سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
بهاء العوام
المملكة المتحدة واحدة من الدول التي تترقب نتائج الانتخابات الأميركية في نوفمبر المقبل. فأصداء هذا الاستحقاق باتت تتردد كثيرا في أروقة الدبلوماسية البريطانية هذه الأيام. رئيس الوزراء بوريس جونسون وأعضاء حكومته يفضلون ولاية ثانية للرئيس دونالد ترامب، فيما تفضل المعارضة البريطانية بكل أسبابها إن جاز التعبير، التعامل مع المرشح الديمقراطي جو بايدن.
صحيح أن التحالف التاريخي والاستراتيجي بين المملكة المتحدة والولايات المتحدة يتجاوز عادة شخصيات السلطة في البلدين. ولكن لكل زمن فرسانه، كما يقولون. والمرحلة الراهنة في بريطانيا حاسمة إلى حدود يحتاج فيها جونسون إلى صداقاته الشخصية، تماما كما يحتاج إلى تفاهمات سياسية وتحالفات نسجتها المملكة مع الخارج على مدار عقود طويلة وكثيفة.
ثلاثة تحديات اقتصادية تواجه بريطانيا اليوم. أولها احتواء تداعيات وباء كورونا، ثم الاتفاق مع الاتحاد الأوروبي على مرحلة ما بعد الخروج، وبعدها إبرام اتفاق تجارة حرة مع الولايات المتحدة. التحديات الثلاثة مرتبطة ببعضها البعض إلى حد كبير. واحتمالات فشل أو نجاح جونسون في تجاوز الثلاثة متساوية، حتى ولو بدت الكفة الآن ترجّح الإخفاق في ظاهر الأمر.
تجاوز تداعيات الجائحة اقتصاديا يحتاج إلى دخل لن يأتي إلا عبر التجارة مع العالم. إما مع الاتحاد الأوروبي، الشريك الأكبر للمملكة المتحدة. وإما مع الولايات المتحدة التي تحلم لندن بإبرام أكبر اتفاق تجاري في التاريخ معها. فهو قد يرفع تبادل السلع والبضائع بين البلدين إلى نحو تريليون دولار.
يقلل تعثر مفاوضات ما بعد الخروج من فرص اتفاق لندن وبروكسل. وخاصة مع قانون تعديل اتفاق بريكست الذي أقره البرلمان البريطاني مؤخرا. رغم ذلك لا يزال جونسون متفائلا، ويتطلع إلى اتفاقية تجارة حرة مع الاتحاد الأوروبي تمهّد لاتفاقية مشابهة مع الولايات المتحدة ولا تعرقلها. فالتبعية للاتحاد في أيّ تفصيل تجاري قد تعيق اتفاق بريطانيا مع أيّ دولة حول العالم.
لا يكفي الاتفاق مع بروكسل لتبرم لندن اتفاقية تجارة حرة مع واشنطن. فيجب أن تكون المملكة المتحدة بعد الخروج مستقلة وموحدة وأمنها الداخلي ليس مهددا بسبب بريكست. هذه هي شروط الأميركيين الديمقراطيين وزعيمهم جو بايدن. أما بالنسبة إلى دونالد ترامب والجمهوريين، فهم فقط يريدون انفصالا تاما لبريطانيا عن الاتحاد الأوروبي بغض النظر عن شكله وتداعياته أيضا.
شروط الديمقراطيين للاتفاق مع لندن بعد تنفيذ بريكست، أعلنت مباشرة بعد موافقة البرلمان البريطاني على تعديل اتفاق الخروج إن اقتضت الضرورة. قال بايدن صاحب الأصول الأيرلندية، إن هذا التعديل يهدد اتفاق الجمعة العظيمة بين أيرلندا الشمالية وجمهورية أيرلندا. فردّ المحافظون البريطانيون بأن في موقف بايدن تدخلا سافرا وغير مبرر في الشؤون الداخلية لبلادهم.
السجال بين الديمقراطيين الأميركيين والمحافظين البريطانيين يشي بعلاقة متذبذبة بين البلدين إذا ما فاز جو بايدن في انتخابات الرئاسة المقبلة. على الأقل بشأن اتفاق التجارة الحرة الذي يعول عليه جونسون كثيرا. الخيار الثاني أو الأفضل بتعبير أدق، هو فوز ترامب. ليس فقط لأنه على علاقة صداقة مع جونسون، وإنما لأن مطالبه باتت واضحة وقابلة للتنفيذ بريطانياً.
ما يريده ترامب تنجزه حكومة جونسون بدقة وهدوء. نذكر مثلا حظر شركة هواوي الصينية. تصنيف حزب الله كمنظمة إرهابية. الانخراط في تحالف دولي تقوده أميركا ضد إيران، وآخر ضد الصين. تأييد قتل قائد فيلق القدس الإيراني قاسم سليماني. إضافة طبعا إلى المطالبة بالاستقلالية الكاملة عن التشريعات الاقتصادية الأوروبية لتذليل كل عقبات الاتفاق التجاري مع واشنطن.
نقطة الخلاف الوحيدة بين إدارة ترامب وحكومة جونسون تكمن في الاتفاق النووي مع إيران. هو ليس خلافا جوهريا لأن ظاهره غير باطنه، إن جاز التعبير. ظاهريا لا تزال لندن تقف إلى جانب الأوروبيين والروس والصينيين في ضرورة المحافظة على الاتفاق. ولكنها أقل الدول الموقعة عليه استفادة منه أو ممارسة له، وذلك كي لا تغضب ترامب وتفشل حربه الضروس على طهران.
لا نبالغ بالاعتقاد أن بريطانيا ستكون أقرب إلى أميركا إن بقي ترامب في البيت الأبيض لأربع سنوات أخرى. فلغة المقايضة التي يتقنها الرئيس التاجر يتمتع البريطانيون بباع طويل فيها. أما إن جاء بايدن فسيعبر المحافظون الجسر إليه بسرعة لأنهم عادة لا يضعون كامل بيضهم في سلة واحدة. قد يكون التفاوض معه أصعب، ولكن المثل الإنجليزي يقول “لا تحكم على الكتاب من غلافه”.
المصدر: صحيفة العرب اللندنية
سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
تابعوا أحدث أخبارنا وخدماتنا عبر حسابنا بتويتر