سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
امتدادًا لسجل حافل من آلام القتل والتشريد التي اتبعها الحوثيون، منذ الانقلاب في سبتمبر 2014، تصاعدت انتهاكات حقوق الإنسان في اليمن بشكل لافت خلال الفترة الأخيرة، ضد كل من يرفض وجود هؤلاء وفكرهم.
فخلال أربعة أعوام من سيطرة الحوثيين على العاصمة صنعاء، رصدت كثير من الأرقام الحالية المأساوية التي وصل إليها اليمن، والفئات التي واجهت الاضطهاد الحوثي بشتى أشكاله، كان على رأس القائمة: المثقفون، والأكاديميون، والصحفيون، والكتاب، والأدباء، بهدف محو الواقع الثقافي واغتياله، كما وطال بعض الأئمة والعلماء، قادة السنة والبهائيين، لإنهاء أي مشهد للتعدد الديني هناك.
اغتيال المشهد الثقافي في اليمن
دأبت ميليشيا الحوثي، منذ الانقلاب، على تغيير واقع المشهد الثقافي، بل ومحو تفاصيله بالكامل، واتخذت الترهيب والإقصاء سبيلًا إلى ذلك، ولم تسمح لأي فكر مخالف لها بإعلاء صوته، واستهدفت كل من له علاقة بواقع المشهد الثقافي: المعلمين، وأساتذة الجامعات، وحتى الأدباء والصحفيين، لم يسلم من اضطهادها أحد.
أولًا: قطاع التعليم
اعتمدت ميليشيا الحوثي على إفقار قطاع التعليم، ماديًا ومعنويًا، فمنذ سبتمبر 2016، أوقفت صرف رواتب المعلمين، ما اضطرهم إلى البقاء عامًا كاملًا بلا راتب، وانتهى الحال ببعضهم إلى العمل في مهن شاقة من أجل الإيفاء بالالتزامات الأساسية لأسرهم.
لكن الاستمرار على وتيرة التماسك لدى المعلمين، لم يطل بعد العام، وبدؤوا إضرابًا للمطالبة بحقوقهم، وساندتهم – وقتها – نقابة المهن التعليمية، لكن لا أحد من ميليشيا الحوثي أنصت إلى مطالبهم، بل كان الرد عليها بالتهديد بالاستغناء عنهم وإحلال معلمين جدد بدلًا منهم، بالإضافة إلى إقالة كل من يعترض أو ينتقد انتهاكاتهم، ويشهد ما حدث لـ”خالد الأشبط” مدير منطقة معين التعليمية، على صدق تهديدات الحوثيين، إذ لم يطل وقت إقالته من منصبه بعد انتقاده للحوثيين، ووصفهم بالكاذبين فيما يتعلق بتحسين واقع العيش في اليمن على كافة المستويات، ومنها الارتقاء بالتعليم.
ولمزيد من القمع وإسكات صوت المعلمين، عمدت ميليشيا الحوثي إلى اختطاف المئات من مدارسهم ومنازلهم والزج بهم في سجونها، واتهمتهم – حينها – بالخيانة والعمالة، كما دمرت مئات المدارس وأجبرت الطلاب على المشاركة في القتال بتجنيدهم بطرق مختلفة، ونتيجة لذلك تضاعفت أعداد المتسربين من المدارس، وبحسب أرقام رسمية، فإن عددهم وصل إلى 3.5 مليون، مقارنة بـ 1.5 مليون كانوا قبل الحرب.
