الاعتداء على معامل النفط.. تورط إيراني والسعودية تبهر العالم بإعادة الضخ | مركز سمت للدراسات

الاعتداء على معامل النفط.. تورط إيراني والسعودية تبهر العالم بإعادة الضخ

التاريخ والوقت : السبت, 21 سبتمبر 2019

تابع العالم عن كثب خلال الأيام الماضية تطورات الاعتداء التخريبي الذي تعرض له معملا “أرامكو” في بقيق وهجرة خريص في المنطقة الشرقية في المملكة العربية السعودية، يوم الرابع عشر من سبتمبر 2019، والذي ثبت بالأدلة التي لدى المملكة، أو حتى تلك التي بحوزة الولايات المتحدة الأميركية، أن المتورط في هذا الهجوم الإرهابي الكبير هو النظام الإيراني.

ما قبل الاعتداء التخريبي، على خريص وبقيق، والذي تسبب في تقليص إمداد السوق بأكثر من 50 في المئة من إنتاجهما من النفط والغاز، كانت هناك ملامح كثيرة للتصعيد الإيراني في الخليج، وبخاصة منذ بداية هذا العام، فتصاعدت حدة الهجمات غير المباشرة: اختطاف ناقلات نفط، ومواجهة عبر الطائرات المسيرة، واستهداف أنابيب نفط.

حجم وتطور الهجوم الذي تعرضت له معامل شركة “أرامكو”، يشير إلى متورط بحجم دولة ولا يمكن أن تقوم به ميليشيات أو تنظيمات تفتقر إلى العمل الاستخباراتي، والإمكانيات التقنية والعسكرية المتطورة، نظرا لبعد المسافة لموقع الاستهداف، فضلاً عن أن الاعتداء يتناسب مع النمط الذي تبنته إيران في الأشهر الأخيرة والذي ركز على ممارسة أقصى قدر من الضغط على الولايات المتحدة وحلفائها في المنطقة، وعلى رأسهم المملكة العربية السعودية، من خلال محاولات جر المنطقة إلى عمل عسكري يخرج النظام الإيراني من أزمة العقوبات الخانقة التي يتعرض لها.

تحاول ميليشيات الحوثي نسب هذا الاعتداء لها، لأهداف عدة أولها كسب إعلامي كاذب يمكن إن يصدق في أوساط أنصارها، والثاني حماية إيران من تبعات هذا الاعتداء الذي لقي إدانات دولية غير مسبوقة، بيد أن الدلائل الدامغة تشير بما لايدع مجالا للشك أن النظام الإيراني متورط رسميا بالتنفيذ، مايعني أنه عمل حربي كامل الأركان.

المملكة من جانبها عرضت أدلة إدانة إيران وتورطها في هجمات “أرامكو”، ففي مؤتمر صحفي لوزارة الدفاع السعودية، تمَّ الكشف عن الأسلحة التي استخدمت في الاعتداء الغاشم على معملي “أرامكو”، مؤكدة تورط إيران في تلك الاعتداءات.

وزارة الدفاع السعودية أكدت امتلاكها أدلة على أن هجوم “أرامكو” لم ينطلق ولا يمكن أن يكون تمَّ من اليمن كما زعمت أذرع النظام الإيراني، فقد جاء من الشمال، وبالتأكيد كان مدعومًا من طهران. لقد جمع خبراء الوزارة معلومات من بقايا الصواريخ تكفي لمعرفة من وراء الهجوم، إذ إن كل المكونات التي تمت استعادتها وتحليلها من الموقع تشير إلى إيران.

وبحسب مؤتمر وزارة الدفاع، فقد استخدم في الهجوم 25 طائرة مسيرة – من طراز (دلتا – ونج)، وصاروخ كروز (يا علي) الذي تملكه إيران، إضافة إلى 3 صواريخ كروز لم تصب أهدافها، كانت متوجهة من الشمال إلى الجنوب. إن الهجوم على بقيق وخريص هو امتداد لهجمات سابقة تقف خلفها طهران، ويُظهر أن النظام الإيراني يستهدف المدنيين والبنى التحتية، وهناك الكثير من الأدلة على تورطه في أعمال تخريب بالمنطقة عبر وكلائها.

السعودية شاركت نتائج التحقيقات في الهجوم مع حلفائها، وما زالت مستمرة في التحقيقات لتحديد مكان انطلاق الطائرات المسيرة والصواريخ بدقة، ومن أطلق الطائرات المسيرة والصواريخ سيتحمل المسؤولية. ويجب أن لا يغفل العالم حقيقة أن تهديد الإرهاب والأعمال الشريرة لإيران يشمل الجميع وليس السعودية فقط، والعالم بأسره اكتشف ذلك، وعلى المجتمع الدولي العمل على وقف الأعمال الشريرة لطهران.

