الأوبئة والخبرة التاريخية.. تعامل الإدارة البريطانية مع الجدري في الهند خلال القرن 19م | مركز سمت للدراسات

الأوبئة والخبرة التاريخية.. تعامل الإدارة البريطانية مع الجدري في الهند خلال القرن 19م

التاريخ والوقت : الثلاثاء, 12 مايو 2020

د. عبد الله عيسى

شهد العالم على مر العصور العديد من الأمراض والأوبئة الفتاكة، كانت بعضها أوبئة محصورة بدول أو نطاق جغرافي معين، وكان بعضها أوبئة عالمية، أو ما يطلق عليه “جائحة”. وحصدت تلك الأمراض أرواح عشرات بل مئات الملايين من البشر؛ وتسببت في تغيرات ديموغرافية، اجتماعية، واقتصادية في العالم بأسره، بل ومنها جوائح غيرت مجرى التاريخ.

وقد اختلفت طرق التعامل مع تلك الأوبئة والتصدي لها باختلاف الحقبة الزمنية، والإمكانيات المتاحة، كما تباينت الآثار التي خلفتها هذه الأوبئة على المجتمعات التي اجتاحتها.

وسنحاول في هذه الدراسة الوقوف عند وباء الجدري الذي حصد أرواح كثيرة على مرَ التاريخ، ويعتقد أنه ظهر أول مرة في مصر القديمة، قبل نحو ثلاثة آلاف سنة. وفي الهند، منطقة دراستنا كان منتشراً بكثرة، خاصة خلال القرن 19م، لدرجة أنه وصف من أعنف الأمراض التي تعرض لها الجنس البشري؛ فقد ظل يشغل مكانة مهمة بالنسبة لموقف كل من الهنود والبريطانيين من المرض وعلاجه والوقاية منه.

فما هي تداعيات هذا الوباء على المجتمع، وما هي علاقة هذا المرض بالطقوس المحلية؟ وكيف تعاملت الدولة الاستعمارية البريطانية مع للحد من وباء الجدري؟ وهل وظفت هذا الطب لتدعيم سيطرتها الاستعمارية في الهند؟ هذه هي مجمل الأسئلة التي سنعمل على مناقشتها والإجابة عنها في هذه الدراسة المتواضعة.

لقد كان وباء مرض الجدري بالنسبة للكثير من أطباء القرن 19 البريطانيين، هو كارثة الهند؛ لأنه كان واحد من أعنف وأقصى الأمراض التي يتعرض لها الإنسان، وهو مسؤول عن عدد من الضحايا يفوق ضحايا كل الأمراض الأخرى مجتمعة، ويفوق حتى الكوليرا والطاعون في طبيعته المرضية الصعبة، فمات بسببه عدد كبير من الناس خلال القرن 19. وإلى جانب ذلك، فإنَ الجدري ينتج عنه أيضاً تشوهات دائمة في الكثير ممن يبقون على قيد الحياة بعد الإصابة به، فاعتبر مسؤولاً عن ثلاثة أرباع حالات العمى في الهند.

تلك هي إذاً، كانت نظرة أطباء الإدارة الاستعمارية البريطانية نحو هذا المرض، وهي نظرة لا نستبعد أن تكون مبالغة فيها نوعاً ما، لتحقيق أهداف غير معلنة، ألا وهي تعزيز الوجود البريطاني في الهند.

على أنَ إرتفاع معدل الوفيات وإحداث أوجه عجز دائم لم يكونا كل ما ميز الجدري، كمرض له أهميته الخاصة بالنسبة للهند في القرن 19؛ فقد ظل هذا الوباء يشغل مكانة مهمة بالنسبة لموقف كل من الهنود والبريطانيين، من المرض وعلاجه وطرق الوقاية منه. والجدري كان من أسهل ما يمكن التعرف عليه من الأمراض الوبائية في الهند، كما أنه كان في الوقت ذاته، من أشدها قسوة، وكان له تمثله على نحو واسع في المعتقدات والطقوس الدينية، فكان له آلهته التي تعبد في الواقع في معظم أنحاء الهند.

