سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
بلال المصري
حدث الإنقلاب العسكري بالفعل يوم 26 يوليو2023 في النيجر , فالبنسبة لي ووفقاً لسابق خبرتي في العمل سفيراً لمصر في النيجر في الفترة من 2009 -2013 فإن الإنقلاب العسكري الأخير قد تأخر لما لا يقل عن عشر سنوات , فالاوضاع الإقتصادية من سيئ لأسوأ في النيجر والتماسك والإستقرار الأمني مُفتقد ومن السخف ترديد إسطوانة الإرهاب في هذه الآونة فالإرهاب الحقيقي مصدره الأصيل فرنسا ولا غير لأن الجماعات المُسلحة لا تخرج عن كونها في أغلب الأحوال عن ردات أفعال و مقاومة مُسلحة للإستغلال الفرنسي المُستمر لموارد النيجر التي رضخ مسؤليها بذلة للفرنسيين والوجود العسكري الفرنسي المُتزايد والمُكثف , وبطبيعة الحال ونظراً لسيادة وطغيان الإعلام الفرنسي فإن الرسائل والمضامين الإعلامية الفرنسي ويتبعها الإعلام المحلي وكلاهما دان المقاومة الوطنية المُسلحة في مال بل ووصمته بالإرهاب مع أن الإرهاب الحقيقي هو فرنسا التي مارست إرهاب الدولة كما مارسته في حرب التحرير الجزائري وكررت التجربة في مالي من خلال عمليتي Operation Serval التي بدأت بشمال مالي تحت غطاء قرار لمجلس الأمن الدولي برقم 2085 بتاريخ 20 ديسمبر 2012 بدعوي محاربة المُقاتلين الإسلاميين في الساحل وقد إنتهت هذه العملية في 15 يوليو 2014 لتعقبها عملية Operation Barkhane التي بدأت في أغسطس 2014 وانتهت في 9 نوفمبر 2022 وتكلفت – وفقاً لبيانات صحيفة Le Point Afrique في 23 فبراير 2018 – نحو 4 آلاف مليار فرنك خُصصت لمحاربة ” الجهاديين ” بشمال مالي بصفة رئيسية وكان لها نقاط تمركز مُوزعة علي طول الحدود من تشاد شرقاً حتي حدود موريتانيا غرباً , وهما عمليتين وحشيتين بالمقاييس الإنسانية لكن الإعلام الفرنسي والغربي عموماً يتعامي عنها طواعية .
بعد إعلان نبأ الإنقلاب في 26 يوليو2023 في النيجر على التلفزيون الوطني أثيرت مخاوف من قبل الإعلام الفرنسي خاصة بشأن متابعة القتال ضد التنظيمات الجهادية في منطقة الساحل التي تُشكل النيجر آخر جبهة تراجع للنظام العسكري واللوجستي الفرنسي في منطقة الساحل والصحراء والذي كان الرئيس المُطاح به كسلفه محمد إيسوفو يُعد حليفًا رئيسيًا لفرنسا في الحرب ضد ماتدعيه فرنسا علي أنه إرهاب فبعد الخلاف بين فرنسا وبوركينا فاسو ومالي رحب الرئيس المُطاح به محمد بازوم بقوات وترسانة فرنسا العسكرية مُمثلة في قوة Operation Barkhane التي إنسحبت من مالي وأنتهت في نوفمبر 2022 , وقد يكون هذا الانقلاب في النيجر “مفاجأة” من عدة نواحٍ بالنظر إلى حالة الاستقرار السياسي النسبي التي تبدو في النيجر بعد انتخاب الرئيس بازوم وكذلك النتائج المشجعة التي حققتها النيجر على الجبهة الأمنية بالمقارنة مع جارتيها بوركينا ومالي كما أن النيجر أظهرت قدرًا بالغاً من المرونة في إستقبال العسكرية الفرنسية المطروده من مالي وبوركينافاسو فبعدما أعلن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون انسحاب Barkhane وتاكوبا من مالي في 17 فبراير 2022 إستقبل النيجر هؤلاء العسكريون الفرنسيون وربما معهم بعثة الأمم المتحدة المتكاملة المتعددة الأبعاد لتحقيق الاستقرار في مالي (مينوسما) التي طلب الماليون منها أيضاً مغادرة مالي بعد انتهاء ولايتها في 30 يونيو 2023 , وقد اتهم وزير الخارجية المالي عبد الله ديوب بعثة الأمم المتحدة بـ “إطلاق مزاعم خطيرة تقوض السلام والمصالحة والتماسك الطبيعي في مالي” , كل ذلك أظهرالنيجر أمام الأفارقة وكأنها مُباحة ولاحول ولاقوة أمام فرنسا وأساء إلي صورة جيش النيجر أمام شعبه وأمام العسكريين الأفرقة في مالي وبوركينافاسو الذين صفعوا العسكرية الفرنسية أمام الملأ , (علقت الحكومة العسكرية في بوركينا فاسو في 29 يونيو 2023قناة إخبارية فرنسية بسبب تقرير عن تمرد جهادي قالت إنه يفتقر إلى الموضوعية والمصداقية في أحدث تصعيد في حملة على وسائل الإعلام الأجنبية) وزاد الأمر سوءاً عندما بعد ذلك عندما أعلنت مالي في 16 مايو 2022 انسحابها من قوة مجموعة الساحل الإفريقي الخماسية SAHEL G5 لمكافحة الإرهاب المزعوم .
