الإرهاب ينبت في آسيا | مركز سمت للدراسات

الإرهاب ينبت في آسيا

التاريخ والوقت : الثلاثاء, 26 سبتمبر 2017

محمود غريب

 

بعدما ضاقت الشرق الأوسط على التنظيمات الإرهابية، وعلى رأسها تنظيما «داعش» و«القاعدة»، ولَّت وجهها شطر آسيا، التي تعتبر مصنع المقاتلين الأجانب في صفوف التنظيمين في سوريا والعراق.

الصور التي انتشرت عقب إعلان زعيم تنظيم «داعش» الإرهابي أبو بكر البغدادي، دولة الخلافة الإسلامية المزعومة بالعراق في 29 يونيو 2014، لعناصر التنظيم، وقد غطَّت لحاهم وجوههم، جمعت في أغلبها ملامح شرق آسيوية، ما طرح تساؤلاً وقتئذٍ عن مصدر هؤلاء المقاتلين: متى جنَّدهم التنظيم؟ وكيف استقطبهم إلى العراق وسوريا؟ وربَّما كان التنظيم – إذا صح التعبير – يُعتبر مصنع إنتاج المقاتلين الأجانب في دول شرق آسيا التي تعتبر – أيضًا – أرضًا خصبة لتمدده، أو ربَّما البديل الجاهز حال تقهقر في دولتي المنشأ.

أضف إلى ما سبق، أن الظهور الأبرز والمبايعات الأكثر حضورًا لـ«داعش» في تلك الفترة، في أعقاب حملة إعلامية شرسة دشنها التنظيم، وقعت في قارة آسيا، وتحديدًا في دول الجنوب الشرقي؛ وهو ما يفسر هرولة التنظيم صوب تلك الدول، لتصبح – لاحقًا – دولة بديلة لخلافة التنظيم.

اعتمدت التنظيمات الإرهابية في انتشارها بآسيا على عدد من الشخصيات التي عُرفت في أوساط الجماعات الإسلامية بأنها – إن صح التعبير – مرجعية حركية، من بينهم: بحرون نعيم، الذي ساهم في تمدد التنظيم بشكل ملحوظ في إندونيسيا، ومحمد علي تامباكو، وعثمان باسط عثمان، المتخصص في الفلبين، وهما من أكثر العناصر الإرهابية المتخصصة في صنع القنابل، فضلاً عن اعتماده على مقاتلين عائدين من سوريا والعراق قدِّروا بعشرات الآلاف.

«القاعدة» و«مرحلة التأهيل»

وفي ظل انشغال العالم بمواجهة تنظيم «داعش»، استغلت «القاعدة» خفوت الأضواء عن آسيا، وبدأت تنشط بشكل واسع من خلال إعادة صفوفه مرة أخرى في شمال إفريقيا، وتحديدًا ليبيا. فالآلاف من الجهاديين الذين دخلوا ليبيا عام 2015، وكان يُعتقد أنهم تابعون لـ«داعش»، في الحقيقة كانوا تابعين لتنظيم القاعدة، ويجري الآن إدماجهم في التنظيم.

في المجمل، فإن التوجه نحو دول شرق آسيا، يمكن قراءته على أن تنظيمي «داعش» و«القاعدة» تعرضا لخسائر لم يتوقعها التنظيمان في العراق وسوريا وليبيا، جعلته يفكر سريعًا في أقرب الحلول التي باتت الأنسب في تلك المرحلة، بالنظر إلى وجود بيئة مناسبة لاستقرار تلك التنظيمات، وحاضنة فكرية في دول جنوب شرق آسيا أكثر من تلك الموجودة في مناطق النزاعات، وهو ما يمكن توصيفه على أنَّه «مرحلة تأهيل» للعودة من جديد إلى الشرق الأوسط أكثر قوة وشراسة، وفق رؤية تلك التنظيمات.

