سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
تحليل/ إليسا أيريس
ستظل واشنطن في حاجة لتحديد أهدافها بمنطقة المحيط الهندي والباسيفيكي، ذلك المنهج الجيوستراتيجي الضروري للنجاح.
تبنت إدارة الرئيس دونالد ترمب، مصطلح “الهندي الباسيفيك Indo-Pacific” لوصف المنطقة الاستراتيجية الأكبر بالنسبة للمصالح بآسيا؛ وهو ما يفرض ضرورة الحفاظ على المصالح بهذه المنطقة، والتوفيق بين الاختلافات التي تشهدها حدود المحيط الهندي والهادئ، وما يمكن القيام به بتلك المنطقة الهائلة.
فالقيمة الوصفية لهذا المصطلح، ذات أهمية خاصة من الناحية الاستراتيجية، فكما كتب الخبير الاستراتيجي للأمن القومي بأستراليا “روي ميدكالف”، عام 2013، فإن مصطلح المحيط الهادئ – الهندي، يشير إلى العلاقات العميقة بين منطقة المحيط الهادئ وغرب المحيط الهندي. إذ يتصل ذلك بالنشاط المتزايد للصين في المحيط الهندي (نشير هنا إلى وجود قاعدة عسكرية صينية في جيبوتي، فضلاً عن قيام بكين بتكثيف الروابط مع دول مثل سريلانكا وجزر المالديف)، وهو ما يعني وجود معطيات جديدة بهذا المجال البحري.
ونتيجة لأهميته، فإن إطار الهندي الباسيفيكي، يضع الهند في القلب منه، بدلاً من إلحاقها بمفهوم آسيا الذي يركز على شرق آسيا. وبالإضافة إلى ذلك، وكما يكتب “سي. راجا موهان” C. Raja Mohan، فإن مفهوم المركزية الهندي، يعيد إلى الأذهان ذكرى الحقبة الاستعمارية، حيث تقع الهند في منتصف مساحة استراتيجية أكبر. وهي المنطقة التي وصفها رئيس الوزراء الياباني خلال خطاب أمام البرلمان الهندي 2007 بأنها “ملتقى البحار” وذات تأثير مهم.
ومن الصعب أن نغفل أهمية الهند المترسخة في هذه المنطقة المتوسطة، وهي البلد الذي يوشك أن يصبح أكبر بلدان العالم من حيث السكان؛ حيث توجد لديها ديمقراطية مستقرة، وبها يوجد – أيضًا – سادس أكبر اقتصاد في العالم، وثالث قوة عسكرية في العالم من حيث القوة البشرية، وخامس أكبر ميزانية دفاعية، فضلاً عن التزامها بسيادة القانون والانخراط في النظام الدولي.
المحيطات البعيدة
وضعت إدارة ترمب، منطقة المحيط الهندي والباسيفيكي، بدرجة عالية من الأولوية، وذلك كما جاء بمقترحات استراتيجية الأمن القومي 2017، التي تعتبر تلك المنطقة ذات تنافس استراتيجي بين كل من الرؤى المتحررة والروتينية للنظام العالمي، حيث تستخدم الصين الحوافز والعقوبات الاقتصادية ونفوذها العسكري لحث الدول الأخرى للتصديق على جدول الأعمال السياسي والأمني.
في الوقت الذي تدعو استراتيجية الأمن القومي للتنسيق مع حلفاء واشنطن، لتعزيز التعاون الرباعي مع اليابان وأستراليا والهند، فإن الاستراتيجية التي تمَّ وضعها أخيرًا، ترحب – أيضًا – بصعود الهند باعتبارها “قوة عالمية رائدة”، وتؤكد على توسيع العلاقات الدفاعية مع نيودلهي. ويُذكر أن إطار العمل يركز على دفع الهند بشكل مكثف إلى الأنشطة الإقليمية في شرقها، لكنه لا يأخذ – بالضرورة – مصالح الهند الخاصة في المحيط الهندي.
