الاستغلال الجنسي في الكنائس.. ظاهرة مقلقة في ازدياد | مركز سمت للدراسات

الاستغلال الجنسي في الكنائس.. ظاهرة مقلقة في ازدياد

التاريخ والوقت : الثلاثاء, 25 سبتمبر 2018

بطريقة صادمة ومفاجئة، انتشرت في الآونة الأخيرة أحاديث عدة حول وقائع تحرش واغتصاب جرت داخل عدة كنائس على مستوى العالم، ما أثار جدلاً كبيرًا لكونه أمرًا غير معتاد وغير متوقع؛ وهو ما دفع البابا فرنسيس، لدعوة المطارنة الكاثوليك لعقد ورشة عمل حول منع الاستغلال والتحرش الجنسي من قبل رجال الدين في الكنيسة الكاثوليكية وحماية الأطفال، وذلك في فبراير المقبل(1)  ودفعالأساقفة الكاثوليك الألمان لمناقشة  الأمر خلال جمعيتهم العمومية في مدينة فولدا وسط ألمانيا، وذلك بعد فضيحة ارتكاب رجال دين كاثوليك اعتداءات جنسية على قصّر ،  ولعل الجزء الصادم في الأمر هو ما نشرته مجلة “دير شبيجل” ، أن 1670 رجل دين كاثوليكي في ألمانيا اعتدوا على 3677 قاصرا ذكرا خلال الفترة من عام 1946 حتى عام 2014(2)

ولعل تلك الخطوة من قبل البابا، تشير إلى أنه يأخذ على محمل الجد، الفضيحة الكبرى التي دوت في الكنيسة الكاثوليكية في ظل ازديادفضائحالاعتداء الجنسي من قبل كهنة ورجال دين على أطفال صغار في كل أنحاء العالم. ليس هذا فحسب، إنما يعتبر ذلك اعترافًا من قبل الكنيسة الكاثوليكية بالحجم المقلق لتلك الظاهرة.

ويبدو أن الأمر لم يقف عند هذا الحد، إذ وقّعت 44 ألف امرأة كاثوليكية على رسالة موجهة للحبر الأعظم في الفاتيكان، البابا فرنسيس، تطلب منه أن يوضّح متى وكيف علم أول مرة بحوادث التحرش الجنسي بالأطفال داخل الكنيسة، ولماذا لم يتصرف بحزم وفي وقت مبكر.

 ولعل اللافت في الأمر، أنه ثمة أصوات قد نادت باستقالة البابا على خلفية تلك الوقائع، لأنه لم يتخذ رد فعل حاسم نحوها منذ البداية، بل وتعرض الفاتيكان خلال الأسبوعين الماضيين إلى موجة من الانتقادات الواسعة، التي فجّرها السفير البابوي السابق في الولايات المتحدة، “كارلو ماريا فيغانو”، بعد كشفه أنه كان قد أبلغ البابا بانتشار ظاهرة التحرش بالأطفال على مستوى واسع في الكنيسة، وأنهى البابا خدمات “فيغانو” بواشنطن في يونيو الماضي، عندما كشفت التحقيقات الكنسية عن أن الكاردينال السابق “ثيودور ماكاريك”، صديق البابا، كان يرعى مثل هذه الممارسات، وأنه كان قد تعرض للتجريم عام 1971 بتهمة اغتصاب أحد الصبيان الذين يعملون على المذبح الكنسي(3)

وقائع عديدة 

من الواضح أن عام 2018، هو الأخطر على الكنيسة بعد انتشار ظاهرة التحرش الجنسي بين الأساقفة، وهو ما أدى إلى تقديم عدد كبير منهم استقالتهم، بعد أن وجهت لهم اتهامات صريحة بالتحرش، في الوقت الذي قدم فيه البابا “فرنسيس”، اعتذارًا عن تلك الحالات من جانب رجال الدين في الكنيسة الكاثوليكية، خلال زيارته لتشيلي في مطلع هذا العام(4)

