الادخار مقابل الإنفاق: أيهما أكثر أهمية؟ | مركز سمت للدراسات

الادخار مقابل الإنفاق: أيهما أكثر أهمية؟

التاريخ والوقت : الثلاثاء, 4 فبراير 2020

فرانك شوستاك

 

تقول الحكمة التقليدية إن المدخرات هي مبلغ النقود المتبقي بعد استخدام الدخل النقدي في نفقات المستهلك. ومن ثَمَّ، فإنه بالنسبة للنفقات المحددة، تتضمن زيادة الدخل النقدي زيادةً في المدخرات، وبالتالي المزيد من التمويل المخصص للاستثمار. وهذا بدوره يضع منصةً للنمو الاقتصادي المتزايد.

وانطلاقًا من هذا المنطق، يمكن للمرء أيضًا إثبات أن الزيادات في عرض النقود مفيدة لعملية تكوين رأس المال والنمو الاقتصادي بشكل عام. ويلاحظ هنا أن الزيادات في عرض النقود تؤدي إلى زيادات في الدخل النقدي، وهذا يعني بالنسبة لنفقات المستهلك زيادة في المدخرات.

كيف يمكن للمدخرات أن تدعم إنتاج السلع؟

إن المدخرات هي كمية السلع الاستهلاكية التي تنتج عن استهلاك هذه السلع. فعلى سبيل المثال، إذا كان الخباز ينتج عشرة أرغفة ويستهلك رغيفين، فإن مدخراته ستكون ثمانية أرغفة.

والآن، دعنا نقول إن الخباز يتبادل خبزه المحفوظ مقابل خدمات فنية من أجل تحسين فرنه، ومع وجود فرن متطور، يمكن زيادة إنتاجه من الخبز. ونلاحظ أن الخبز المحفوظ، أي مدخرات الخباز المدفوعة للفني، يمكّنه من الحفاظ على حياته ورفاهيته مع تطوير الفرن. وبالمثل، فإن المنتجين الآخرين للسلع الاستهلاكية، من خلال استبدال هذه السلع الاستهلاكية للخدمات أو منتجات مختلف المنتجين الآخرين، يزودون المنتج الأخير بالوسائل التي تدعم معيشتهم ورفاهيتهم.

ويمكن لمنتجي السلع الاستهلاكية تبادل السلع المحفوظة مع بعضهم البعض، وكذلك مع منتجي المواد الخام أو منتجي الأدوات والآلات أو موردي الخدمات المختلفة. وتدعم السلع الاستهلاكية المحفوظة جميع مراحل الإنتاج، بدءًا من إنتاج السلع الاستهلاكية إلى إنتاج المواد الخام والأدوات والآليات وجميع المراحل الوسيطة. هنا نلاحظ أن الأفراد لا يريدون أدوات وآليات مختلفة على هذا النحو، بل يريدون السلع الاستهلاكية. ومن أجل الحفاظ على حياتهم ورفاههم، يحتاج الناس الوصول إلى السلع الاستهلاكية.

فإذا أردنا أن يدفع إنتاج السلع الاستهلاكية لزيادة كافة الأشياء الأخرى على قدم المساواة، أي زيادة المدخرات، فسيسمح ذلك بتعزيز البنية التحتية وتوسيعها. وبالتالي، يمكن حاليًا توظيف الأفراد في بناء مراحل جديدة من الإنتاج، لم يكن من الممكن القيام بها قبل التوسع في إجمالي المدخرات. وهذا ما سيسمح بإنتاج مجموعة أكبر من السلع الاستهلاكية.

لكن إدخال مراحل الإنتاج الجديدة يتطلب وقتًا. فخلال عملية تحسين البنية التحتية، يجب تزويد مختلف الأفراد العاملين بالسلع الاستهلاكية.

وبمجرد حدوث زيادة كافية في مجموعة السلع الاستهلاكية، سيكون الأفراد في وضع يسمح لهم بمواصلة تعزيز رفاهيتهم من خلال البحث عن سلع متعلقة بالترفيه، وخدمات مثل العلاج الطبي على سبيل المثال.

إن السلع الاستهلاكية المحفوظة تدعم مختلف الأفراد الذين يقدمون الترفيه والخدمات المختلفة، ذلك أن إدخال الأموال لا يغير ما قلناه حتى الآن. إذ يقوم المنتج والمستهلك بتبادل سلعة محفوظة مقابل المال، ولكن من خلال استبدال مدخراتهم مقابل المال، كما أن المنتج لا يزال يزود المستهلك ببضائعه المحفوظة؛ لأن الأموال التي يحصل عليها المنتج تبدو مدعومة بالكامل بإنتاجه غير المُستَهلك.

وكلما حصل الناس على السلع الرأسمالية مثل الآلات، قاموا بتحويل تلك الأموال إلى الأفراد الذين يعملون في صناعتها. ويمكن لصانعي الآلات اختيار استبدال الأموال ليس فقط للسلع الاستهلاكية، ولكن أيضًا للخدمات المختلفة. ويمكن لمزود الخدمة الذي يتلقى المال استبداله مقابل السلع الاستهلاكية والخدمات لنفسه.