المرض والطقوس في الهند: أية علاقة؟

يعتقد كثير من الباحثين أنَ مرض الجدري كان موجوداً منذ قديم الزمان بين شعوب جنوب شرق آسيا، مستشهدين في ذلك، على وجود إشارات وهي مكتوبة باللغة القديمة (السنسكريتية)، توحي بوجود مرض يسمى بـ (ماسوريكا). ولكن حدة المرض لم تكن ثابتة، وإنما كنت تتراوح حسب السلالات الفيروسية، وحسب تغير درجة استهداف المرض للبشر. وإنَ وباء الجدري كان قليل التأثير في منطقة البنجال. لكن في القرن 18م، وهو القرن الذي ستتعرض فيه هذه المنطقة إلى اعتداءات خارجية متمثلة في غارة مارثا، والتدخل البريطاني، اللذان مزقا المجتمع الريفي، وتسببا في العديد من المجاعات والهجرات، كل ذلك ساعد في سرعة تفشي مرض الجدري بين الناس. ولذلك يمكننا القول، أنه كان هناك علاقة وثيقة ومترابطة بين تفشي الاوبئة والأمراض من ناحية، وبين المجاعة والإضراب والتفكك السياسي من ناحية أخرى.وبذلك يكون البريطانيون ساهموا بشكل أو بآخر في تفشي هذا الوباء في الهند، لأسباب وأهداف قد يكون لها نزعة استعمارية توسعية، ستظهر أكثر وضوحاً خلال القرن 19.

ومرض الجدري يتبع دورة أقصر وأسهل من حيث التنبؤ به؛ على الرغم من أنه كان مرضاً متوطناً في معظم أنحاء الهند، كان يعود بشكل وبائي له قوته كل أربعة إلى ثمانية أعوام، وله أيضاً دورة موسمية لافتة، فهو يزداد انتشاراً بين شهري فبراير ومايو؛ لدرجة أنه أصبح معروفاً في شرق الهند باسم “المرض الربيعي”، ثم ينحسر مع فترة الرياح الموسمية، ليصل إلى أقصى انحساره السنوي في أكتوبر ونوفمبر. وكما لعب المناخ دوراً في تفشي أو نقص هذا الوباء، فيزداد نشاطاً وتكاثراً في الجو الجاف أكثر من الجو الرطب، كما هناك تأثيرات أخرى مرتبطة بالذهنية الهندية، وبالعادات الاجتماعية والثقافية.

وبخصوص إحصائيات معدل الوفاة في الهند خلال القرن 19، فإنه يصعب علينا معرفتها معرفة دقيقة، نتيجة لعوامل عديدة، منها على سبيل المثال، عدم وجود قاعدة بيانات دقيقة وثابتة   لأعداد الوفاة، إلا أننا نجد تراجعاً ملحوظا في معدل الوفاة؛ فبعد أن كانت الوفيات تبلغ) 44 ‘1) مليون حالة في بين عامي 1868ـ 1877، و (46’ 1) مليون حالة بين عامي 1878ـ 1887، انخفض معدل الوفاة إلى (96’0) مليون حالة بين عامي 1887ـ 1888، وإلى ( 83’0) بين 1898ـ 1907.

وإذا كان مرض الجدري قد تسبب بموت عدد كبير من الهنود، فإنه أيضاً مخيف جداً حتى بالنسبة للأوروبيين المقيمين في الهند، وخاصة البريطانيين؛ فكانوا يفرون من بيوتهم من شدة ذعرهم من هذا الوباء، ولا يرجعون إليها حتى ينتهي أو يتقلص هذا الوباء.

وفي عام 1850، حدث وباء في منطقة كلكتا أُدخل على أثره 76 أوربياً إلى المستشفى العام في المدينة، فتوفي منهم جراء هذا المرض قرابة 20 مواطنا؛ كان أغلبهم من الفقراء، والجنود والبحارة، أما الأوروبيون الأغنياء، فيعتقد أنهم كانوا محميين من المرض، ليس بسبب التطعيم أو اللقاح، وإنما أيضاً بسبب اتساع بيوتهم، وعدم مخالطتهم للهنود بشكل مباشرة. فهذه الإجراءات حقيقة، تذكرنا ما نعيشه اليوم من جائحة عابرة القارات، ولا تميز بين أحد، لا غني ولا فقير، ولا كبير ولا صغير، ألا وهي جائحة كورونا، التي أثارت الذعر والهلع والخوف بين سكان العالم.

