سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
د. أشرف محمد كشك
في الحادي عشر من أكتوبر 2021 قال الجنرال كارلوس ديل تورو وزير البحرية الأميركية إن الصين أضحت تمثل «تحديا خطيرًا» – على حد وصفه- للقوة البحرية الأميركية، مؤكدًا أن مواجهة الصعود الصيني يحظى بالأولوية في استراتيجية القوات البحرية الأميركية الجديدة، إلا أن الأمر البارز في تصريحات المسؤول الأميركي قوله إن« لدينا منافسا استراتيجيا يمتلك قدرات بحرية تنافس قدراتنا، ويسعى إلى توظيف قواته بقوة لتحدي الولايات المتحدة الأميركية»، وأضاف أنه «سوف يتم اتخاذ قرارات صعبة من أجل استمرار ضمان التفوق البحري للولايات المتحدة من أجل دعم مسؤولياتها المتزايدة في منطقة المحيطين الهندي والهادي والانتقال من مرحلة المنافسة إلى مرحلة الأزمة أو إلى مرحلة الصراع وفق ما تقتضيه الحاجة».
وربما يكون معروفًا للجميع حدة ومسار الصراع بين الولايات المتحدة والصين في منطقة بحر الصين الجنوبي، إلا أن تصريحات المسؤول الأميركي تضمنت ثلاث دلالات تعكس أن ذلك الصراع آخذ في التزايد الأولى: أنه بالرغم من حرص الولايات المتحدة منذ نشـأتها على أن يكون لها نفوذ بحري هائل في مناطق حيوية في العالم فإن منطقة بحر الصين الجنوبي أصبحت تمثل التحدي الأول للأمن القومي الأميركي بما يعني تغير موازين القوى لغير صالح الولايات المتحدة وقد أدركت ذلك منذ وقت مبكر عندما أعلن وزير الدفاع الأميركي ليون بانيتا في عام 2012 أن البحرية الأميركية ستكون موزعة بنسبة 60% لمواجهة التهديدات في بحر الصين الجنوبي، و40% في منطقة الشرق الأوسط بحلول عام 2020 والثانية: أن الولايات المتحدة ترى أن مجرد الاقتصار على إدارة الصراع في بحر الصين الجنوبي سواء من خلال تأسيس شراكات دفاعية جديدة أو القيام بمناورات بحرية لإظهار الردع أم لم يعد كافيًا بحد ذاته للحفاظ على المصالح الغربية عمومًا في تلك المنطقة وإنما لا بد من الاستعداد لأجواء أزمة محتملة أو صراع محتدم ومن ذلك إعلان وزارة الدفاع الأميركية تعرض غواصة نووية أمريكية لحادث في المياه الدولية ببحر الصين الجنوبي في 8 أكتوبر على أثر اصطدامها بجسم لم تتضح هويته وإصابة 15 من بحارتها بإصابات طفيفة وهو ما يعد مؤشرًا على إمكانية وقوع مواجهات أمريكية- صينية في تلك المنطقة مستقبلا، والثالثة: الإقرار بامتلاك الصين قدرات بحرية تمثل منافسة للقدرات البحرية الأميركية، وهنا تجدر الإشارة إلى تقرير استخباراتي أمريكي أوردته شبكة سي إن إن الأميركية في مارس من العام الحالي 2021 ومفاده أنه بنهاية عام 2020 أصبح لدى الصين حوالي 360 قطعة بحرية هجومية، أي أكثر بحوالي 60 من القطع البحرية الأميركية المماثلة، ووفقًا للتقرير تشهد القوات البحرية الصينية تطورًا بشكل مذهل بما في ذلك صناعة غواصات للصواريخ النووية الباليستية وحاملات طائرات وغيرها من الأسلحة البحرية المتطورة للغاية، كما أنه في الوقت الذي سوف تمتلك فيه الصين 400 سفينة بحلول عام 2025 فإن البحرية الأميركية لا تتجاوز 355 سفينة، أخذًا في الاعتبار استمرار التفوق الأميركي بالنسبة إلى أفراد القوات البحرية مقارنة بنظرائهم في الصين. ومع انتهاج كل من الولايات المتحدة آليات متبادلة لإدارة الصراع ابتداءً بالتحالفات والتحالفات المضادة في تلك المنطقة الحيوية ومرورًا بزيادة الميزانية العسكرية حيث تقدمت وزارة الدفاع الأميركية بميزانية للكونجرس بلغت قيمتها 768 مليار دولار للعام المالي 2022. بينما ازدادت الميزانية العسكرية للصين بنسبة 6.6% في عام 2020. وانتهاء بالصفقات الاقتصادية مع دول تلك المنطقة من جانب الطرفين فإن التساؤل هو هل تكفي تلك الآليات للإبقاء على الصراع عند حدوده المألوفة؟ أي عدم الانزلاق نحو مواجهة بحرية شاملة في تلك المنطقة؟