أدلة إدانة خامنئي

سرعان ما تكشف للعالم تورط إيران في الهجمات على معملي “أرامكو”، فبالإضافة إلى الأدلة التي تؤكد إدانة إيران ووقوفها خلف هذا العمل الإرهابي، والتي أعلنت المملكة حوزتها، أظهرت تقارير أميركية أدلة تكشف تفاصيل دقيقة عن التورط الإيراني في هذه الهجمات.

التقارير الأميركية أفادت بأن الولايات المتحدة حددت مواقع في إيران أطلقت منها الطائرات بدون طيار وصواريخ كروز التي استهدفت منشآت النفط السعودية. وقال مسؤولون كبار لشبكة أنباء “سي بي إس” إن المواقع حُددت في جنوب إيران، في الطرف الشمالي للخليج. وأضاف المسؤولون أن الدفاعات الجوية السعودية لم توقف الطائرات بدون طيار والصواريخ لأنها كانت موجهة جنوبًا لمنع هجمات قادمة من اليمن.

غير أن أهم التقارير وأخطرها، هو ما ذكرته وسائل إعلام أميركية، بأن المرشد الإيراني علي خامنئي وافق على الهجوم على منشأتي النفط التابعتين لمجموعة “أرامكو”، وذلك حسبما ذكرت شبكة “سي بي إس نيوز” الإخبارية الأميركية، نقلاً عن مسؤول أميركي.

وذكرت “سي بي إس نيوز” من دون أن تكشف هويات المسؤولين أو كيف حصلوا على المعلومات، أن خامنئي وافق على الهجوم شرط أن يتم تنفيذه بشكل يبعد الشبهات في أي تورط إيراني.

وقال المسؤولون الأميركيون في التقرير إن الأدلة الدامغة ضد إيران، هي صور التقطت بقمر صناعي ولم يتم نشرها بعد، تظهر قوات الحرس الثوري الإيراني وهي تقوم بترتيبات للهجوم في قاعدة الأهواز الجوية. وأوضح التقرير أن أهمية الصورة لم تتضح إلا في وقت لاحق. ونقل التقرير عن مسؤول أميركي قوله: “أخذنا على حين غرّة”.

أيضًا، تحدث مسؤولون أميركيون، لم يكشفوا عن هويتهم، إلى صحيفة الـ”نيويورك تايمز” وشبكة “أيه بي سي” ووكالة رويترز للأنباء، وقال أحد هؤلاء المسؤولين إن الهجمات جاءت من الغرب والشمال الغربي وليس من المنطقة التي تسيطر عليها جماعة الحوثي في اليمن، والواقعة إلى الجنوب الغربي من المنشآت النفطية السعودية. ونقلت شبكة “أيه بي سي” عن مسؤول أميركي بارز القول إن ترمب كان مدركًا تمامًا مسؤولية إيران.

بدورها، أعلنت فرنسا رفضها للرواية التي تفترض قيام ميليشيات الحوثي بالهجمات التي استهدفت معملي “أرامكو”، وقالت على لسان وزير خارجيتها “جان إيف لو دريان”، إن إعلان الحوثيين في اليمن مسؤوليتهم عن الهجوم الذي استهدف منشأتي نفط سعوديتين تابعتين لمجموعة “أرامكو” العملاقة “يصعب تصديقه”. وأضاف “لو دريان” في حديث لتلفزيون “سي نيوز”: “أعلن المتمردون في اليمن أنهم شنوا هذا الهجوم. هذا يصعب تصديقه إلى حدٍّ ما”. وتابع قائلاً: “هناك تحقيق دولي، فلننتظر نتائجه. لن يكون لي رأي بعينه قبل هذه النتائج”، مضيفًا أن التحقيق في الهجمات سيكون سريعًا.

تضامن دولي مع المملكة

ما إن وقع الهجوم على “أرامكو”، حتى سارع زعماء العالم إلى تأكيد وقوفهم إلى جوار المملكة، وجدد زعماء وقادة دول تضامن بلدانهم ودعمها للمملكة في مواجهة الأعمال التخريبية.

الرئيس الأميركي دونالد ترمب، في تعليقاته الأولى على الهجمات الإرهابية، قال إن “امدادات النفط في المملكة العربية السعودية تعرضت للاعتداء. هناك سبب للاعتقاد بأننا نعرف الجاني”. الرئيس الأميركي أكد دعمه لأي خيار سعودي، مضيفا: ” “نحن على أهبة الاستعداد اعتمادا على التحقق، لكننا ننتظر أن نسمع من المملكة العربية السعودية بشأن من يعتقدون أنه سبب هذا الهجوم، وبأي شروط سوف نتحرك!”.