الخلافات الحكومية والتمدد الإرهابي

التنظيمات الإرهابية تضع على رأس أولوياتها، في سياق رسم مخططاتها للتمدد، المناطق التي تشهد أزمات داخلية بهدف استثمارها وتحويلها لصالحها، وكذلك المناطق التي توجد بها جماعات إرهابية مسلحة بهدف استقطابها، وهما العاملان المتوفران في أغلب تلك الدول، حيث تعيش الفلبين – على سبيل المثال – منذ عقود، حروبًا ما بين الحكومة المركزية، وجبهة المورو التي تطالب بالاستقلال.

كذلك تستغل الجماعات الإرهابية، الخلافات بين الدول الثلاث: الفلبين، وإندونيسيا، وماليزيا، حول مسائل سياسية تتعلق بالسيادة والحدود الجغرافية، ما يشكل عاملاً إضافيًا يسهل من خلاله تنقل المسلحين بين الدول الثلاث، خاصة أن جماعات إسلامية تنشط في المناطق الحدودية، منذ سنوات، مستغلة غياب التنسيق الأمني.

أزمات الأقليات المسلمة

وبقراءة الفكر الحركي والأيديولوجي للجماعات المسلحة في عمومها، نجد أنها لعبت على وتر «أزمات الأقليات المسلمة» بدول آسيا، وتدخلت في إطار «من يحمي المسلمين من بطش أعدائهم»، حيث بدأت تجنيد عناصر جديدة، ساهم في تمدد التنظيمات بشكل يسير وسريع في آن معًا.

ويرتكز التنظيم على الرصيد غير القليل في صفوفه من مقاتلي دول شرق آسيا، خاصة ماليزيا، وإندونيسيا، وسنغافورة، والفلبين، إضافة إلى أن تلك الدول تعج بجماعات متشددة، لديها القابلية للاندماج للعمل مع تلك التنظيمات الأكثر ظهورًا وانتشارًا، وهو ما حدث بالفعل، حيث استقرت فلول تلك التنظيمات الهاربة من سوريا والعراق بتلك الدول.

دعم مالي ولوجيستي

تقرير صدر عن «معهد التحليل السياسي للصراعات»، ومقره جاكرتا، قال: إن القيادة المركزية لتنظيم «داعش» في سوريا، قامت بتحويل مبالغ مالية تُقدَّر بمئات الآلاف من الدولارات، إلى مسلحين في الفلبين على مدار العام الماضي. كما ذكر التقرير، أن محمود أحمد، أحد قيادات تنظيم «داعش» الماليزيين المقيم بجزيرة مراوي الفلبينية، يعد إحدى حلقات التسلسل القيادي والاتصال بالقيادة في سوريا، المسؤول عن الحصول على التمويل وتجنيد الشباب من مختلف الجنسيات؛ لمساعدة المسلحين بالداخل في السيطرة على إقليم في البلاد، وللانطلاق منه لتحقيق حلم دولة الخلافة. وذكر التقرير، أن التنسيق الدولي لقادة «داعش» مع مسلحي جنوب شرقي آسيا، قد يؤدي إلى تزايد التهديدات لدول الجوار الإندونيسي.

العائدون من سوريا والعراق

عدد المقاتلين الآسيويين في صفوف الجماعات المسلحة – على سبيل المثال – سواء «داعش»، أو نظيره، وفق تقرير لمكتب الأمم المتحدة لمعالجة المخدرات والجريمة في جنوب شرق آسيا، قُدِّر بحوالي 516 إندونيسيًا، و100 فلبيني، و100 ماليزي، وهم فقط من استطاعوا الرحيل إلى سوريا والعراق. وعادت تلك الأعداد – على الأغلب – أضعافًا مضاعفة إلى موطنهم الأصلي بالطريقة التي فروا بها من بلادهم؛ قياسًا على ما حدث بعد انتهاء الحرب الأفغانية مع السوفييت، إذ عاد المقاتلون إلى بلادهم، وشكلوا نواة لتنظيمات مسلحة مدربة على العمليات العسكرية، والقدرة الهائلة على تصنيع المتفجرات والألغام.

