الإرهابيين في غرب أفريقيا | مركز سمت للدراسات

الاقتتال الداخلي بين الإرهابيين في غرب أفريقيا.. من يدفع الثمن؟

التاريخ والوقت : الإثنين, 28 يونيو 2021

علي نوار

 

بعد اندحار تنظيم داعش في سوريا والعراق، هرب عدد كبير من الإرهابيين إلى أماكن مثل ليبيا، ومن هناك إلى إقليم الساحل الأفريقي، ما تزال هناك خلايا جهادية نشطة في الشرق الأوسط، لكنّها لم تعد مؤثرة كما كانت قبل أعوام.

وأدّى وصول إرهابيي داعش هؤلاء لإقليم الساحل إلى زيادة عدد التنظيمات الجهادية في المنطقة؛ حيث تعمل بالفعل جماعات مثل بوكو حرام النيجيرية وتنظيمات موالية للقاعدة، وتعدّ “جماعة نصرة الإسلام والمسلمين” ألدّ خصوم تنظيم داعش، لا سيما أنّها تدين بالولاء للقاعدة.

حصلت جماعة “بوكو حرام” على اهتمام وسائل الإعلام، عام 2014، بعد إقدامها على اختطاف 276 طفلة بمنطقة تشيبوك، شمال شرق نيجيريا، إلّا أنّ بدايات هذه الجماعة تعود إلى عام 2002 على يد رجل الدين السلفي محمد يوسف، وكانت تدين في البداية الفساد وانعدام المساواة وآفات كانت تنسبها إلى الاحتلال البريطاني، لكن وبمرور الأعوام أخذت في القتال بهدف فرض الشريعة الإسلامية بنيجيريا.

عناصر داعش في النيجر

وتولّى أبو بكر شيكاو القيادة، خلفاً ليوسف، بعد وفاة الأخير، لتبدأ المرحلة الأكثر دموية وعنفًا في حياة الجماعة، وهو ما يتّضح من تأكيده “استمتع بقتل كلّ من يأمرني الله بقتله، بالطريقة نفسها التي استمتع بها بقتل الدجاج والخراف”، وذلك خلال مقطع فيديو نُشر عام 2012، قبل عامين من حادث الاختطاف الذي هزّ المجتمع الدولي بأسره.

وتحت شعار “أعيدوا فتياتنا”، دشّن ممثلون ومطربون وشخصيات مؤثّرة، مثل ميشيل أوباما، حملة للتّنديد بممارسات “بوكو حرام” البشعة بحقّ الأطفال، خاصة الفتيات التي اعتبر شيكاو أنّهن “لا ينبغي أن يحصلن على تعليم، بل يخدمن كزوجات”، كمبرّر لاختطافهنّ.

وإضافة إلى اختطاف القصّر لتجنيدهم وتحويلهم إلى مقاتلين أطفال، شنّت “بوكو حرام” هجمات ومذابح في جميع أنحاء البلاد، ووفق بيانات منظمة الأمم المتحدة، فقد قُتل أكثر من 35 ألف شخص على يد التنظيم الإرهابي، فضلًا عن تورّطه في 40% من الاعتداءات الإرهابية التي شهدها إقليم الساحل الأفريقي.

كما تسبّبت هذه المذابح أيضاً في ارتفاع أعداد النازحين، وحذّرت منظّمة “أطبّاء بلا حدود” من أنّ منطقة زامفارا، شمال نيجيريا، على الحدود مع النيجر، تعاني أزمة إنسانية، بينما أشارت منظّمة الهجرة الدولية، في شباط (فبراير)، إلى وجود 124 ألف لاجئ في المنطقة، وهو الرقم الذي أخذ في الازدياد منذ صيف 2020.

وكانت “بوكو حرام” قد أعلنت قيام خلافة في القارة الأفريقية، وبعدها بعام أقسمت الولاء لتنظيم داعش، لكن في 2016 وبعد خلافات دينية وإستراتيجية حدث الانشقاق داخل الجماعة الإرهابية، لينشأ تنظيم “الدولة الإسلامية في ولاية غرب أفريقيا”، أما فصيل “بوكو حرام” تحت إمرة شيكاو فقد ابتعد عن تنظيم داعش في الشرق الأوسط، فيما حصل “الدولة الإسلامية في غرب أفريقيا” على دعم داعش.

