سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
زيد الشكري
في أي مرة تتهيأ لك الفرصة لحضور أحاديث ممارسي الاتصال في المنظمات عن أكبر هم يواجههم، وهذه أحاديث قد تكون افتراضية في مجموعات “الواتساب” غالبًا، أو حقيقية في الجلسات المباشرة، ربَّما ستجد أن هذا الهم لا يعدو – في معظمه – الخروج عن الانهماك في البحث الدائم عن إجابة سؤال كيف نعرض منجزات منظماتنا بما يضمن رسم صورة ذهنية جميلة وربما “وردية” لهذه المنظمات التي ينتمون إليها.
قبل كل شيء، أود التأكيد على أنني لست ضد قيام المنظمات بعرض منجزاتها عندما تكون نوعية وذات قيمة حقيقية مضافة لصورتها، وللجمهور الذي تستهدفه، وأهم من ذلك لمحيطها الذي تتفاعل وتؤثر فيه. فحديثي هنا هو عن الانهماك المبالغ فيه في أوساط العاملين في الاتصال بالتفكير المحموم عن عرض منجزات منظماتهم بغض النظر عن قيمتها أو أهميتها.
أين تكمن المشكلة إذًا؟ تكمن في الافتراض القائم على أن دور الاتصال يتمحور في جميع نشاطاته أو في معظمها على عرض منجزات المنظمة بهدف بناء صورة أو سمعة جيدة. هذا غير صحيح أبدًا؛ لأن فيه – مع الأسف – تسطيحًا كبيرًا لدور الاتصال الذي يتجاوز بمراحل مجرد ترويج المنجزات، وذلك لـ4 أسباب جوهرية.
أولاً: هذا الافتراض يضع العمل الاتصالي في المنظمة في موقع رد الفعل وليس صناعته، حيث يُبقي دور إدارة الاتصال هنا محصورًا فيما يقدم لها من إدارات أخرى داخل منظمتها.
ثانيًا: هذا الافتراض ينزع عن العمل الاتصالي الطابع الاستراتيجي لأساس وجوده، حيث إن التركيز على المنجزات، يفوِّت على ممارس الاتصال وعلى المنظمة لعب دور أكثر حيوية وتأثيرًا، وهو التأثير في توجهاتها الاستراتيجية، عبر خلق مناطق جديدة لمحيط نشاطها الاتصالي، وهي مناطق غالبًا لم تعهدها من قبل. وهنا يكون التحدي الأكبر في اكتشاف هذه المناطق الجديدة، والتحرر من الانكفاء على الداخل عبر التركيز على المنجزات؛ لأن هذا – تحديدًا – يحول ممارس الاتصال إلى مجرد ساعي بريد وناقل للرسالة.
ثالثًا: إحدى مشكلات المنجزات تكمن في تقييمها: هل هي منجز حقًا أم لا؟ ففي معظم الوقت الذي تحتفي به منظمات بما تعتقد أنه منجزات، قد لا يراها جمهورها الخارجي بالضرورة كذلك.
وتذكر هنا ما أصفه بأحد الفخاخ الاتصالية، الانفصال الحاد عن فهم توقعات الجمهور هو وصفة مدمرة لـ”صورة المنظمة”، فخلف الجدران المغلقة داخل أروقة منظمتك تستطيع الاحتفاء بما تشاء من منجزات، وقد يكون بعضها منجزات متوهمة، أو مبالغًا فيها، وقد تتوقع أن الجمهور سيشارك الاحتفاء بها، غير أن الحقيقة المحزنة التي تنتظرك في الخارج ربَّما تكون عكس ذلك، حيث قد لا يشاركك الجمهور الخارجي التقييم نفسه، بل الأسوأ أن هذا الجمهور قد يرى في استعراض المنجزات غير النوعية والمؤثرة، والتباهي بها، مبعث احتقار لهذه المنظمة وما تقوم به.
رابعًا: التركيز على عرض المنجزات فقط، يحط من قيمة العمل الاتصالي أخلاقيًا؛ حيث ينزع عنه – أيضًا – الطابع النبيل لهذه المهنة. وهو طابع قائم على الالتزام الأخلاقي قبل المهني تجاه منظمتك ومجتمعك ووطنك، فالعمل الاتصالي ليس آلة دعاية ممقوتة، تستغل أي فرصة أو ظرف للقفز عليها، واستغلالها في سبيل تحقيق مكتسبات عرضية أو تكتيكية لتجميل صورة المنظمة وتلميعها. قدر هذا العمل أنه مرتبط بصناعة التأثير وتكوين الرأي وخلق الأفكار وبناء الصور لدى الأفراد والجمهور المستهدف؛ لذا تتعاظم قيمته الأخلاقية.
وأخيرًا.. هناك مقولة اتصالية عظيمة من المهم استحضارها على نحوٍ دائمٍ: الترويج الناجح يكون فقط للقيم الحقيقية/ الموجودة وليس للقيم المزيفة. لذا، فإن الدور الأصيل المنتظر من ممارس الاتصال، هو تقديم العون اتصاليًا لدعم إدارات منظمته الرئيسية في تحقيق مستهدفاتها، ومضاعفة أثر نشاطها، عبر استكشاف ما يدور في ذهن الجمهور المستهدف، وتحليل حاجته وفهمها، ورصد المشكلات التي تحول دون إقباله، وتحديد نسبة الوعي بمدى معرفته بما تقدمه له، ومن ثم البناء على محصلة ما تتوصل إليه، وتصميم نشاطاتك الاتصالية وفقًا لذلك.
ختامًا، الاتصال في المنظمات، اتصال مؤسسي وليس ترويج منجزات.
متخصص في الاتصال والصحافة*
المصدر:
سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
تابعوا أحدث أخبارنا وخدماتنا عبر حسابنا بتويتر