بغض النظر عن الصورة التي يحاول الغرب ترويجها عن الرئيس المُطاح به محمد بازوم وهي أنه مُنتخب بطريقة ديموقراطية في مارس 2021 بنسبة 55.75٪ من الأصوات في نهاية الجولة الثانية إلا أن ذلك لا يمنع القول بأنه في مقابل الديموقراطية التي يتغني بها باع بلاده بأبخس ثمن للفرنسيين . ويُروج الفرنسيون لصورة ديموقراطية النيجر الشائهة المُزيفة فيما كل ما يعنيهم من النيجر ليس الديموقراطية التي تمارسها أحزاب فاشلة جماهيرياً إذ أن أكثر من 45% من الشعب تحت خط الفقر , ما يعني فرنسا فعلاً من النيجر هو خام اليورانيوم الموجود في مناجم IMOURAREN ويبعد حوالي 50 ميلاً جنوب ARLIT وبه أكبر احتياطيات اليورانيوم في العالم وARLIT في الشمال الغربي من النيجر وتديرها شركة Somair وهي مشروع مشترك بين Orano و Sopamin المملوكة للدولة في النيجرو AKOUTA الواقعة جنوب غرب ARLIT أنتج هذا المنجم 75000 طن متري من اليورانيوم من عام 1978 حتى مارس 2021عندما تم إغلاقه بعد نفاد احتياطياته من الخام (أعلنت شركة Oranoأنها تواصل التعدين رغم “الأحداث الأمنية” الجارية) فوفقًا لبيانات البنك الدولي يعد اليورانيوم ثاني أكبر صادرات النيجر من الناحية النقدية بعد الذهبفقد تم اكتشاف اليورانيوم لأول مرة في Azelik في النيجر في عام 1957 وبدأ إنتاجه تجارياً في ARLIT في عام 1971 وبدأت COMINAK (Compagnie Minière d’Akouta المملوكة لأغلبية كبيرة أيضًا من قبل Orano الإنتاج من منجم تحت الأرض في Akouta في عام 1978حيث أنتجت أكثر من 75000 طن متري قبل انتهاء العمليات في عام 2021 وتم إنشاء المشروع المشترك Societe des Mines d’Azelik SA (SOMINA)) في عام 2007 للتعدين في Azelik / Teguidda ، على بعد 160 كم جنوب غرب Arlit في منطقةAgadez و62% من أسهم SOMINA مملوكة لمصالح صينية و 37.2٪ لشركة CNNC International وتمتلك حكومة النيجر 33٪ و 5٪ مملوكة لمصالح كورية ودخل منجم Azelik حيز الإنتاج في نهاية عام 2010 لكن ظروف السوق أدت إلى وضعه تحت الرعاية والصيانة في عام 2015 أجرت مؤسسة اليورانيوم الوطنية الصينية مؤخرًا دراسات لاستئناف الإنتاج في SOMINA وفقًا لما نشره وزير النيجر على وسائل التواصل الاجتماعي من مناجم Ousseini Hadizatou Yacouba في يونيو من هذا العام , ويقع مشروع Imouraren على بعد حوالي 80 كم جنوب أرليت وحوالي 160 كم شمال أجاديز تم مُنحت الشركة المشغلة Imouraren SA – المملوكة بنسبة 66.65٪ لشركة Orano Expansion (وهي نفسها مملوكة لشركة Orano Mining مع الشركات الكورية التي تمتلك 4.7٪) و 33.35٪ لشركة Sopamin وولاية النيجر – تصريح تشغيل للتعدين في عام 2009 وبدأت أعمال التنقيب في 2012 ولكن تم تعليق تطوير المشروع في عام 2015 انتظارًا لظروف السوق الأكثر ملاءمة ويبحث المشروع المشترك الآن في إمكانية استخدام طرق الترشيح في الموقع لإدخاله في الإنتاج , و Dasa هي رواسب يورانيوم عالية الجودة تقع على بعد 105 كيلومترات جنوب مدينة أرليت لتعدين اليورانيوم وقد تم اكتشاف المشروع لأول مرة في عام 2010 وهو مملوك بنسبة 90 ٪ لشركةGlobal Atomic Corporation المدرجة في تورنتو وسيعمل تحت شركة SOMIDA الفرعية للتعدين في النيجر (Société Minière de Dasa SA) المملوكة بنسبة 20 ٪ من قبل حكومة النيجر بدأت أعمال التنقيب في المناجم في عام 2022 ، ومن المتوقع أن تبدأ عمليات التسليم الأولى للمرافق في عام 2025 , تمتلك شركة GoviEx Uranium التي تتخذ من كندا مقراً لها تصاريح التعدين لمشروع Madaouela في منطقة أجاديز وكانت الشركة قد بدأت في وقت سابق من هذا العام عملية تمويل المشروع لتطوير المشروع وتمتلك GoviEx حصة 80٪ في الشركة المشغلة COMIMA بينما تمتلك جمهورية النيجر النسبة المتبقية البالغة 20٪ ويُذكر أن النيجر تزود بحوالي 5٪ من اليورانيوم في العالم لكنها مورد رئيسي لليورانيوم إلى الاتحاد الأوروبي الذي اشتري 2905 طنًا من اليورانيوم المنتج في النيجر في عام 2021 ويمثل هذا ما يزيد قليلاً عن 24٪ من واردات الاتحاد الأوروبي من اليورانيوم مما يجعل النيجر متقدمة قليلاً على كازاخستان باعتبارها المصدر الرئيسي لليورانيوم للاتحاد الأوروبي (خصص الاتحاد الأوروبي 503 ملايين يورو (554 مليون دولار) من ميزانيته لتحسين الحوكمة والتعليم والنمو المستدام في النيجر خلال 2021-2024).
كسلفه الرئيس إيسوفو ردد الئيس المُطاح به محمد بازوم خيار المواجهة المُسلحة في شمال مالي فقد صرح في 6 يونية 2012 عنما كان وزير خارجية النيجر بقوله :” إن الخيار العسكري هو الحل الوحيد لمحاربة قاعدة شمال المغرب Aqmi وكل من قبل أن يكون مع هذه المنظمة الإرهابية في تحقيق هدفها ” , وأشار إلي أن النيجر ستقوم بإرسال 500 جندي إلي مالي , لينضموا لما يُسمي بـالـ ” التحاف الدولي للبلدان الأفريقية بمنطقة غرب أفريقيا والتي تعد نفسها للتموضع من أجل عملية عسكرية ضد ” المتمردين الإسلاميين ” , و لأسباب عدة منها الوجود العسكري الفرنسي الكثيف نسبياً في مالي تمت الإطاحة بالرئيس المالي إبراهيم بوبكر كيتا في 18 أغسطس 2020 أي بعد عدة أشهر من الأزمة السياسية , ثم وفي في 24 مايو 2021 اعتقل الجيش رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء بعد تشكيل حكومة انتقالية جديدة , وفي 24 يناير 2022 في واجادوجو أعلن جنود في التلفزيون العام أنهم استولوا على السلطة وأطاحوا بالرئيس روش مارك كريستيان كابوري رئيس بوركينا فاسو, وفي 26 يوليو 2023 أعلن عسكريون الإطاحة بـ وعزل رئيس النيجر محمد بازوم , هذه الإنقلابات العسكرية الثلاث تتفق جميعاً في مناصبتها العداء لفرنسا التي سلبت عبر دعمها لحكام كانوا في أفضل تقديروكلاء خاصين للدولة الفرنسية يأتمرون بأمرها ويصدعون لأوامر فرنسا علي حساب تطلعات شعوبهم في التنمية وفي حياة أفضل .
