سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
محمود رشدي
مع الانهيار المدوي لتنظيم داعش على الأرض، وصعوبة استيلائه مرة أخرى على مساحات جغرافيَّة، بات الوجود الافتراضي للتنظيم في الفضاء الإلكتروني إحدى الآليات للعودة مرة أخرى، والارتباط مع مؤيديه.
فبعد ذروة صعود التنظيم في عامي 2014 و2015 اندلعت المواجهات العسكريَّة، التي شُنَّت ضده من قبل قوات التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة والقوات المحلية؛ متمثلةً في القوات الكردية والجيش العراقي، وعليه انحسر التنظيم جغرافيًّا، وفقد ما سرقه من أراضٍ بقوة السلاح، إلى أن هُزِمَ كليًّا في أكتوبر 2017 بالرقة في سوريا، كما واجه التنظيم مواجهات سيبرانية عبر منتدياته بشبكات الإنترنت من قبل الحكومات الأوروبية ووسائل الإعلام.
لكن وبالرغم من هزيمة التنظيم في ميادين القتال الحقيقية والمواجهات العسكرية التي يجهل أسرارها، فإنه حافظ على وجوده على الإنترنت، ولا تزال دعايته تصل إلى جماهير عريضة. إضافةً إلى محاولاته للتحايل على إزالة حساباته ومنتدياته على وسائل التواصل الاجتماعي، واستغل بدائلَ أخرى افتراضية كنوعٍ من التغلغل إلى الواقع الافتراضي للهروب من الملاحقة الإلكترونيَّة والأمنيَّة.
داعش وسعيه للتمكين السيبراني
على مدى السنوات الماضية، طوَّر التنظيمُ الإرهابي أنشطته عبر شبكات الإنترنت لجذب مُتعاطفين من الأنحاء كافة، وجمع التمويل المالي اللازم لذلك، كما عظَّمَ التنظيم من أنشطته المسلحة، كما استخدم جيلًا شابًّا من الإرهابيين (المُتعلمين) انحسرت مهمتهم في ترويج آلاف الروايات على منصات الإعلام الاجتماعي السائدة لخلق انتشارٍ ملحوظٍ يُوحي ببقاء التنظيم على قيدِ الحياة أمام أنصاره.
في الفترة بين عامي 2015 و2017، وفي أعقاب النكسات العسكرية التي واجهها داعش، بدأ التنظيم يتحول لديدانٍ خبيثةٍ تعمل بشكل متزايد تحت الأرض وتروج لعمليات وهمية من وراء الشاشات؛ لكن يبدو أن هناك تطورًا مشابهًا حدث عبر الإنترنت؛ حيث إن مكافحة دعاية التنظيم عبر الإنترنت تتمحور حول المنصات الرئيسية ووسائل التواصل الاجتماعي السائدة، إذ انتقل التنظيم لاستغلال مواقع التارك ويب لموازنة مواجهته عبر مواقع التواصل الرئيسية. على الرغم من الصعوبات المرتبطة بمواقع التارك ويب أو المنصات الأخرى الأقل شهرة. على سبيل المثال التيليجرام، الذي أصبح ملاذ التنظيم عقب إزالة محتوياته على مواقع أخرى أكثر شهرةً وتغلغلًا داخل المجتمعات مثل فيس بوك وتويتر.
ومنذ تحرير الموصل والرقة قبل عام تقريبًا، واصل داعش تنفيذ هجمات بأسلوب الكر والفر ضد القوات على الأرض، واغتنم كل فرصة لعرض قدراته المستمرة على العمل العسكري، بما في ذلك في المناطق التي تم تحريرها من حكمه. وبالمثل، يعرض التنظيم مرونةً خاصةً في الوجود عبر الإنترنت في سعي دؤوب منه للتمكين السيبراني؛ حيث ينشر المواد غالبًا مع العديد من عناوين URL التي ترتبط بعدد من الأنظمة الأساسية، لتوقع إزالة بعض عناوين URL لضمان بقاء موادها على الإنترنت. نظرًا لزيادة مراقبة شركات الويب، يتم حذف نسبة معينة من هذا المحتوى في غضون بضع ساعات، أو بضعة أيام، أو بضعة أسابيع. نظرًا لأن عناوين URL هذه من المتوقع أن يكون لها عمرٌ افتراضيٌ قصيرٌ، ولأنها تُستخدم «بشكل جماعي» في أنواع مختلفة من المنصات، فإنها تُسمى أحيانًا «روابط انغماسية»، في إشارة إلى المقاتلين الانغماسيين.
مدى ثقة داعش في تيليجرام
في الآونة الأخيرة، نمت حالة عدم ثقة تجاه Telegram بين ناشطي داعش والإعلام والمؤيدين. يتم إصدار تحذيرات متكررة حول قنوات أو مجموعات معينة يُعتقد أنه تم اختراقها من قبل الصحفيين والباحثين ووكالات الاستخبارات. يمكن فهم هذه التحذيرات فيما يتعلق بالتقارير، التي تُفيد بأن البيانات التي تم الحصول عليها من مثل هذه القنوات ربما ساهمت في إحباط الهجمات؛ كما يقوم التنظيم بإرسال تحذيرات دورية ضد القنوات أو المنشورات المزورة. علاوةً على ذلك، أعلنت Telegram في أغسطس الماضي أنها ستتعاون في التحقيقات المتعلقة بالإرهاب مع السلطات المختصة على أساس أوامر المحكمة، وتكشف بيانات المستخدم. هذا الالتزام يقوض بشكل خطير استخدام خدمات Telegram كملاذ آمن رقمي للجهاديين.
