الاتحاد الأوروبي وأزمة لقاحات كورونا | مركز سمت للدراسات

الاتحاد الأوروبي.. أداء سيئ في معضلة اللقاحات

التاريخ والوقت : الأربعاء, 24 مارس 2021

ليونيل لوران

 

يتابع العالم ما يجري في أوروبا باستياء. فحملة تلقيح المنطقة عبارة عن فوضى؛ إذ فشلت في تجاوز سرعة الموجة الجديدة من حالات كوفيد- 19 التي خلقت ضغطاً هائلاً على المستشفيات وتسببت في مزيد من قيود ملازمة المنزل. ويبلغ متوسط جرعات اللقاح التي أُعطيت في الاتحاد الأوروبي لكل 100 شخص 11.8 جرعة، أي بمعدل يظل بعيداً خلف الولايات المتحدة وبريطانيا بـ34.1 و40.5 جرعة لكل 100 شخص (رغم وجود اختلاف بين أعضاء الاتحاد الأوروبي الـ27).

ورغم موافقة الهيئة الرقابية في الاتحاد الأوروبي على أربعة لقاحات، فإن الحكومات الأوروبية تتعامل بطريقة سيئة مع المتطلبات اللوجستية لعمليات التلقيح. كما أن الجهود الرامية إلى الضغط على صانعي الأدوية بسبب نقص الإمدادات، ولئن كانت شيئاً يمكن تفهمه، فإنها أخذت تتحول إلى غضب ونزاع، مع التلويح بمصادرة جرعات اللقاح الموجهة إلى التصدير إذا لزم الأمر. ويبدو المشهد أكثر سريالية، بالنظر إلى أن عدداً من بلدان الاتحاد الأوروبي علّقت استخدام لقاح أسترازينيكا هذا الأسبوع بسبب مخاوف من تخثر الدم. وهكذا، يدور خلاف حالياً حول اللقاحات، بينما اللقاحات لا تُستخدم في الواقع.

وعلاوة على ذلك، يبدو أن صندوق التعافي من تأثيرات الوباء في الاتحاد الأوروبي غير كاف وجاء بعد فوات الأوان. فإذا كانت إدارة بايدن قد أطلقت خطة إنفاق مالي بقيمة 1.9 تريليون دولار، فإن رد الاتحاد الأوروبي، المشحون سياسياً والأقل قوة، من المحتمل أن يضع منطقة اليورو خلف الولايات المتحدة بسنة، بخصوص التعافي والعودة إلى مستويات ما قبل الوباء. وفي هذا الصدد، قال رئيس الاحتياطي الفدرالي جيرومي بأول يوم الأربعاء: «أودُّ أن أرى أوروبا تنمو بسرعة أكبر».

غير أنه ما زال هناك أمل في أن يكون بعض من هذا مؤقتاً أو قابلاً للإصلاح، وخاصة أن التوقعات بالنسبة لإمدادات اللقاحات تتحسن. كما أن الشعبية المستمرة لبعض قادة الاتحاد الأوروبي تمنحهم مجالاً للتحرك واتخاذ تدابير عوضاً عن القلق بشأن «بعبع» الشعبوية المشككة في جدوى الوحدة الأوروبية التقليدي. ففي هولندا، مثلاً، يستعد مارك روته ليصبح رئيس الوزراء الذي خدم أطول فترة في التاريخ الهولندي، بعد أن حلّ حزبه المحسوب على يمين الوسط في المرتبة الأولى في انتخابات هذا الأسبوع، دافعاً المتشككين في أوروبا إلى المركز الثالث. والرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، ومع أنه بالكاد يتمتع بشعبية كبيرة، إلا أنه ما زال يحل في مراتب أعلى في استطلاعات الرأي من تلك التي كان يتبوأها خلال احتجاجات «الأقمصة الصفراء» التي كانت تنظم احتجاجاً على زيادات الضرائب وأسلوبه اللامبالي والمبتعد عن هموم عامة الناس.