وبدون وسيلة مناسبة للتبادل، لا يمكن أن تُنتَج أي نقود، إذ لن يكون هناك اقتصاد سوق، وبالتالي لا يمكن تقسيم العمل. لكن المال ليس هو وسيلة الدفع، لكنه وسيلة للتبادل.

فالأفراد يدفعون مقابل البضائع والخدمات التي ينتجونها، ولا يدفعون المال. إذ يساعد المال فقط في تسهيل المدفوعات، ويتيح إمكانية استبدال سلع أحد المتخصصين بسلع متخصص آخر.

وعن طريق المال، يمكن للفرد أن ينقل المدخرات، أي السلع الاستهلاكية غير المستهلكة، لأفراد آخرين، وهذا ما يسمح بتوسيع عملية توليد الثروة. فكلما رأى ذلك ضروريًا، استطاع الفرد دائمًا استبدال أمواله مقابل البضائع.

ومع ذلك، نجد أن هناك حكمًا واحدًا في كل هذا، وهو أن تدفق إنتاج البضائع مستمر بلا هوادة؛ وهو ما يعني أنه عندما يقرر حامل المال استبدال بعض الأموال مقابل البضائع، فإن هذه السلع تكون موجود بالفعل من أجله.

ومع أهميتها كوسيلة للتبادل، وفقًا لـ”روثبارد”، يثار التساؤل: هل يدخر الناس المال؟

الناس لا يدخرون المال بل يستبدلون به السلع والخدمات. فبمجرد استبدال المدخرات (وهي السلع الاستهلاكية المحفوظة) بالمال، يمكن لصاحب المال أن يوظفها فورًا في مقابل سلع أخرى أو قد يحتفظ بها مؤقتًا.

وسواء كان يستخدمه على الفور في مقابل سلع أخرى، أو يكتنزها في خزينته الخاصة، أو يحتفظ بها في جيبه، لن يغير من مجموعة الوفورات المحددة. إذن: كيف يقرر الأفراد أن استخدام أموالهم لن يؤدي إلا إلى تغيير الطلب على النقود؟ لذا، فإن هذا الأمر لا علاقة له بالادخار. فنلاحظ هنا أنه من خلال إقراض المال، يقوم الأفراد في الواقع بتخفيض طلبهم على المال؛ ذلك أن عمليات الإقراض لا تغير من مجموع المدخرات الحالية كذلك.

وبالمثل، فإذا قرر مالك المال الحصول على أصل مالي مثل سند أو سهم، فإنه ببساطة يحول أمواله إلى بائع الأصول المالية؛ حيث لا تتأثر أية مدخرات حالية بهذه المعاملات.

ومع ذلك، تنشأ المشاكل كلما شرعت البنوك المركزية في سياسات نقدية فضفاضة. إذ لا يتم دعم المعروض النقدي الموسع بمزيد من السلع الاستهلاكية. وعندما يتم استبدال هذه الأموال بالسلع الاستهلاكية، فإن ذلك يمثل استهلاكًا لا يدعمه الإنتاج؛ فلدينا حاليًا المزيد من المال الذي يطارد نفس الكمية من البضائع.

ومن ثَمَّ، يكتشف حامل المال، أي الفرد الذي أنتج ثروة حقيقية، أنه لا يستطيع الآن الحصول على القيمة المعادلة لجميع السلع التي أنتجها سابقًا وتبادلها مقابل المال، وكل الأشياء الأخرى بشكلٍ متساوٍ. ويكتشف أن القوة الشرائية لأمواله قد انخفضت.

وبذلك لا يمكن أن يحدث ما يسمى بالنمو الاقتصادي في إطار السياسة النقدية الفضفاضة، إلا إذا تمكَّن القطاع الخاص من تنمية مجموعة المدخرات على الرغم من أن هذه السياسة تقوِّض هذه العملية.

لكن علينا أن نتذكر أن السياسات النقدية الفضفاضة تؤدي إلى أنشطة لتوليد الثروة. فبمجرد أن تبدأ وتيرة الأنشطة المدرة للثروات في تجاوز وتيرة الأنشطة المُدِرَّةِ للثروات، فإن مجموعة المدخرات تتعرض للضغط، وهو ما يوفر منصةً لتراجع اقتصادي حاد. وبالتالي، فإن الأنشطة المولدة للثروة وغيرها تتطلب المزيد من مدخرات لدعم مختلف الأفراد المشاركين في هذه الأنشطة.

وعلى ذلك، يمكننا أن نستنتج أن المدخرات تدور حول إنتاج السلع الاستهلاكية بما يفوق استهلاك هذه السلع. أي أن الأمر لا يتعلق بالمال، بل يتعلق بالسلع الاستهلاكية النهائية التي تدعم الأفراد المشاركين في مراحل الإنتاج المختلفة.

إن المال ليس هو الذي يمول النشاط الاقتصادي، ولكن المجموعة المدخرة من السلع الاستهلاكية. فوجود المال يسهل فقط من تدفق المدخرات، ذلك أن أي محاولة لاستبدال المدخرات بالمال تنتهي بكارثة اقتصادية.

إعداد: وحدة الترجمات بمركز سمت للدراسات

المصدر: معهد مايسيس

النشرة البريدية

سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!

تابعونا على

تابعوا أحدث أخبارنا وخدماتنا عبر حسابنا بتويتر