سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
ستيفن إرلنجر
على مدار أسابيع كان الشعبويون من اليمين المتطرف في أوروبا يندفعون عبر أنحاء القارة، ويتشكلون في صفوف موحدة ويقدمون أنفسهم كجبهة في مواجهة المؤسسة السياسية، ويسعون لتحقيق تقدم كبير في انتخابات البرلمان الأوروبي هذا الأسبوع.
وقد شهدت مدينة ميلانو، مساء السبت الماضي، حدثًا جماعيًا، حيث كان “ماتيو سالفيني”، صاحب العلامة التجارية الإيطالية الشهيرة، مصحوبًا بأيقونة فرنسا المتطرفة “ماري لوبان”، ونحو عشرة من الزعماء الشعبويين الآخرين يخرجون في مسيرة حاشدة. وقد شهد هذا الحدث هجومًا حادًا على الاتحاد الأوروبي والمهاجرين والإسلام أيضًا، ووعدوا المشاركين ببزوغ فجر جديد لحقبةٍ قوميةٍ جديدةٍ.
لكن ما لم يُفصَح عنه هو الفضيحة التي كُشِفَ عنها نهاية الأسبوع الجاري في النمسا، والتي أدت إلى انهيار الحكومة الائتلافية في البلاد بعد إلقاء القبض على نائب المستشار اليميني المتطرف الذي تمَّ ضبطه في أحد الفيديوهات يتواطأ مع امرأة يُزعَم أنها مستثمرة روسية.
وقد أحدثت تلك الفضيحة هزة مدوية في النمسا؛ إذ استقال نائب المستشار، زعيم حزب الحرية اليميني المتطرف، وسرعان ما أُجرِيَت انتخابات جديدة في سبتمبر. لكن الأمر انتشر في كافة أنحاء أوروبا، وقبل أيام من الانتخابات البرلمانية الأوروبية. ووفقًا لـ”توم توغندهات”، أحد نواب حزب المحافظين البريطاني، فإن الغريب هو عمل الحركات القومية لصالح روسيا وليس لصالح بلدها.
إلا أنه من السابق لأوانه معرفة إن كانت فضيحة النمسا ستؤثر على انتخابات البرلمان الأوروبي، التي تبدأ من الخميس المقبل إلى يوم الأحد. إذ تعتبر تلك الانتخابات مسألةً حاسمةً في تشكيل مسار الاتحاد الأوروبي خلال السنوات الخمس المقبلة، خاصة أن قادة التيار الرئيس يكافحون من أجل استعادة الناخبين المعزولين.
وفي الواقع، كشف التصويت عن تناقض صارخ، حتى في الوقت الذي بات فيه الشعوبيون يعززون موجة الغضب والحس القومي، إذ يحاول زعماء هذا التيار دفع ناخبيهم غير المبالين نحو مواصلة المسيرة. ويجادل الرئيس الفرنسي “إيمانويل ماكرون”، الذي يجسد المؤسسة الأوروبية، بأن “المزيد من دور أوروبا” مطلوب وليس أقل من ذلك.
وفي هذا تقول “ماريتي شاك”، المشرعة الهولندية الليبرالية، إن “هذه الانتخابات إنما تُجرَى بين البنائين والمنكسرين”، وتتساءل شاك: “هل سيخرج الناس من أجل التصويت لأنهم يعرفون بواقع الحال الذي بات على المحك؟”.
وعلى المستوى الأوروبي، يقول “مجتبى الرحمن” المدير التنفيذي لوحدة الدراسات الأوروبية في مجموعة أوراسيا للدراسات، “إننا سنرى للمرة الأولى، تمثيلاً شعبويًا ذا معنى على المستوى الأوروبي، لذلك فالخطر لا يزال قائمًا من قيام حركة تمرد شعبية بمحاولة السيطرة أو التسبب في شلل عام، ما يؤثر على قدرة المؤسسات الأوروبية على العمل بشكل عام”.
وحتى نهاية الأسبوع الجاري، لم تكن روسيا تمثل قضية رئيسية في الانتخابات المزمعة، بل إنها لم تكن ذا شأن على الإطلاق، لكن العلاقات الوثيقة بين حزب الحرية النمساوي وروسيا ليست بالأمر الاستثنائي.
