سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
عساف المسعود
سواء نشأ أم لم نشأ، لن يستطيع أحد منا أن ينأى بنفسه عن كل تلك الأحداث السياسية من حولنا أي وبعبارة أخرى لا مفر لنا من الحديث عن السياسة أو التعاطي معها وفي حال أنك تحاول أن تتجنبها إلا أنه بشكل قطعي لا يمكنك أن تتجنب نتائجها. وهذا الكلام موجه لكل من يرى أن في الصمت عن قطع العلاقة مع قطر هو مسعى خير ومحاولة لعدم تصعيد التوتر. وبما أننا نتكلم عن التوتر فإن قطع العلاقات الدبلوماسية مع أي دولة يعني أعلى مستوى سلمي بل أخطر موقف سياسي سيادي تتخذه الدول مع بعضها.
لماذا تتخذ الدول قرار قطع العلاقات مع بعضها!
في الغالب لا الحصر يكون قطع العلاقات حق سيادي وهذا ما تقدره الدولة المعنية وتعتبر أي دوله حره في اتخاذ هذا القرار. وذلك حسب ميثاق الأمم المتحدة في مادته الحادية والأربعين. وتمثيلاً على ذلك فإنه في عام 1976 قرر المغرب قطع علاقته مع الجزائر بسبب اعتراف الجزائر باستقلال الجمهورية العربية الصحراوية المغربية أو كإنقطاع العلاقات العراقية الليبية في منتصف الثمانينات بسبب الدعم الليبي لإيران في حربها مع العراق(1)
كل تلك الأمثلة نجدها بشكل ما تجتمع في أسبابها في قطع العلاقات مع قطر والتي تقف بشكل مباشر وغير مباشر مع كل المتطلعين في إسقاط الأنظمة وذلك حسب اعترافهم بأنهم يمثلون (كعبة المضيوم) لكل ثائر على الأنظمة سواء كان لديه مبرر وقاعدة جماهرية كما في سوريا أو من غير مبرر كما في السعودية والبحرين . وقد حصل ما يشابه ذلك عام 1985 حيث قررت تونس قطع العلاقات مع سوريا بسب اتهامها بتحريض التونسيين على القيام بأعمال ثورية (2)
كما إن التقارب مع إيران والذي استندت عليه السعودية في قطع العلاقات يسبب حتماً خسارة مصالح اقتصادية وسياسية لدول الخليج حيث يعبر هذا التصرف القطري عن خرق واضح للمصالح المشتركة المتفق عليها ضمن دول مجلس التعاون ونجد لهذا المبرر في قطع العلاقات ووجه شبة في التاريخ المعاصر حيث قامت اليونان بقطع العلاقات مع أي دولة تعترف بدولة الاتراك القبارصة عام 1983 وبالفعل تم قطع العلاقات مع بنغلاديش لمجرد اعترافها بهم ، والصين أيضاً قامت بقطع علاقتها مع نيكاراجوا عام 1990 لاعترافها باستقلالها السياسي (3)
وفي الحالتين السابقتين يتضح لنا أن قطع العلاقات قد يكون بسبب مواقف سياسية.
خلفية استخدام مفردة (حصار) كل تلك الشواهد التاريخية في قطع العلاقات والحق القانوني في اتخاذ هذا الاجراء الدبلوماسي إلا أنه لم نشهد بأنه تم احلال مفردة (حصار) بدلاً عن قطع العلاقات الدبلوماسية لما فيه من المغالطة السياسية، لكن لماذا يحاول الاعلام والخارجية القطرية ترويج هذا المصطلح!
ولكي نفهم ذلك بشكل أكثر يجب في البداية فهم المصطلحات كونها أحد الأدوات السياسية للتكتيكات الاستراتيجية.
