الإعلام السعودي.. دراسة حالة في الأزمة القطرية | مركز سمت للدراسات

الإعلام السعودي.. دراسة حالة في الأزمة القطرية

التاريخ والوقت : الإثنين, 17 يوليو 2017

عبدالله الذبياني

 

موقف الإعلام السعودي والمحتوى الذي ظهر في الأزمة الخليجية وفي قطع العلاقات مع قطر، لا شك يحتاج إلى دراسة منهجية، ربما تكون ذات يوم، رسالة لنيل درجة جامعية، خاصة أن الإعلام المحلي لأول مرة في تاريخه – حسب علمنا واهتماماتنا – يصل إلى هذا السقف في القضايا السياسية، بل إن أحد المراقبين، يشير إلى أن السقف الذي وصله الإعلام السعودي في هذه القضية السياسية، تجاوز السقف الذي كان يفاخر به الإعلاميون الرياضيون.
الحديث عن الإعلام والمحتوى ليس بالأمر الهين، وهو لا شك، بحاجة إلى دراسة منهجية بأدوات محددة وفترة زمنية معينة. لكن، ربما من المقبول، الآن الحديث عنه كرأي فقط، وليس تحليلاً. واللافت أن الإعلام السعودي التقليدي (الصحف الورقية والقنوات الفضائية)، تفوقت بشكل كبير على (السوشل ميديا) والشبكات الاجتماعية المليونية، التي أصبح مشاهيرها غير مؤثرين إلا بنقل رسائل وسائل الإعلام.

هل قطع الإعلام السعودي خط الرجعة لنفسه في حال عادت العلاقات مع قطر؟ وماذا سيكون الحال حين تتراجع قطر وتوافق على الشروط الـ 13 المحددة من دول المقاطعة؟
في الحقيقة لا، لم يقطع الإعلام على نفسه خط الرجعة، وليس من مهمته أصلاً أن يضع في تصوراته هذه الاحتمالات، وما يترتب عليها مستقبلاً، لعدة أسباب، هي:

1 – عودة قطر في حال حدثت ستكون غير قطر التي جرت المقاطعة معها، وبالتالي فإن الإعلام بمحتواه الحالي يتحدث عن قطر الحالية، وليست قطر المرتجاة في البيت الخليجي، وحين تعود فالإعلام سيرحب بعودتها التي يفترض ألا تحدث إلا وقد تطهرت من عيوبها، ممثلة في تمويل الإرهاب واحتضان العناصر الإرهابية. (قطر ما بعد مقاطعة 2017 لن تكون قطر ما قبلها في كل الأحوال).

2 – الإعلام السعودي كان يدافع عن أمن الوطن وسيادته، فالأمر ليس خلافًا سياسيًا بين حكومتين أو دولتين على مصالح مشتركة أو غير مشتركة، بل إنه يمس الأمن القومي، ممثلاً في تورط قطر في التآمر لاغتيال الملك عبدالله، وتمويل إرهاب العوامية، وانقلاب الحوثيين في اليمن، وبالتالي فإن محتوى الإعلام ارتكن إلى هذه المعطيات. وعليه، فإن الدفاع عن أمن الوطن لا يقبل بأي حال من الأحوال حسابات خطوط الرجعة، وليس مطلوبًا من الإعلام والقيمين عليه، أن يضعوا في حساباتهم غير الوطن. ولم يكن مقبولاً من أي إعلامي مواطن، أن يحسب خط رجعته قبل أن يخطو خطوة دفاعًا عن أمن وطنه وسيادته. (لا حلول وسطية في الأمن الوطني).

3 – الإعلام السعودي ارتكن في محتواه إلى حقائق ووثائق، والحقائق تحرج المعني بها أو المدان فيها، وليس الناشر لها. فهذه الوثائق ستكون محرجة لقطر حين تعود للبيت الخليجي، وليس للإعلام الذي نشرها. (نشر الحقائق لا يترتب عليها أي وزر).

4 – الإعلام السعودي كوَّن رأيًا عامًا شعبيًا تجاه قطر، ووضعها مكشوفة الأطراف أمام المجتمعين السعودي والعربي. وبالتالي فإن الرأي العام الشعبي، هو الذي سيدافع عن الإعلام في حال تعرض للمساومة خلال التسوية أو المصالحة أو بعدها. (الإعلام شكل رأيًا عامًا عريضًا سيتولى الدفاع عنه). (سيكون هناك تبادل أدوار بين الإعلام والمجتمع).

5 – من المهم الإشارة إلى أن الإعلام السعودي، كان يكتب في فترة وأخرى عن ممارسات قطر خلال العقدين الماضيين حتى وعلاقاتها مع المملكة كانت في حالة طبيعية. وبالتالي فإن تحركه لم يكن صدفة، أو من فراغ. نذكر هنا مقالات الإعلامي قينان الغامدي، ومقالات رئيس تحرير صحيفة الرياض الراحل تركي السديري. (موقف الإعلام السعودي لم يكن اندفاعا وراء القرار الحكومي).

هذه في حال عودة قطر، لكن ما المكاسب التي تحققت للإعلام السعودي بشكل عام من هذه الأزمة:

1 – إن الإعلام أخذ القرار من داخله، حيث باشر الكتابة عن حالة قطر وتورطها في تمويل الإرهاب بعد ظهور تصريحات الشيخ تميم التي بثتها وكالة الأنباء القطرية، ثم تراجعت عنها، وقبل أن يصدر بيان الدول الأربع، هو بذلك كسب ثقة العمل في الجانب السياسي بعيدًا عن القرار الحكومي، فهو سبق القرار السعودي والخليجي الحاسم. (وهذه خبرة ستترسخ لديه وستكون أرضية لحالات مستقبلية فيما لو تكررت نفس الحالة مع دول أخرى.(

2 – أثبت الإعلام لصانع القرار السياسي، أن تركه يتحرك بمفرده ووفقًا لتقديراته الداخلية ورقابته على مصالح الوطن، هو أكثر نفعًا وأكثر وقعًا مما لو ارتكن لنقل البيانات الرسمية فقط. (ترسيخ استقلالية الإعلام).

3 – أثبت الإعلام السعودي، أنه يملك أدوات بشرية وطنية رفيعة المستوى، وهذا يحسب لوسائل الإعلام التي درَّبت وطوَّرت أدواتها. (الإعلاميون المواطنون أكثر معرفة بمصالحهم من الإعلاميين الذين يعملون بمقابل).

4 – استطاع الإعلام السعودي، التوفيق في محتواه بين مهمته السياسية الخارجية المتمثلة في الأزمة مع قطر، والإبقاء على المساحات المتعلقة بالمهم الداخلي كما هي. فما زال الحديث باقيًا عن القضايا المتعلقة بالصحة مثلاً، أو رسوم الوافدين، أو قبول الجامعات. (الإعلام يمارس مسؤوليته دون مواربة).

5 – ربما لمرات قليلة تلحظ في القضايا الخارجية، اختلاف وتنوع محتوى الإعلام السعودي، وهذا يعزز أن كل وسيلة كانت تعتمد على مصادرها وأدواتها وتحركاتها، وليس على المصدر الرسمي فقط. (تكريس السباق الإعلامي في الجانب السياسي وهو أمر لم يكن مشاعًا في الصحافة السعودية).

كاتب وباحث سعودي*
@abdullah_athe

النشرة البريدية

سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!

تابعونا على

تابعوا أحدث أخبارنا وخدماتنا عبر حسابنا بتويتر