لقد كان السيد “سالفيني”، زعيم الرابطة الشعبية في إيطاليا، صريحًا حينما مَدَح الرئيس فلاديمير بوتين، حتى إنه ارتدى ذات مرة قميص بوتين أثناء اجتماع للبرلمان الأوروبي. كما أن السيدة “ماري لوبان” تبدو مؤيدة بقوة لروسيا ومعها حزبها اليميني المتطرف، وتلقت ذات مرة قروضًا من بنك حكومي روسي.
ومن الواضح أن روسيا مهتمة بنتائج انتخابات البرلمان الأوروبي؛ إذ يقول عدد من المراقبين لشؤون الاتحاد الأوروبي والجماعات الحقوقية والأكاديميين، إن المواقع الإلكترونية وحسابات وسائل التواصل الاجتماعي المرتبطة بروسيا تعرض مبالغ هائلة مقابل نشر المعلومات المضللة عبر الإنترنت بهدف تشويه سمعة الأحزاب الرئيسية في الفترة التي تسبق سباقات هذا الأسبوع.
وتقول “أجاثا جوستينسكا – ياكوبوفسكا”، وهي زميلة باحثة في مركز الإصلاح الأوروبي ببروكسل، إن فضيحة النمسا تمثل ورقة احتياطية يمكن استخدامها في الوقت المناسب بالنسبة لأولئك الذين يحذرون من أن العديد من الأحزاب الشعبية تتعرض لخطر عميق يواجه علاقاتهم مع السيد بوتين.
وهو ما يشجع أولئك الذين يشككون في نوايا الشعبوية والذين يدعون إلى مزيد من الشفافية في أساليب تمويل هذه الأحزاب والتحقيق في صلاتهم بروسيا.
لقد ظلت السياسة الأوروبية مشتتة منذ الأزمة المالية في عام 2008، وقد صاحب ذلك حالة من الغضب الشعبي العميق، وبخاصة بعد تدفق المهاجرين من إفريقيا والشرق الأوسط، مما أعاد إحياء بعض النزعات القديمة بالقارة.
فمعاداة السامية تبدو كموجة آخذة في التصاعد؛ حيث لا تزال المشاعر المعادية للنخبة والمناهضة للهجرة في صورة حادة، إذ تكتسب الحركات القومية والهوية نفوذًا ملحوظًا، بينما أصبحت الأحزاب الفاشية الجديدة التي كانت مهمشة ذات يوم أكثر صخبًا.
ومع ذلك، ففي حال تعهد الشعبويين ذات مرة بهدم الاتحاد الأوروبي، فإنهم يخففون أجندتهم لصالح مواءمة المواقف العامة؛ حيث تظهر استطلاعات الرأي في الدول الأعضاء، باستثناء بريطانيا، أن الناخبين كانوا غير راضين عن ظروفهم الحالية، كما أنهم يريدون تغيير وضع الاتحاد بدلاً من تدميره. ولهذا السبب يتحدث قادة مثل السيد “سالفيني” والسيدة “لوبان” عن تغيير الاتحاد الأوروبي من الداخل.
وبالتالي فعند إثارة قضايا ساخنة مثل الهجرة والإرهاب وكراهية الإسلام، يلقي الشعوبيون من أقصى اليمين واليسار المتطرف باللوم على البيروقراطيين في بروكسل، كما يدعون إلى نقل المزيد من السلطة إلى الحكومات الوطنية؛ ذلك أنهم يأملون في أن تساعدهم الانتخابات وتمنحهم نفوذًا إضافيًا في السياسة الداخلية، وهو ما يهتمون به كثيرًا.
وخلال الحملة الانتخابية، تمكن الشعبويون من السيطرة على وسائل الإعلام.
ويقوم السيد “سالفيني”، الرجل القوي في إيطاليا ونائب رئيس الوزراء الإيطالي، بحملات واسعة في هذا الصدد لدرجة أن النقاد يقولون إنه لا يعمل أبدًا. وقد وثَّق مجموعة من المصورين اجتماعه مع رئيس الوزراء المجري “فيكتور أوربان” على طول الحدود بين صربيا والمجر، إذ قام الرجلان بالصعود إلى برج مراقبة لمتابعة الحدود الفارغة باستخدام مناظير الرؤية، وهي الطريقة التي يحب المسؤولون الأميركيون اتباعها عند النظر إلى كوريا الشمالية من منطقة “بانمونجوم”.