قام وزير خارجية الولايات المتحدة أنطوني بلينكن بزيارة النيجر في 16 مارس2023 إلتقي خلالها بالرئيس محمد بازوم ووزير الخارجية حسومي مسعودو في نيامي وناقش معهما سبل تعزيز الشراكة بين الولايات المتحدة والنيجر في مجالات الدبلوماسية والديمقراطية والتنمية والدفاع وجهود مكافحة الإرهاب التي تستهدف ما تدعيه الولايات المتحدة , وقبل هذه الزيارة قام وفد أمريكي برئاسة Victoria Nuland نائبة مساعد وزير الخارجية الأمريكي بزيارة النيجر حيث إلتقاها وزير خارجية النيجر حسومي مسعودو في 19 أكتوبر 2022 وبحثا معاً علاقات التعاون بين الدولتين ومساعدات التنمية والتعاون الأمني , ويعد الوجود العسكري الأمريكي المكون الطاغي علي العلاقات الثنائية بين النيجر والولايات المتحدة ففي 2 نوفمبر 2016 قام الجنرال Thomas Waldhuserوللولايات المتحدة قاعدة عسكرية في أجاديزحيث تم نشر حوالي 800 جندي لمدة ستة أشهر والقاعدة الجوية 201 لديها مركز مراقبة الساحل ومجهزة بأسطول كبير من الطائرات بدون طياروتمتلك الولايات المتحدة قاعدتين عسكريتين في النيجر تضم حوالي 1100 جندي وتقدم أيضًا مئات الملايين من الدولارات للبلاد كمساعدات أمنية وتنموية .
إن الإنقلاب الأخير في نيامي يثيير التأمل في مدي إستهانة الفرنسسين بمشاعر الشعوب ذلك إن رد الفعل الفرنسي والأمريكي والأوروبي بل حتي رد فعل ال]كواس (التجمع الإقتصادي لدول غرب أفريقيا) كا رد فعل مُتصاعد حتي أنه وصل لحد إمهال الإنقلابيين مهلة زمنية قصيرة لعودة ما يزعمون أنه حياة دستورية (شكلية) والتلويح بإستخدام القوة أي التدخل العسكري وهذا رد فعل لم يُوجه إلي إنقلابات أخري في غرب أفريقيا والشرق الأوسط التي وجدت في الغرب مؤيد وداعم وحاضنة دفيئة .
1- إنحسار الوجود العسكري الفرنسي في غربي أفريقيا والصحراء الكبري وأذكر في هذا الأمر أن مسئولاً عسكريأ رفيع المستوي في النيجر إفادني في 14 أكتوبر 2010 بأن كثير من العسكريين في حالة من الضيق بسبب الوجود العسكري الفرنسي بالنيجر وذلك تعليقاً علي الضغوط التي تمارسها فرنسا علي النيجر للحصول علي قاعدة عسكرية بها , لكن فرنسا نجحت أخيراً بواسطة الرئيس Mohamadou Issoufou مُؤيداً من معظم أعضاء حزبه في تأسيس قاعدة عسكرية لها علي أراضي النيجر جنباً إلي جنب مع تواجد للعسكرية الأمريكية التي كثفت من وجودها في النيجر من خلال تعزيز الموارد البشرية العسكرية الأمريكية ومن بينهم مجموعة من قيادة العمليات الخاصة تعمل في إطارTrans-Sahara Counter Terrorism Partnership بالإضافة إلي قاعدتين للطائرات التي بلا طيار Drones واحدة في Niamey العاصمة وتُستخدم بصفة رئيسية طائرات من طرازPredator والأخري تكلف إنشاؤها 100مليون دولار وتقع خارج مدينة Agadez بشمال النيجر (للولايات المتحدة حالياً 800 عسكري أمريكي يعملون في إطار AFRICOM) وكلاهما لجمع المعلومات عن الأجزاء الشمالية بصحراء مالي والنيجر معاً حيث يتحرك أبناء الطوارق الذين يُعتقد أنهم الداعم الرئيسي والحاضنة الطبيعية للتيار الجهادي في الصحراء الكبري الممتدة من موريتانيا وحتي واحة سيوة بالصحراء الغربية لمصر , والواقع أن فرنسا تبرر وجودها في النيجر وغيرها بالجماعات المُسلحة وتسوق في هذا الشأن تقديرات مزاجية غير مُؤيدة فمثلاً أكد الجنرال François-Xavier قائد عملية Opération Barkhane العسكرية الفرنسية في مالي في تصريح أدلي به لموقع إذاعة فرنسا الدولية نُشر في 13 سبتمبر 2016عقب مقابلة رئيس بوركينافاسو Roch Marc Christian Kaboré له ” أنه لم تعد هناك جماعات إرهابية قادرة علي العمل علي مستوي منطقة الساحل , بل أنه علي العكس من الإنطباع الذي يمكن أن يكون لدي المرء , فإن جيوش مجموعة الدول الخمس بالساحل G5 وعملية Barkhane إحرزا نجاحاً مهماً ضد الجماعات الإرهابية (لم تعمل بعد بصفة خماسية) , فلم تعد هذه الجماعات بقادرة تكتيكياً علي الإستيلاء علي مدينة ما والسيطرة عليها ” , ومع ذلك يردد الفرنسيون مؤخراً نفس إسطوانة الإرهاب المشروخة بلا كلل ولا ملل ,
2- يُلاحظ أن رد فعل الولايات المتحدة أقل حدة من رد الفعل الفرنسي وكذافرد فعل تجمع أيكواس(الذي تضغط عليه فرنسا بقوة حتي يتحرك عسكرياً ضد إنقلاب النيجر الأخير) أقوي من المُعتاد في مثل هذه الحالات (كان رد فعل إيكواس علي إنقلاب 18 فبراير 2010 في النيجر حنوناً ولطيفاً) ومع ذلك فالوجود العسكري الأمريكي مُستهدف أيضاً من قبل التنظيمات الُسلحة في مالي والنيجر ولئلا ننسي فقد سبق أن وُجهت ضربة مؤلمة للأمريكيين العسكريين في النيجر, تلك التي وُجهها هؤلاء الجهاديون لعسكرية الولايات المتحدة الحليف العسكري الرئيسي لفرنسا في أفريقيا جنوب الصحراء , إذ أعلن العقيد Mark Cheadle المُتحدث باسم القيادة العسكرية الأمريكية لأفريقيا AFRICOM في مؤتمر صحفي عُقد في 4 أكتوبر2017 عن مصرع أربعة أمريكيين وإصابة إثنين آخرين (عقب الحادث ردد الإعلام الغربي – صحيفة البريطانية The Guardian علي موقعها بتاريخ 15 أكتوبر 2017- أن مروحيات Super Puma الفرنسية أخلتهم من مكان المعركة , لكن إتضح فيما بعد من واقع تأكيد صادر عن القيادة العسكرية الأمريكية لأفريقيا أن شركة خاصة للطيران تدعي Berry Aviation مقرها نيجيريا هي من قامت بالإخلاء الطبي بمقتضي عقد مُبرم لهذا الغرض وسبق تعاونها مع القيادة الأمريكية العسكرية في أفريقيا الوسطي) , وكانت هذه القوة مُكونة من 12 فرد من قوات العمليات الخاصة الأمريكية ذوي القبعات الخضراء , كما قُتل أربعة وأصيب ثمانية من جنود القوة النيجرية , أثناء قيامهم بهذه المهمة المُشتركة التي قوامها 40 مُؤلفة من عناصر من القوات الخاصة الأمريكية وأفراد من كتيبة أمن وإستخبارات تابعة للنيجر , وذلك في كمين نصبه لهم المهاجمين بقرية Tongo Tongo الواقعة علي بعد 190 كم تقريباً شمال العاصمة نيامي بشمال محافظة Tillabéri بجنوب غربي جمهورية النيجر بعد قتال لم يستغرق سوي نصف الساعة , وأشار العقيد Cheadle أن هناك قتلي في صفوف المُهاجمين لكنه لم يحدد عدداً إذ قال ” أن مهمتهم لم تكن معنية بالعدو , وأن هذا التهديد لم يكن مُحتملاً في هذا الوقت ولم يكن هناك ثمة غطاء جوي” , وكان الإعلان الأمريكي عن هذه الخسائر علي مرتين إذ أعلن أولاً عن مقتل ثلاث من القوات الخاصة الأمريكية وبعد ذلك بيومين أخطرت قوة بحث مُكونة من 40 رجل أمن نيجري مدعومة من قوة فرنسية ومن طائرات أمريكية بلا طيار عن العثور علي جثة عسكري أمريكي رابع كان قد أعلن عن فقده ومركبته التي أطلقت عليها النيران , وهذه هي المرة الأولي كما قالت Dana W. White المتحدثة باسم البنتاجون التي يلقي فيها عسكريين أمريكيين مصرعهم في قتال بالنيجر , من جهة أخري صدر بيان عن هيئة أركان قوات النيجر المُسلحة أشار إلي أن دورية مشتركة هُوجمت من قبل عناصر مُتطرفة تقلها مركبات و20 دراجة نارية .
