للأسف أحد الأسباب التي تجعل بايدن يبدو أقل بعداً عنا مقارنة بغيره من الساسة أنه مر بالتجربة الوحيدة التي تؤثر علينا جميعاً ألا وهو الموت.

فبينما كان يستعد لأداء اليمين الدستورية بعد وقت قصير من فوزه بأول انتخابات لمجلس الشيوخ توفيت زوجته نيليا وابنته نعومي في حادث سير إضافة إلى إصابة ولديه بو وهانتر.

توفي بو لاحقاً بسبب ورم سرطاني في المخ في عام 2015 عن 46 سنة. إن فقدان بايدن للكثيرين من المقربين منه عندما كانوا في سن مبكرة جعله قريبا من العديد من الأميركيين إذ أكد ذلك أنه على الرغم من مكانته السياسية وثرائه فإنه واجه مآسي مثل غيره من الامريكيين العاديين. لكن بعض جوانب حياته العائلية مختلفة تماما فيما يتعلق بابنه هانتر.

السلطة والفساد والأكاذيب؟

أصبح هانتر محامياً ويدير جماعة ضغط قبل أن تخرج حياته الشخصية عن سيطرته. أشارت زوجته الأولى إلى تعاطيه المخدرات والكحول ونوادي التعري في أوراق الطلاق، وتم طرده من قوات الاحتياط في البحرية الأميركية بعد أن كشفت الاختبارات تعاطيه للكوكائين.

واعترف هانتر لمجلة نيويوركر أنه حصل على حجر ألماس من أحدة كبار رجل أعمال صيني متنفذ يعمل في مجال الطاقة والذي تم التحقيق معه لاحقاً من قبل سلطات بكين بتهم الفساد.

جمع هانتر بين طريقة حياة شخصية علنية صاخبة ومليئة بالأحداث من جهة (في العام الماضي تزوج من زوجته الثانية بعد أسبوع واحد من مقابلتها) وكسب مبالغ كبيرة من المال من جهة أخرى وهو ما جعل والده مادة لعناوين أخبار سلبية.

قد يتعاطف العديد من الأميركيين مع شخص يعاني من مشاكل الإدمان على المخدرات لكن توليه رغم ذلك وظائف تدر عليه مبالغ طائلة يؤكد مدى اختلاف فرص الحياة بالنسبة لأبناء النخبة السياسية أمثال بايدن مقارنة مع الاناس العاديين..

محاولة عزل ترمب

من بين الأعمال المجزية التي تولاها هانتر كان عمله في أوكرانيا الأمر الذي شجع الرئيس ترمب على الطلب من رئيس اوكرانيا البلاد التحقيق في عمل هانتر هناك بشبهة فساد.

أدت المكالمة الهاتفية بين ترمب ونظيره الأوكراني إلى مساءلة ترمب من قبل مجلس الشيوخ لكن محاولة عزله باءت بالفشل بسبب الاغلبية التي يتمتع بها الجمهوريون في مجلس الشيوخ، وكانت مناورة سياسية ما كان بايدن يرغب بالتورط فيها.

السياسة الخارجية

إذا ثبت تورط بايدن في أي فضيحة خارجية سيكونذلك مدمراً لفرص فوزه في الانتخابات لأن إحدى نقاط قوته هي خبرته الدبلوماسية. وقد كان سابقاً رئيساً للجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ وتفاخر بأنه “التقى بكل زعيم دولي كبير في السنوات الـ 45 الماضية”.

في حين أن هذا يطمئن الناخبين بأنه يمتلك خبرة ليصبح رئيساً لكن من الصعب التنبؤ بمدى أهمية هذه الخبرة في استمالة الناخبين. مثل الكثير من سياساته يمكن وصفه بأنه معتدل في توجهاته الخارجية.

صوت ضد حرب الخليج عام 1991 ثم لصالح غزو العراق عام 2003 لكنه أصبح لاحقاً من كبار منتقدي تورط بلاده في غزو العراق.

وبطبيعة الحال نصح أوباما بعدم شن عملية القوات الخاصة التي قتلت أسامة بن لادن في باكستان.

ومن المفارقات أن زعيم القاعدة لم يفكر كثيراً في بايدن. وكشفت الوثائق التي حصلت عليها وكالة المخابرات المركزية من مخبأ بن لادن وأفرجت عنها أن الأخير أمر أنصاره باستهداف أوباما وليس نائب الرئيس آنذاك لأنه كان يعتقد أن “بايدن غير مناسب تماماً لهذا المنصب وسيقود الولايات المتحدة إلى أزمة لو وصل إلى الرئاسة “.

لا تروق العديد من وجهات نظر بايدن كثيراً للناشطين الشباب في الحزب الديمقراطي الذين يفضلون الآراء المناهضة بشدة للحرب لأمثال بيرني ساندرز أو إليزابيث وارن لكنه مسالم أكثر من اللازم بالنسبة للعديد من الأميركيين الذين هللوا لخطوة ترمب الامر بتصفية الجنرال قاسم سليماني في غارة بطائرة بدون طيار اوائل هذا العام.

الكثير من برنامجه السياسي يسير على نفس المنوال وليس من المرجح أن يثير حماسة اغلبية الناشطين الديمقراطيين لكنه معتدل بما فيه الكفاية كما يأمل للوصول إلى الناخبين الذين لم يقرروا بعد لمن سيصوتون.

وفي نوفمبر/ تشرين الثاني المقبل ليس على الناس الإدلاء بأصواتهم بحماس بل عليهم فقط التصويت لصالحه.

كل شيء أو لا شيء

تضع استطلاعات الرأي بايدن في مقدمة الرئيس ترمب بنحو خمس إلى عشر نقاط في السباق إلى البيت الأبيض لكن الانتخابات لا تزال بعيدة وستكون هناك بالتأكيد العديد من المعارك المريرة.

وقد تواجه المرشحان بالفعل حول الاحتجاجات التي تشهدها البلاد تنديداً بعنف الشرطة ضد الأميركيين السود ومعالجة البيت الابيض لأزمة تفشي فيروس كورونا.

وحتى أقنعة الوجه أصبحت قضية سياسية حيث يبدو بايدن غالباً مرتديا قناعاً للوجه في الخارج، بينما اتخذ ترمب الموقف المعاكس.

إذا فاز بايدن فستكون تتويجاً لمسيرة سياسية طويلة ومليئة بالأحداث وإذا خسر فسوف يمنح أربع سنوات أخرى لرجل يعتقد أنه “غير مؤهل بتاتاً ليكون رئيساً للولايات المتحدة الأميركية”، لشخص “غير جدير بالثقة” ببساطة.

قال بايدن قبل بضع سنوات عندما كان يفكر بدخول السباق الرئاسي عام 2016: “يمكنني أن أموت سعيداً دون أن أكون رئيساً” لكن ذلك لم يعد ممكنا بعد الآن.