الإسلاموفوبيا كأداة لمكافحة العولمة | مركز سمت للدراسات

الإسلاموفوبيا كأداة لمكافحة العولمة

التاريخ والوقت : الإثنين, 26 أغسطس 2019

عظيم إبراهيم

 

كثيرًا ما مثلَّت ظاهرة الإسلاموفوبيا مشكلة محلية بين المحافظين الوطنيين في البلدان التي يقطنها أعداد كبيرة من المهاجرين المسلمين. واليوم، ينبع الخوف من مبدأ تنظيمي لـ”محور الشر” الدولي، والمتمثل في القوى الشعبية القومية في العديد من البلدان التي لا يرجح أن يكون لديها مصلحة تذكر في دعم بعضها بعضًا، وإيجاد أرضية مشتركة وتنظيم تحالفات حول عداء مشترك تجاه المسلمين، بالتوازي مع القضايا المرتبطة بها، مثل: الهجرة، والاتجاهات الديموغرافية، والمؤسسات والقواعد الدولية الليبرالية… وغيرها.

وللتوضيح، يمكن الإشارة إلى – على سبيل المثال – إلى اجتماع “فيكتور أوربان”، زعيم إحدى الدول الصغرى بوسط أوروبا ليس بها مسلمون بين سكانها تقريبًا، مع “أونغ سان سو كي”، زعيم أحد البلدان المعزولة على الجانب الآخر من أوراسيا التي شاركت في الإبادة الجماعية ضد أكبر أقلية مسلمة، لمناقشة القضايا الوجودية لـ”تزايد عدد السكان المسلمين”، وما يعتبرونه “وسائل إعلام مزيفة ليبرالية غربية”. كما أنه من بين العقليات الشبيهة “ناريندرا مودي” من الهند، و”ماتيو سالفيني” من إيطاليا، و”دونالد ترمب” من الولايات المتحدة. وهؤلاء هم فقط المؤيدون لتلك الظاهرة ويوجدون في السلطة؛ إذ تعتمد شخصيات بارزة مماثلة على هذا الطريق للوصول إلى السلطة، وهو ما ينمو في عدد متزايد من البلدان، ومنها النمسا وفرنسا وألمانيا ودول البنلوكس والدول الإسكندنافية، وبشكل متزايد في جنوب شرق آسيا والصين.

كل ذلك يأتي مع تحركاتهم المحلية وفي خطبهم، بما يرسخ العداء تجاه المسلمين في إطار موجة أوسع من معارضة الهجرة والقيم الليبرالية. وباستثناء النظرة المشتركة إلى الإرهاب، قد لا يتشارك هؤلاء السياسيون الكثير من الرؤى المشتركة للعالم، بل حتى عندما يكون لديهم مصالح مشتركة عملية.

إن التقارب الغريب حول هذه المسألة بين هذه الحركات المختلفة في مثل هذه البلدان المتباينة، إنما يمثل – بطبيعة الحال – ظاهرةً معقدةً ذات روابط سببية متعددة ومتنوعة وردود أفعال أيضًا. هنا يمكننا تسليط الضوء على عاملين: أحدهما يمثل عامل دفع، والآخر عامل سحب.

أمَّا عامل الدفع فهو أننا نعيش في دولٍ غير مستقرة سياسيًا على نحو ما. فمع ظهور الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي، قمنا بالدفق المباشر وغير المنظم للمعلومات بين معظم مواطنينا؛ وهو ما يخلق بيئة معلومات غير مستقرة حيث يصعب الوصول إلى الواقع الفعلي لمعظم الناس، كما يتم الترويج للوقائع البديلة و”الحقائق البديلة” أيضًا ثم بيعها. ولا تحتاج نماذج الأعمال الخاصة بالوسائط في هذه البيئة إلى أي علاقة بالواقع الفعلي، ولكن يمكنها بدلاً من ذلك الاستفادة من اقتصاد الخوف؛ حيث تقوم بعض وسائل الإعلام عادةً بالقيام بدعم مطالبات غريبة وتغذية آلة الغضب.