في الوقت الذي أدرك فيه رجال الإدارة البريطانية، أنه من الصعب تجنب مخالطة الأوروبيين بالسكان المحليين من الهنود، اتجهوا إلى بناء حزام صحي حول المجتمع الأوروبي، حيث كان أول من يتم اختيارهم للتطعيم وأخذ اللقاح ضد الجدري، هم أولئك الهنود المقربون أكثر للبريطانيين، مثل الخدم، والجنود، والعاملين في المزارع الأوروبية.

أما بخصوص العلاقة التي ربطت مرض الجدري بالمعتقدات القديمة في الهند، فيمكننا القول، أنَ معظم الأوروبيين المتواجدين في الهند خلال القرن 19م، كانوا يؤمنون بالنظرة العلمانية  إلى الجدري، ولهذا تكيفوا بسهولة في العقود التالية مع نظرية الجراثيم كسبب للمرض، وأنه لا بد من البحث عن دواء يوقف هذا المرض.  أما بالنسبة للهنود، فكان هذا المرض يحمل معنى دينيا قويا، مرتبط ارتباطاً وثيقا بالمعتقدات القديمة؛ فيعتقدون أنَ الآلهة  التي يعبدونها وتدعى (ستيالا) هي المسؤولة عن جلب أو منع هذا المرض من الانتشار، وكانت تقام احتفالات سنوية لتكريم الآلهة في أرجاء كبيرة في شرق وشمال الهند، أثناء فصل الربيع؛ وهو الفصل الذي يشتد فيه ويكثر مرض الجدري، وكانت تقام أيضا في هذا الوقت مواسم للآلهة (ستيالا)، ويتوافد إليها أعداد كبيرة من الناس؛ وخاصة النساء والأطفال إلى المزارات المقدسة للآلهة.

خلاصة القول، يتبين لنا مما سبق ذكره، أنَ معظم سكان الهند كانوا يؤمنون بمعتقدات خاصة بهم تتمثل بالآلهة، ويعتقدون أنَ هذه الآلهة لها قدرات خارقة؛ فهي القادرة على شفائهم من الوباء، أو هلاكهم. وهذه الأفكار في الواقع لا تقتصر على الهنود فحسب، بل كانت منتشرة في مجتمعات أخرى في العالم، بما فيها أوروبا نفسها.

أما بالنسبة للأطباء البريطانيين، والمبشرين، ورجال الإدارة خلال القرن 19، فكانوا يرون أنَ هذه المعتقدات والمفاهيم ما هي إلا خرافات ولا تمد للطب بصلة، وما هي إلا برهاناً على خمول الهنود وجهلهم، بل هي جزء من الجانب المظلم في العقيدة الهندوسية. وهذه النظرة جعل البريطانيين في موضع لا يمكنهم فهمه، من عناد الهنود، وتمسكهم بمعتقداتهم البائدة، والتي جعلت كثير من الهنود يتهربون من عملية التطعيم الذي اتخذته السلطات الاستعمارية للحد من انتشار وباء الجدري.

التلقيح المباشر بالجدري (التجدير): النتائج والعقبات 

إنَ التلقيح المباشر بالجدري كان له عدداً من الملامح والمظاهر، منها على سبيل المثال، أن هذه الطريقة كانت في نظر الهنود مرتبطة في الجانب الديني ارتباطا وثيقا، فأثناء عملية التلقيح تقام الشعائر والصلوات التي تتضرع للآلهة (ستيالا)، للحصول على خيراتها الوقائية، كما كانت تقدم قرابين أخرى لـ (ستيالا) عند شفاء أحد الاطفال من الجدري. كما إنَ التلقيح المباشر بالجدري كان له مختصون به، يسمون بـ (تيكادار)، أو صانعي العلامات.

وعلى اعتبار أن مرض الجدري وباءاً شاملا؛ فإن التطعيم المباشر بالجدري كان يمارس على نطاق واسع المجال، حتى في أواخر القرن19 نجد له صدى كبير؛ ففي عام 1871 كان عدد العاملين بالتلقيح (تيكادا) في شمال البنجال يبلغ قرابة عشرين عاملا. وكما أجرت حكومة البنجال عام 1873م، إحصاء عن التطعيم كشف عن أنه من بين 11305 من الافراد الذين فحصوا ضد مرض الجدري، نجد أنَ 57 % منهم قد تمَ تلقيحهم، وأنَ 35’15%  تعافوا من الوباء بعد إصابتهم به، واكتسبوا بالتالي مناعة طبيعية ضد الوباء. ولاشك أنَ التلقيح المباشر بالجدري، لم يعرف حدة انتشاره في كل أرجاء الهند؛ ولكن الأرقام والإحصائيات التي ذكرناها تعطينا بعض المؤشرات والدلائل عن حجم المهمة التي واجهها طب المستعمرات عند محاولته أن يحل محل منافسه المحلي.