ويبدو أن الوقائع في هذا الأمر عديدة وصادمة، إذ اعتقلت الشرطة في ولاية كيرالا الهندية، أسقفًا كاثوليكيًا بتهمة اغتصاب راهبة 13 مرة في الفترة ما بين 2014 إلى 2016. بعد أن قدَّمت المرأة 44 شكوى في يونيو تقول فيها إن الكنيسة الكاثوليكية لم تتحرك على الرغم من شكواها المتكررة ، ما أدى إلىخروج الراهبات في مسيرة مساندة لزميلتهن، وأثار استياء الأقلية المسيحية في الهند؛ وهو ما دفع مسؤول في الشرطة المحلية للخدمة الهندية للقول إن “فرانكو مولاكال” قد اعتقل الجمعة بعد استجوابه لمدة 3 أيام، وسيحال إلى المحاكمة. ولعل ما قالته الراهبة في رسالتها يعزز الحديث عن ازدياد الشكاوى خلال الفترة الماضية، إذ جاء في شكوتها: إنه هذه هي الرسالة الرابعة التي وجهتها إلى “الفاتيكان”، وقالت: “نتعرض للإهمال من كل الجهات. ونشعر أن الكنيسة الكاثوليكية لا تنشغل إلا بالقساوسة الرجال. نود أن نعرف ما تقوله الشريعة في إنصاف الراهبات والنساء”.(5)

وفي واقعة صادمة أخرى، سلَّم المغرب قسًا كاثوليكيًا سابقًا متهمًا بالاعتداء الجنسي على طفل في أوائل التسعينيات، أثناء عمله في الجيش في قاعدة للقوات الجوية الأميركية. وفي هذا الصدد، قال مسؤولون أميركيون، إنه سيواجه اتهامات في ولاية نيو مكسيكو،وقال ممثلو الادعاء إن “بيرولت” تحرش بالعديد من الأطفال على مدى أكثر من 20 عامًا خلال عمله كقس في نيومكسيكو ورود ايلاند. وتقول وثيقة بالمحكمة إنه فرَّ من الولايات المتحدة عام 1992 عندما انفضح سلوكه الإجرامي.(6)

بيْدَ أن البابا “فرنسيس”، قد أقدم على على عزل القس “كريستيان بريشت” من الكنيسة في تشيلي، بعد التحقيق معه في قضية اتهم فيها بـ”التحرش الجنسي” بالأطفال. ولعل الجزء الذي نراه صادمًا في تلك الواقعة، هو أن “بريشت” قد شغل منصب رئيس جماعة “حقوق الإنسان” التابعة للكنيسة!

وفي يوليو 2018، أعلن الفاتيكان عن قبول استقالة رئيس الأساقفة الأسترالي “فيليب ويلسون”، بتهمة التستر على الاستغلال الجنسي للأطفال داخل الكنيسة، بالإضافة إلى أنه تمَّ قبول استقالة كبير الأساقفة السابق في واشنطن “جرد ثيودور مكاريك”، وإلزامه بالعيش في عزلة داخل منزله للتكفير عن ذنوبه، وذلك بعد اتهامه بارتكاب انتهاكات جنسية لأطفال.

 ليس هذا فحسب، ففي يونيو من نفس العام، وافق البابا على استقالة 3 من أساقفة تشيلي، من بينهم “خوان باروس” رئيس أساقفة أوسورنو، المتهم بأنه كان على علم بالانتهاكات التي حدثت للضحايا وشهدها، لكنه لم يفعل شيئًا لإيقافها.(7)

تاريخ ممتد

من الواضح أن تلك الوقائع ليست وليدة اللحظة، أو ذلك العام فقط، فإذا عدنا بالتاريخ لسنوات فائتة، فسنجد أنه ثمة وقائع مشابهة عدة. ففي إيرلندا، وتحديدًا في عام 2009، تستر 4 من كبار الأساقفة على حالات تحرش جنسي بالأطفال، ما بين عامي (1975-2004) بحسب تقارير صادرة، آنذاك.

 وفي ألمانيا، حكمت المحكمة في عام 2010، بالسجن مدة 7 سنوات، بحق راهب في مدينة فريتزلار التابعة لولاية هيسن، على خلفية اعترافه بالتحرش الجنسي بحق 6 أطفال في الكنيسة.(8)

 وفي عام 2011، استدعى الفاتيكان سفيره في أيرلندا لـ”التشاور” بعد اتهامات تتعلق بفضيحة تحرش جنسي بأطفال أطلقها البرلمان الأيرلندي، الذي وبخ الفاتيكان بعد إعداد تقرير يتهم الكنيسة بالتستر على “تحرش قساوسة جنسيًا بأطفال في وقائع ترجع أحداثها إلى عام 2009”.(9)

ولم يقف الأمر عند هذا الحد، فقد شهد عام2017 حالة عزل عقب إصدار البابا فرنسيس، قرارًا بعزل الكاهن الإيطالي “مورو إينزولي”، بعد اتهامه بالاعتداء جنسيًا على قاصرين، وهو الذي سبق أن عوقب عام 2012 بتهمة استغلال الأطفال جنسيًا، وفي عام 2014 أمره البابا فرنسيس بالبقاء بعيدًا عن القاصرين وتكريس حياته للصلاة والعيش المتواضع.