كما تعرف الاستراتيجية، تلك المنطقة باعتبارها تمتد من “الساحل الغربي للهند إلى الشواطئ الغربية للولايات المتحدة” (صفحة 46)، حيث لا يشير هذا القسم إلى المساحة البحرية للمحيط الهندي، بما في ذلك المنطقة الواقعة قبالة الساحل الشرقي لإفريقيا، وبحر العرب، وخليج البنغال. في ضوء ذلك، فإن منطقة المحيط الهادئ الهندية، لا تزال في حاجة إلى المزيد من الاهتمام أكثر مما تفعل الهند. وفي الوقت نفسه، فإن إدراك الهند للمنطقة يتضمن مساحة بحرية أكبر نحو الغرب. فأعضاء جماعة “حافة المحيط الهندي” (IORA)، وهي منظمة هندية صغيرة شاركت في تأسيسها مع جنوب إفريقيا لإضفاء الطابع المؤسسي على المشاورات عبر هذه المنطقة المرتبطة بشكل سيئ، وتشمل دولاً تغطي هذه الرقعة الجغرافية.
البحث عن جدول الأعمال
وفيما أشارت وثيقة الأمن القومي الأميركية إلى التحديات التي تشهدها هذه المنطقة، والتي لم تتبلور بعد، فإن تصريحات إدارة ترمب، لم توضح رؤيتها حتى الآن؛ فقد قدَّم خطاب ترمب الاستراتيجي، بشأن المحيط الهادئ، الذي ألقاه خلال زيارته في نوفمبر 2017 لفيتنام لحضور قمة الرؤساء التنفيذيين لمنتدى التعاون الاقتصادي لآسيا والمحيط الهادئ (APEC)، رؤية ذات مستوى أعلى لما تعتزم الاستراتيجية تغطيته. فدعا إلى المزيد من الاستثمارات في التجارة والبنية التحتية بصورة عادلة ومتبادلة من البنك الدولي وبنك التنمية الآسيوي، وأكد على أهمية سيادة القانون، والحقوق الفردية، وحرية الملاحة. ومع ذلك، لم ينقل الخطاب أي إشارة محددة لكيفية دعم الإدارة لهذه الأولويات بأي طريقة تختلف عن الماضي، ولم تحدد نهجًا أميركيًا لجغرافية شاملة في المحيط الهندي – الباسيفيكي.
وفي خطاب السياسة الخارجية، أكتوبر الماضي، الذي ألقاه وزير الدولة “ريكس تيلرسون” قبل زيارته إلى الهند – والذي يعد أحد الخطابات السياسية القليلة خلال فترة ولايته القصيرة – ركز بشدة على العمل عن كثب مع الهند حول الدفاع والأمن في جميع أنحاء المحيط الهادئ – الهندي، بالإضافة إلى توفير بدائل “للاقتصاديات المفترسة” لمبادرة الحزام والطريق في الصين (BRI). ومع ذلك، لم تظهر أي مبادرات محددة منذ ذلك الحين.
ويلاحظ أن هذا القدر من الانفصال البيروقراطي، يحد من قدرة واشنطن على تغطية المحيط الهندي والهادئ بشكل كافٍ. ويعد ذلك صحيحًا – بالطبع – داخل وزارة الخارجية، حيث سيُطلب من جميع مكاتب دول شرق آسيا والمحيط الهادئ، وجنوب ووسط آسيا، وشؤون الشرق الأدنى، والشؤون الإفريقية، أن تغطي جميع الدول في المنطقة الأكبر. فضلاً عن الانقسامات على مستوى القرارات التابعة لوزارة الدفاع، مما يمكِّن واشنطن من قيادة المحيط الهادئ وآسيا وشرق آسيا ودول جنوب آسيا، مثل: بنغلاديش والهند وجزر المالديف ونيبال وسريلانكا. لكنها لا تمكنها من تغطية أفغانستان وباكستان، التي هي جزء من القيادة المركزية الأميركية، حيث لا تشمل الجزر الموجودة بالمحيط الهندي قبالة الساحل الشرقي لإفريقيا، والتي ترد ضمن منطقة مسؤولية القيادة الأميركية الإفريقية.
