الجمعية العامة للأمم المتحدة | مركز سمت للدراسات

الأمم المتحدة وحتمية الإصلاح

التاريخ والوقت : الخميس, 29 أكتوبر 2020

مانجيف بوري

 

تحدث رئيس الوزراء “ناريندا مودي” في الأمم المتحدة مرتين خلال الأيام الأخيرة. وكانت إحداهما في اجتماع خاص بالذكرى الخامسة والسبعين لتأسيس المنظمة الدولية، بينما كانت الأخرى في الخطاب السنوي أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة.  وفي كلتا المناسبتين، شدد “مودي” بقوة على الحاجة إلى إصلاح الأمم المتحدة وإلا ستنتقل الأمور إلى ما بعد ذلك.

لقد بلغت الأمم المتحدة 75 عامًا هذا العام، ولكن بدلاً من الاحتفالات الكبرى، شهد العالم الجمعية العامة للأمم المتحدة فارغة حيث يخاطبها قادة العالم عبر الفيديو. وقد يكون التباعد الاجتماعي الذي فرضته جائحة “كوفيد – 19” هو السبب المباشر، لكن الأمم المتحدة تتعرض أيضًا لضغط غير مسبوق حيث تتجلى عدم قدرتها على مواجهة تحديات العالم المعاصر، سواء كانت الأوبئة، أو تغير المناخ، أو الإرهاب، أو السلام والأمن العالميين؛ وهو ما يظهر بشكل أساسي عدم كفاية الهياكل الرئيسية الحاكمة للأمم المتحدة، وكذا الحاجة للإصلاح.

لقد تأسست الأمم المتحدة في عام 1945 على أساس قاعدة التعددية بين الدول الأعضاء في عمليات التصويت. ومع ذلك، فإن أدوات اتخاذ القرار الفعالة في الأمم المتحدة تتمحور في خمسة بلدان، هي الخمس الدائمة العضوية في مجلس الأمن، والتي تمتلك حق النقض (الفيتو). إن قوة هذه الدول الخمس وتأثيرها ليس بحكم الأمر الواقع فحسب، بل أيضًا بحكم القانون لأنه، كما تنص المادة 25 من ميثاق الأمم المتحدة، “يوافق أعضاء الأمم المتحدة على قبول تنفيذ قرارات مجلس الأمن”، وذلك على عكس قرارات الجمعية العامة للأمم المتحدة غير الملزمة.

وهناك ثلاث من هذه الدول هي: الولايات المتحدة، والمملكة المتحدة، والاتحاد السوفييتي سابقًا (روسيا الآن)، كانت المنتصرة الفعلية في الحرب العالمية الثانية. وقد تمَّ إشراك فرنسا بناءً على إصرار المملكة المتحدة، وتمَّ دفع الصين من قبل الولايات المتحدة بسبب مساعدتها في الحرب ضد اليابان وروابطها القديمة عبر المحيط الهادئ. هنا يمكن القول بأن تصوير بكين لنفسها على أنها عضو مؤسس في الأمم المتحدة يتجاهل حقيقة أن هناك قرارًا صدر عام 1945 كان يتعلق بجمهورية الصين التي ظهرت لاحقًا على مسرح الأمم المتحدة عندما بدأت الولايات المتحدة الاعتراف بها بحكم الأمر الواقع.

وكانت الولايات المتحدة هي الفاعل الرئيس بالأمم المتحدة، حتى لو كان هناك بعض تقاسم السلطة مع الاتحاد السوفييتي خلال الخمسين عامًا الأولى من عمر المنظمة. لكن الصعود الاستثنائي للصين تحدى هذه الهيمنة.

على الجانب الآخر، نجد الهند في حالة فريدة من نوعها كونها عضوًا مؤسسًا في عصبة الأمم، السابقة للأمم المتحدة، وذلك على الرغم من أنها ليست مستقلة. وبالمثل، أصبحت الهند عضوًا في ميثاق الأمم المتحدة. أمَّا باكستان، فقد انضمت في سبتمبر 1947 بعد التقدم بطلب عضوية المنظمة.

ويختلف عالم اليوم بشكلٍ كبيرٍ عما كان عام 1945. فألمانيا واليابان، اللتان تمَّ استبعادهما من ترتيبات ما بعد الحرب العالمية الثانية باعتبارهما “أعداء” أصبحتا من بين أكبر الاقتصادات وأكبر المساهِمات في الأمم المتحدة. والهند، التي كانت مستعمرة – آنذاك – هي الآن خامس أكبر اقتصاد في العالم. وقد انتقلت نقطة ارتكاز العالم من المحيط الأطلسي إلى المحيطين الهندي والهادئ، فأصبحت إفريقيا وأمريكا اللاتينية في نطاقها. إن الهيئات والائتلافات الإقليمية تعدُّ مهمة، لكنها لا يمكن أن تنتج مشاركة عالمية فاعلة. وبالتالي، فإن وجود أمم متحدة مسألة حتمية.