ولم ينجُ أساتذة الجامعات الرافضون للانقلاب من مضايقات الحوثيين، فواجهوا السجن والفصل التعسفي والاختطاف، حيث تمَّ في 23 أغسطس 2015 اختطاف رئيس نقابة هيئة التدريس في جامعة صنعاء خلال تظاهرات واحتجاجات سلمية، ومن ثمَّ تمَّ فصل 66 أستاذًا جامعيًا في الجامعة نفسها، وكذلك تمَّ الاعتداء على آخرين بالضرب. وفي خطوة أكثر إيلامًا، أوقفت الميليشيات رواتب أساتذة الجامعات وحولت إيراداتها إلى المجهود الحربي؛ ما تسبب في تجويع الأكاديميين وتسهيل عملية تجنيد الطلاب. “2”
ثانيًا: استهداف المؤسسات الثقافية والمبدعين
لم تكف ميليشيا الحوثي عن تدمير المشهد الثقافي في اليمن، فقد استخدمت طرقًا وأساليب متنوعة للوصول إلى غايتها في فرض لون ثقافي واحد يرفضه معظم مثقفي اليمن، واستهدفت الأدباء والكتّاب وأوقعتهم في براثن السجون، وضيقت عليهم هامش حرية التعبير كثيرًا، وأغلقت العديد من المؤسسات الثقافية عبر وقف المعونات المادية الشهرية التي تمنحها الدولة للمؤسسات الثقافية والمبدعين تارة، وانتهاج أسلوب التخريب والقصف المتعمد لإنهاء المشهد الثقافي لتلك المؤسسات وإنهاء دورها في التوعية والتعبئة تارة أخرى. وفي إطار ذلك قامت بعملية سلب ونهب لأموال صندوق التراث والتنمية الثقافية باسم المجهود الحربي، وقصرت عمليات الدعم على المحسوبين على جماعة الحوثي فقط. “3”
دعت تلك الممارسات المبدعين اليمنيين والفنانين إلى الاحتجاج والتظاهر كلٌ بطريقته، فالبعض أحرق أعماله الفنية، والبعض الآخر لم ينخرط في المشهد الثقافي المُبتدع. “4” كما دعت المؤتمر السادس والعشرين للاتحاد العام للأدباء والكتّاب العرب خلال ديسمبر 2015، إلى التعبير عن امتعاضه ورفضه لانتهاكات الحوثيين بحق المثقفين، واعتبرهم جماعة إرهابية لا تقل خطرًا عن “داعش” والقاعدة. “5”
ثالثًا: الإعلاميون في دائرة الخطر
الحالة التفردية بالسلطة والحكم التي أرادتها الميليشيات الحوثية، جعلتها ترى في أجهزة الإعلام ووسائله المختلفة، خطرًا على مشروعها وتمدد نفوذها، فعملت على تقويض العمل الإعلامي، فبعد أن كان الإعلاميون يتمتعون بمساحة وافرة من حرية الرأي والتعبير، باتوا يواجهون القمع والاستبداد.
وفي حديث الأرقام، فقد أوردت بيانات وإحصائيات جمعتها صحيفة “26 سبتمبر” تفيد بأن ميليشيا الحوثي الانقلابية ارتكبت في أمانة العاصمة صنعاء، 733 انتهاكًا ضد الصحافة والإعلام، توزعت ما بين 5 حالات قتل، و8 حالات إصابة، و12 حالة شروع بالقتل، و128 حالة اختطاف واحتجاز، و21 حالة إخفاء قسري، و13 حالة تعذيب، و17 حالة ملاحقة، و41 حالة اعتداء، و29 حالة تهديد، و18 حالة تحريض، إضافة إلى 41 حالة استدعاء ومحاكمة، وحكمين أحدهما بالإعدام والآخر بالسجن والغرامة، و80 حالة تعسف وظيفي، و14 حالة منع من مزاولة العمل. كما قامت الميليشيا بقصف واقتحام ونهب 9 مؤسسات إعلامية (منها على سبيل المثال: قناة اليمن الرسمية، وقناة سهيل الأهلية)، واقتحام 84 مؤسسة إعلامية وإغلاق صحف وقنوات فضائية ومواقع إلكترونية، ومكاتب وسائل إعلامية أجنبية، إضافة إلى نهب 52 وسيلة إعلامية، ونهب 25 منزلاً خاصًا بإعلاميين، وتفجير منزل أحد الصحفيين، و13 حالة نهب ومصادرة ممتلكات ومقتنيات لإعلاميين وصحفيين، إضافة إلى حجب وقرصنة 120 موقعًا إلكترونيًا، علاوة على تشريد وتهجير أكثر من 700 صحفي. “6”
وبهذا تحولت اليمن إلى سجن كبير للإعلاميين والصحفيين، كما صُنفت المناطق الخاضعة لسيطرة الحوثي، من أخطر البيئات التي يعمل فيها الصحفيون في العالم، حيث مارسوا عمليات اغتيال الشهود لتشويه الحقيقة، بل ومحوها، ومن ذلك إقدامها على تنفيذ عملية اغتيال مباشرة في 26 مايو 2017 بحق ثلاثة مصورين في منطقة الكمب بمدينة تعز، هم: تقي الدين الحذيفي، وسعد النظاري، ووائل العبسي، ليرتفع عدد الشهداء الصحفيين في تعز إلى 6، بينما المصابون 16؛ ما ينمُّ عن رغبتهم الجامحة في تنفيذ الجريمة وقتل شهود الحقيقة. “7”
وخلال عام 2017 وحده، كشفت نقابة الصحفيين اليمنيين عن اقتراف ميليشيا الحوثي، 204 انتهاكات بحق صحافيين تنوعت بين الاختطافات والاعتقال بنحو 81 حالة، بقي 13 صحفيًا منهم مختطفًا حتى الآن، وبين حجب المواقع بنحو 73 حالة، فيما بلغت الاعتداءات 34 حالة، والتهديدات وحملات التحريض بلغت 31، يليها الشروع في القتل بـ29 حالة. “8”
رابعًا: علماء يعانون اضطهاد الحوثيين
أن تُدين بغير ما يُقال أو يُؤمر به، فذلك يُعرضك للاعتقال والتعذيب البدني والترهيب النفسي، وقد فعل الحوثيون ذلك منذ الانقلاب، وما زالوا يُذيقون العذاب ألوانًا لمن يُخالفهم الفكر والاعتقاد، ومن ذلك:
خامسًا: الأطفال وجه آخر للاضطهاد
حتى الأطفال لم ينجوا من أساليب الاضطهاد التي اتبعها الحوثيون سبيلًا لإخضاع وتركيع الشعب، فجعلتهم وقودًا لحربها، مستغلين عدم تمييزهم للمخاطر وسرعة استجابتهم للأوامر والتوجيهات.