ترمب أعلن أيضا أنه سيكشف عن تفاصيل عقوبات جديدة مشددة على إيران “خلال 48 ساعة”. وقال في تغريدة إنه وجّه وزير الخزانة “ستيفن منوتشين” بزيادة العقوبات الاقتصادية المفروضة على إيران بشكل كبير. كما قال الرئيس الأميركي في تصريحات لاحقة، إن تفكيره بشأن إيران لم يتغير.

أيضا، أدانت الأمم المتحدة هجمات طائرات بدون طيار على منشأتي نفط سعوديتين، في حين حذر الاتحاد الأوروبي من أنها تمثل “تهديدًا حقيقيًا للأمن الإقليمي في الشرق الأوسط”.

الأمين العام للأمم المتحدة “أنطونيو غوتيريش”، أعلن أن خبراء دوليين توجهوا إلى السعودية، بدعوة من المملكة، من أجل الاطلاع على المعلومات والأدلة الخاصة على الهجمات، وفقًا للتفويض الذي منحه مجلس الأمن لهم بموجب القرار 2231 الخاص بالاتفاق النووي مع إيران والقرار 2140 الخاص بالعقوبات على اليمن.

“غوتيريش” شدد على أن هذه الهجمات “تمثل تصعيدًا دراماتيكيًا ينبغي التنديد بها وهي انتهاك للقانون الإنساني الدولي ومن المهم للغاية ألا تتكرر”. وأكد أن هذه الهجمات “لا تبدو كعمل للسلام بالتأكيد”، مضيفًا أن الحوثيين عندما أعلنوا مسؤوليتهم عنها وصفوها بأنها “عمل حربي”.

وفي تلك الأثناء، تلقى خادم الحرمين الشريفين، الملك سلمان بن عبدالعزيز – حفظه الله- العديد من الاتصالات الهاتفية التضامنية مع المملكة، من زعماء وقادة الدول العظمى والشقيقة والصديقة. فقد تلقى خادم الحرمين اتصالا من الرئيس الصيني شي جين بينغ، أعلن خلاله الملك سلمان  أن المملكة وبعد استكمال التحقيق في الاعتداءات التي جرت على معمليْ أرامكو، ستتخذ الإجراءات المناسبة التي تحفظ أمنها واستقرارها.

كما تلقى خادم الحرمين الشريفين اتصالات هاتفية من كل من أمير الكويت، الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح، وملك البحرين حمد بن عيسي آل خليفة، والعاهل الأردني الملك عبدالله الثاني، والرئيس الفلسطيني محمود عباس.

سمو الأمير محمد بن سلمان، ولي العهد السعودي، تلقى أيضا العديد من الاتصالات الهاتفية التي تدين بشدة الاعتداءات، مع تقديم المساعدة بإشراك خبراء في التحقيقات في الهجمات، انطلاقًا من الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، مرورًا بنظيره الفرنسي إيمانويل ماكرون، وصولاً إلى الرئيس الكوري مون جاي. العالم أجمع يعرب عن إدانته لتلك الهجمات، ويبدي تقديره وحرصه على أمن واستقرار المملكة، لما تمثله من أهمية في حفظ السلام في الشرق الأوسط، أكثر البقاع سخونة في العالم.

أمين عام حلف شمال الأطلسي (الناتو) أعرب أيضًا عن قلقه إزاء إمكانية تصاعد التوترات في الشرق الأوسط عقب الهجوم. “ينس ستولتنبرغ”، الأمين العام للناتو، كان أكثر صراحة في اتهام إيران بالتورط في الأمر، إذ قال إن “إيران تزعزع استقرار المنطقة بالكامل”.

وزير الخارجية الأميركية، “مايك بومبيو”، كان أكثر تحركًا من غيره، عندما قرر المجيء إلى المملكة، ومقابلة سمو ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، في جدة. إذ أكد “بومبيو” أن الهجوم الذي استهدف منشأتين نفطيتين في السعودية “هجوم إيراني”، مفندًا ادّعاء الحوثيين بتنفيذه.

وأضاف الوزير الأميركي لصحافيين رافقوه في الطائرة التي أقلّته إلى السعودية: “لم يكن الحوثيون مصدره. كان هجومًا إيرانيًا”. ووصف الهجوم بأنه “عمل حربي”، قائلاً: “كنا محظوظين لعدم سقوط أميركيين في هذا الهجوم، لكن عندما يكون لديك عمل حرب من هذا النوع، فهناك دائمًا خطر حدوث ذلك”، لافتًا إلى أن “هذا هجوم على مستوى لم نره من قبل”.