على الرغم من أنَ اللقاح المباشر بالجدري قد حقق بعض النتائج، وجنى بعض الثمار من حيث تقليص عدد الوفيات، أو على الأقل التحكم بوباء الجدري ومنعه من الانتشار، إلا أنه في الجهة الأخرى، يسجل بعض الأطباء البريطانيين آثار سلبية بعد إجراء اللقاح، مما يُعرض المريض بعد الشفاء إلى خطر نوبة مرض يحتمل أن تكون مميتة. وبالإضافة إلى ذلك، فإنَ المريض عند اعطائه حقنة يظل المرض بنفس القسوة، وتكون له قدرة على نشر الجدري مرة ثانية، فكان لا بد على حكومة البنجال التفكير في بديل آخر لمحاربة وباء الجدري، فاتجهت إلى تجنيد وتدريب التيكادار للعمل في مجال التطعيم، عسى أن يعطي النتائج المرجوة.

التطعيم كوسيلة للحد من الجدري

إنَ مرحلة التطعيم ضد وباء الجدري كانت تنذر ببداية مرحلة جديدة وحاسمة في تطور الطب البريطاني في الهند؛ فخلال القرن 19م كان الأطباء يقتصرون في عملهم حسب احتياجات مجتمعهم الخاصة، والجنود البريطانيين، وأفراد الهنود الذين تستخدمهم شركة الهند البريطانية الشرقية، ولم تكن هناك أية محاولة لجعل الطب في متناول الجميع. كما عرفت تلك الحقبة، جهل عميق بالأمراض الأخرى المنتشرة في الهند، وكذلك بالحالة الصحية لمعظم السكان. وقد تمَ إدخال نظام التطعيم في الهند في وقت حساس للغاية؛ حيث شهدت تلك الفترة تنامي التوسع في الممتلكات /المستعمرات/ البريطانية في جنوب آسيا، فأخذ الحُكام الجدد للهند يدركون حاجتهم الماسة إلى معرفة المجتمع وعاداته وتقاليده، بصورة أكثر وضوحاً، وخاصة توسيع معرفتهم بأسباب الوفيات، وطبيعة البيئة المرضية في الهند.

لقد كان البريطانيون يعلقون آمال كبيرة على استخدام نظام التطعيم، للحد من وباء الجدري؛ فرصدوا له ميزانية كبيرة بلغت حوالي (7 آلاف جنيه استرليني) خلال عام 1805، كما كانوا يتوقعون في الوقت نفسه، أن هذا النظام سيلقى ترحيباً وإقبالاً من قبل الهنود، لكن هذه الآمال سرعان ما بدأت تتبخر؛ نتيجة تخوف وتذمر الهنود من هذه الطريقة، لدرجة أنهم طلبوا من البريطانيين أن تبقى عملية التطعيم محصورة بالأوروبيين المقيمين في الهند فقط. نلاحظ إذاً، أنَ انعدام ثقة الهنود بالبريطانيين كانت حاضرة بقوة، لا بل وصلت إلى درجة الكراهية ضدهم؛ مما سيؤثر كثيراً على جهود البريطانيين أثناء عملية التطعيم، وتقويض جهودهم التي كانت محل شك من جانب الهنود؛ لذلك نجد المدير العام للتطعيم وهو بريطاني الجنسية، يلقي اللوم على الهنود لرفضهم وجهلهم بالتطعيم، الذي وصفه بأنه ((قيمة لا تقدر))، وفرصة لا تُضيع.