ويقترن ذلك بالتزام أيديولوجي بمفهوم الديمقراطية، الذي يمكّن الفرد من أي توجه يختاره، مما يحثه على توقع فلسفة قائمة على منطق “رضاء العميل” من السياسيين. وإن تحقيق ذلك من خلال الحملات سيكون أمرًا مستحيلاً حتى لو اتفق الناخبون بكاملهم على الواقع وما يأملون في تحقيقه من خلال الممارسة الجماعية للسياسة العامة في هذا الواقع. لكن الناخبين لا يتفقون على ما يريدون تحقيقه، ونادرًا ما يتفقون على حقائق أساسية مثل تهديدات تغير المناخ أو فعالية اللقاحات.

وإذا كانت السياسة هي نشاط تنظيم المصالح الجماعية للمجتمع، فإن زعزعة استقرار الواقع هذه تشل إمكانية السياسة ذاتها. وفي ظل هذه البيئة، يتم دفع القادة السياسيين للتوصل إلى أي طريق ​​يمكن أن ينظم مجتمعاتهم نحو رؤية أو هدف مشترك.

وبالنسبة للبعض، فإن تلك الروايات تدور حول الخوف من الإسلام، إذ على المستوى الأساسي، نجد أن القصص الأكثر فاعلية تميل للتنسيق السياسي نحو نسج قصص ضدنا. وكما يوحي علم النفس الاجتماعي، فإن الفروق داخل المجموعة وخارجها مسألة متأصلة في النفس البشرية بواسطة قوى لا تقل قوة عن التطور نفسه. فهذا الاتجاه، من وجهة النظر التطورية، يعد وسيلة أسرع بكثير وأقل استهلاكًا للوقت من أجل تشجيع البشر على التعاون. فعلى سبيل المثال، يتطلب أو ينتظر من جميع الأفراد تطوير تقدير مفصل والتنوير حول كيفية التعاون والسلوك العام المؤيد للمجتمع يفضي إلى مصلحة الفرد الذاتية.

ولجعل قصة “نحن ضدهم” تبدو فعالة بشكل ما، يحفر القادة في اتجاه الخير مقابل الشر. ذلك أن الاختلافات الدينية تعد طريقة سهلة لتأكيد البعد الأخلاقي للصراع وتحفيز أعداد كبيرة في إطاره.

لقد حدد بعض القادة السياسيين الإسلام باعتباره “الجانب الشرير” في هذه القصة. هذا الاختيار له علاقة أقل بالمنطق الخاص بحساباتهم فيما يتعلق بالحادث التاريخي. كما أن هناك جانبين من التاريخ ينطويان على أهمية خاصة. فمن الناحية الأولى فإن الإسلام هو أحدث الديانات الكبرى التي ظهرت بشكل كبير في المركز الجغرافي للكتلة الأرضية الأوراسية، كدين لدولة إمبراطورية توسعية وناجحة جدًا. ومنذ البداية، كان شكَّل أداة سياسية لكل من مؤيديه العرب في الإمبراطوريتين الأموية والعباسية ولمعارضيه في أوروبا المسيحية وآسيا الهندوسية / البوذية.

ومن ناحية أخرى، نجد الهيمنة الثقافية والسياسية بلا منازع في حقبة ما بعد الحرب الباردة، ذلك أن الولايات المتحدة، على الرغم من قِصَر تاريخها مع الإسلام، تعاملت مع الدين بشكل سلبي منذ هجمات 11 سبتمبر على مدينتي نيويورك وواشنطن العاصمة.