لقد وضع الخلاف بين الولايات المتحدة والصين منظمة الأمم المتحدة في حالة من السكون البطيء. وبالتالي، ينبغي التغلب على تلك الحالة، حيث الأساس في ذلك يكمن في توسيع القطبية في الجزء الأعلى من أهم جهاز لاتخاذ القرار والتأثير بالمنظمة، وهو مجلس الأمن الدولي. وبالطبع، فإن ثمة حاجة أيضًا إلى العديد من التغييرات الأخرى التي تشمل أيضًا عمل الأمم المتحدة، ولكن معظم هذه التغييرات سوف تنبع من توسيع قاعدة صانعي القرار الرئيسيين.

وبالنسبة لدولة كبرى مثل الهند، فإن المشاركة في الأغاني والرقص الدبلوماسية للقضايا المعاصرة يعدُّ أمرًا مهمًا، لكن وجودها المؤسسي في الهياكل الحاكمة أمر بالغ الأهمية، وقد ظلت الأفكار المتعلقة بإصلاح مجلس الأمن الدولي قيد المناقشة منذ بعض الوقت. وفي عام 2005، اقترح الأمين العام للأمم المتحدة – آنذاك – “كوفي عنان”، في تقريره الأساسي نموذجين، يتضمن كلاهما توسيع مجلس الأمن الدولي إلى 24 عضوًا في فئات مختلفة. وكان أحد الاقتراحات يتعلق بستة أعضاء دائمين جدد وثلاثة أعضاء غير دائمين جدد. واقترح آخر نص على إنشاء ثمانية مقاعد في فئة جديدة من الأعضاء، ومقعد طويل الأجل قابل للتجديد، بالإضافة إلى مقعد غير دائم إضافي.

إن الهند، إلى جانب ألمانيا واليابان والبرازيل، أعضاء بمجموعة تعرف باسم “مجموعة الأربعة” G-4 التي تضغط من أجل توسيع العضوية الدائمة في مجلس الأمن الدولي. وهناك قضية شائكة وهي المقعد (أو المقاعد) الدائم لإفريقيا مع عدم وجود بلد واضح بذاته، في حين يوجد ما لا يقل عن ثلاثة إلى أربعة دول تطالب به. وهناك أيضا مسألة تمديد حق النقض المهم للغاية إلى الأعضاء الدائمين الجدد. فقبل بضع سنوات، وبهدف الاستمرار، كانت هناك اقتراحات في مجموعة الأربع لنبذ استخدام حق النقض لمدة 15 عامًا للأعضاء الدائمين الجدد.

ومن ناحية أخرى، شكلت مجموعة من الدول المتوسطة بقيادة باكستان وإيطاليا والمكسيك وتركيا وغيرها مجموعة تعرف باسم “الاتحاد من أجل الإجماع”، حيث يرفضون حقًا التغيير الفعال ويقترحون فقط توسيع العضوية غير الدائمة إلى 20 بدلاً مما هي عليه الآن.

إن فوائد وحتمية التوسع في العضوية الدائمة واضحة يمكن أن يدركها الجميع، ولا سيَّما مع مثال مجموعة العشرين في مجال الاقتصاد. لكن تغيير الوضع الراهن ليس بالأمر السهل مع عدم ميل الدول الخمس الكبرى لمشاركة المخطط القانوني للحوكمة العالمية وغيرها، لا سيَّما فيما يخص البلدان المتوسطة.

ويجب أن تُتخذ القرارات المتعلقة بتوسيع مجلس الأمن الدولي أولاً في الجمعية العامة للأمم المتحدة، وسيتطلب قرار تعديل الميثاق التصويت الإيجابي بأغلبية ثلثي الجمعية العامة. بعد ذلك، سيكون من المتعين التصديق على تعديل ميثاق الأمم المتحدة من قبل ثلثي أعضاء الأمم المتحدة، بما في ذلك الدول الخمس الدائمة العضوية. وقد كتبت مجموعة الأربع، مؤخرًا، إلى رئيس الجمعية العامة للأمم المتحدة تدعو إلى استئناف المفاوضات بقوة، وهو ما لم يحدث منذ سنوات. وبالنظر إلى الطبيعة الخلافية لهذه المسألة، فإن المفاوضات القائمة على النصوص مفيدة لبدء عمليات المفاوضات المركزة والتسوية، إذا لزم الأمر. فالهند، التي تنضم إلى مجلس الأمن الدولي كعضو غير دائم لمدة عامين تبدأ في يناير 2021 وستستضيف أيضًا قمة مجموعة العشرين في عام 2022، تبدو في وضع جيد للقيام بالدور العالمي المطلوب لدفع هذه الإصلاحات، في حالة حصولها على العضوية الدائمة في مجلس الأمن الدولي.

إن الإحباط الناتج عن عدم التحرك تجاه إصلاح مجلس الأمن أمر طبيعي ويجب توضيحه. ومع ذلك، فإن التصميم الجاد على الالتزام بذلك يبدو قضية ملحة. إذ يقال إن طاولة مجلس الأمن الدولي، لن تفتح إلا إذا كان هناك حدث كارثي في ​​العالم. إننا نأمل أن يكون جائحة “كوفيد -19” هي ذلك الحدث.

 

إعداد: وحدة الترجمات بمركز سمت للدراسات

المصدر: جيت هاوس Gateway House

النشرة البريدية

سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!

تابعونا على

تابعوا أحدث أخبارنا وخدماتنا عبر حسابنا بتويتر