22 جماعة في جنوب شرق آسيا

إزاء ما سبق، فإن التنظيمات المسلحة، تمتلك من الأتباع والأرضية والبيئة الخصبة، ما يجعل أول تفكيرها، الذهاب إلى «بلاد أصدقائهم»، لا سيما أن عددًا كبيرًا من التنظيمات المسلحة، أعلنت في السابق مبايعتها للتنظيم، ووصل عددها إلى 22 جماعة في جنوب شرق آسيا، ومن بينها جماعة «أبو سياف»، التي تستقر في جنوب الفلبين، والتي بايعت التنظيم في 25 يوليو 2014، بزعامة أسنيلون هابيلو، وتعدُّ من أكثر التنظيمات الإرهابية دموية وشراسة، إضافة إلى جماعة «أنصار الخلافة»، التي بايعت التنظيم في أغسطس 2014، وتوجد في المنطقة نفسها (جنوب الفلبين)، وبات تنظيم «داعش» الأم، يديرها بشكل مباشر عقب مقتل قائدها، جعفر مجيد، مطلع العام الجاري.

وفي الهند، تعتبر جماعة «أنصار التوحيد»، أكثر الجماعات التي بات تنظيم «داعش» يعتمد على عناصرها بشكل واسع؛ كونها من الجماعات التي تحمل طابعًا أكثر تشددًا، حيث تدعو دائمًا إلى شن هجمات على غير المسلمين.

أما جماعة «مجاهدي شرق»، فإنها من الجماعات التي بنت فكرها في البداية على أفكار تنظيم «القاعدة»، قبل أن تعلن في يوليو 2014، مبايعتها لـ«داعش»، وتسكن جبال جزيرة «سولويزي» بشرق إندونيسيا. ويتوقع البعض أن يكون مقاتلون هاربون من سوريا والعراق، قد استقروا بصحبتها.

وفي باكستان، أعلنت جماعة تطلق على نفسها «تحريك الخلافة»، مبايعتها لتنظيم «داعش»، وبدا أن التنظيم اعتمد عليها بشكل واسع، خاصة بعد تبنيها عددًا من العمليات والتفجيرات في مدينة كراتشي ومدن أخرى.

الوسطاء والمؤسسون

محمد رفيع الدين، القيادي البارز في تنظيم «داعش»، ماليزي الجنسية، شكّل حلقة وصل كبيرة وساعد على انتقال التنظيم من مقر دولة الخلافة (العراق)، إلى ماليزيا، عندما عاد من العراق في يونيو 2016، وأسس جماعة «مجاهدي ماليزيا»، يُعتقد أنها قِبلة التنظيم حاليًا.

وفي باكستان أيضًا، فإن تنظيم «جند الله»، الذي بايع «داعش» في نوفمبر 2014، بعدما مرَّ بمراحل مختلفة من التغير الحركي في أعقاب انشقاقه عن حركة طالبان، أسهم في اجتذاب عدد كبير من عناصر حركة طالبان إلى صفوف «داعش»، وظهر ذلك في مقاطع بثها التنظيم لعناصر من حركة طالبان تعلن مبايعتها لـ«داعش»، وقد ظهر في أحدها القيادي بـ«جند الله» فهاد مروات؛ وهو ما يفسر الدور الذي لعبه الأخير وعناصر جماعته في مساعدة تنظيم «داعش» على التمدد في باكستان بشكل واسع. إضافة إلى جماعة «أبطال الجسر الإسلامي» بخراسان، التي أعلنت بيعتها في 30 سبتمبر من العام نفسه، و«الحركة الإسلامية» بأوزبكستان، التي أعلنت مبايعتها في الشهر نفسه.