وأضاف “بومبيو” أن الحوثيين يدّعون أنهم نفذوا الهجوم، لكن “هذا ليس صحيحًا”، مشيرًا إلى وجود “بصمات” الإيرانيين، واعتبر أن العملية “هددت إمدادات الطاقة العالمية”. وأوضح أن الأسلحة التي تمَّ استخدامها في الهجوم “لا يمكن أن تكون في حوزة الحوثيين”. وتابع أن مصدر الهجوم “لم يكن من الجنوب”، أي من اليمن، و”إننا نعلم أن الإيرانيين لديهم أنظمة لم ينشروها في أي مكان خارج بلادهم”. وقال أيضًا إنه “لا إثبات على أن (الهجوم) مصدره العراق”.

وعن هدف زيارته إلى السعودية، قال الوزير الأميركي: “مهمتي هنا أن أعمل مع شركائنا في المنطقة، كما أننا نعمل مع شركائنا الأوروبيين.. إننا نعمل على بناء تحالف لوضع خطة لردعهم”.

من جانب آخر، دعت كلٌّ من بريطانيا وألمانيا المجتمع الدولي إلى “رد جماعي” على الهجمات التي تعرضت لها المنشآت النفطية السعودية.

عودة الإمدادات.. مفاجأة سعودية للعالم

بعد وقوع الهجمات، تزايدت التحليلات والتوقعات حول المدة التي تحتاجها المملكة من أجل تعويض النقص الذي سيشهده سوق النفط العالمي، وسط تخوفات من خفض إنتاج العالم من النفط بنسبة خمسة في المئة، وأن أقل تأثير لذلك سيكون إثارة القلق في الأسواق العالمية، خاصة بعد أن ارتفعت أسعار النفط بنسبة تقارب 20 في المئة، وهو أكبر ارتفاع وقع في يوم واحد منذ حرب الخليج في عام 1991، وإن كانت قد عادت إلى النزول قليلاً في أعقاب ذلك.

صحيفة “فاينانشال تايمز” البريطانية، قالت في تقرير لها إن السؤال المباشر الآن هو كم من الوقت ستحتاجه السعودية للعودة إلى قدرتها الكاملة على إنتاج النفط. وما إذا كان بإمكانها حتى ذلك الحين أن تضغط على بنيتها الحالية لتعويض الإنتاجية المفقودة حتى يتم إصلاح الخسائر في المنشآت المتضررة.

غالبية التحليلات والتوقعات تحدثت عن مدة لن تقل بأي حال من الأحوال عن أسبوعين، من أجل عودة المنشآت النفطية المتضررة إلى العمل كما كانت، بل إن بعض التحليلات تحدثت عن الحاجة إلى أسابيع وربَّما أشهر قبل عودة المنشآت إلى سابق عهدها، خاصة أن حجم إنتاج الموقعين المتضررين يشكل نحو 50 في المئة من الإنتاج النفطي السعودي أو 5 في المئة من الإنتاج النفطي اليومي العالمي.

لكن، “همة جبل طويق” التي تحدث عنها سمو الأمير محمد بن سلمان في مناسبات عديدة سابقًا، كان لها رأي آخر، رأي خالف كل هذه التوقعات، ولا نجادل إذا قلنا إنه أحبط الكثير من آمال بعض مروجيها.

فلم يكد يمر سوى 72 ساعة تقريبًا على الهجمات، حتى أعلنت المملكة عن عودة الإمدادات النفطية للأسواق العالمية إلى ما كانت عليه قبل الساعة الثالثة صباحًا، عندما وقع الهجوم الإرهابي في بقيق وخريص يوم السبت الماضي.

لقد تمكنت قدرات “أرامكو” وجهود العاملين فيها ‏وبيئة العمل، خلال اليومين الماضيين، احتواء الأضرار، واستعادة أكثر من نصف الإنتاج الذي تعطل نتيجة هذا العمل التخريبي السافر.

إن صادرات السعودية من النفط لشهر سبتمبر والأشهر المقبلة لن تتأثر جراء الهجمات التخريبية، وهو ما يعني أن إيرادات المملكة من النفط ستكون في مستوياتها الطبيعية دون نقص. كما أن إيرادات الميزانية العامة للدولة من النفط لن تتأثر بالعمل التخريبي الذي طال معامل بقيق وخريص.

إن المخزون الاستراتيجي كان عنصرًا فعالاً في هذه الفترة، فـ”أرامكو” لديها طاقة تخزينية كبيرة، وهي لتغطية مختلف جوانب عمليات الشركة، كما أن وزارة الطاقة تعمل مع وزارة الصناعة ومسؤولي البتروكيماويات لعودة اللقيم تدريجيًا، والأولوية للشركات الأكثر تأثرًا، حتى لا تتأثر بشكل أكبر من هذا الهجوم، فيما ستستغل “أرامكو” قدرتها الإنتاجية القصوى والفائضة لتعويض المخزون الذي تمَّ استخدامه.