4- ربما يضع الإنقلاب العسكري في النيجر- إن نجح تماماً – كلمة النهاية لمجموعة الساحل الخماسية G5 Sahel الي بذلت فرنسا جهوداً مُكثفة دبلوماسياً وعسكرياً لإقامتها ففي سبيل إقامة هذه القوة الخماسية التي إقترحتها فرنسا لتسوغ تدخلها العسكري في دول الساحل والصحراءعُقدت في 13 ديسمبر 2017قمة مُصغرة في Celle Saint-Cloud بالقرب من العاصمة الفرنسية ضم بجانب الرئيس الفرنسي Emmanuel Macron رؤساء دول القوة الخماسية مالي والنيجر وبوركينافاسو وتشاد وموريتانيا (رفضت الجزائر الإنضمام لهذ ه الجهود) بهدف تسريع وضع القوة الخماسية موضع التنفيذ في ضوء إفتقاد التمويل اللازم والذي يُقدر حده الإدني آنئذ بنحو 250 مليون يورو , وقد أعلن الرئيس الفرنسي أمام هذه القمة عن تعهد السعودية بالمساهمة بنحو 100 مليون يورو وكذلك عن مساهمة الإمارات بنحو 30 مليون يورو وهو ما يفي بالإحتياج وفقاً للرئيس الفرنسي علي إعتبار أن مساهمتي الولايات المتحدة والإتحاد الأوروبي ستسد الفجوة التمويلية المُتبقية , وقدرت الأوساط المعنية الفرنسية أن الإتحاد الأوروبي سيمكنه التعهد بمبلغ يتراوح ما بين 50 إلي 80 مليون يورو , ثم واصلت فرنسا جهودها من أجل أن تقف قوة الساحل الخماسية علي أقدامها فعقدت في 15 يناير 2018 إجتماعاً وزارياً في باريس ضم وزراء دفاع ورؤساء أركان دول قوة الساحل الخمس إستقبلهم وزيرة الدفاع الفرنسية (التي قامت بزيارة مالي في مستهل 2018) وحضر هذا الإجتماع ممثلي 8 دول مساهمة و3 منظمات هي الإتحاد الأفريقي والأمم المتحدة والإتحاد الأوروبي , ومما قالته وزيرة دفاع فرنسا فيه ” إن الهدف (من الإجتماع) هو الخروج بخارطة طريق وجدول زمني بالعمليات خاصة في المنطقة التي تلتقي عندها حدود النيجر ومالي وبوركينافاسو” , وأستمرت فرنسا في ب ذل جهودها الدبلوماسية من أجل عقد مؤتمر دولي عن الساحل لدعم تمويل إقامة القوة الخماسية و ذلك في بروكسل في 23 فبراير 2018 هو مؤتمر للمانحين , وكان واضحاً من الهيئة التنظيمية لإجتماع باريس الذي ضم وزراء الدفاع ورؤساء الأركان و8 دول مساهمة أن مشكلة التمويل ماتزال تمثل العقبة الرئيسية التي تُؤرق فرنسا التي يبدو أنها تعمل علي وضع القوة موضع التنفيذ بأسرع ما يمكنها لتخفيف العبء العسكري من علي كاهلها في شمال مالي ولمآرب أخري ليس أقلها التدويل العسكري لمنطقتي الساحل والصحراء ولجعل مفهوم تموضعها العسكري في شمال مالي وكأنه مساو في معناه فقط وليس في أغراضه لما سيكون عليه وضع القوة الخماسية للساحل أي ليبدو الوجود العسكري الفرنسي مع القوة الخماسية وكأنه “تعاون” وليس إختراقاً وتدخلاً عسكرياً أجنبيا , ومع ذلك ففرنس لا تشعر بالحرج من وصفها بأنها قوة إحتلال أو تدخل قسري في هذ ه المنطقة فساستها وإعلامها لديه أصباغ متنوعة لتلوين ولتسويغ بعض المعاني البعيدة عن الحقيقة والمنطق , ثم ولإستكمال أنشاء القوة الخماسية للساحل , واصلت فرنسا دبلوماسيتها الحثيثة وعقدت” المؤتمر الدولي رفيع المستوي بشأن الساحل ” في بروكسل في 23 فبراير 2018 وذلك قبل يوم من قمة رؤساء الدول والحكومات المعنية بالموقف في الساحل , من أجل التعبئة السياسية والدعم المالي لإنشاء قوة الساحل الخماسية G5 Sahel حيث إجتمع نحو 50 من رؤساء دول وحكومات وكبار المسئولين يمثلون الدول الخمس التي تتشكل منها هذه القوة ودول الإتحاد الأوروبي ومسئولين كبار عن الولايات المتحدة واليابان والمغرب ودول أخري وممثل عن كل من الأمم المتحدة والإتحاد الأفريقي , ونتج عن هذا المؤتمر دفعة مالية للأمام لعملية تدبير التمويل اللازم للقوة فقد أعلنت المفوضية الأوروبية في بيانها الصحفي بتاريخ 23 فبراير 2018 أن النتائج الرئيسية للمؤتمر رفيع المستوي هي أنها :
الف – عززت الدعم السياسي لمنطقة الساحل وأن دعماً هاماً أُعطي لعملية السلام بمالي وأن هؤلاء ممن يهددون هذه العملية يمكن أن يُواجهوا بعقوبات .