“الدولة الإسلامية في غرب أفريقيا”

وأخيراً، بعد أعوام من التناحر، قُتل شيكاو أثناء كمين نصبه له، في أيار (مايو) الماضي، قيادات داعش من سوريا، كان زعيم “بوكو حرام” عنيفاً بشكل مُبالغ فيه بالنسبة إلى داعش، الذي اتّهم الرجل بـ “مهاجمة المؤمنين بلا تمييز”؛ لذا وُكّلت إلى “الدولة الإسلامية في غرب أفريقيا” بقيادة أبو مصعب البرناوي، ابن مؤسس “بوكو حرام”، محمد يوسف، مُهمّة قتل شيكاو.

وطبقاً لوسائل الإعلام النيجيرية، فقد قُتل شيكاو بعد أسابيع من المعارك الطاحنة بين الجماعات المتناحرة في غابة سامبيسا، شمال شرق البلاد، وأبرز معاقل بوكو حرام، وقبل محاصرته، فجّر شيكاو حزاماً ناسفاً كان يرتديه ليقتل نفسه وعدد من خصومه.

وكانت السلطات النيجيرية تحاول منذ أعوام القضاء على شيكاو، وقد أعلنت مصرعه خلال العقد الأخير في خمس مناسبات على الأقل، وبالنسبة إلى واشنطن، فقد كان القيادي الجهادي على قائمة الإرهابيين الدوليين الذين تسعى وراءهم، بل وعرضت مكافأة لمن يدلي بمعلومات تقود إلى مكانه.

ويتنبّأ خبراء ومحلّلون بنشوب مواجهات داخل بوكو حرام على قيادة الجماعة؛ نظراً إلى أنّ شيكاو لم يعد خليفة له، رغم أنّ الأمر الأكثر مدعاة للقلق يتمثّل في ازدياد نفوذ “الدولة الإسلامية في غرب أفريقيا”، الذي يكتسب مزيداً من الأراضي التي كانت تتبع بوكو حرام، فضلاً عن توسيع رقعة نفوذه في القارة الأفريقية مثل موزمبيق وبحيرة تشاد ومناطق أخرى.

وحذّر بكاري سامبيه، مدير مركز “تمبكتو” للدراسات، من توسّع “الدولة الإسلامية في أفريقيا”، مؤكّداً أنّ “دول الساحل الأفريقي هي الهدف، ينتشر الجهاديون نحو الجنوب ويسعون الآن إلى إضعاف بوركينا فاسو كي يتمكّنوا من اختراق الدول الساحلية مثل بنين وتوجو وساحل العاج، لن يتوقّفوا”.

وأضاف جاكوب زين، من مؤسّسة “جيمس تاون فونديشن تيرورزم مونيتر”: مصرع شيكاو أحدث انشقاقات بين أتباعه الذين يدرسون الآن ما إذا كانوا سيقاتلون في صفوف “الدولة الإسلامية في غرب أفريقيا” أم ضدّه، ما يشير إلى أنّ الفترة المقبلة ستشهد نوعاً من الفوضى”.

وستعمل جماعة البرناوي بالطبع على الاستفادة من حالة الفوضى داخل الجماعة المنافسة كي تزيد نفوذها، ومن المحتمل أن يعزّز “الدولة الإسلامية في غرب أفريقيا” موقفه كأبرز تهديد بالنسبة للسلطات النيجيرية، لا سيما أنّه لا يبثّ الرعب ذاته الذي تنشره “بوكو حرام” بين السكّان.

ويوضّح فنسان فوشيه، المحلّل بالمركز الفرنسي للأبحاث العلمية: “يتيح التنظيم قدراً من القانون والنظام في بحيرة تشاد، يذهب المدنيون إلى هناك للقيام بالأعمال أو العيش لأنّ هناك موارد طبيعية مثل الأراضي الزراعية عالية الخصوبة”.