وحتى إذا فازت المجموعات الشعبوية المختلفة بعدد كبير من المقاعد، فإن عددًا من المحللين يتساءلون عما إذا كانوا سينضمون إلى تحالف قوي، وذلك بالنظر إلى مسائل الأنا والاختلافات الأيديولوجية. وكان السيد “سالفيني” حاول تقديم نفسه كزعيم طبيعي، حتى مع عدم اتفاق الآخرين حول ذلك؛ فقد أعلن أخيرًا عن تحالف من الأحزاب الشعبية اليمينية المتطرفة المناهضة للهجرة والمعروفة باسم “نحو أوروبا المشتركة”. وخلال مسيرة تمَّ تنظيمها، يوم السبت الماضي، في ميلانو، تحدث السيد “سالفيني” وعدد من القادة الشعبيين من الدول الأخرى بمكبرات الصوت إلى حشد جماهيري. وقد أثارت السيدة “لوبان” حالة من البهجة عندما بدأت في التحدث ووعدت الجمهور بأنهم “يعيشون في لحظة تاريخية، حيث يمكن الحديث عنها للأحفاد”.
لكن “لوبان” تحدثت بالفرنسية، كما تحدث عدد من المشاركين باللغة الإنجليزية، مما تسبب في قيام أحد المؤيدين بالصراخ، “يكفي كل هذه اللغة الإنجليزية! نريد الإيطالية!”.
ولم تشارك النمسا في فعالية ميلانو، لكن السيدة “لوبان” كانت قد أثنت على حزب الحرية النمساوي وزعيمه “هاينز كريستيان ستراي” (نائب المستشار الذي استقال قبل ساعات من التجمع).
وعند سؤالها عن النمسا قبل التجمع، وصفت السيدة “لوبان” مشاكل السيد “ستراشي” بأنها مسألة داخلية، وتساءلت عن توقيت ظهور الفيديو الذي جاء قبيل أيام قليلة جدًا من الانتخابات. كما قالت إن الحركة الشعبية ظلت موحدة “في مفهومنا للتعاون بأوروبا، في الوقت الذي نرغب بشكل مشترك في حماية مواطنينا، كما رفضنا أيضًا فكرة أن يخضع بلدنا لموجات الهجرة”.
وتشير استطلاعات الرأي إلى أن الأحزاب الشعبية ربَّما تفوز بما يصل إلى 180 مقعدًا في البرلمان الأوروبي، وهو ما يكفي لإحداث صعوبات خطيرة. وفي هذا تقول السيدة “شاك”، المشرعة الهولندية، إن “القصة الحقيقية تكمن في التشرذم وما سيحدث في خضم ذلك، حيث من غير المتوقع أن يتفق الشعبويون على كل شيء”. إلا أنهم “يستطيعون صنع الفوضى”.
وبالإضافة إلى إصدار القوانين أو رفضها، يتمتع المشرعون الأوروبيون بسلطات جديدة قد تسمح للشعبويين بعرقلة الصفقات التجارية، والموافقة على ميزانية الاتحاد والقيام بدور مهم في تحديد من سيحل محل أقوى زعماء الاتحاد الأوروبي.
وفي غضون ذلك، لا يمكن التنبؤ بتوجهات الناخبين؛ حيث يمكن لأي ناخب مسجل في الـ28 دولة عضو التصويت. لكن نسبة المشاركة عادة ما تكون منخفضة في الفعاليات الانتخابية بأوروبا، وهو ما يعطي مزايا للأحزاب الشعوبية ذات الحوافز والأكثر تركيزًا. وقد توصلت دراسة أجريت على الناخبين من قِبَل المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية أن الناخبين الأوروبيين أكثر تقلبًا من الاستقطاب. وقد احتلت الهجرة، الموضوع الرئيسي للعديد من الشعوبيين، المرتبة الثالثة بين اهتمامات الناخبين الأوروبيين، وكذلك التطرف الإسلامي، والاقتصاد الوطني، ذلك أن هناك مجموعة من الناخبين، تتحرك بسلاسة بين أحزاب اليمين واليسار.
وأخيرًا، فإن ثمة حالة واضحة من الرعب والفزع المتنامي تجاه التيار الشعبوي، والحس القومي المتصاعد، وفقًا لما أظهرته الدراسة المذكورة آنفًا.
إعداد: وحدة الترجمات بمركز سمت للدراسات
المصدر: نيويورك تايمز
سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
تابعوا أحدث أخبارنا وخدماتنا عبر حسابنا بتويتر