كما تجدر الإشارة إلى حرص المملكة وتأكيدها على أن الهجوم الإرهابي على معملي شركة “أرامكو” لن يعطل أو يؤخر عملية طرحها للاكتتاب العام، وأن طرح “أرامكو” سيتم خلال أي وقت في الاثني عشر شهرًا المقبلة، وأن الشركة لديها الإمكانيات الكاملة، والقدرة على استعادة طاقتها بشكل سريع. كما شددت المملكة على أن الطرح الأولي سيتوقف على أوضاع السوق.

إن إنتاج بقيق الحالي يبلغ مليوني برميل، وسيرتفع إلى مستوياته قبل الهجوم بشكل كامل بحلول نهاية الشهر، وعمليات إخماد الحريق في المعملين استغرقت قرابة 7 ساعات، إضافة إلى إصلاحات كبيرة في الحقلين، واستعادة قدرتهما وطاقتهما الكاملة.

أيضًا، جرى استئناف الإنتاج في معمل خريص بواقع 320 ألف برميل بعد 24 ساعة من الهجوم، ولم يحدث تأخير أو إلغاء تسليم أي شحنة إلى العملاء العالميين بسبب تلك الهجمات، ولن يحدث ذلك، بإذن الله.

لقد بيَّنت الاستجابة السريعة قدرة الشركة على الصمود والتحمل خلال مواجهة تلك الهجمات الإرهابية عن جاهزية المملكة للتعامل مع التهديدات التي تهدف إلى تعطيل إمدادات الطاقة التي توفرها “أرامكو” السعودية للعالم، ويجب أن لا نغفل بما قامت به فرق الاستجابة للطوارئ، ومنها الإطفائيون وفرق التشغيل والأمن الصناعي والإدارات المساندة، بالتعاون مع الجهات الحكومية، في إخماد 13 حريقًا نشبت في مواقع متعددة.

خيارات الرد

أثارت حالة الاتزان وضبط النفس التي تحلت بها المملكة العربية السعودية عقب الهجمات، إعجاب قادة وزعماء العالم، خاصة مع يقينهم بقدرة المملكة على حماية أراضيها وجهوزيتها للرد على الإرهاب الإيراني وردعه أينما كان.

إضافة إلى هذا الاتزان، أعلنت المملكة أن هناك فريقًا دوليًا سيحضر بمساندة الأمم المتحدة، غرضه التحقيق في مصدر الأعمال التخريبية، والحكومة جادة في متابعة هذا العمل للتأكد من المسؤول عن هذه الأعمال التخريبية المشينة.

غالبية حكومات العالم مقتنعة، حتى قبل الهجمات على منشآت بقيق البترولية بسنوات، أن طهران مشكلة خطيرة على الجميع. إنما ظلَّت ترجو حل هذه المعضلة من دون أن تكون طرفًا في حرب معها؛ إمَّا أن ينهار النظام من الداخل، أو من الخارج، أو يتغير إلى الأفضل. لا شيء تغير. وهذا ينطبق حتى على الولايات المتحدة التي تدير اليوم استراتيجية الحصار، وتسعى لإجبار طهران على تبديل منهجها.

مخطئ من يظن أن المملكة غير قادرة على الرد على العمل العسكري الإيراني ضدها، فالقوات الجوية السعودية مثلاً لديها القدرة الفائقة على الرد بقوة على هذا الهجوم، غير أن السعودية دولة تلتزم بالنظام العالمي وبالقوانين الدولية، ولا تمارس أفعالاً متهورة دون سند قانوني وأدلة دولية تتسلح بها وغطاء دولي.

وكما أن السعودية تقوم بدورها في الحفاظ على إمدادات النفط العالمية، وهو ما يساعد على استمرار أمن العالم واستقراره، فإن دول العالم، صغيرها وكبيرها، عليها مسؤولية أيضًا في إيقاف أي دولة تتسبب في هز ذلك الاستقرار. ولمن يطالب المملكة وحدها بالرد على الاعتداءات الإيرانية هذه، نقول إذن لا تطالبوا السعودية وحدها بتحمل مسؤولية أمن واستقرار إمدادات النفط العالمية، هذه بتلك. وكما على السعودية مسؤولياتها التي ثبت قيامها بها كما لم يفعل أحد، فإن هناك مسؤولية تشاركية على الدول الكبرى للرد الجماعي على العدوان الإيراني ضد مصالحها الاقتصادية.

يبقى السؤال كيف سيكون الرد الجماعي المقترح؟ ربَّما يكون السيناريو كما ذكرته قناة NBC الأميركية من أن خيارات الرئيس الأميركي دونالد ترمب للرد على إيران تشمل ضربات عسكرية لمنشآت نفطية، وهنا يأتي دور المسؤولية الجماعية للدول في إطار “الرد الجماعي”. المهم أن أي رد حازم وقوي جماعي سيغير من المعادلة كثيرًا ويجعل إيران تحاسب ألف مرة قبل تكرار مثل هذه الاعتداءات على أمن العالم واستقراره.

