سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
مي الشريف
يوم مفصلي في تاريخ إقليم كردستان، وذلك بسبب تحديد هذا اليوم لإجراء استفتاء على مستوى الإقليم للتصويت على انفصال إقليم كردستان عن دولة العراق. فمن هم الأكراد؟ ولماذا لا توجد دولة كردية تجمعهم؟ والأهم، ما ردة فعل العراق والدول الأخرى حول هذا الانفصال؟
تؤكد الدراسات الأركيولوجية، أن بلاد الكرد من أقدم المواطن التي نشأت فيها المجتمعات البشرية. ويقول الباحث الأرمني الأصل، أرشاك سافراستيان: “لا توجد في النصف القديم للكرة الأرضية سلالة بشرية ظُلمت باستمرار وأُسيء فهمها كالعرق الكردي. ومنذ فجر التاريخ، ربَّما لا يوجد شعب في العالم يسكن منطقة جغرافية محددة، كان ضحية النوايا السيئة على الدوام مثل الشعب الكردي”.
من هم الأكراد؟
لم يشرع الكرد في كتابة تاريخهم الخاص، إلا في أواخر القرن السادس عشر، واختلفت نظريات المؤرخين عن أصل الكرد، والاعتقاد الراجح الذي يتفق عليه غالبية العلماء، هو أنه منذ أقدم العصور كانت تقطن منطقة جبال زاغروس، أقوام وعشائر مختلفة، تخالطت مع عدد من الغزاة وأقوامهم كالهندو- أوروبية والشعوب الإيرانية “كالماديين، والبارتيين، والفرس”، وبعض من الأقوام السامية وغيرهم، واستقرت هذه الأقوام في هذه المنطقة وانصهرت مع السكان الأصليين، ونتيجة لهذه العملية طويلة الأمد تكوَّن الشعب الكردي الذي ساد فيه العنصر “الهندو – أوروبي”.
لماذا لا توجد دولة كردية؟
الأكراد هم رابع أكبر مجموعة عرقية في الشرق الأوسط، يتراوح عددهم ما بين عشرين إلى ثلاثين مليون نسمة يجمعهم العرق، والثقافة، واللغة، وأكثرهم ينتمون للدين الإسلامي. ومع هذا، لم تكن لهم دولة مستقلة أبدًا. عاش الأكراد حلمهم في تكوين دولة لهم، بعد إبرام معاهدة “سيفر” بين الدولة العثمانية وقوات الحلفاء عام ١٩٢٠، وكان من بنودها بندان “٦٢ و٦٣” من الفقرة الثالثة في المعاهدة ينصَّان على استقلال كردستان.
رفضت حكومة كمال أتاتورك، معاهدة “سيفر”، وأصرت على تسوية جديدة مع الحلفاء، وهذا ما تحقق من خلال إبرام معاهدة “لوزان” عام ١٩٢٣ التي تجاهلت ما أقرته معاهدة “سيفر” من حقوق الأكراد، وضاع من بعدها حلم الدولة الكردية. فانتهى حال الأكراد كأقليات في الدول التي تقاسمت الأراضي الكردية (سوريا، والعراق، وتركيا، وإيران).
فخلال الثمانين السنة الماضية، تمَّ القضاء على أي محاولة كردية تسعى للاستقلال. فعانى الأكراد في الدول الأربعة من العيش كأقليات على أراضيهم، وعدم الاعتراف باللغة الكردية، ومنع التسمية بأسماء كردية، وتوطين العرب في أراضيهم لتغيير التركيبة السكانية، والتمييز في الوظائف، والأقل في التنمية والتأهيل، والأعلى في معدلات البطالة. ومع الضغوطات الدولية والمناوشات الكردية مع الحكومات الأخرى، حصل كردستان العراق على الاستقلال الذاتي، وتمَّ الاعتراف بالأكراد في تركيا، وتمَّ تنصيب أعضاء أكراد في البرلمان التركي. وفي السنوات الأخيرة، زاد تأثير الأكراد في التطورات الإقليمية، ولعبوا دورًا هامًا في الصراعات في العراق وسوريا، كان آخرها المشاركة في الهجوم والتصدي لهجمات الدولة الإسلامية في العراق والشام (داعش).
هل يحصل الأكراد العراقيون على الاستقلال؟
يعتقد المجتمع الكردي، أن إقامة دولة كردية منفصلة عن العراق، ستشكل حلًا للمشاكل التي كانت نابعة من فقدان السيادة على المناطق التي يشكل الأكراد فيها الغالبية السكانية. ولكن، لا أحد يستطيع التكهن بالأحداث المستقبلية المرافقة لهذا التصويت لجملة من العوامل، وأهمها: أن إقليم كردستان أراض مغلقة دون منافذ بحرية، ومحيط بدول ترفض الاستفتاء وهي: العراق، وتركيا، وإيران، وحتى أميركا التي تُعتبر الحليف الأكبر للأكراد، طالبت بتأجيل الاستفتاء. أما السبب الآخر الذي يزيد من صعوبة قرار الاستفتاء، فهو الانقسامات الحزبية العميقة داخل المجتمع الكردي نفسه التي قد تسببت في نزاعات داخلية سبق أن شهدها الإقليم.
من حق المجتمعات تقرير مصيرها، ومن حق الأكراد الحصول على دولة مستقلة تجمعهم، ولكن الحلم الكردي ليس بأقوى من المصالح السياسية للقوى الفاعلة المحيطة به. وأغلب الظنّ، أن القيادة الكردية، ستنجح بالاستفتاء، ولكن ستواجه الإحراج في المرحلة ما بعده، فالاستقلال ليس بسهولة الاستفتاء، نسبة إلى الظروف الصعبة المحيطة بالمنطقة.
كاتبة وباحثة سعودية*
@ReaderRiy
سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
تابعوا أحدث أخبارنا وخدماتنا عبر حسابنا بتويتر