باء – زادت العون المالي للأمن حيث ضاعف الإتحاد الأوروبي من تمويله للقوة الخماسية للساحل لنحو 100 مليون يورو بهدف تحسين الأمن الإقليمي ومحاربة الإرهاب , وأن الإتحاد الأوروبي والدول الأعضاء به ساهموا معاً بنصف الدعم الدولي للقوة الخماسية , وهذا التمويل الجديد يفي تماماً بإحتياجات القوة ويقدم الوسائل بغية تحسين الظروف الأمنية بالمنطقة .
جيم – لتنسيق أفضل لجهود التنمية , فمن خلال رصد مبلغ 6 بليون يورو لعون التنمية علي مدي الفترة من 2014 حتي 2020 يكون الإتحاد الأوروبي قد أصبح المانح الأكبر للدول الخمس المُكونة لقوة الساحل G5 Sahel وبذلك يلعب الإتحاد الأوروبي دوراً رائداً في ” التحالف من أجل الساحل ” الذي بدأ في يوليو 2017 , وهذا التحالف عبارة عن مبادرة تهدف إلي تنسيق وتسليم العون بسرعة وكفاءة أكثر للمناطق الأكثر هشاشة وهو تحالف مفتوح أمام كل الشركاء بالمجتمع الدولي .
خلُص مؤتمر بروكسل الدولي إلي نتيجتين الأولي مادية ملموسة وهي زيادة التمويل بحيث أصبح من الممكن القول بأن مشكلة التمويل قد حُلت نتيجة الجهود الدبلوماسية الفرنسية الحثيثة , فقد أعلنت مفوضة الإتحاد للشئون الخارجيةFederica Mogherini عن أنه تم تدبير مبلغ 414 مليون يورو أي 510 مليون دولار لإنشاء هذه القوة لتكون جاهزة في مارس 2018 وأن نصف هذا المبلغ سيقدمه الإتحاد الأوروبي وأعضاءه و60 مليون دولار من الولايات المتحدة بجانب مساهمات أخري من السعودية تعادل 100مليون يورو وهي المساهمة الأكبر من بين كل المساهمات الأخري , كما ساهمت الإمارات العربية بمبلغ 30 مليون يورو , وفي هذا المؤتمر أعلن الإتحاد الأوروبي عن مضاعفة مساهمته للقوة من 50 مليون يورو تقررت في يوليو 2018 لتصبح مائة مليون يورو أما الثانية فهي مُتعلقة بمشكلة التنمية في دول الساحل التي يمكن تصنيفها أنها واقعة بين نقطتين علي مؤشر الدول وهما نقطة الدولة الفاشلة ونقطة الدولة المُعرضة Vulnerable . فدول الساحل والصحراء لم تكن ومازالت إلا مخزن مسروقات لفرنسا والغرب .
5- كما هي الحال مع النيجر خلال رئاسة ممادو إيسوفو ومحمد بازوم وكلاهما وكلاء فرنسا , لم تعبأ السياسة الفرنسية والنظم الأفريقية الموالية لفرنسا خاصة دول القوة الخماسية للساحل بالظروف والقيود والمُحددات المحلية والإقتصادية والأثنية وكذلك الدينية المحيطة بالرئيس الماليAmadou Tomani Toure التي توجب عليه العمل في إطارها والتي تُلزم أي رئيس في مكانه أن يتحرك في بلاده بالحرية التي يكفلها له رئيس دولة مُستقلة فالمجتمع المالي مجتمع مسلم وله تقاليد وموروثات تجعل من إطلاق مُصطلحات مثل : “مُتشددين ” ومُتطرفين ” و”راديكاليين” غير واقعية بل وغير مُقنعة , لكن أما وأن فرنسا تريد ذلك حفاظاً علي وتنمية مصالحها هي فقط بالمنطقة ومنها إستغلال الموارد الطبيعية التي تذخر بها الصحراء الكبري بدون إزعاج , إذن فلابد من تحقيق كل مطالبها , وتطلب الأمر في مواجهة عدم إستقرار المصالح الفرنسية والغربية في مدي أوسع التخلص من القادة المُزعجين والذي يعترضون سبيل تحقيق المصالح الفرنسية (الغربية) بالقدر والوقت المناسبين فكان إنقلاب “اليورانيوم ” كما وصفته أنا في النيجر في 18 فبراير 2010 حين أطاح أحد العسكريين المغمورين من ذوي الرتب الصغيرة بالرئيس Amadou Tandja (بإسناد من شركة Black Water) ثم أُطيح بعد ذلك في 22 مارس 2012 بالرئيس المالي Amadou Tomani Toure ولذلك كان من المثير للغثيان أن تجد رئيس وزراء مالي في حكومة ما بعد الإنقلاب يصرح خلال زيارته للنيجر وبعد لقاءه برئيسها لوكالة الأنباء الفرنسية في 12 يوليو 2012فيقول ” إنهم يرجون لو أن حواراً فُتح بمنتهي السرعة مع كل هؤلاء الذين بشمال مالي وعلي إستعداد لمحاربة الإرهاب في تلك المنطقة ” ثم قال في نفس هذه الزيارة وخلال لقاءه بالعقيد المالي Alaji Ag Gamou المُتواجد بعد فراره من المواجهات مع عناصر حركة MNLA وتواجده بمعسكر بالنيجر خُصص للعسكريين الماليين وعددهم 400 عسكري فروا من القتال مع أنصار الدين بشمال مالي : ” إن مالي تعتمد عليكم للنهوض بالتحدي لإعادة فتح الشمال (؟) ” لكن الأكثر غرابة أن يصرح نفس هذا الشخص أثناء جولة شملت داكاروالجزائر والمغرب وموريتانيا وفرنسا في وقت سابق فيقول علناً ” إنه بالنسبة لقاعدة المغرب الإسلامي وحلفاءها فإن فرنسا هي العدو الرئيسي” ثم يقول مُناقضاً ذلك ” إن فرنسا ولإسباب واضحة لا يمكنها أن تكون خط المواجهة الأول ” , ويُذكر أن من بين من يعنيهم رئيس وزراء مالي الحركة الوطنية لتحرير أزواد وهي حركة إنفصالية يدعمها المكتب الثاني (المخابرات العسكرية الخارجية الفرنسية ) أوDeuxième Bureau de l’État-major general .