العديد من التحليلات تحدثت عن سيناريوهات الرد المنتظر على الإرهاب الإيراني المتكرر خلال الأشهر الماضية، والتي بلغت ذروتها بهجمات بقيق وخريص، خاصة أن الرئيس الأميركي دونالد ترمب، وردًا على سؤال في مؤتمر صحفي عن احتمال شن هجوم أميركي على إيران، قال إن “هناك خيارات عديدة. هناك الخيار النهائي. وهناك خيارات كثيرة أقل من ذلك”. وأوضح الرئيس الأميركي أن “الخيار النهائي” يعني “الحرب”.

وتدرس إدارة الرئيس الأميركي مجموعة من الخيارات لاتخاذ إجراءات انتقامية ضد إيران. وكان ترمب أكد أنه مستعد للرد على الهجوم، وقد عقد اجتماعًا مع خبراء الأمن القومي لتدارس الأوضاع، ووضع قائمة بالخيارات والإجراءات المحتمل اتخاذها ضد إيران.

أحد هذه الخيارات تتضمن توجيه ضربة لأنظمة المعلومات والمراقبة الإيرانية. بالإضافة إلى ذلك، تضمنت الخيارات أيضًا توجيه ضربات لمنشآت نفطية إيرانية، مثل مصفاة عبادان، إحدى أكبر مصافي النفط في العالم، أو جزيرة خرج، أكبر منشأة لتصدير النفط في إيران.

وقد يسهم هذا الخيار بشكل كبير في عرقلة قدرة إيران على معالجة وبيع النفط، التي تعمل إدارة ترمب بالفعل على تقييدها بعد انسحابها في مايو 2018 من الاتفاق النووي المبرم في عام 2015 بين طهران والدول الكبرى وإعادة فرض عقوبات على طهران. وتشمل الخيارات الأخرى ضرب مواقع إطلاق الصواريخ أو القواعد العسكرية الأخرى التابعة للحرس الثوري الإيراني.

أيضا، من المتوقع أن ترسل وزارة الدفاع الأميركية المزيد من القوات إلى الخليج، إلا أن ترمب ووزارة الدفاع يترددان بشدة في اتخاذ أي خطوة قد تدفع أميركا للانخراط في صراع عسكري مع إيران. وقد دفعت هذه المخاوف ترمب وحكومته إلى التفكير في ردود الفعل غير العسكرية، مثل الهجوم السيبراني أو التنسيق مع دول أخرى لفرض المزيد من العقوبات على إيران.

إن أفضل خيار أميركي قد يتمثل في تكثيف الضغط الدبلوماسي والرأي العالمي ضد الإيرانيين بسبب تصاعد التوترات الإقليمية الذي لا مبرر له، إلى جانب الهجمات الإلكترونية على شبكات الكهرباء وإمدادات المياه التي تسيطر على البلاد. ستشكل لهذه الضغوط فرصة حقيقية لتحريك الشارع الإيراني للضغط على حكومته لوقف التجارب النووية الباهظة والمثيرة للمشاكل الإقليمية.

“برادلي بومان”، وهو ضابط سابق بالجيش ومساعد للأمن القومي في مجلس الشيوخ، قال إن الهدف من هذه الخيارات التي وضعها المسؤولون الأميركيون هو تهديد إيران والتأكيد على أن أفعالها ستقابل بالردع، وذلك دون إلحاق خسائر إيرانية كبيرة يمكن أن تستغلها الحكومة الإيرانية لجر واشنطن لنزاع عسكري.

قد يكون من الصعب على العقل السياسي الغربي أن يفهم إيران، لأنه ينظر إليها كدولة لها مقعد وعَلَم في الأمم المتحدة، وهي في الواقع ليست سوى تنظيم ديني إرهابي مماثل لـ”القاعدة” و”داعش”. وستستمر إيران إلى سنوات، في تشكيل خطر على أمن العالم واستقراره حتى يتفق الجميع على مواجهتها.

نتائج

– هجوم “أرامكو” لم ينطلق ولا يمكن أن يكون تمَّ من اليمن كما زعمت أذرع النظام الإيراني، فقد جاء من الشمال، وبالتأكيد كان مدعومًا من طهران.

– اتضح للعالم دور المرشد الإيراني علي خامنئي الذي وافق على الهجوم على منشأتي “أرامكو”، شرط أن يتم تنفيذه بشكل يبعد الشبهات في أي تورط إيراني.