إجراءات عدة 

على الرغم من الاتهامات الموجهة للبابا فرنسيس بالسكوت أمام تلك الوقائع، فإن البابا قد اتخذ عدة إجراءات – في وقت سابق – لمواجهة تلك الظاهرة تمثلت في:

-رفع سن الرشد إلى 18 عامًا، بدلاً من 12 عامًا؛ تجنبًا لاستغلال كهنة الكنائس للأطفال في هذا العمر المبكر بحجة أنهم بالغون.

-في ديسمبر 2014، اتخذ البابا قرارًا بإنشاء لجنة خبراء دولية لتقديم مقترحات وقائية، للحد من ظاهرة التحرش بالأطفال.

-إنشاء الفاتيكان هيئة قضائية لمحاكمة الكهنة الذين يتحرشون بالأطفال، وهو ما مثَّل خطوة جيدة.

-في مطلع العام الحالي، أرسل البابا فرنسيس، رئيس الأساقفة “تشارلز سيكلونا”، الذي يعتبر المحقق الأشهر في الفاتيكانإلى تشيلي؛ لجمع الأدلة حول كل تهم الانتهاك الجنسي، وهو ما نرى أنه يبرز النية الحقيقية لمواجهة تلك الظاهرة.(10)

توقعات ومقترحات 

مع ازدياد الوقائع الصادمة حول التحرش والانتهاكات الجنسية في الكنائس، وخاصة بعدما كشفت سلطات التحقيق في ولاية بنسلفانيا، عن اتهام أكثر من 300 قس كاثوليكي بارتكاب جرائم الاعتداء والتحرش الجنسي بالأطفال، والحديث عن أنَّ عدد الضحايا الحقيقيين قد يصل إلى الألف(11) نتوقع أن:

-يستمر الضغط على الكنيسة، بل من الممكن أن يتطور الأمر للمناداة باستقالة الحبر الأعظم (البابا) على خلفية تلك الوقائع، وهو ما طالب به البعض بالفعل.

–  من المحتمل أن يتم الكشف عن وقائع عدة خلال الأيام المقبلة.

لذا، يمكننا تقديم عدة مقترحات لحل تلك الأزمة تتمثل في:

–  تكوين هيئة مستقلة لجمع الأدلة والتحقيق العادل والمعلن في الأمر.

–  وجود كاميرات لتصوير ما يحدث داخل الكنائس الكبرى أو أديرة الرهبنة لكي يكون الأمر أكثر شفافية.

وحدة الدراسات الاجتماعية*

المراجع

1-البابا فرنسيس يدعو المطارنة الكاثوليك لورشة عمل حول منع “التحرّش الجنسي”.inews24 .

2.الأساقة الكاثوليك في ألمانيا يناقشون فضيحة الاعتداءات الجنسية، جريدة الدستور

3- بسبب فضائح التحرش داخل الكنيسة.. الضغوط تتزايد على بابا الفاتيكان ليستقيل. إرم نيوز.

4- كيف واجه البابا فرنسيس تهم الانتهاكات الجنسية التي تلاحق الكهنة والأساقفة؟ الشروق.

.

5- “أسقف هندي” متهم باغتصاب راهبة عدة مرات. أخبار الآن.

6- الرباط تسلم واشنطن قسًا أمريكيًا متهمًا بالاعتداء الجنسي. إرم نيوز.

7- كيف واجه البابا فرنسيس تهم الانتهاكات الجنسية التي تلاحق الكهنة والأساقفة؟ مرجع سابق.

8- التحرش بالأطفال.. فضائح تطال رهبان الفاتيكان حول العالم. البوابة.

9- الفاتيكان يستدعي سفيره في أيرلندا على خلفية فضيحة تحرش جنسي بأطفال. فرانس24.

10- مرجع سابق.

11- اتهام 300 قس كاثوليكي في أميركا بالتحرش الجنسي. دويتش فيله.

https://bit.ly/2OLggmO

 

النشرة البريدية

سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!

تابعونا على

تابعوا أحدث أخبارنا وخدماتنا عبر حسابنا بتويتر