6- إن حدث ونجح إنقلاب النيجر فستنسحب القوات الفرنسية الموجودة في مطار والقواعد الفرنسية التي بالنيجر إلي تشاد التي ستدعم فرنسا نظام محمد أدريس ديبي رئيس خلافي بعد مقتل والده أثناء معركة مع المعارضة المُسلحة في شمال تشاد في 20 أبريل 2021 بعدهل تولي ابنه الرئاسة في تشاد بأسلوب مُستفز فقد أنتهك الدستور التشادي الذي يتضمن نصاً يرتب عملية إنتقال السلطة في حال شغور منصب رئيس الدولة بالوفاة أو بالعجز بحيث تؤول السلطة لمدة مُؤقتة مداها 40 يوم لرئيس البرلمان يجري بعدها إنتخابات رئاسية , وهو ما تجاوز عنه المحلس العسكري الذي أعلن عن تولي محمد ادريس دبي – بموافقة ومباركة فرنسية – السلطة بدون إعتبار للنص الدستوري ذا الصلة إكتفاء بتفويض السلطة من تلقاء نفسه من واقع بيان أصدره أدعي فيه شرعيته وتضمن هذا البيان تشكيل مجلس عسكري أعلي إنتقالي يتولي السلطة في البلاد لفترة 18 شهراً يجري خلالها تنظيم إنتخابات , مما يعني أن الوضع القائم في هو وضع لشبه إنقلاب عسكري أو Quasi-Putsch وهو وضع نقطة مُتوسطة تقع ما بين الإنقلاب الدستوري والإنقلاب العسكري مما يتوجب الإدانة , كذلك بدأ مجلس السلم والأمن الأفريقي في 14 مايو2021 في دراسة القضية التشادية وإحتدم الجدل بين الدول أعضاء المجلس التي إنقسمت إلي فريقين الأول مُؤيد لفرض العقوبات تطبيقاً لنصوص الاتحاد الأفريقي ومعظمه من الدول الناطقة بالإنجليزية وهي بصفة رئيسية دول الجنوب الأفريقي لا سيما ليسوتو و ملاوي وقد استفادت هذه المجموعة في مُستهل النقاش من دعم الجزائر التي تمثل الشمال الأفريقي لفرض العقوبات علي النظام التشادي والفريق الثاني مُعارض وأغلبه من الدول الناطقة بالفرنسية بغرب إفريقيا (السنغال وبنين) ووسـط إفـريـقـيا (لا سيما الكونجو وبوروندي ورواندا) وهم من طالبوا بالتساهل مع المجلس العسكري التشادي الذي تم تشكيله في N’Djamena علي عجل في 27 أبريل 2021والتغاضي عن فرض عقوبات علي نظام N’Djamena العسكري وأهمها تعليق عضوية تشاد بالإتحاد الأفريقي , وقد إعتمد مؤيدو التساهل تجاه N’Djamena على تقرير بعثة تقصي الحقائق التي أرسلها الاتحاد الأفريقي إلى تشاد في نهاية أبريل 2021 بقيادة مفوض السلام والأمن النيجيريBankole Adeoye وعضوية سفير جيبوتي (الذي ترأس مجلس السلم والأمن في أبريل) لدى الاتحاد الأفريقي إدريس فرح .
خلافاً لموقفهم من إنقلاب النيجر الأخير في 26 يوليو2023 فلم يفعل لا الاتحاد الافريقي ولا تجمع إيكواس ولا فرنسا ما يفعلونه حالياً مع إنقلابي النيجر لأن الإنقلاب خارج نطاق تآمرهم علي النيجر ولا فعلوا مع فعلوه مع محمد إدريس ديبي الذي تولي السلطة في ندجامينا بالمخالفة لدستور تشاد الذي إصطنعه أبيه إدريس ديبي نفسه , فمجلس السلم التابع للإتحاد الأفريقي لم يتخذ قراراً بفرض عقوبات علي النظام القائم حالياً في تشاد كما تنص وثائق التجمعين الإقتصاديين لغرب ووسط أفريقيا أو ECWAS و ECCAS وكذا إعلان Lomé وكذلك الإتحاد الأفريقي ومجلس السلم نفسه (وفقًا للبروتوكول المتعلق بإنشاء مجلس السلم والأمن الأفريقي PSC يُشارك المجلس الإتحاد الأفريقي في عدد من السلطات مع رئيس اللجنة على وجه الخصوص لدي المجلس سلطة “اتخاذ قرار بشأن العقوبات عندما يحدث تغيير في الحكومة لا يتوافق مع الدستور في بلد ما”, ويمكنها أيضًا “فحص واتخاذ إجراءات (عندما) يتعرض الاستقلال الوطني أو سيادة الدولة للتهديد من خلال أعمال العدوان بما في ذلك من قبل المرتزقة” , كما أن للمجلس السلطة اللازمة “لرصد تعزيز الممارسات الديمقراطية والحكم الرشيد وسيادة القانون وحماية حقوق الإنسان والحريات الأساسية”) , وبيان مجلس السلم هذا حدث هام وفارق لذلك علق عليه الصحفي الفرنسي Nicolas Beau بقوله : “في طليعة الدفاع عن الديمقراطية في إفريقيا في العقد الأول من القرن الحادي والعشرين ، يتغاضى الاتحاد الأوروبي الآن عن الغش الانتخابي والتغييرات الدستورية في القارة لأسباب كثيرة منها الخوف من تنامي نفوذ تركيا وروسيا اللذان يسجلان نقاطًا لإفتقادهما الحريات العامة مما يوفر لهما حرية حركة في سياستهما الخارجية في أفريقيا وبقاع أخري بالعالم , فعلي سبيل المثال أعلن الدبلوماسي الأوروبي Josep Borrellأنه لن يكون هناك مراقبون أوروبيون في الانتخابات العامة المقرر إجراؤها في 5 يونيو في إثيوبيا إذ لم يحصل الاتحاد الأوروبي على جميع ضمانات حرية العمل لمراقبيه ومع ذلك قررت أوروبا الحفاظ على الدعم المالي البالغ 20 مليون يورو الممنوح للعملية الانتخابية الإثيوبية ، ويُضيف السيد Nicolas Beau أنه رغم كل التوقعات لم نسمع صراخ مفوضية الاتحاد الأوروبي ضد الانتخابات الرئاسية الكونجولية التي فاز بها Denis Sassou في مارس2021 بأكثر من 88٪ ، ولا ضد الانتخابات الرئاسية الجيبوتية التي كرست إعادة الانتخاب في أبريل 2012 إسماعيل عمر جيله بنسبة أكثر من 98٪ , فقد شاهدنا دون جدوى انتقادات من أوروبا ضد المهزلة الرئاسية التي فاز بها Patrice Talon في أبريل في بنين بأكثر من 86٪ من الأصوات وكذلك إنتخابات تشادالتي فاز فيها الرئيس الراحل إدريس ديبي إتنو بأكثر من 79٪ ولا مع تولي المجلس العسكري الانتقالي (CMT) السلطة في N’Djamena بعد وفاة إدريس ديبي إيتنو في 20 أبريل وهو الإنتقال الذي لم ير فيه الاتحاد الأوروبي أنه انتهاك خطير للديمقراطية وهذا الموقف من الإتحاد الأوروبي في مواجهة الانقلاب في تشاد يعكس الانحدار الذي إتضح خلال الانتخابات الرئاسية في الكونجو وجيبوتي وبنين والنيجر ليُؤكد أن هناك تغييراً ما في النموذج الأوروبي منذ وقت ليس ببعيد ، مع أن الاتحاد الأوروبي كثيراً ما دافع عن الديمقراطية في إفريقيا بل وذهب إلى حد جعل المساعدة المستمرة للبلدان مشروطة بإجراء انتخابات شفافة أو تنفيذ إصلاحات تضمن التعددية السياسية فبين عامي 1995 و 2005 ، تم تعليق المساعدات الأوروبية لتوجو لما يقرب من عشر سنوات للمطالبة بمبادرات سياسية قدمتها الدولة في نهاية المطاف لاستئناف هذا التعاون , لكن اليوم نجد أوروبا تتردد في لعب ورقة الحزم هذه خوفًا من تحول الأنظمة الاستبدادية إلى روسيا أو الصين أو تركيا , ويدرك بعض الديكتاتوريين الأفارقة هذا الخوف الأوروبي فيستغلونه , ومن خلال الاستسلام بسهولة لابتزاز الحكام المستبدين في بعض البلدان الأفريقية تخاطر أوروبا باستبعاد دعم المجتمعات المدنية الأفريقية التي لا تفهم سبب قيام المفوضية الأوروبية بالدفاع عن قيم الديمقراطية والحرية في اليونان والمجروبولندا بينما تُحجم عن ذلك في بنين و الكونجو و جيبوتي و تشاد وغيرهم .
