سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
تُعرف الأسواق الناشئة بأنها مجموعة من الدول التي تتمتع بخصائص الأسواق المتقدمة، ولكنها لا تستوفي الكفاءة والمعايير الصارمة التي تتمتع بها اقتصادات الدول المتقدمة مثل الولايات المتحدة الأمريكية، أوروبا، واليابان، ولكن عادة ما تمتلك الاقتصادات الناشئة بنية تحتية ومالية تتضمن بنوك وبورصات وعملات موحدة. وأيضًا تُعرف بأنها أسواق في دول منخفضة ومتوسطة النمو بدأت عملية التطوير والإصلاحات الاقتصادية بشكل تدريجي كي تلحق بركب الدول المتقدمة. وتتميز تلك الاقتصادات بالنمو السريع، حيث تتحرك الأسواق الناشئة بشكل سريع للتحول من الاقتصاد التقليدي الذي يعتمد على الزراعة وتصدير المواد الخام إلى اقتصاد يعتمد على الصناعات والتكيف مع انفتاح الأسواق العالمية. كما تحتل ثلث الناتج المحلي الإجمالي العالمي، وكان من المتوقع أن يبلغ ناتجها نصف الناتج المحلي الإجمالي العالمي بين عامي 2026 و2030. ومن العوامل التي جعلت الأسواق الناشئة جذابة تقليديًا هي التركيبة السكانية وانخفاض تكلفة إنتاجية العمالة. وتتميز أيضًا بالقابلية للتقلبات العالية، وتحدث هذا التقلبات عن طريق ثلاثة عوامل: الكوارث الطبيعية، العوامل الخارجية المؤثرة على الأسعار بشكل قوي، وعدم استقرار السياسات الاقتصادية المُتبعة.
الواقع أنَّ الآثار الاقتصادية لجائحة “كوفيد-19” هي أسوأ في الأسواق الناشئة والاقتصادات النامية مقارنة بالبلدان الأكثر تقدمًا على الرغم من انخفاض نمو الناتج المحلي الإجمالي بشكل أكبر في الاقتصادات المتقدمة. خاصة في ظل افتقار الأسواق الناشئة والاقتصادات النامية إلى الحزم التحفيزية واسعه النطاق للاقتصاد الكلي التي تُقدم في سبيل تعزيز الصحة العامة ودعم الأسر الأكثر تضرراً، وإجراءات التحفيز. فإلى جانب الآثار المباشرة للجائحة وحالات الإغلاق، حيث أدت جائحة “كوفيد-19” إلى تقليل عائدات تصدير هذه الأسواق والاقتصادات، خاصة المعتمدة على النفط، وإيرادات السياحة، وتحويلات المغتربين، ومن خلال التأثير السلبي للجائحة على الطلب وثقة المستهلك، وسلاسل القيمة العالمية. كما أثرت الاتجاهات الهبوطية في أسعار السلع الأساسية بشكل كبير على اقتصادات العديد من البلدان الغنية بالموارد في الأسواق الناشئة؛ حيث تسببت التوترات بين منظمة البلدان المصدرة للبترول (أوبك) في مزيد من الضغوط التي أدت إلى الانخفاض الحاد في أسعار النفط العالمية، بالإضافة إلى تداعيات فيروس كورونا، وتعطيل سلاسل الإمداد كل ذلك أدي إلى التراجع في الطلب العالمي، مؤديًا بذلك إلى خفض أسعار السلع الأولية ، مما يضر بمصدري السلع الأساسية في عدد من دول الاقتصادات الناشئة مثل البرازيل وكولومبيا وإندونيسيا والمكسيك ونيجيريا.
بالإضافة إلى الإنفاق على جائحة “كوفيد-19” بجانب التزامات الديون المستحقة جعل دول ناشئة مثل مصر وجنوب إفريقيا والبرازيل تعاني من التخوف من ارتفاع العجز في الميزانية بسبب انهيار السياحة، التي تعتبر مصدر دخل مهم للعديد من الأسواق الناشئة. ويشير تقرير آفاق الاقتصاد العالمي لشهر أكتوبر الصادر عن صندوق النقد الدولي بالتوقع بحدوث انكماش اقتصادات الأسواق الناشئة بنسبة 3.3٪ هذا العام، وهو أكبر انخفاض مسجل لهذه المجموعة من الاقتصادات. ومن المتوقع أن يتسع العجز المالي في اقتصادات الأسواق الناشئة بشكل حاد إلى 10.5٪ من الناتج المحلي الإجمالي في المتوسط في عام 2020، أي أكثر من ضعف مستوى العام الماضي. إلا أنه لابد من الإشارة أن الاقتصادات الناشئة ليست جميعها على قدم المساواة فمن المتوقع أن يكون أداء الصين والبرازيل أفضل من الدول الناشئة الأخرى، وعلى سبيل الذكر تعد معظم دول منطقة أمريكا اللاتينية من الأسواق الناشئة أكثر هشاشة، نظرًا للزيادة السريعة في مستويات الديون واعتمادها الكبير على السلع الأساسية وكذلك التمويل الخارجي.