ولم يكن صعبًا على الحوثيين الدفع بآلاف الأطفال للمشاركة في القتال وتعريضهم لخطر الموت أو الإصابة، فتارة كانت تغري الأطفال بالمال والوظائف، وتارة أخرى كانت توعز للمدارس والمساجد باستقطابهم، وتارة ثالثة توكل المهمة لشيوخ القبائل عبر إلزامهم بإيجاد مقاتلين، وأحيانًا كانت تلجأ لحملات التجنيد الإجبارية، وأحيانًا أخرى تلجأ إلى اختطاف الأطفال وإرسالهم مباشرة إلى الجبهات، فلا يكون لهم مناص من حمل السلاح والمواجهة، أو الاستسلام للموت القادم من فوهات بنادق المهاجمين.(10)
ويُقدر عدد الأطفال في اليمن بنحو ثلث المقاتلين، وفقًا لتقديرات الأمم المتحدة، التي تُشير إلى وجود 1702 حالة تجنيد للأطفال منذ مارس 2015، منها 67% ضمن قوات الحوثي – صالح، وحوالي 100 منهم دون سن 15، وهو ما يُنافي القانون اليمني الذي يُتيح الخدمة العسكرية للأشخاص من عمر 18 عامًا.(11)
سادسًا: البهائيون يواجهون الإعدام
لم تكن الديانة “البهائية” معروفة لدى الغالبية من اليمنيين قبل سنوات، إلا أن تصاعد الملاحقات، منذ ما يقرب من عشر سنوات، سلط الضوء على وجود أتباعها هناك. ويعود تاريخ دخول البهائية لليمن إلى عام 1844، حين دخل علي محمد الشيرازي إلى اليمن عبر ميناء المخا التاريخي – بحسب المعلومات المنشورة على الموقع الرسمي للبهائيين في اليمن.
ومنذ سيطرة الحوثيين، واجهت الطائفة البهائية ألوانًا من العذاب، فاعتقل بعض أفرادها وقادتها عملًا بقوانين القوة وإحكام السيطرة على البلاد، كان أبرزهم حامد كمال حيدرة، بتهمة أنه إيراني انتحل شخصية يمنية ليُحقق أهدافه التي يسعى إليها مع إسرائيل منذ عام 1991 في نشر البهائية وتحريض الجمهور اليمني على ترك الإسلام واعتناق البهائية. “12”
هذه التهمة أجبرت “حيدرة” على البقاء رهن الاعتقال لأربع سنوات متتالية انتهت بإنزال حكم الإعدام بحقه، وهو ما أثار حفيظة منظمات حقوق الإنسان، إذ اعتبرت منظمة “هيومن رايتس ووتش” اعتقاله وحكم الإعدام الذي صدر بحقه، يأتي ضمن الهجوم الواسع الذي يشنه الحوثيون على الطائفة البهائية، وقالت بضرورة عدم الاستمرار في تلك الأعمال التي وصفتها بالظالمة والخطيرة، والسماح لحيدرة وغيره من البهائيين بالعودة إلى ديارهم وذويهم دون اضطهاد.
ولم تصدر محكمة الجنايات المتخصصة في صنعاء، حكم الإعدام بحق “حيدرة” فقط، بل ساقته على كل من يعتنق البهائية ويسعى لنشرها في اليمن، وأمرت بحظر كافة المحافل والمؤسسات البهائية في سياسة مطابقة للاضطهاد الذي يواجهه البهائيون في إيران. غير أن هذه السياسات لم تعد متقبلة، فلا يُمكن محاسبة إنسان وإعدامه بسبب معتقداته، أو أفكاره الدينية، أو السياسية، أو الفلسفية، ولا يُمكن إجباره على اعتقاد ما لا يؤمن به، أو منعه مما يؤمن، كون المسألة متعلقة بضميره ووعيه الداخلي الذي لا يخضع لسلطة مادية.
وحدة الدراسات السياسية*
المراجع
سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
تابعوا أحدث أخبارنا وخدماتنا عبر حسابنا بتويتر