الاتحاد الأفريقي وأزمة تيغراي | مركز سمت للدراسات

الاتحاد الأفريقي وأزمة تيغراي

التاريخ والوقت : الخميس, 6 مايو 2021

جورجيت سينغ

 

يقوم الاتحاد الإفريقي منذ عام 2002 بالبناء على أسس منظمة الوحدة الإفريقية لكن مع اختلاف، فلم تتعامل منظمة الوحدة الإفريقية بشكل فعال مع السلام والأمن في إفريقيا، فالتوقعات من شعار “حلول إفريقية لمشاكل إفريقية” تعد من أكبر التحديات التي تواجههم، وقد أفسدت القيود المفروضة على التعامل مع سياسات الحماية والأمن في إفريقيا الاتحاد الإفريقي نفسه، ومع ذلك فإن دستور الاتحاد الإفريقي جيدٌ جدًا، ففي “المادة 4- ح” اكتسب الاتحاد الإفريقي الحق في التدخل في دولة عضو، بعد قرار من المؤتمر، في حالة حدوث ظروف مثل جرائم الحرب أو الإبادة الجماعية أو الجرائم ضد الإنسانية، كما أنه مخول برفض التغييرات غير الدستورية للحكومات في الدول الأعضاء.

لقد حقق الاتحاد الإفريقي بعض التوقعات من خلال إنشاء الهيكل الإفريقي للسلام والأمن من بين مؤسساته، واجتذب هذا أقصى اهتمام الجهات المانحة مثل أعضاء الاتحاد الأوروبي، ودول الشمال، والولايات المتحدة الأميركية وغيرهم من الدول المتصدرة دائمًا تمويل وتوجيه الاتحاد، وقد كان اهتمام المانحين المستمر ظاهريًا ينصب على بناء قدراتها وتمويل عجزها لكنه أدى إلى التأثير على قراراتها.

يحتوي دستور الاتحاد بشكل أساسي على خمسة أقسام تعمل من أجل منع النزاعات وإدارتها وحلها، حيث يمكن التعاون مع المؤسسات الإفريقية المختلفة، وهذه الأقسام تتمثل في مجلس السلم والأمن لجنة الحكماء، نظام الإنذار المبكر القاري، القوات الاحتياطية، صندوق السلام.

وإذا كانت جميع الأقسام المذكورة متماسكة فيمكن أن يلعب الاتحاد الإفريقي دورًا مهمًا، ومع ذلك فلم تعمل جميعها على النحو المأمول.

إن دور الاتحاد الإفريقي في التعامل مع مشكلات الداخل للدول الأعضاء أو في خلافاتها فيما بينها، يعد من مهام مجلس السلم والأمن ومبادرة رئيس مفوضية الاتحاد الإفريقي، إلى جانب مفوض السلام والأمن والشؤون السياسية، فبجانب ذلك يمكن أن يلعب رئيس الدولة الذي يترأس دورة الاتحاد الإفريقي لهذا العام دورًا حاسمًا.

إن مجلس السلم والأمن هو جهاز صنع القرار المكون من 15 عضوًا، والذي ينفذ سياسات صنع السلام والدفاع، ويشرف على بعثات السلام، ويوصي بالتدخلات عند حدوث المواقف المنصوص عليها في “المادة الرابعة”.

ومنذ إنشائه كان لدى مجلس السلم والأمن سجل مختلط، ففي عام 2020 تم تعليق عضوية مالي من الاتحاد الإفريقي بعد عزل الرئيس “إبراهيم كيتا” في انقلاب وفي وقت سابق تعاملت مع مالي أيضًا على أسس مماثلة، كما تم تعليق عضوية مصر في عام 2013 وأعيدت في غضون عام، وواجه السودان هذا أيضًا عام 2019. ومع ذلك فإن الاستجابات ليست متساوية سواءً في السرعة أو في العمق، فعلى سبيل المثال لم يحدث أي تدخل في الكاميرون لعدة سنوات على الرغم من كل المشاكل الداخلية.

إن مجلس السلم والأمن لديه العديد من القيود فعلى الرغم من أنه يتطلب أغلبية بسيطة، إلا أنه غالبًا ما ينتهي بالتعامل مع وكلاء يدعمون الدولة التي تتم مناقشتها، وتتدافع الدول للبقاء فيه لمنع اتخاذ إجراءات ضد نفسها أو ضد حلفائها أكثر من القيام بشيء آخر، ويواجه المجلس عقبات بسبب عدم كفاية الموارد المالية والبشرية، فصندوق السلام والكتائب الاحتياطية لا يعمل بكامل طاقته، وتُعطى الأولوية للسياسة على حياة البشر إنه “تضامن الأقران” على العمل الفعال.