وخلافًا لبوكو حرام، التي كانت تقتل هؤلاء الذين لا ينضمّون إلى صفوفها، يفضّل “الدولة الإسلامية في غرب أفريقيا” اكتساب ثقة المدنيين، كما لم يقدم على ارتكاب مذابح على نطاق واسع أو أعمال سلب ونهب مثل “بوكو حرام”؛ لذا يرى الخبير الأمني “يان سان بيير”؛ أنّ “فعالية الدولة الإسلامية في غرب أفريقيا، حتى الآن، جاءت بفضل إنشاء نظام يتضمّن السيطرة والتأثير على الاقتصاد، والعدالة والتعليم والأمن، يمارس التنظيم سيطرة كاملة ويمكنه الحكم وتقليص المعارضة لأدنى درجة”.

الجماعات الإرهابية وتجارة المخدرات

ويتعيّن على “الدولة الإسلامية في غرب أفريقيا” مواجهة الجماعات المسلّحة الموالية للقاعدة في المنطقة، مثل “جبهة نصرة الإسلام والمسلمين”، التي تحصل على مساعدة تنظيمات إرهابية أخرى من المغرب العربي، ويسعى الطرفان (داعش والقاعدة) نحو إيجاد مصادر تمويل جديدة، لذلك يتصارعان على مناطق الاحتياطات الكبرى من الموارد الطبيعية أو النقاط الجغرافية ذات الأهمية الإستراتيجية.

وتقع بعض هذه المواقع المهمة على مسارات التجارة غير الشرعية، مثل تهريب المخدّرات والبشر، وعلى غرار ما حدث في عقد التسعينيات من القرن الماضي في أفغانستان وباكستان، حيث كانت حركة طالبان تتحكّم في تجارة الأفيون، ربّما يلجأ إرهابيو الساحل الأفريقي للوسيلة نفسها.

ففي 2009، أٌلقي القبض على ثلاثة ماليين في الولايات المتّحدة بتهمة تهريب المخدرات، ليتأكّد وجود صلة بين عصابات المخدّرات وتنظيم القاعدة في المغرب الإسلامي، على أنّ الجماعات الإرهابية دانت تجارة المخدّرات، وصولاً إلى حرق شحنات السجائر والحشيش.

لطالما كانت فرنسا أكثر الدول المنخرطة في الحرب ضدّ الإرهاب بإقليم الساحل، وقد حثّ الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، عدّة مرّات، شركاءه الأوروبيين وحلفاءه الدوليين على تعزيز وجودهم في المنطقة الأفريقية، وتُعدّ عملية “برخان” إحدى أبرز مظاهر الحرب ضد الجماعات الإرهابية في غرب أفريقيا، رغم إعلان باريس مؤخّراً تقليص قواتها، مفسحة المجال أمام المزيد من الانتشار الدولي، وتعهّدت كلّ من اليونان وصربيا وإيطاليا، حتى الآن، بإرسال القوات إلى هناك.

وأجرى ماكرون، أثناء قمّة “جي 7” الأخيرة في لندن، محادثات ثنائية مع نظيره الأمريكي جو بايدن، لبحث ملفّات ذات اهتمام مشترك، وكان أحد الموضوعات التي تطرّق إليها الزعيمان الحرب ضدّ الإرهاب في الساحل، لذا فقد تقرّر واشنطن تعزيز وجودها بالمنطقة مستقبلاً.

إنّ غياب الاستقرار السياسي والتأثير المتنامي للجماعات الإرهابية، فضلاً عن الاقتتال فيما بينها على النفوذ، يحوّل الساحل الأفريقي إلى أحد أكثر المناطق خطورة على وجه الأرض، ويجدر بالمحلّيين التعامل مع أزمة إنسانية تزداد وطأتها مع مرور الوقت، وبحسب تقرير معهد الاقتصاد والسلام حول المؤشر العالمي للسلام الذي نُشر قبل أيام، فإنّ الصراعات الجديدة في الساحل ومنطقة القرن الأفريقي وأفريقيا جنوب الصحراء، تمثّل 65% على الأقل من النزاعات العنيفة الدائرة في العالم حالياً.

المصدر: حفريات

النشرة البريدية

سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!

تابعونا على

تابعوا أحدث أخبارنا وخدماتنا عبر حسابنا بتويتر