يمكننا القول، كانت هناك أسباب أخرى لابتعاد وعزوف الهنود لعملية التطعيم، ذلك بأن التطعيم بخلاف التلقيح المباشر بالجدري، الذي كان يعطى عادة للأطفال الذي هم فوق سن الخامسة، فأما التطعيم فكان يعطى للأطفال الصغار تحت سن العام، فهذا ما جعل الأمهات ينفرن منه، باعتقادهن بأنَ هذا السن لا يتناسب مع عملية التطعيم، خوفاً من تعرض أطفالهن للوفاة. على أنَ أحد الاعتراضات الكبرى لعملية التطعيم، هو أنه كان في نظر الهندوس يتسم بالعلمانية، وبالتالي ليس هناك استعدادات  وطقوس إلهية أو كهنوتية يؤديها الكهان لمنح الاطمئنانية أثناء وبعد عملية التطعيم، وإجراء مثل هذا الفعل (الغير ديني) في نظرهم، يعتبر إساءة للآلهة، وهو بلا شك أبعد من أن يتفق مع التصور الديني للمرض والطب عند الهنود.

كما أنَ عملية التطعيم كانت تثير الشكوك لدى الكثير من الهنود حول طبيعة الحُكم البريطاني، وأهدافه. وكان هناك أيضاً اعتقاد بأنه ثمة فائدة شخصية من جانب البريطانيين، على حساب الهنود، لدرجة أنه كان يُقال أنَ هذه العملية ما هي إلا محاولة متعمدة لانتهاك العقيدة الهندية، ونشر الديانة المسيحية بين الناس.

كانت هذه التصرفات والآراء التي تحفظ بها الهنود في رفضهم لعملية التطعيم، كان ينظر إليها من جانب الإدارة البريطانية، والأطباء ما هي إلا إضافة أخرى لجحود وجهل الهنود. على أننا عندما ننظر إلى هذه الأمور بطريقة أكثر تعاطفاً، سنجد أنها تشهد على عمق وتباين عدم الثقة بالحُكم البريطاني، وتبني نظرية استغلال الطب لتمرير السيطرة والتحكم في البلاد.

خاتمة

تبين لنا من خلال هذه الدراسة، أنَ وباء الجدري كان متفشياً بكثرة بين الهنود، ولكن في ظل غياب معطيات إحصائية دقيقة خلال القرن 19، يصعب علينا معرفة عدد الوفيات جراء هذا الوباء. لكن الأكيد لدينا، أنه ترك العديد من التداعيات والآثار السلبية على المجتمع الهندي. كما أنَ الجدري أنتشر أيضاً داخل أفراد الجالية الأوروبية المقيمة في الهند وخاصة البريطانية منها؛ فكانت تشعر بالذعر والخوف منه، مما جعل هذا الوباء يحتل مكانة معتبرة عند كل من الهنود والبريطانيون، ولو أنهم اختلفوا في النظرة إليه، وكيفية علاجه والوقاية منه.

فالشفاء وطرق الوقاية من هذا المرض لدى الهنود، كان مرتبطاً حسب معتقداتهم بالآلهة، و التقرب إليها؛ فهي بنظرهم المسؤولة عن كل ما يتعلق بهذا المرض، فكانت تقام للآلهة العديد من الحفلات والشعائر السنوية، لتكريمها في أرجاء كبيرة في شرق وشمال الهند. أما البريطانيون، فكانت نظرتهم إلى الجدري مختلفة عن نظرة الهنود، فكانوا يميلون إلى النظرة العلمية الطبية البحتة، للحد من هذا الوباء. وقاموا بالعديد من التدخلات والإجراءات الطبية، بدءاً بالتلقيح المباشر ومروراً بالتطعيم للحد من هذا الوباء، لكن هذه المحاولات اصطدمت بالكثير من العراقيل والإشكاليات، بعضها مرتبط بالآثار والعقبات السلبية التي رافقت عمليتي التلقيح المباشر والتطعيم، وأمور أخرى مرتبطة بعقلية الهنود، وعدم تقيدهم بالإجراءات التي قامت بها الإدارة البريطانية في الهند، التي قوبلت بالرفض في أغلب الأحيان، نظرا لانعدام الثقة بالجانب البريطاني وبإجراءاته، والتي قد تكون ـ بنظرهم ـ لها أهداف خفية تتعلق بتوطيد الوجود الاستعماري في الهند.

المصدر: المركز العربي للبحوث والدراسات

النشرة البريدية

سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!

تابعونا على

تابعوا أحدث أخبارنا وخدماتنا عبر حسابنا بتويتر