وفي بعض الأحيان يجد مجلس السلم والأمن أن جهوده تجاوزها تدخل أجنبي آخر، كما هو الحال في ليبيا أو منطقة الساحل، حيث لا ينتظر مانحوه قرار المجلس ويتخذون مسارهم الاستراتيجي الخاص، وهو ما يحدث لمجلس الأمن الدولي أيضًا.

الأزمات الإثيوبية

شكّل الصراع عام 2020 في منطقة تيغراي بإثيوبيا تحديًا لدور الاتحاد الإفريقي في التعامل مع الوضع الداخلي لدولة عضو، ومن المفارقات أن موضوع الاتحاد الإفريقي لعام 2020 كان “إسكات البنادق”، فمنذ دخول السودان وإريتريا في هذا الصراع يظهر توازن جديد في القرن الإفريقي.

وبالمثل فإنها في القضية المتعلقة بسد النهضة الإثيوبي الكبير ترى أن مصر والسودان يتحديان سيطرة إثيوبيا على مياه النيل.

وفي كلتا الحالتين قام رئيس الاتحاد الإفريقي بعمل يتجاوز حدود مفوضية الاتحاد الإفريقي، ففي العام الذي انتشر فيه وباء “كوفيد- 19” شغلت جنوب إفريقيا رئاسة الاتحاد الإفريقي، واتخذ رئيسها “سيريل رامافوزا” مبادرات بشأن كلتا القضيتين حققتا نجاحًا محدودًا.

لقد قام بتعيين فريق لمناقشة القضية الشائكة لسد النهضة، وكان الثقل السياسي لمكتب الاتحاد الإفريقي من خلفه بشكل غير مسبوق، والآن بعد أن سلمت جنوب إفريقيا الرئاسة إلى رئيس جمهورية الكونغو الديمقراطية “فيليكس تشيسكيدي” تتواصل الجهود أيضًا، فقد تغلبت لجان الوزراء والخبراء على الأدغال فيما قامت إثيوبيا بملء المرحلة الأولى من السد.

والآن تبدو إثيوبيا قلقة لأن رئيس جمهورية الكونغو الديمقراطية أثناء مشاركته في اجتماعات المكتب، ضبدا منفتحًا على الموقف المصري، ومثل هذه المخاوف السياسية تشوه القوة المؤسسية للاتحاد، حيث أدت الجهود الأخيرة في كينشاسا إلى تقوية المواقف، في الوقت الذي تحرص فيه إثيوبيا حريصة على الانتقال إلى الملء الثاني للسد.

وبالمثل فإن قضية تيغراي فاجأت الكثير من الناس في إفريقيا، ومن الواضح أن جهاز نظام الإنذار المبكر القاري قد فشل، حيث يعتمد مجلس الاتحاد الإفريقي الموجود في أديس أبابا على البلد المضيف، حيث هناك ضغط غير معلن حتى يكون لطيفًا مع البلد المضيف فلم تتخذ مفوضية الاتحاد الإفريقي أي مبادرة، وهناك القليل من الأدلة على أن مجلس السلم والأمن ناقش حتى موضوع تيغراي، وفي اجتماعها في 19 نوفمبر 2020 ناقش المجلس بسخرية قضية حماية الأطفال في مناطق الحروب.

مع استمرار نزاع تيغرايان أعلنت أديس أبابا أنها حققت انتصارًا، لكن حكايا الضحايا المدنيين والاغتصاب والحرمان من الطعام وعدم وصول المساعدات الإنسانية هيمنت على الصحافة، وكان من الصعب الحصول على تأكيدات ولكن من الواضح أنه كان هناك خرق للسلام ووضع إنساني سيء، وقد أدى انتشار اللاجئين في السودان وإصرارها على الأراضي التي كانت إثيوبيا تستخدمها، إلى مزيد من التوترات في غياب أي جهد من قِبَل الاتحاد الإفريقي، فقد اتخذ رئيس الاتحاد الإفريقي مبادرة مرة أخرى وعين فريقًا من ثلاثة أعضاء من رؤساء الدول السابقين، ولم يتم اختيار المبعوثين بناءً على لجنة الحُكماء التابعة للاتحاد الإفريقي.

لقد قام مبعوثون من الاتحاد الإفريقي بزيارة إثيوبيا واستقبلهم رئيس الوزراء “آبي أحمد”، وأوضحت إثيوبيا أن عملية تيغراي هي عملية لإنفاذ القانون، وأن جهود الوساطة من قبل الاتحاد الإفريقي أو أي شخص آخر سيتم رفضها، لأن أديس أبابا لا ترى نفسها على قدم المساواة مع ميكيلي، عاصمة منطقة تيغراي.