ولنبدأ مع تعريف قطع العلاقات الدبلوماسية والذي ورد فيه عدة تعاريف يكاد يكون أبرزها تعريف (Bastid باستيد) إذ عرفته بأنه “قرار تتخذه دولة ما بأن لا يكون لها ممثلون دبلوماسيين لدى حكومة أو دولة أخرى وبعدم استعدادها لاستقبال ممثلي هذه الأخيرة “(4)
أما (سيفز Sefz) فيعرفه بأنه “عمل انفرادي يعبر عن اختصاص تقديري للدول والذي معانيه وأشكاله طبقاً لأسباب ونيات الأطراف المعنية ، ويترتب عليه انتهاء مهمة البعثة الدبلوماسية الدائمة وبعض الآثار القانونية المحددة (6) ويلاحظ في كل تعريفات فقهاء القانون الدولي بأنه قرار انفرادي وسياسي للدولة .
أما تعريف (الحصار) فإنه بموجب القانون الدولي العرفي، فإنه يشكل عملاً من أعمال الحرب وينظم بالتالي وفقاً لقوانين الدفاع عن النفس (7) .
وبعد إيضاح التعريفات يكون السؤال التالي لماذا أرتأت قطر استخدام مفهوم (الحصار) ! والجواب أنه تم استخدام هذه المفرد كشعار للدعاية السياسية المضادة لقطع العلاقات، ومما لا شك فيه إن ما تمر به قطر من أزمة ليس حصار وذلك حسب الأعراف الدولية ومفاهيمها لكن يعزى ذلك حسب منطلقات الدعاية السياسية إلى محاولة التأثير على الرأي العام ومعتقدات الجماهير وذلك كون المستوى اللفظي في الدعاية السياسية يشكل الركيزة الأساسية. وقد تم استخدام هذه المفردة كون الجماهير العربية بالأخص تختزلها في العنف الإسرائيلي ضد الشعب الفلسطيني فتشكل وقع نفسي سلبي في الشارع العربي بل الدولي أيضاً.
بناء السلم والحرب في نفس المسار نلحظ أن هناك بعض الاتجاهات والأطراف يتحدثون عن إمكانية نشوء حرب بين الطرف المقاطع متمثل بالسعودية وبين قطر! وهنا ينشأ سؤال في العلاقات الدولية هل الحرب تؤدي لقطع العلاقات الدبلوماسية!، أم أن العكس صحيح وهي أن قطع العلاقات الدولية تؤدي للحرب!
وكون الموضوع لم يتم الفصل فيه وذلك لكون الشواهد التاريخية متباينة لاختلاف شكل ومضمون النزاعات مما لا يؤكد الشرطية أي بأن حدوث قطع العلاقات يؤدي للحرب والعكس ،وللتمثيل على ذلك نستشهد بما حصل بين المغرب والجزائر حيث لم يفضي قطع العلاقات الدبلوماسية عام 1963 إلا إعلان حرب، وفي المقابل اعلان الحرب لا يفضي لقطع العلاقات الدبلوماسية وهذا ما حصل في الحرب العراقية الإيرانية لمدة تزيد عن سبع سنوات والجدير بذكر هنا أن قطع العلاقات حسب الإحصاءات الدولية لا يؤدي الى اعلان الحرب بالضرورة.
وفي الحصيلة النهائية، السعودية من خلال أدائها المتوازن للشئون الخارجية لم تحاول إلى الان تدويل الازمة وذلك بأخذ موافقة وقرارمن المنظمات الدولية بقطع العلاقات، حيث صدر عن مسئوليها في عدة تصريحات أنها تفضل أن تحل الأزمة ضمن دول الخليج والدول المشاركة في قطع العلاقات كمصر وهذا ما اتفقت عليها عدة دول كبرى، لكن لا يزال لدى السعودية مشروعية قطع العلاقات وذلك بما تراه مناسب ووفق القوانين الدولية. أما خيار الحرب فإن ذلك مستبعد وفق المعطيات السياسية.
المراجع:
(1) محمد الأخضر كرام : قطع العلاقات الدبلوماسية المفهوم والأسباب
(2) أحمد أبو الوفا : قطع العلاقات السياسية
(3) إحاله للمرجع رقم (1)
(4) إحاله للمرجع رقم (1)
(5) إحاله للمرجع رقم (1)
(6) إحاله للمرجع رقم (1)
(7) موسوعة القانون الدولي العام المجلد الأول
باحث سعودي*
@AlmsaudAssaf
سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
تابعوا أحدث أخبارنا وخدماتنا عبر حسابنا بتويتر