ومن جانبها ، تسعى الهند نحو مزيد من التنسيق مع الولايات المتحدة، ليس فقط في الجزء الشرقي من المنطقة – جنوب شرق وشمال شرق آسيا – ولكن أيضًا نحو غربها، بما في ذلك باكستان وأفغانستان والخليج وجزر المحيط الهندي والساحل الشرقي لإفريقيا. فإيجاد طريقة لدمج الهند بشكل أفضل في المنطقة الآسيوية الأوسع إلى الشرق، بالإضافة إلى تعاون أفضل بشأن قضايا ذات أهمية بالغة للهند، مثل: مكافحة الإرهاب والأمن البحري إلى الغرب، يمكن أن يقطع شوطًا طويلاً نحو خلق استراتيجية هندية تتماشى مع المصالح الأميركية والهندية.
كيف يمكن تحقيق استراتيجية كاملة في المحيط الهادئ – الهندي؟
بداية، يجب أن تشتمل أية استراتيجية قوية للهند والمحيط الهادئ على خطة اقتصادية عبر الإقليم توفر بديلاً عن الإطار الاقتصادي الإقليمي التوسعي للصين. فقد ألغى انسحاب الولايات المتحدة من الشراكة عبر المحيط الهادئ (TPP)، نموذج واشنطن الاستباقي للتجارة. فتدافع كلٌّ من الصين والهند عن مجموعة تجارية بديلة، وهي الشراكة الاقتصادية الشاملة الإقليمية (RCEP)، وهي اتفاقية ذات طموح أكثر محدودية، دون أن يكون لها دور في القيادة الأميركية، مما يؤكد على الكيفية التي أضعفت بها الولايات المتحدة، قدرتها على صياغة قواعد التجارة الإقليمية. وهنا يجب على إدارة ترمب، إعادة النظر في الانضمام إلى برنامج النقاط التجارية، خاصة بالنظر إلى المكاسب القيادية التي ستحققها من إعادة الارتباط مع الدول الشريكة. يمكن لاستراتيجية اقتصادية متجذرة من طرف TPPللمنطقة الأوسع، أن تحفز الهند في النهاية على الانضمام إلى الاتفاقية التجارية.
ومن جهة أخرى، فإن على واشنطن أن تعضد عضوية الهند في منتدى التعاون الاقتصادي لدول آسيا والمحيط الهادئ كدليل على حسن النية بشأن الأولويات الهندية. وقد مُنعت الهند، التي يتجاوز اقتصادها تريليوني دولار، من الدخول لأكثر من عشرين عامًا، واستبعادها قليلاً من الناحية الاستراتيجية. ذلك أن الإبقاء على الهند خارج منظمة متعددة الأطراف ذات أهمية حيوية للنشاط الاقتصادي في آسيا، من شأنه أن يقوّض الهدف الاستراتيجي المتمثل في توسيع إطار آسيا والمحيط الهادئ ليشمل منطقة أكبر في المحيط الهندي – الباسيفيكي. كما أنه من شأن منتدى التعاون الاقتصادي لآسيا والمحيط الهادئ (APEC) مع الهند، أن يوسع من جغرافية المنظمة ليعكس – بشكل أدق – مراكز النشاط الاقتصادي على نطاق واسع، وسيكون بمثابة خطوة ملموسة نحو تحقيق منطقة في المحيط الهندي والهادئ.
بجانب ذلك، فإن على إدارة ترمب، تطوير مبادرات واضحة للاستثمار في البنية التحتية مع الهند واليابان وأستراليا وغيرها، لتقديم بدائل تمويل شفافة، كما اقترح تيلرسون. وتعد هذه الفكرة ممتازة، لكنها تفتقر إلى استراتيجية التنفيذ. حيث يرفض وزير الخزانة الأميركي “ستيفن منوشين”، منذ البداية، التوسع في قاعدة رأس المال للبنك الدولي، ولكنه غيَّر موقفه فيما بعد، وهو ما سيسمح للولايات المتحدة بمشاركة دول أخرى في تمويل البنية التحتية ضمن إطار متعدد الأطراف.