– أعقب الهجمات حالة فريدة من التضامن الدولي مع المملكة والتي تدين بشدة الاعتداءات، تمثلت في الاتصالات المتوالية التي تلقاها كلا من خادم الحرمين الشريفين وسمو ولي العهد السعودي.

– تزامن مع التضامن الدولي إثناء كبير على الاتزان وضبط النفس من جانب المملكة، رغم قدرتها على الرد على الاعتداءات.

– كسبت المملكة مزيدًا من الاحترام والتقدير الدوليين، بعد إعلانها أن فريقًا دوليًا سيحضر بمساندة الأمم المتحدة، غرضه التحقيق في مصدر الأعمال التخريبية.

– تنبه المجتمع الدولي إلى حتمية ردع إيران، عبر التأكيد على ضرورة وجود “رد جماعي” على الهجمات.

– من أهم نتائج الاعتداءات أنها أثبتت للعالم قدرة المملكة على التعامل مع أي ضرر يستهدف البنية التحتية، خاصة ما يستهدف قطاع النفط.

– غالبية التوقعات تحدثت عن مدة لن تقل عن أسبوعين لعودة الضخ من المواقع المتضررة، وبعض التحليلات تحدثت عن الحاجة إلى أسابيع وربَّما أشهر.

– لم يكد يمر سوى 72 ساعة تقريبًا على الهجمات، حتى أعلنت المملكة عن عودة الإمدادات النفطية إلى ما كانت عليه، حيث تمكنت قدرات “أرامكو” من استعادة أكثر من نصف الإنتاج الذي تعطل نتيجة هذا العمل التخريبي.

– الهجوم الإرهابي لن يعطل أو يؤخر طرح “أرامكو” للاكتتاب العام، وسيتم خلال أي وقت في الاثني عشر شهرًا المقبلة.

– باتت الحاجة ملحة إلى مسؤولية تشاركية على الدول الكبرى للرد الجماعي على العدوان الإيراني ضد مصالحها الاقتصادية.

– تدرس إدارة الرئيس الأميركي ترمب مجموعة من الخيارات لاتخاذ إجراءات انتقامية ضد إيران، من خيارات الرد على إيران المطروحة أمام المجتمع الدولي:

* توجيه ضربة لأنظمة المعلومات والمراقبة الإيرانية.

* توجيه ضربات لمنشآت نفطية إيرانية، مثل مصفاة عبادان، إحدى أكبر مصافي النفط في العالم، أو جزيرة خرج، أكبر منشأة لتصدير النفط في إيران.

* ضرب مواقع إطلاق الصواريخ أو القواعد العسكرية الأخرى التابعة للحرس الثوري الإيراني.

* إرسال وزارة الدفاع الأميركية المزيد من القوات إلى الخليج.

* الهجوم السيبراني أو التنسيق مع دول أخرى لفرض المزيد من العقوبات على إيران.

* الهجمات الإلكترونية على شبكات الكهرباء التي تسيطر على البلاد وإمدادات المياه.

– من جديد، تثبت الهجمات صحة الموقف السعودي من إيران، وتؤكد عجز العقل السياسي الغربي عن فهم إيران، لأنه ينظر إليها كدولة لها مقعد وعَلَم في الأمم المتحدة.

*  وحدة الرصد والمتابعة

المراجع

– Aramco’s attack: Who can stop escalating in the Gulf? – Ahram – http://bit.ly/2mljG6g.

– Trump’s post-Saudi Aramco attack options – WashingtonTimes – http://bit.ly/2lXtLpU.

– This Is the Moment That Decides the Future of the Middle East – ForeignPolicy – http://bit.ly/2kICtZ0.

– الهجوم على أرامكو: بومبيو يؤيد حق السعودية في الدفاع عن نفسها “وعدم التسامح” مع إيران – BBC عربي – https://bbc.in/2moWUKW.

– The Myth of U.S. Energy Independence Has Gone Up in Smoke – ForeignPolicy – http://bit.ly/2kRP8bZ.

– Saudi Aramco attacks: What we know so far – Reuters – https://reut.rs/2moXfxc.

– What the attacks on Saudi Aramco mean for oil prices – CNN – https://cnn.it/2kUAtwy.

– Explained: Saudi Aramco oil facility attacked; what makes drone attacks so dangerous – IndiaToday – http://bit.ly/2kIstyZ.

– Drone and missile debris proves Iranian role in Aramco attack, Saudi defense ministry claims – CNBC – https://cnb.cx/2kUAfWe.

– Iraq works to distance itself from US-Iran tension after Saudi Aramco attack – Al-Monitor – http://bit.ly/2mhZTEK.

– Aramco back on track, attacks had zero impact on economy: Saudi minister – Business-Standard – http://bit.ly/2kulbi6.

– Saudi offers ‘proof’ of Iran’s role in oil attack and urges US response – TheGuardian – http://bit.ly/2lVUfZ1.