7- إن طبقت عقوبات إقتصادية وأمنية علي النيجر من قبل الإتحاد الأفريقي والتجمع الإقتصادي لغرب أفريقيا والإتحاد الأوروبي وفرنسا والولايات المتحدة فسيسوء الموقف ويتردي أكثر في النيجر بإعتبارها محور مركزي لطرق الهجرة التي تربط غرب إفريقيا بالبحر الأبيض المتوسط فقد جعلت نفاذية الحدود الليبية النيجر موقعًا متقدمًا لسياسة الاتحاد الأوروبي (المناهضة) للهجرة على الجبهة الجنوبية – على غرار تركيا في الشرق , فقد تمكنت النيجر أيضًا من تقديم نفسها على أنها حصن للديمقراطية في منطقة ذات أهمية استراتيجية ومتنازع عليها تمتد على الساحل والصحراء وشمال إفريقيا وقد هزتها موجة من الانقلابات العسكرية والانقلابات منذ عام 2020 وأعتقد أن العقوبات – إن تماسك موقف إنقلابي النيجر – سوف تتفكك في المدي القصير بسبب خطورة موقف النيجر كمحطة رئيسية للهجرة غير النظامية , فالنيجر تعد فريسة كل عام لظاهرة التغير المناخي بسبب موجات الجفاف والتصحر اللتان تقذفان شعب النيجر في وهدة المجاعة وإنعدام الأمن الغذائي , فالتمسك برئيس لا معني له ولا ولاء له لسيادة بلاده علي أرضها وعلي قيم الولاء للدين والسيادة القومي أمر مُثير للتعجب فهو لا يساوي الآلام التي سوف يعانيها شعبه جراء العقوبات الإقتصادية , فالأفضل إمهال الإنقلابيين عام حتي ترتيب إنتخابات جديدة ربما تأتي بشخصية أقل ولاء لمصالح الغرب , وهذا مالن يحدث , لذلك سيظل الإنقلاب في مهب رياح قاسية ومدمرة آتية من الغرب .
8- رد فعل الجزائر سيكون من طبقتين الطبقة الأولي متماهية مع ما ينادي به تجمع إيكواس أي رد فعل قوي يدين الإنقلابيين لكن الطبقة التحتية ستكون مؤيدة للإنقلاب العسكري ذلك أن الرئيس المُطاح به كان أسير فرنسي طوعي وكان يصدع بما تأمر به فرنسا فيما يخص بلاده النيجر أو يخص دول الميدان المجاورة للنيجر وبالتالي كان لا يعتد عليه من قبل الجزائر التي كانت بحاجة لحليف قوي في النيجر لا شخصية فارغة كمحمد بازوم .
9-إنهارت أو كادت نماذج والأشكال الكرتونية لتعاون فرنسا مع مالي والنيجر وبوركينافاسو وأهمها الوكالة الفرنسية للتعاون الفني الدولي و Agence Française de Développement أوالوكالة الفرنسية للتنمية ومجموعة الساحل الخماسية G 5 SAHEL وتعد النيجر ومعها تشاد الدولتين الهامتين في هذه المجموعة وهي قوة علي أية حال تواجه مشاكل تمويلية وغير تمويلية حتي تبقي حية , وقد كان تراجع الموريتانيون عن حماسهم لإقامة قوة الساحل الخماسية لسببين رئيسيين هما (1) أن تشاد ظفرت بإستضافة مقري القوة المُشتركة مُتعددة الجنسيات MNJTF ونطاق عملها بحيرة تشاد ومحيطها وتنفذ حالياً عملية تحت مُسمي DEEP PUNCH IIضد جماعة Boko Haram , وكذلك مقر رئيسي قوة عملية Operation Barkhane الفرنسية في شمال مالي و(2) أن مشروع Marshall الذي كان يطمح في تحقيقه الرئيس الموريتاني تم تجاهله تماماً في عملية الترويج لإنشاء قوة الساحل الخماسية , ولذلك كان لتراجع موريتانيا مبرر ثم أثر سلبي , ذلك أن صحراءها نطاق حيوي لإنجاح إحكام إغلاق سبل الحركة الحرة للتنظيمات الإسلامية المُسلحة المُعارضة للوجود العسكري الفرنسي إذ أن الصحراء الموريتانية والمالية والنيجرية تمثل معاً وعلي شكل هلال من الرمال أو Barkhan (وقد يكون هذا هو السبب لتسمية العملية العسكرية كذلك لأن نطاق مهمتها الهلال الرملي الجامع لصحراوات دول ثلاث هي النيجر ومالي وموريتانيا) وهو النطاق الأهم في مواجهة هذه التنظيمات بل ومسرح واحد مُتصل للمواجهة , وكان في تراجع موريتانياعن موقفها ما يعني مباشرة ومن الوجهة العسكرية أن ضلعاً في المثلث الصحراوي كُسر , ولهذا عملت فرنسا علي إستعادة موريتانيا لتنضم للقوة , وبالفعل أعلنت موريتانيا في يونيو 2017 عن إنضمامها لقوة الساحل الخماسية بعد رفض ضمني كان وراءه توتر العلاقات الموريتانية الفرنسية , فقد توجه إليها في 19 أكتوبر 2017 مندوبو الدول الخمس دائمة العضوية بمجلس الأمن لإجراء مباحثات مع الرئيس الموريتاني ووزيري الخارجية والدفاع الموريتانيين تناولت سبل إنشاء وتمويل قوة الساحل الخماسية لمكافحة الإرهاب في الساحل الأفريقي ومناقشة وتقييم المقترحات المتعلقة بدعم القوة المشتركة بالساحل والعبات التي تقف في وجه تمويل إنشاءه , لتشاد دور محوري في تمركز إنتشار الجهد العسكري الفرنسي في منطقتي الساحل والصحراء , كما أن لدي تشاد نهم للمشاركة في قوات حفظ السلام الأممية والإقليمية علي حد سواء , فبجانب مشاركتها في القوة مُتعددة الجنسيات مع نيجيريا والنيجر وبنين والكاميرون , فقد أرسلت 2000 جندي تشادي لتعزيز الأمن علي أراضي