سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
يسعى الأكراد، منذ الحرب العالمية الأولى، إلى حلم الوطن القومي، أسوة بجيرانهم العرب والأتراك والفرس، فضلاً عن شعورهم بالتهميش في أهم الدول التي عاشوا فيها.
وتعتبر كردستان، الأرض والجغرافيا والعرق والقومية، من المكونات العابرة للحدود، التي تنتشر في كلٍّ من: تركيا وإيران وسوريا والعراق. ويبلغ عدد الأكراد في العراق – على سبيل المثال – 6 ملايين كردي في منطقة كردستان العراق، من مجموع 32 مليون كردي في الدول الأربع مجتمعة.
ويمتلك كردستان العراق، أربعة منافذ حدودية مع إيران، واثنين مع تركيا، وواحدًا مع سورية، في الوقت الذي تربط حدوده الإدارية، مع باقي المحافظات العراقية، 13 طريقًا بريًا من الجنوب الغربي والجنوب الشرقي لأربيل، أبرزها: طريق بغداد – أربيل، وطريق أربيل – الموصل، وكركوك – أربيل، وبعقوبة – سليمانية، وتلعفر- دهوك.
ومنافذ كردستان مع إيران، هي: منفذ حاج عمران، ومنفذ باشما، ومنفذ برويز خانو، ومنفذ كرمك في السليمانية. ومنافذ كردستان مع تركيا، هي: منفذ إبراهيم الخليل، ومنفذ سرزيري، ومنفذ سيمالكا، وهو المنفذ الوحيد الذي يربط إقليم كردستان بسورية.
وتسببت هزيمة صدام حسين في حرب الخليج، في سحب الجيش العراقي مما يعرف بكردستان العراق؛ وهو ما أدى إلى قيام أكراد العراق بإدارة بلادهم بما يشبه الحكم الذاتي، بعيدًا عن سيطرة بغداد الإدارية والعسكرية بشكل كبير. وما عضد موقفها المحلي واستقلالهم، هو دعم الأمم المتحدة لهم، بالإضافة إلى أن الأكراد استطاعوا تشكيل جيش كبير من مقاتلي البشمركة الذين حموا كردستان من أي عدوان خارجي، ويبلغ عدد قوات البشمركة 200 ألف مقاتل.
استطاعت كردستان تحقيق درجة عالية من الحكم الذاتي، في الفترة بين عامي 1991 و2003، من خلال اندماج الأكراد في الاقتصاد العراقي، خاصة بعد سقوط نظام صدام حسين في 2003، حيث دخل الأكراد في العملية الاقتصادية بدعم من واشنطن، وتلقوا حصة من عائدات النفط العراقي من خلال اتفاق متبادل مع بغداد وخروج الأمم المتحدة من هذا الاتفاق، وبذلك بدت حكومة كردستان كحكومة ند لحكومة بغداد، وليست موظفة تحت إمرتها، فضلاً عن إدارة الكثير من المناطق التي يريدها الأكراد تحت سيطرتهم، باقتسام سلطتها مع سلطة بغداد، إضافة إلى وجود ممثلين لكردستان في الحكومة والبرلمان والجيش. وتسبب ظهور “داعش” في توسيع قوات البشمركة من نشاطهم العسكري ضد التنظيم المسلح في العراق؛ حتى استطاعت قوات البشمركة السيطرة على جميع الأراضي التي تهمهم.
وما زاد من قوة كردستان العراق، وسعيها إلى الانفصال بشكل جذري، هو اعتمادها على النفط، حيث تعتمد على تصدير نحو 650 ألف برميل من النفط يوميًا. وعلى الرغم مما بدا للمتابعين، أن ثمة أزمة تواجه كردستان، في ظل اختلاف طبيعة توزيع مناطقها الجغرافية ما بين سوريا والعراق وتركيا، فإن مفهوم القومية الكردية، هو الذي تسبب في تجميع أهداف الأكراد في الدول الثلاث على عامل واحد مشترك، وهو حتمية الاستقلال وإنشاء الدولة الخاصة بهم، فالانتخابات التركية البرلمانية السابقة، شهدت صعودًا واضحًا للقومية الكردية في تركيا.
حيث صوتت الشرائح الكردية، التي تصب اهتمامها على القومية الكردية كمصدر أساس لصياغة هويتها، للأحزاب السياسية الموالية لقضية الأكراد؛ وهو ما يرسخ أن القومية كإطار سياسي، وأيديولوجي، ووجداني، تستعيد قوتها من أجل الانطلاق مرة أخرى، نحو التوحد وبناء دولة منفصلة عن الدول الثلاث: تركيا وسورية والعراق. ولذلك، فإن الأكراد يعتمدون في سعيهم نحو الاستقلال في باقي الدول، بعد انفصالهم المرتقب في العراق، على مفهوم القومية باعتباراتها العاطفية والأيديولوجية، وذلك من أجل الاعتماد على مقومات قوية فعالة في التفاصيل السياسية والاقتصادية الجارية في المنطقة.
ولذلك، فإن الأكراد يلتحفون بالقومية الكردية ذات الإرث التاريخي الكبير، ورموزها الأقوياء الذين ساهموا في أمجاد المسلمين، وذلك مقابل التحدي الإسلامي القائم حاليًا، والمتمثل في تركيا التي تقدم نفسها باعتبارها المنقذ الأول للعالم الإسلامي، وتحشد خلفها الكثير من الدول الإسلامية، والتيارات الدينية، في العالم العربي والإسلامي.
وكذلك، فإن كردستان العراق، في حال انفصالها وتمتعها بالاستقلال، ستواجه عددًا من التحديات التي تواجهها جميع الدول التي تعتمد على النفط، ولكن ستشكل عقبة كبيرة لها كدولة ناشئة، وهو ما يستوجب ضرورة تنويع الاقتصاد، وخلق وظائف جديدة، والعيش في حدود إمكانياتها، كوسيلة لحماية نفسها من تقلبات أسعار النفط، فضلاً عن خلق آليات جديدة لمواجهة تنظيم داعش، الذي سيحاول أن يخلق حالة من الفوضى بعد استقلال كردستان العراق.
ومن ناحية أخرى، تنظر كلُّ من تركيا وإيران، بريبة وخوف كبيرين، إلى هذا الانفصال، بل إنهما دخلا في تحالف عسكري من أجل مواجهة انفصال كردستان العراق، للسببين التاليين:
1 – أن الانفصال سوف يخلق حالة من الحرب المتجددة بين إيران وتركيا من ناحية، وكردستان العراق من ناحية أخرى، لخطر الانفصال على الدولتين، ورغبة الأكراد في الدولتين في الانفصال أيضًا؛ لذلك يرفضون أي طموح انفصالي لبرزاني كإجراء وقائي يتوخى استباق الأسوأ بخصوص وحدة أراضيهما.
2 – الخوف من استشراء عدوى الانفصال، له أسبابه في تركيا وإيران: فأكراد تركيا يصلون إلى 10 ملايين كردي، ويمثلون 17 في المئة من مجموع السكان، ويتوزعون في 21 محافظة من أصل 81.
وأمَّا أكراد إيران، فيمثلون العرقية الثالثة بالبلاد بتعداد سكان يصل 7.5 مليون كردي.
وحدة الدراسات السياسية*
سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
تابعوا أحدث أخبارنا وخدماتنا عبر حسابنا بتويتر