وتكمن الإجابة عن ذلك التساؤل في ثلاث نقاط الأولى: أن الولايات المتحدة الأميركية أعلنت الشهر الماضي توقيع اتفاقية «الأوكوس» وهي عبارة عن تحالف أمني بين الولايات المتحدة وبريطانيا وأستراليا تضمنت بيع صفقة غواصات نووية متقدمة لأستراليا بديلا عن صفقة فرنسية، ولعل الهدف الاستراتيجي لتلك الاتفاقية قد تمثل في الحفاظ على توازن القوى في بحر الصين الجنوبي، وهو المتطلب الأساسي لتحقيق الأمن الإقليمي في تلك المنطقة، ففي الوقت الذي تمتلك فيه الصين ثالث أقوى جيش في العالم ويصنف أسطولها البحري في المرتبة الأولى عالميا، فإن الجيش الأسترالي يصنف في المرتبة رقم 19 والأسطول البحري لأستراليا يصنف في المرتبة 47 عالميا، إلا أنه بعد الاتفاق الجديد فإننا بصدد موازين قوى جديدة في تلك المنطقة لسبب بسيط أن جوهر الاتفاقية كونه تحالفًا نوويًا ثلاثيًا بين ثلاث دول كبرى، والثانية: أنه من التبسيط النظر إلى الصراع الأميركي- الصيني بعيدًا عن أخذ الموقف الأوروبي بعين الاعتبار، صحيح أن الدول الأوروبية لا تزال ترى في الولايات المتحدة سواء بشكل منفرد أو ضمن شراكتهما في حلف الناتو المظلة الدفاعية الأهم بدليل أنه تم احتواء الغضب الفرنسي جراء الصفقة المشار إليها إلا أنه يلاحظ أن الدول الأوروبية لا تقف على مسافة واحدة مع الولايات المتحدة من الصين من منظور المصالح الاقتصادية وليس أدل على ذلك من توقيع الاتحاد الأوروبي والصين اتفاقية استثمار في ديسمبر 2020 بعد سبع سنوات من المفاوضات بين الجانبين، إذ تبلغ الاستثمارات الأوروبية في الصين حوالي 150 مليار يورو بينما تبلغ الاستثمارات الصينية في الدول الأوروبية حوالي 113 مليار يورو بما يعنيه ذلك من أن الولايات المتحدة بحاجة إلى إحياء الشراكة الأميركية- الأوروبية مجددًا من خلال آليات عملية على أرض الواقع لا تقتصر على الجوانب الأمنية والدفاعية، والثالثة: أنه بالعودة إلى مناخ الحرب الباردة نجد أنها كانت صراعًا بين آيديولوجيات، إحداها ظلت والأخرى كان مآلها الانهيار بيد أن المناخ الحالي يختلف بشكل جذري فأساسه المصالح وآلياته الشراكات في ظل أزمات عصفت باقتصادات العديد من الدول، بل إن تحذير أنطونيو جوتيرش الأمين العام للأمم المتحدة قبيل اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة في سبتمبر 2021 حول احتمال نشوب حرب باردة جديدة ودعوة كل من «الصين والولايات المتحدة لإصلاح علاقتهما قبل أن تمتد المشكلات بين الدولتين الكبيرتين المتمتعتين بنفوذ كبير إلى بقية الكوكب» أمر لا بد وأن يؤخذ بعين الاعتبار لأنها لن تكون حربا ذات مضامين آيديولوجية أو أنها ستكون محددة بنطاق جغرافي محدد وإنما سوف تطال نفوذ الدولتين في مناطق مختلفة من العالم.
لقد تجاوز التنافس الأميركي- الصيني البعد الاقتصادي وسوف يتضمن في المستقبل القريب قضايا أخرى بما يمكن معه القول إن العالم يشهد ترتيبًا جديدًا لمراكز ومضامين القوى عمومًا وفي بؤرتها الصراع البحري على نحو خاص.
المصدر: مركز البحرين للدراسات الاستراتيجية والدولية والطاقة «دراسات»
سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
تابعوا أحدث أخبارنا وخدماتنا عبر حسابنا بتويتر