غير أن خليط الارتباك، والتخبط، وإلقاء اللوم على الآخرين يعكس خللاً أعمق. ويُظهر حدودَ أسلوب الزعامة الذي يهيمن على الحياة السياسية في الاتحاد الأوروبي، أسلوب يجمع بين احترام التكنوقراطية التي يقودها الخبراء مع شعبوية مشخصنة ترضي الجماهير. والواقع أن فوز ماكرون في 2017 يمثل نموذجاً لهذا الأسلوب: مصرفي شاب سابق يختار موقعاً لحركته السياسية الجديدة، لا في اليسار ولا في اليمين، ويَعد بحكومة أكثر كفاءة يحقّقها متخصصون خارجيون لا ينتمون إلى المؤسسة. هذه المقاربة غير الإيديولوجية كانت لها جاذبية أوسع من البرامج المعارضة للاتحاد الأوروبي، ليس في فرنسا فقط، ولكن في أماكن أخرى أيضاً. ويذكر هنا أن رئيس الوزراء الهولندي «مارك روته» وصف فوزه في 2017 باعتباره فوزاً على «النوع الخطأ من الشعبوية».

والنتيجة اليوم أزمة في عملية صنع القرار تكنوقراطية وشعبوية معاً – أو «تكنوقراطية-شعبوية»، مثلما يصفها الأكاديميان «كريس بيكرتون» و«كارلو إنفيرنيتزي أتشيتي» في كتاب جديد. ويُعد تعليق أسترازينيكا، وحالة التردد الدائم في فرنسا بشأن ما إن كان ينبغي فرض إغلاق وطني آخر، مثالين على كيف أن السعي التكنوقراطي وراء «الرد المناسب» بناء على تحاليل تستند إلى الأدلة، يمكن أن يؤدي في نهاية المطاف إلى تكاليف من خلال الجمود وعدم فعل أي شيء.

ويرى بيكرتون وأتشيتي أن الرغبة الدائمة في التوفيق بين وجهات النظر المختلفة تلافياً لاستعداء أي شخص، يجعل من «الصعب جداً فعل شيء ما». كما أن حقيقة أن ماكرون، الذي يصفه مستشاروه بأنه خبير عصامي في الأمراض، يشخصن هذه القرارات من خلال عقد «مجالس دفاع» أسبوعية لتدبير الوباء، لا تؤدي إلا إلى استعداء الخبراء الحقيقيين، وتهدّد بإضعاف ثقة الجمهور.

هذه النزعة أخذت تتسرب إلى بروكسيل أيضاً، حيث أخذت المفوضية الأوروبية – التكنوقراطية لأقصى حد-، بقيادة «أورسولا فون دير لين»، تكتشف شعبوية اللقاح داخلها. فقد تكون التهديدات بحظر الصادرات إذا لم يفِ المصنعون بالتزاماتهم شيئاً يمكن تفهمه من الناحية النظرية، بالنظر إلى الواجب القانوني والمعنوي الذي على عاتق الزعماء، والمتمثل في حماية مواطني الاتحاد الأوروبي (ودافعي الضرائب). غير أنه بالنظر إلى سلسلة الإمداد العالمية الطويلة للقاحات، وتقديرات الاتحاد الأوروبي بأنه سيحتاج إلى 18 شهراً على الأقل حتى يصبح مستقلاً بشكل كامل في هذا المجال، فإن كل ما تحققه هذه التهديدات في الواقع هو زيادة خطر إثارة سلوك مماثل عبر العالم – وإطالة أمد الوباء تبعاً لذلك.

 

المصدر: صحيفة الاتحاد – خدمة واشنطن بوست وبلومبيرغ 

النشرة البريدية

سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!

تابعونا على

تابعوا أحدث أخبارنا وخدماتنا عبر حسابنا بتويتر