق الأوسط.

3- 6 أسباب دفعت نتنياهو لإعلان انتخابات مبكرة، سكاي نيوز عربية

4- استطلاع رأي نشرته القناة الإسرائيلية الثانية

5- رئيس الأركان الإسرائيلي السابق يؤسس حزبًا لينافس نتنياهو، صحيفة الشرق الأوسط

6- بينيت وشاكيد ينشقان ويؤسسان “اليمين الجديد”، ألترا فلسطين

7- قبل انتخابات أبريل.. تعرف على الخريطة السياسية الجديدة في إسرائيل، صحيفة اليوم السابع

النشرة البريدية

سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!

تابعونا على

تابعوا أحدث أخبارنا وخدماتنا عبر حسابنا بتويتر