– الهجوم على منشأتي نفط سعوديتين: الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي يطالبان بضبط النفس وعدم التصعيد – BBC عربي – https://bbc.in/2lUQgvD.

– السعودية تعرض “أدلة الإدانة”… وترمب “يشدد العقوبات” ضد إيران – جريدة الشرق الأوسط – http://bit.ly/2m3EgI5.

– الهجوم على أرامكو في بقيق وخريص: واشنطن تنشر صورًا لـ”ضلوع إيران” في الهجوم على منشآت نفط سعودية – بي بي سي عربي – https://bbc.in/2kIvbo8.

– الهجوم على أرامكو: واشنطن “حددت مواقع في إيران أطلقت منها طائرات مسيرة وصواريخ” – بي بي سي عربي – https://bbc.in/2moY1dA.

– Can Pompeo Rally Allies to Counter Iran? – ForeignPolicy – http://bit.ly/2kFOG0x.

– بومبيو: هجوم “أرامكو” عمل حربي نفذته إيران لا الحوثيون – جريدة الشرق الأوسط – http://bit.ly/2m3Yt0o.

– Trump Vows to Slap New Sanctions on Iran – ForeignPolicy – http://bit.ly/2mn3jGl.

– فرنسا: إعلان يمنيين مسؤوليتهم عن هجوم أرامكو “يصعب تصديقه” – جريدة الشرق الأوسط – http://bit.ly/2m3EKxT.

– بالصور… السعودية تعرض أدلة تثبت تورط إيران في “هجوم أرامكو” – جريدة الشرق الأوسط – http://bit.ly/2mn3ktT.

– تقرير أميركي: خامنئي وافق على “هجوم أرامكو” – جريدة الشرق الأوسط – http://bit.ly/2lW3Peq.

– تضامن دولي مع السعودية في مواجهة الأعمال التخريبية – جريدة الشرق الأوسط – http://bit.ly/2kumIVo.

– التصعيد في الخليج… مشهد التهديدات في مستوى هدير الحرب – جريدة الشرق الأوسط – http://bit.ly/2m2I5xc.

– 25 “كروز” و”درون” إيرانية نفذت الهجوم على أرامكو – جريدة الشرق الأوسط – http://bit.ly/2m1Zl64.

– خبراء دوليون يستعدون لنقل أدلة “أرامكو” إلى مجلس الأمن – جريدة الشرق الأوسط – http://bit.ly/2lZ2KSW.

– التايمز: ضرب منشآت نفط سعودية يزيد من عدم استقرار المنطقة – بي بي سي عربي – https://bbc.in/2m3FlQ9.

– السعودية تعلن عودة إمدادات النفط… ودعوة أوروبية لـ”رد جماعي” – جريدة الشرق الأوسط – http://bit.ly/2kSDfTa.

– الهجوم على أرامكو في بقيق وخريص: ما أثره على الأسواق النفطية والمستهلكين؟ – بي بي سي عربي – https://bbc.in/2lXIAsw.

– السعودية تعلن رسميًا عودة الإمدادات النفطية للأسواق العالمية – جريدة الشرق الأوسط – http://bit.ly/2kljPGa.

– مسؤولون أميركيون يكشفون خيارات ترمب للرد على إيران – جريدة الشرق الأوسط – http://bit.ly/2m3Zci8.

– إيران معضلة أكبر من السعودية – صحيفة الشرق الأوسط – http://bit.ly/2kp8W6f.

– الحل مع إيران – صحيفة الشرق الأوسط – http://bit.ly/2klk5VE.

– ترامب: نعرف من الجاني في الهجوم على منشآت نفط سعودية.. وجاهزون للرد فورا – بوابة الأهرام – http://bit.ly/2ms7AIJ.

– اتصال هاتفي.. الرئيس الصيني ينقل للملك سلمان إدانة بلاده لاعتداء “أرامكو” – موقع سبق – https://sabq.org/YDgNcw

– الملك سلمان يتلقى أول اتصال هاتفي من زعيم عربي بعد هجوم “أرامكو” – وكالة سبوتنيك – http://bit.ly/2m6zPw9

– أمير الكويت يستنكر هجوم أرامكو في اتصال مع الملك سلمان – موقع العربية نت – https://ara.tv/jj9py

– الرئيس الفلسطيني يندد في اتصال مع الملك سلمان بهجوم أرامكو – صحيفة المواطن – http://bit.ly/2kVdq4V

– ملك البحرين يدين الهجوم على أرامكو في اتصال هاتفي مع خادم الحرمين – صحيفة البيان – http://bit.ly/2kxlZ5Q

النشرة البريدية

سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!

تابعونا على

تابعوا أحدث أخبارنا وخدماتنا عبر حسابنا بتويتر