مؤشرات على التمدد

ثمة مؤشرات عديدة، تنتهي جميعها إلى أن التنظيمات الإرهابية، آخذة في التمدد الكبير بدول آسيا، خاصة الشرق منها، إذ رصدت وحدة ميدانية تابعة لمؤسسة الأزهر الشريف بمصر، في أحدث تقرير لها بعنوان «تنظيم داعش ينشط في شرق آسيا»، أن التنظيم يسعى بعد تمدده في العراق وسوريا وليبيا، لإنشاء أذرع آسيوية، لإقامة «خلافة نائية» بعيدًا عن مركز الأحداث في الشرق الأوسط، وهي المعلومات التي أكدها – أيضًا – مكتب المدعى العام الأسترالي، في تقرير سابق له، في ديسمبر الماضي، عندما قال إن «داعش» حدد إندونيسيا كأرض ممكنة لتحقيق طموحاته.

وخلال السنوات القليلة الماضية، أصبح وجود الجماعات الإسلامية المسلحة، ملموسًا في إندونيسيا، ويتعرض بعضها لاتهامات بأنها على علاقة بالقاعدة، ومنها الجماعة المسؤولة عن تفجيرات جزيرة «بالي» الدموية عام 2002. وما يساعد في ذلك، أن آسيا تضم مسلمين أكثر من العالم العربي، فمثلاً: إندونيسيا، أكبر دول جنوب شرق آسيا من حيث عدد السكان (تضم أكثر من 250 مليون نسمة)، وهي أيضًا أكبر بلد إسلامي في العالم من حيث عدد السكان.

وعندما تفقد التنظيمات الإرهابية، أكثر من 300 قتيل (بحسب بيانات الجيش الفلبيني) من صفوفها، خلال المواجهات التي نشبت في مراوي بالفلبين، فإن عدد المقاتلين الأصليين في تلك الدولة، يبلغ ثلاثة أضعاف من قتلوا، ما يشكل تحديًا أكثر تشاؤمًا لأجهزة الأمن.

وحتى وقت قريب، كان في مدينة «بندر بارو بانغي» الماليزية، محل تجاري يبيع منتجات للمعجبين بالإرهاب والتنظيمات الإرهابية، كأعلام تنظيم، وقمصان سوداء مع بصمة كلاشينكوف، وشعارات تنظيمي «داعش» و«القاعدة».

تحركات حكومية

السلطات الإندونيسية استشعرت من جانبها الخطورة، فاتخذت عدة خطوات إيجابية على الأرض لوقف تمدد التنظيمات الإرهابية، فقيَّدت حركة التنقل بينها وبين الدول، كما أغلقت وزارة الإعلام المسؤولة عن شؤون الإنترنت، عددًا من المواقع الإلكترونية التي تنشر العنف والتطرف، كما أوقفت الحكومة بعض خدمات المحادثات والرسائل عبر الإنترنت.

وكذلك قالت إندونيسيا وماليزيا والفلبين، إنها ستقوم بدوريات جوية مشتركة على حدودها المشتركة في بحر «سولو»، إضافة إلى الدوريات البحرية الحالية. كما قامت إندونيسيا وماليزيا والفلبين، بمساعدة سنغافورة المجاورة بدوريات بحرية في بحر «سولو» منذ العام الماضي.

وتضم المنطقة 600 مليون نسمة، وتشمل في دولها، إندونيسيا، وهي أكبر دولة إسلامية من حيث عدد السكان. وقالت السلطات في إندونيسيا وماليزيا، إن آلافًا من مواطني البلدين، متعاطفون مع الدولة الإسلامية، ومن المعتقد أن مئات سافروا إلى سوريا للانضمام إلى جماعات متشددة.

مصادر:-

1- http://www.elwatannews.com

2- http://www.dostor.org

3- https://www.alhurra.com

4- https://aawsat.com/home/article

5- http://www.akhbaralaan.net/news

6- http://www.alghad.tv/

7- المصدر نفسه

8-youm7

9- http://www.dw.com/ar

10-  https://ara.reuters.com

باحث في الشأن السياسي العربي*

@eldaramy12

النشرة البريدية

سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!

تابعونا على

تابعوا أحدث أخبارنا وخدماتنا عبر حسابنا بتويتر