سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
تشيلسي بروس لوكهارت
تسببت العقوبات التي فرضتها إدارة الرئيس الأميركي “دونالد ترمب” ضد إيران في تراجع النمو الاقتصادي، مما دفع الجمهورية الإيرانية نحو ركودٍ عميقٍ، ورفع التضخم إلى 40%، وفقًا لصندوق النقد الدولي. فقد ربط الصندوق، أخيرًا، توقعاته بتقلص نسبة 6% من الاقتصاد الإيراني هذا العام بجهود الرئيس ترمب وتشديد الضغط الاقتصادي على البلاد. إذ يعمل التباطؤ الاقتصادي على تأجيج السَّخَط الشعبي وتصاعد التوترات السياسية بين المنتمين إلى “التيار الإصلاحي” المتحالفين مع الرئيس حسن روحاني، والمتشددين الذين خاضوا زمام المعارضة منذ أيام الحوار مع الولايات المتحدة.
ومن المقرر أن تتسبب الإجراءات الأميركية في زيادة الآلام الاقتصادية بعد أن أعلنت إدارة ترمب أنها ستبدأ في فرض عقوبات على عدد من أكبر مستوردي النفط الإيراني، الذين مُنِحُوا إعفاءات لاستيراد النفط من إيران. إذ تواجه اليابان وكوريا الجنوبية وتركيا والهند والصين ضغوطًا أميركية متزايدة لوقف استيراد النفط من طهران. وأعادت الولايات المتحدة فرض قيودٍ على صناعة النفط الإيرانية وبنوكها في العام الماضي بعد أن تخلى ترمب عن الاتفاق النووي الذي وقعته القوى الغربية مع طهران عام 2015، والذي تضمن تخفيف العقوبات مقابل قيام إيران بتقييد أنشطتها النووية.
لكن الجمهورية الإيرانية تقول إن الضغط الاقتصادي لن يجبرها على التفاوض مع إدارة ترمب بشأن سياساتها الإقليمية والدفاعية. وقد صرَّح اللواء قاسم سليماني، قائد الذراع الخارجية للحرس الثوري المتشدد قائلاً: “يريد العدو جرنا إلى طاولة المفاوضات من خلال الضغط الاقتصادي”. كما قال وزير الخارجية الإيراني، محمد جواد ظريف، لقناة “فوكس نيوز” في مطلع الأسبوع الماضي، إن “أي مفاوضات في ظل الظروف الحالية ستكون مجرد استسلام، ونحن بالتأكيد لن نخضع لهذه الإهانة”. وكان صندوق النقد الدولي قد سلَّط الضوء على العقوبات الأميركية باعتبارها عقبة أمام النمو الإقليمي إلى جانب التباطؤ الصراع في العراق وسوريا واليمن.
وحذَّر الصندوق من أن التضخم السنوي في إيران قد يصل إلى 37% هذا العام – وهو ما يعد أحد أعلى المعدلات خلال العقدين الماضيين – بل ربَّما يرتفع أكثر إذا استمرت صادرات النفط في التراجع. وعلى وفق توقعات الصندوق السابقة في أكتوبر، فإن الاقتصاد الإيراني سينكمش بنسبة 3.6% هذا العام. ومن شأن التراجع في الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 6% أن يمثل أسوأ أداء للاقتصاد الإيراني منذ عام 2012، عندما قال صندوق النقد الدولي إن الناتج المحلي الإجمالي انخفض بنسبة 7.7% مع بدء فرض عقوبات إدارة أوباما على أنشطة إيران النووية.
وتتعرض حكومة “روحاني”، الذي تولى منصبه في عام 2013، لضغوط محلية هائلة، إذ قضت العقوبات الأميركية على إنجازاته الاقتصادية، التي شملت وضع التضخم تحت السيطرة وإنهاء الركود الأخير الناجم عن العقوبات. بينما يتهم السياسيون المتشددون حكومة “روحاني” بالفشل في تخفيف أثر العقوبات، كما أن الناخبين يشكون من ارتفاع الأسعار وارتفاع معدل البطالة. فتقول “مريم”، وهي ربة منزل إيرانية تبلغ من العمر 48 عامًا: “كل يوم عندما أذهب للتسوق، أعتقد أنني كنت أفضل حالًا من اليوم، إنني أستيقظ كل صباح وأدرك أنه كان هناك قفزة في سعر الدجاج أو ضعف سعر البصل والطماطم”.