النيجر وتحديداً في نقاط بمحافظة DIFFA والمُطل جزء منها علي بحيرة تشاد التي تعتبر منطقة توتر ومواجهات مع عناصر جماعة BOKO HARAM وذلك بناء علي إتفاق بين حكومتي تشاد والنيجر , وقد إنسحبت هذه القوة بشكل تدريجي من هناك في اكتوبر 2017 بعد هجوم لجماعة BOKO HARAM علي منطقة Bosso , وقد أشارت Reuters إلي أن حكومة تشاد لم تقدم سبباً لذلك الإنسحاب , الذي علق عليه الناطق باسم الحكومة التشادية ونشرته صحيفة LE FIGARO الفرنسية في 13 أكتوبر 2017 التي قالت ” لقد تمركزت هذه القوة في العمق كجزء من قوة الساحل الخماسية بين حدود ثلاث دول هي تشاد والنيجر وليبيا ” , إلا أن الوكالة ربطته بالقرار الذي إتخذته في 24 سبتمبر 2017 إدارة الرئيس Tramp بحظر دخول مواطني 6 دول منهم تشاد لأراضي الولايات المتحدة أي أن الإنسحاب التشادي جاء كرد فعل علي ذلك , وهو القرار الذي بررته الإدارة الأمريكية بأنه لتعزيز قدرات الفحص وعمليات الكشف لمحاولات دخول الإرهابيين ومُهددات الأمن العام الأخري للولايات المتحدة , كما أرسلت تشاد أيضاً عام 2016جنودها لمنطقةAdrar des Ifoghas الواقعة في إقليم أزواد بشمال مالي في بداية عملية Serval العسكرية الفرنسية التي تمركزت هناك بموجب قرار مجلس الأمن رقم 2085 بتاريخ 20 ديسمبر 2012 , ثم ألتحقت هذه القوة التشادية بقوة الأمم المتحدة متعددة الأبعاد بمالي Minusma (قتل منها 115 فرد خلال الأربع سنوات الماضية) ويمكن لهذه القوة الإنضمام لقوة الساحل الخماسية بمجرد إكتمال تمويلها لتكون القوة الرائدة Force belier وفقاً لبعض المراقبين ومن المتوقع أن تتمركز هذه القوة حينئذ علي بعد 2,000 كم شرقاً .
10- تعلم فرنسا بالطبع خاصة مؤسستها العسكرية أن منطقة الصحراء مليئة بالقوي العسكرية وكلها معنية بمجابهة “الجهاديين” كما تدعي كل منها , ومع ذلك إتجهت فرنسا بإصرار إلي إقامة قوة الساحل الخماسية , فهل مرجع ذلك إلي إعتقاد لديها بأن القوي الأخري أقل كفاءة أم أنها مُستقلة عن العسكرية الفرنسية , أما أنها رغبة في المزيد من عسكرة المنطقة أم جعل هذه المنطقة منطقة خطر عام ومُشترك لقوي أخري بداخل حلف شمال الأطلنطي وإمتداد لمنطقة جنوب المتوسط ومن ثم إدخالها في مفهوم ” الأمن الأوروبي ؟ , فهذا بالضبط ما سبق وأعلن عنه ولأول مرة Maurizio Massari المبعوث الإيطالي للشرق الأوسط عندما ربط منطقة الصحراء الكبري بمنطقة جنوب البحر المتوسط ودمجهما في مفهوم جيوبوليتيكي واحد هو ” البحر الأبيض المتوسط الكبير” أو” Greater Mediterranean Region ” وذلك في تصريح صحفي أدلي به في 9 أبريل 2012 أثناء زيارته للإمارات العربية المتحدة (لم يتكرر ترديد هذا المفهوم ثانية) , وأعتقد أن المُبرر من وراء إطلاقه هذا المفهوم الجديد هو إستراتيجية أمن الطاقة الأوربية حيث هناك الكثير من مشاريع الطاقة الكبري مُخطط إتمامها بهذه المنطقة منها مشروع توليد الكهراء من الطاقة الشمسية والذي بادرت به مؤسسة DESERTEC الألمانية والتي ستنقل الكهرباء المُولدة من الصحراء الكبري عبر كوابل لأوروبا مما سيغطي نحو 25% من إحتياجات الطاقة الكهربائية للإتحاد الأوروبي حال إتمامه ومن هنا كان لابد من المرونة المفاهيمية بالقدر الذي أنتج هذا المُصطلح الجيوبوليكي , فمنطقة الصحراء الكبري مناط إهتمام وبحث علمي للغرب وليه مشاريه إما فيها أو عابرة لها ولهذا فستظل منطقة تدخلات غربية إلي أن يجد العرب والأفرقة شخص محترم يعي ويدرك ما للسيادة علي الأرض والنفس من قدسية .
11- كلما زادت ضغوط فرنسا وإيكواس كلما تدنت قدرة الإنقلابيين في النيجر علي إتخاذ قرار مستقل عن مخاوف الغربيين والإيكواس أي أن هذه الضغوط هي التي ستدفع بصفة أولية الإنقلابيين علي الإنحياز لروسيا أو لقوات مرتزقة فاجنر إلا إذا كانت هذه هي رغبة الغربيين وخاصة فرنسا والولايات المتحدة لإستبدال إسطوانة الإرهاب بإسطوانة مرتزقة فاجنر , كذلك فزيادة ضغوط وعقوبات الغرب وإيكواس المُحتملة قد تقذف إنقلابيو النيجر علي الشاطئ الروسي , فموقع النيجر في قلب الصحراء الكبري سبب كاف لعدم الإنحياز للروس أو الغرب لكن تصاعد الضغوط عليهم قد يدفع بهم لخيارات غير مرغوبة منهم أصلاً واليورانيوم قد يكون الثمن الباهظ الذي علي فرنسا دفعه إن إستمرت في الضغط اللأخلاقي علي إنقلابيي النيجر وسبق أن فعلت ذلك مع رئيس النيجر الراحل Mamadou Tandja وللأسف قليلاً ما تستوعب فرنسا ضغوط الماضي رغم عراقة دبلوماسيتها .
المصدر: المركز الديمقراطي العربي
سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
تابعوا أحدث أخبارنا وخدماتنا عبر حسابنا بتويتر