ومع ذلك، لايزال التيليجرام -على الأقل حتى الآن -هي الآلية الافتراضية المُفضلة لنشر الدعاية من قِبل «داعش»، ولتجميع المحتوى لإعادة التوزيع إلى منصات أخرى. وهكذا، فإنه يشكل مكتبة جهادية حقيقية للمواد الجديدة والقديمة (الأرشيفية). يمكن أن تكون محتويات هذه المادة إيديولوجية، وإعلانية (المطالبات المتعلقة بالهجمات على وجه الخصوص)، إضافة إلى العمليات (الدروس التعليمية، وجمع التبرعات، تحقيق الخلافة، وما إلى ذلك).
التخزين السحابي (الافتراضي) سبب أساسي للاستمرار
استمر أعضاء التنظيم بنشر موادَّ جديدة، وتحمليها لمنصات متعددة قبل مشاركة عناوين URL مع أنصارها ومتعاطفيها. يمكن ملاحظة أن منصات مشاركة الملفات الجهادية ومحركات التخزين الافتراضية يتم استغلالها بشكل كبيرٍ أكثر من سنوات مضت؛ حيث كانت المنصات الافتراضية مثل Archive وYouTube وDaily motion تستخدم بشكل أكثر شيوعًا. يتم الآن مشاركة الوسائط الجهادية على نطاق أوسع من المنصات، بما في ذلك منصات بارزة مثل Amazon Drive وUpstream (خدمة IBM) وGoogle Photo، إضافة إلى بوابات تخزين أقل رسوخًا لا تتطلب أي تسجيل للمستخدم، مثل Gulf upload. لذلك، فإن هذا النوع الأخير من البوابات قابل للاستغلال بشكل خاص لمثل هذه البيانات.
واجه التنظيم مواجهات ضد منتدياته وحساباته على مواقع الإنترنت السائدة، ولذا توجه للمواقع الأكثر تحصينًا وصعوبةً في الملاحقة ليستمر محتواه الافتراضية موجودا على الإنترنت حتى ولو كانت مواقع أقل شهرة مثل التارك ويب، بجانب تخزين محتوياته على المواقع الأرشيفية.
الاستراتيجية الافتراضية لداعش
استهدفت داعش الجمهور العالمي عبر مجلات دورية شهرية وأسبوعية عديدة تأتي على رأسها مجلة النبأ ودابق، وغيرها من المجلات التي تصدر باللغات الأجنبية مثل دار السلام والرومية الفرنسية، وعدد آخر من القنوات والمجلات التي تصدر بعدة لغات، آخرها مجلة الشباب الأسبوعية. وتمتاز دعاية التنظيم لانتشار عبر عد كبير من الروابط تحسباً لإزالته.
ولاستدامة المحتوى الإلكتروني للتنظيم على مواقع التواصل، عمد التنظيم لاستخدام استراتيجية متعددة الجوانب تعمد لديمومة المحتوي الإرهابي على عدة مواقع وروابط يمكن الوصول إليها بكافة اللغات، استخدام مواقع تعتمد على الرسائل المشفرة مثل التلغرام، بجانب الاعتماد على دورة حياة للمحتوي الإلكتروني تبعاً لكل وسيلة، فعلى سبيل المثال يصل معدل القطع الدعائية لمجلة النبأ أسبوع، ليتم تجديدها بدورة حياة أخرى ومحتوى آخر بها، أما عن مجلة أعماق فلا تستغرق دورة حياة قطعتها الدعائية لأكثر من 48 ساعة، إذ تعتمد بها على نشر الأخبار العاجلة.
المسارات الدعائية للمحتوي الإلكتروني
تتعدد مسارات المحتوى الإلكتروني لتنظيم داعش، ونظرًا لتعدد وسائل الدعاية الإعلانيَّة للتنظيم، فقد تم التركيز على وسيلتين منهم وهي مجلة النبأ الأسبوعية والفيديوهات المنشورة عبر قناة أعماق، التي جمعت بين التوسع عبر عدة منصات دعائية، وطول فترة الانتشار، وذلك برغم تضييق الخناق على المحتويات الإرهابية من قبل المجتمع الدولي، إذ أنشئت الدول وحدات سيبرانية لمكافحة الإرهاب منها: وحدة الإحالة التابعة للاتحاد الأوروبي.
الانتشار على مدى واسع
عقب الهزيمة الجغرافية في سوريا، حاول التنظيم الانتشار على مدى واسع ومتصل، من حيث تنوع المجلات والمواقع الإلكترونية التي يطلقها التنظيم بلغات متنوعة، للإيحاء بأن التنظيم مازال على قيد الحياة، بدافع الحفاظ على داعميه من دول العالم، واستمرار التمويل المالي له، لاسيما القادم عبر النقود الافتراضية «عملة البيتكوين»؛ إضافة لمحاولة التواصل ما بين المحتويات بمدى زمني لا يقل عن ثلاثة أيام، وبرغم إزالة الكثير من الروابط الالكترونية، فإنها توسع من انتشاره عبر الكثير من المنصات المشفرة وغير المشفرة؛ بحيث يصعب على السلطات الأمنية إزالة المحتويات كافة.
تجدد المحتوى الإلكتروني
يعمل التنظيم على تجديد المحتوى المنشور له عبر قنواته الافتراضية، بالتركيز على الأخبار العاجلة التي لا يتعدى مداها الزمني 48 ساعة، لإعلام أفراده بتحركاته، وكذلك لتشتيت القوات الأمنية، وتثبيط نجاحاتهم ضده، وتوصيل رسالةٍ مُفادها أن التنظيم مازال موجودًا. علاوة على ذلك، نشر المعلومات عن العمليات التي يقوم بها باقي الذئاب المنفردة، وتبني العمليات الإرهابية حتى ولو كانت خارج أعضائه.
المصدر: المرجع
سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
تابعوا أحدث أخبارنا وخدماتنا عبر حسابنا بتويتر