لقد تسببت الإجراءات الأميركية فعلاً في تراجع صادرات النفط الإيرانية، التي تمثل شريان الحياة بالنسبة للاقتصاد، من 2.8 مليون برميل يوميًا في مايو الماضي إلى حوالي 1.3 مليون برميل يوميًا. ومن المرجح أن ينخفض الإنتاج أكثر بعد قرار الولايات المتحدة بإنهاء العقوبات. وقد قالت إدارة ترمب إنها تريد خفض صادرات إيران من النفط الخام “إلى الصفر”، ذلك أنها تسعى إلى كبح الأنشطة الإيرانية التي تقول إنها تؤجج الصراع والتطرف في جميع أنحاء العالم العربي. وكما يقول “جهاد آزور”، المدير الإقليمي لصندوق النقد الدولي، إنه ليس من الواضح إلى أي مدى يمكن أن تنخفض صادرات إيران من النفط الخام. ويضيف “آزور” أن الأمر لا يزال بحاجة إلى الوضوح بشأن معنى “الصفر”، إذ لا يزال بإمكان إيران التصدير لتغطية الاحتياجات الإنسانية، لكن لم يتسنَّ بعد التأكيد من إمكانية أن تمتثل الدول الأخرى لإزالة الإعفاءات؛ فقد سعت ألمانيا وفرنسا والمملكة المتحدة، وهي الدول الأوروبية الموقعة على الاتفاق النووي مع إيران، إلى تخفيف تأثير الولايات المتحدة. فالعقوبات عن طريق الإعلان عن إطلاق مسار خاص جاءت في محاولة لإبقاء القنوات المالية والتجارية مفتوحة مع إيران. لكن كان ينظر إلى ذلك باعتباره خطوة رمزية إلى حد بعيد ولم تفعل سوى القليل لتخفيف الضغط المالي.
ويأتي انهيار النمو في إيران في الوقت الذي يواجه فيه مُصَدِّرون آخرون للنفط في الشرق الأوسط، عامًا آخر من النمو الضعيف بسبب انخفاض متوسط أسعار الخام وارتفاع التوترات الجيوسياسية. فقد قال صندوق النقد الدولي إن أي تأثير مُعدٍ من إيران لاقتصادات الخليج سوف يخفف من الروابط التجارية والاستثمارية المحدودة نسبيًا.
وقد رحبت بعض الدول مثل المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة، التي تتهم إيران بالتدخل في العالم العربي، بإعادة فرض العقوبات على أمل أن يؤدي ذلك إلى تقويض قدرتها على تمويل حلفائها في سوريا والعراق ولبنان واليمن. لكن نظام العقوبات الأكثر صرامة أثار بعض التوترات الناجمة عن تهديدات الحرس الثوري الإيراني بإغلاق مضيق هرمز ردًا على ذلك. إذ يقول السيد “آزور” إن “التوترات الجيوسياسية بشأن تجديد العقوبات الإيرانية وإلغاء الإعفاءات لها تأثير على الاستقرار السياسي العام في المنطقة”. وقد ترافق التوتر السياسي المتزايد مع إحياء الغضب الشعبي في جميع أنحاء المنطقة، بما في ذلك الاحتجاجات الكبيرة في الشوارع التي أدت إلى طرد رئيسَي الجزائر والسودان، فضلاً عن الاضطرابات التي تشهدها إيران منذ العام الماضي.
وكما يقول السيد “آزور” فقد شهدنا – أيضًا – انتعاشًا في الاستياء الاجتماعي منذ عام 2017، إذ يسود شعور لدى الشباب بأنهم لم يشهدوا على مدار الأعوام الخمسة الماضية خلق فرص العمل أو النمو.
إعداد: وحدة الترجمات بمركز سمت للدراسات
المصدر: فاينانشيال تايمز
سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
تابعوا أحدث أخبارنا وخدماتنا عبر حسابنا بتويتر