سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
طه علي أحمد
منذ تأسيسها عام 1928 وضعت جماعة الإخوان مع السلطة القائمة نصب عينيها هدفًا منشودًا على الدوام، فالجماعة التي اتخذت من الشعارات الدينية غطاء لها في مغازلة الجماهير، دخلت في علاقات متشعبة مع رجال السياسة أينما حل رجالها.
علاقة الإخوان بالسلطة غلب عليها الطابع النفعي الذي يغلب المصلحة على ما سواها، الأمر الذي جعل المداهنة والنفاق إحدى استراتيجياتها في التعامل مع الحكام.
انطلقت الجماعة تجاه السلطة من خلال عدد من الأسس الفكرية التي يرصدها “يرتشارد ميتشال” وو”جيمس جانكويسكي” في كتاب (الإخوان والشيطان الهيكل السري للتنظيم) فيما يلي:
أولاً، دعم النظم القائمة بشكل كامل ما دامت تلك النظم لا تعادي الجماعة صراحة، وما دام ذلك النظام – أيضًا – يمكن التسلل له عبر ثغرات مثل استبداده الذي يمهد الطريق لتسللهم من خلال المحتجين في الشوارع.
ثانيًا، التسلل الخفي للنظام ومحاولة تغييره من الداخل، فإن استعصى لا تتوقف المحاولة، لكن يتم التعامل مع النظام بناء على صفقات أو ترضيات، ومن الجانب الآخر يعملون بالشارع بحيث يكونون جبهة قوية به تفيد وقت الحاجة.
ثالثًا، الإخوان لا يغيرون الأنظمة، بل يحيون معها ويحاولون إصلاحها (من وجهة نظرهم) وتعديلها لرؤيتها، لكن التخطيط للانقلاب أو الثورة مرفوض.
رابعًا، في حالة الصدام مع النظام وحدوث أمر يقود لتغيير، فإن الإخوان يتعاونون مع الطرفين، فهم مع الثوريين بالشارع، بينما مع النظام كذلك لعقد صفقات، وفي كل الأحوال لا يقبل الإخوان مشاركة ولا مناصفة، بل حكم إخواني وإرادة صريحة.
خامسًا، اليسار لا يصلح معهم، أمَّا اليمين فهم جزء منه، لكنهم اليمين الديني، وممكن التعامل مع اليمين العلماني في مواجهة اليسار، وفي كل الأحوال طالما السلطة لا تعاديهم فهم يقدمون العلاقة مع الحاكم على كل الاتفاقيات.
سادسًا، تعدد صور نفاق الجماعة تحت قيادة حسن البنا، ومن بعده للسلطة في العهد الملكي، فقد دعمت الجماعة فكر الخلافة في مواجهة الدولة المدنية الوطنية، وربطت هذه بطلبات منها منع التبشير الأوروبي في سلسلة مقالات بعنوان (لا زلتم للإسلام زخرًا)، ووصفوا الملك فاروق بسمو النفس وعلو الهمة وأداء الفرائض واتباع الأوامر واجتناب المعاصي، ثم نشروا مقالات بعنوان (جلالة الملك المثل الأعلى لأمته)، ووصفوه بالغيور على الدين.
انطلاقًا من تلك الأسس تبنت الجماعة استراتيجيات قائمة على النفاق والمداهنة تجاه الأنظمة الحاكمة منذ نشأتها، وهو ما ظهر بوضوح خلال السنوات الأولى لتأسيس الجماعة، وتحديدًا من خلال مؤسسها حسن البنا، الذي اختار صف السلطة (القصر الملكي) القائمة في مواجهة كافة القوى الوطنية التي كانت تناضل ضد الاستعمار آنذاك، فقد كتب مقالاً في جريدة الإخوان بعنوان (حامي المصحف) يستقوي فيه بالملك فاروق على مواجهة خصومه السياسيين، حيث يصف البنا الملك فاروق في مقاله بأنه “من اختاره الله للهداية، واعتبر الإخوان في مقالات لهم بمناسبة زواج الملك أنهم (يهبونه الروح)”.
تعدد المواقف السياسية التي اتسقت مع ذلك النهج من جانب الإخوان، فخلال المؤتمر الرابع لجماعة الإخوان، الذي عقد في 29 يوليو 1937 حشدت فيه الجماعة حوالي 20 ألف فرد وهتفوا مبايعين الملك وتوافدوا على قصر عابدين رافعين الشعارات المعبرة عن ذلك.