وتتعقد تداعيات الجائحة على معظم دول الأسواق الناشئة لأن دول مثل الأرجنتين والإكوادور ولبنان ونيجيريا وفنزويلا، تعاني من مشكلات حادة فيما يتعلق بالديون حتى من قبل تفشي الجائحة، فجدير بالذكر أن ديون الأسواق الناشئة قد بلغت 220 % من الناتج المحلي الإجمالي في الربع الرابع من عام 2019. ووفقًا لبنك الاستثمار الأميركي “جيه بي مورجان” فقد قفزت ديون حكومات الأسواق الناشئة إلى مستويات قياسية مرتفعة في 2020، فمع استبعاد الصين، ارتفعت النسبة الإجمالية لمستويات الدين في الأسواق الناشئة إلى 89.9% من الناتج المحلي الإجمالي، وسجلت ديون القطاع الخاص في الأسواق الناشئة أيضا أعلى مستوى على الإطلاق عند 146.8% من الناتج المحلي الإجمالي. وهناك حوالي 7 تريليونات دولار من السندات والقروض من المقرر أن تستحق في الأسواق الناشئة حتى نهاية عام 2021. وأمام الأسواق الناشئة تحدي أخر، وهو يتمثل في التخوف من الانخفاضات المستمرة في قيمة العملة؛ حيث يفرض ذلك تحديات على الاستقرار المالي من الممكن أن يخلف عواقب طويلة الأمد تتجاوز مشكلات السيولة الفورية. فعلى سبيل الذكر، عندما تنخفض قيمة عملة إحدى الأسواق الناشئة، فقد ترتفع أعباء الديون المقومة بالعملة الأجنبية المستحقة على هذه الدولة، وتكاليف أقساط تلك الديون بما يؤدي إلى انعدام الاستقرار المالي، وانخفاض الإنتاج، كما حدث خلال أزمات الأسواق الناشئة السابقة.
ومن التحديات المواجهة للأسواق الناشئة في حقبة ما بعد جائحة “كوفيد-19″، فبعد أن أثبتت الحرب التجارية المتصاعدة بين الصين والولايات المتحدة الأمريكية خلال فترة الرئيس الأمريكي “ترامب” أنها تعتبر بمناسبة ميزة بالنسبة لبعض الاقتصادات الناشئة – منها فيتنام وكوريا الجنوبية وتايوان – حيث تتجه شركات الصناعات التحويلية بعيداً عن الصين. لكن من المتوقع أن تقود الصين التعافي العالمي من تداعيات الوباء، لتصبح الدولة الرئيسية الوحيدة التي تسجل نموا خلال العام الحالي، مع استمرارية قيادتها للانتعاش العالمي في عام 2021. خاصة مع توقع مؤسسات اقتصادية عديدة، مثل” جي بي مورجان”، لجوء إدارة “جو بايدن” إلى تخفيف حدة التوترات التجارية مع الصين، مما يعزز جاذبية المستثمرين تجاه قوة التصدير الصينية. وفي الوقت نفسه، يمكن أن تتسبب القوة الاقتصادية للصين في زيادة مستوى قوتها على الاقتصادية على الساحة الدولية، مما يعني استمرار هيمنة الاقتصاد الصيني على الجزء الأكبر من الاستثمارات.
وعلى الرغم من أن فوز “جو بايدن” في الانتخابات الرئاسية الأمريكية يساهم في تعزيز أصول الأسواق الناشئة، إلا أن المخاوف تتزايد من السياسات التي يمكن تتبعها إدارته تجاه العديد من الدول النامية والناشئة على المدى الطويل. وعلى سبيل الذكر، للدول التي من المتوقع أن تواجه تحديات في أعقاب جائحة “كوفيد-19″ هما تركيا والمملكة العربية السعودية: حيث يستعد الرئيس التركي” رجب طيب أردوغان”، الذي وصفه “بايدن” بأنه مستبد، والعاهل السعودي الملك “سلمان بن عبد العزيز”، أيضا، لمواجهة وقت عصيب.
وقد أعلنت وكالة «فيتش» للتصنيف الائتماني إنه من المرجح أن بلداناً في أميركا اللاتينية والشرق الأوسط وأفريقيا تبدي أعلى مستويات التعرض لمزيد من التحرك السلبي في العام المقبل. وأوضحت فيتش، أنها تحمل نظرة مستقبلية سلبية لنحو 30 دولة سيادية في الأسواق الناشئة، ارتفاعاً من 13 دولة بنهاية 2019. مما يضر باقتصاد الأسواق الناشئة للحصول على التمويل الدولي؛ حيث أن النمو الاقتصادي والاستقرار المالي يعتمدان إلى حد كبير على تدفقات رأس المال الأجنبي، ولا أحد ينكر أن الأزمة الحالية هائلة.
وفي النهاية، هناك حاجة مالية فورية في الأسواق الناشئة على الصعيد العالمي لمعالجة التداعيات الصحية والاقتصادية الناجمة على تداعيات جائحة “كوفيد-19″، لذا يجب على صندوق النقد الدولي والبنك الدولي ومجموعة العشرين والاحتياطي الفيدرالي الأمريكي اتباع سياسات منسقة وجريئة في التعامل مع الأزمة الحالية ومساعدة تلك الدول، وذلك من خلال قيام على مجموعة العشرين تمديد مدفوعات خدمة الديون المعلقة حتى نهاية عام 2021 للسماح للأسواق الناشئة بإعادة توجيه التمويل لدعم الطلب المحلي. ثانيًا، يجب على بنك الاحتياطي الفيدرالي أن يوسع “خطوط المقايضة” الخاصة به لتشمل قائمة موسعة من البنوك المركزية الرائدة في الأسواق الناشئة، مثل الهند وتركيا وماليزيا ومصر وإندونيسيا وجنوب إفريقيا، للتخفيف من ضغوط الائتمان في التمويل بالدولار. كما تحتاج مجموعة العشرين إلى توفير تمويل إضافي لبنوك التنمية الإقليمية، مثل بنك التنمية الأفريقي، والبنك الإسلامي للتنمية، وبنك التنمية للبلدان الأمريكية، لزيادة تسهيلات الاستجابة التي تدعم الأسواق الناشئة على المستوى المحلي.
المصدر: المركز العربي للبحوث والدراسات
سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
تابعوا أحدث أخبارنا وخدماتنا عبر حسابنا بتويتر