وتشمل المشاورات القائمة بين الولايات المتحدة والهند واليابان، مجموعة عمل حول البنية التحتية، التي يمكن أن تحدد الفرص. كما تعمل طوكيو ونيودلهي عن كثب على هذه الجبهة من خلال شراكةمحور التنمية في آسيا وإفريقيا، التي صممت رؤيتها للتواصل الإقليمي بغرض ربط منطقة المحيط الهندي الأكبر من خلال تطوير البنية التحتية، وتدريب المهارات، والمشاريع التعاونية في مجالات تشمل الزراعة والصحة وإدارة الكوارث.
على واشنطن – أيضًا – أن تأخذ على محمل الجد، الأولويات والاقتراحات الصادرة عن جماعة حافة المحيط الهندي؛ فقد أصبحت الولايات المتحدة شريكًا في حوار مع هذه الجماعة منذ عام 2012، ويمكن أن تعتمد بشكل أكثر فاعلية على هذه الجماعة كمنتدى للأفكار ومبادرات جديدة على نطاق المحيط الهادئ. وتشهد كلٌّ من أستراليا والهند وإندونيسيا، نشاطًا ملحوظًا. وتضم المجموعة – أيضًا – كينيا والصومال وجنوب إفريقيا وتنزانيا. وكذلك يدخل حلفاء الولايات المتحدة وفرنسا وألمانيا واليابان والمملكة المتحدة كشركاء في الحوار ذاته. ويوجد لدى تلك المجموعة – أيضًا – مجال واسع من التركيز، فيما يتعلق بالأمن البحري وإدارة الكوارث إلى الاقتصاد الأزرق، الذي يشمل النشاط الاقتصادي الذي يتمحور حول المحيطات، وتمكين المرأة؛ لذلك لا ينبغي أن يكون من الصعب تطوير مشاريع اختبار قابلة للامتثال للجميع.
وفي ضوء ذلك، فإن واشنطن مطالبة بزيادة التنسيق الدبلوماسي، ليس فقط بين الدول الأربع، ولكن – أيضًا – في جميع أنحاء المنطقة الأكبر. كما يمكن أن تشمل جهود مكافحة المخدرات، ومحاربة الإرهاب على المستوى الإقليمي، أو أن تتواصل مع الأزمات السياسية أو الإنسانية بشكل محدد، مثل الأزمات التي تشهدها جزر المالديف وعلى طول الحدود بين بنغلاديش وميانمار. ويتطلب ذلك تجاوز الأطر البيروقراطية، (يشير الإعلان عن وجود ملحق عسكري هندي في القيادة المركزية للقوات البحرية الأميركية في البحرين إلى حدوث تحرك في هذا الاتجاه).
لقد عززت الإدارات الأميركية المتعاقبة، العلاقات مع الهند، وطورت أطرًا استراتيجية لشراكة واسعة بين الولايات المتحدة والهند. ومن ثَمَّ، قد يكون تركيز إدارة ترمب في المحيط الهادئ على مبادرة استراتيجية أكثر تبعية، وذلك بناءً على العمل الذي قامت به الرؤية الاستراتيجية المشتركة بين الولايات المتحدة والهند، التابعة لإدارة أوباما لمنطقة آسيا والمحيط الهادئ والمحيط الهندي. ولكنها ستحتاج – قريبًا جدًا – إلى تحديد وتنفيذ بعض المشاريع المحددة لكي تصبح الاستراتيجية الكبرى حقيقة واقعة.
إعداد: وحدة الترجمات بمركز سمت للدراسات
المصدر :مجلس العلاقات الخارجية، بواشنطن
سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
تابعوا أحدث أخبارنا وخدماتنا عبر حسابنا بتويتر