وتحت عنوان (الفاروق يحيي سنة الخلفاء الراشدين) ذهبت مجلة النذير في مايو1941 ولسان حال الإخوان أن فاروقًا هو من يحيي سنة الخلافة الراشدة، كما أصدر مكتب الإرشاد تعليمات لكافة فروع الجماعة بالخروج لتحية الملك في كل محطة قطار يمر بها. وفي 29 أغسطس من نفس العام نشرت المجلة ذاتها صورة للملك فاروق وبيده سبحة داخل مسجد تحت عنوان (الملك المحبوب أيده الله)، وفي نفس العدد نشرت صورة للملك وهو ملتح تحت عنوان (القدوة الصالحة).
وحينما حلت ذكرى ميلاد الملك عام 1954، نشرت جريدة الإخوان صورة له مذيلة بعنوان (عيد الملك هو عيد الشعب والحب الذي يكنه الشعب للملك لم يمنحه لأحد قبله)، جاءت تلك المواقف المتضامنة مع القصر في إطار مواجهة الجماعة مع الحركة الوطنية المصرية التي كانت تناضل ضد الاستعمار، فيما يمثل نهجًا تاريخيًا اتبعته جماعة “البنا” في كل المراحل التالية.
خلال حرب 1948، وقبل أن تقوم السلطة بحل جماعة الإخوان نشرت صحيفة الجماعة تقريرًا تقول فيه “أحلى صورة كملك مصر المفدى، وأظهرت الحرب هامته بفخار تزهو به مصر ويباهي به التاريخ فقُدنا يا مولاي ما شئت فالأمة من ورائك”.
بعد مقتل البنا واصلت الجماعة مسيرة النفاق والتقرب من السلطة بأي وسيلة، فبمجرد تعيين المستشار حسن الهضيبي مرشدًا للجماعة، ذهب لقصر عابدين في 14 نوفمبر 1951 ليوقع في سجل تشريفات القصر ويؤكد على تأييد الجماعة وطاعتها للملك. وفي مواجهة المظاهرات التي اجتاحت الشوارع المصرية احتجاجًا على الأوضاع في البلاد بعد حريق القاهرة، زار مرشد الجماعة “الهضيبي” قصر عابدين ليسجل في التشريفات استنكاره للهجوم على الملك ويعلن تبرؤ الجماعة من تلك التظاهرات.
شكل آخر اتخذته علاقة الجماعة بالسلطة حينما كانت يعجز النفاق، ألا وهو العداء والخصومة المفرطة؛ فالجماعة التي ظنت أن علاقتها بقيادات ثورة يوليو 1952 يمكن أن تفتح لها المجال للوصول إلى هرم السلطة في مصر، صدمت بتصلب الرئيس الأسبق جمال عبدالناصر حينما رفض مطالبهم بالتحكم في مقاليد السياسة المصرية آنذاك، الأمر الذي اتبعته الجماعة بأشد أشكال العداء، فلم يتركوا نقيصة إلا وألصقوها بجمال عبدالناصر، فمن الكفر بالله والردة عن الإسلام إلى العمالة للمخابرات الأميركية والشيوعية العالمية في الوقت ذاته، إلى الادعاء بأن والدته يهودية الأصل رغم أنها من أسرة مصرية مسلمة.
الحال نفسه اتبعته الجماعة مع السلطة الحاكمة في مصر عشية ثورة 30 يونيو، حيث تجاوزت في عدائها للسلطة ورجالها كل ما سبق من أشكال، لم يقتصر ذلك على كيل الاتهامات وترويج الشائعات المشينة على الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي لدرجة الزعم بأن والدته يهودية كما الحال مع عبدالناصر سابقًا، بل وصل الحال إلى مهاجمة الدولة المصرية في الداخل والخارج.
أخيرًا، تنوعت أشكال علاقة الإخوان بالسلطة ما بين التأييد لحد النفاق، إلى المعارضة لحد العداء المطلق لتبقى صحوة المصريين الأخيرة في 30 يونيو أشد الأزمات التي تطيح بالجماعة التي أوشكت على المحطات الأخيرة من عمرها لتدخل التاريخ من أسوأ صفحاته.
باحث ومحلل سياسي
سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
تابعوا أحدث أخبارنا وخدماتنا عبر حسابنا بتويتر