رد الاتحاد على حالة تيغراي

يُظهر تحليل اجتماعات مجلس الاتحاد الإفريقي القليل من الاهتمام من الناحية الرسمية بما يحدث في تيغراي، فمن نوفمبر 2020 إلى مارس 2021 تم إجراء 19 اجتماعًا، وكانت هذه الاجتماعات حول: بوكو حرام، جمهورية إفريقيا الوسطى، السودان، الصومال، وحول مواضيع مختلفة متعلقة بالاتحاد.

وفي 9 نوفمبر 2020 دعا رئيس مفوضية الاتحاد الإفريقي “موسى فقي محمد” إلى السلام، وأكد ذلك في قمة ديسمبر للهيئة الحكومية الدولية المعنية بالتنمية “إيغاد”.

فخلال اجتماع في 9 مارس على مستوى القمة اقترح رئيس الوزراء “أبي” التحقيق في انتهاكات حقوق الإنسان في تيغراي، وفي 21 مارس وافق رئيس مفوضية الاتحاد الإفريقي على ذلك في اجتماع مع وزير الخارجية الإثيوبي، وكانت هذه ضربة مفاجئة لدرء الضغط الدولي والسعي إلى “حل إفريقي للمشاكل الإفريقية”، كان تدخل أبي تحت بند “أعمال أخرى” وقد يضعه مجلس السلم والأمن الآن على جدول الأعمال، بعدما قدم عرضًا بأن اللجنة الإفريقية لحقوق الإنسان والشعوب يمكن أن تجري تحقيقات بالاشتراك مع اللجنة الإثيوبية لحقوق الإنسان.

لقد اختار “أبي” أحد خيارات اللجنة الإفريقية لحقوق الإنسان الثلاث، وكان بإمكان مجلس السلم والأمن إنشاء لجنة حكماء كما فعل مع جنوب السودان في 2013 ، أو التحقيق في إطار المجلس كما في مالي في 2012. كما تم استخدام لجنة حقوق الإنسان التابعة للاتحاد في دارفور وزيمبابوي.

حضرت إثيوبيا طوعًا إلى مجلس السلم والأمن وسعت إلى إجراء تحقيق، وبصفتها الدولة المضيفة للاتحاد الإفريقي فإن لها تأثير كبير على الاتحاد، حيث يعتقد بعض المحللين أن قواعد الاتحاد الإفريقي متعلقة بالآخرين ولا تنطبق على إثيوبيا، ولم يتخذ مجلس السلم والأمن أي إجراء ضد إثيوبيا كما أنه يُستخدم حاليًا بمحض إرادتها وليس بقرار من مجلس السلم والأمن، ففي 17 مارس تم قبول العرض الإثيوبي بإجراء تحقيق مشترك مع مجلس حقوق الإنسان، مما وضع الاتحاد الإفريقي في وضع صعب.

لا يوجد سجل يُظهر أنه تم استغلال لجنة الحكماء لبدء جهود الوساطة المحتملة في وقف إطلاق النار، وهناك جهود يبذلها رؤساء دول سابقون مثل الرئيس النيجيري “أوباسانجو”، حيث يأملون في تحقيق اختراق هادئ إلا أنه لا يتم توجيههم أو دعمهم من قبل الاتحاد الإفريقي.

لقد اندلعت أزمة تيغراي في وقت غير مريح حينما كانت مفوضية الاتحاد الإفريقي تتعامل مع الوباء، وكان من المقرر انتخابها للجنة جديدة في فبراير 2021، ونظرًا لأن تصويت كل دولة عضو مهم في الانتخابات لم يكن أحد على استعداد للعمل من أجل استعداء أي دولة عضو.

هناك تقدم مستمر في عمل الاتحاد الإفريقي مع المنظمات الإقليمية من أجل السلام، ففي ديسمبر 2020 دعمت الهيئة الحكومية الدولية المعنية بالتنمية الموقف الإثيوبي، وتركت مفوضية الاتحاد الإفريقي حرة في القيام بذلك أيضًا.

من المفهوم أنه منذ سقوط معمر القذافي، لا يوجد رجل إفريقي يمكنه تهديد النفوذ الإثيوبي على الاتحاد الإفريقي، وهكذا بعد “ميليس” تمتع القادة الإثيوبيون وإن لم يكونوا في قالبه بمهلة أقوى حتى عندما لا تكون إثيوبيا عضوًا في مجلس السلم والأمن، ويتجلى ذلك في إخلاص الاتحاد الإفريقي للموقف الإثيوبي في هذه الأزمة.

 

إعداد: وحدة الترجمات بمركز سمت للدراسات

المصدر: Observer Research Foundation

النشرة البريدية

سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!

تابعونا على

تابعوا أحدث أخبارنا وخدماتنا عبر حسابنا بتويتر