لقد أدى الخطاب الذي تبنته الولايات المتحدة وتصرفاتها في أعقاب تلك الهجمات، التي ارتكبها 19 رجلاً يعملون بالنيابة عن تنظيم القاعدة الإرهابي، إلى رفع مستوى الإسلام إلى مرتبة العدو رقم 1 للمجتمع الثقافي العالمي الذي ترأسه القوة العظمى الوحيدة. وقد كان الكثير من العالم القديم في أوروبا وآسيا سعيدًا جدًا بمفاجأة الأفكار المسبقة القديمة والعداء تجاه الإسلام لكسب التأييد مع الهيمنة.

وفي التحليل الأخير، يعتبر الإسلام هدفًا في عالم مزعزع للاستقرار بسبب الثورات التكنولوجية والاتصال، بل إنه يتجه نحو الانهيار البيئي بشكل متزايد.

لقد كان الشعبويون القوميون مستعدين بالفعل نحو القبائلية ويبحثون عن كبش فداء. لكن السمة الغريبة لهذه اللحظة في التاريخ هي أن معظم الدول تشعر بالضعف بشكل متزايد بسبب التقاء الأسباب التكنولوجية والبيئية والسياسية. إذ يشعر مواطنو الولايات المتحدة غير الخاضعين للتنظيم، والجمهورية الهندية المنقسمة، وتراجع أوروبا القديمة، والدول المستعمرة السابقة غير المستقرة ، بعدم الأمان بشكل متزايد، وأصبحوا بالتالي عرضة للغرائز القبلية والحلول “السهلة” التي يقدمها الشعبويون. وفي هذا السياق، كان الإسلام، وهو دين ليس له شخصية مركزية ولديه القدرة على تحديد ما يمثله بالنسبة لبقية العالم، هدفًا سهلًا للشك بالنسبة لمعظم الناس خارج العالم الإسلامي. وبالنسبة للكثيرين، فإن هذا هو الهدف الأكثر وضوحًا.

فالعديد من التحديات التي تواجه عالمنا اليوم تعد تحديات عالمية، فتغير المناخ، واستنزاف الموارد، والانتشار النووي، وتنامي نزعات عدم الاستقرار الجيوسياسي وما إلى ذلك؛ هذه كلها مشاكل معقدة في حاجة لحلول معقدة. علاوة على ذلك، فإن هناك خلافات عميقة على المستوى العالمي حول تحليل تلك المشكلات وطرق حلها.

إن الإسلام كتحدٍّ عالمي هو فكرة بسيطة تكمن في أن “المسلمين شريرون وخطرون”. إذ يبحث الزعماء السياسيون عن قصة بسيطة لتنظيم مجتمع على رؤيتهم، كما أن السياسي لديه قلق ولا يتحلى بالصبر أو الاهتمام بالتعامل مع التحديات المعقدة والحلول التي تتطلب التضحية، حيث يميل إلى اللجوء إلى الإسلاموفوبيا كعكاز سياسي.

لكن سياسة “كبش الفداء” لا تحل الأزمات. فالتركيز على التهديدات المزعومة يهدر الطاقة السياسية اللازمة لمواجهة التحديات الوجودية من تغير المناخ إلى نضوب الموارد. فالمسلمون ليسوا خارج دائرة غزو الغرب. ذلك أن ما يهدد الغرب هو موجات التوتر غير المسبوقة، وارتفاع مستويات البحار، والجفاف، والدوامات القطبية، والأعاصير المتكررة، وحرائق الغابات الضخمة. فأي قدر من السياج الحدودي يمكن أن يوقف هؤلاء الغزاة. في حين يمكن أن تتوقع الأمم الغنية أن تعاني معاناة الناس من البلدان الفقيرة. وبدلاً من التركيز على المشاكل الفعلية، يخترع الشعبويون أعداء أسهل في المواجهة، ربَّما لإخفاء العجز أو عدم وجود حلول حقيقية للمشاكل الحقيقية.

 

إعداد: وحدة الترجمات بمركز سمت للدراسات

المصدر: موقع جامعة يل الأميركية

النشرة البريدية

سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!

تابعونا على

تابعوا أحدث أخبارنا وخدماتنا عبر حسابنا بتويتر