الأسلحة السيبرانية والطريق إلى تحقيق السلام الرقمي | مركز سمت للدراسات

الأسلحة السيبرانية والطريق إلى تحقيق السلام الرقمي

التاريخ والوقت : الأحد, 15 مايو 2022

تيم كولبان

ستستمر عمليات التصعيد الرقمي إلى أن يستدعي الدمار المؤكد المتبادل إبرام هدنة ما.

اندلعت الحرب العالمية الأولى والثانية في غضون ثلاثة عقود فقط من الزمان، وقد أودت بحياة أكثر من 100 مليون شخص، وذلك عندما تم نشر أكثر أسلحة التاريخ دمارًا في أغسطس من العام 1945. منذ ذلك الحين، أبقى الاحتمال المروع للدمار المؤكد المتبادل بالوقود النووي كافة القوى العظمى تحت السيطرة، وقد يكون المكافئ السيبراني فقط ما هو مطلوب في هذه الأثناء، وخاصة مع تحول الأعمال العدائية العالمية إلى هجمات وتهديدات رقمية.

شهدت أوكرانيا في شهر فبراير المنصرم وابلاً من الهجمات السيبرانية على البنية التحتية للطاقة والاتصالات في أوكرانيا، وعلى الرغم من ذلك، لم توجه أي من هذه الهجمات السيبرانية ضربة قاضية لأوكرانيا، ويرجع أحد تفسيرات هذا الأمر إلى أن كييف قد بنت دفاعاتها على مدار العقد الماضي مما خولها من أن تصبح إحدى الدول الرائدة في صد مثل هذه الهجمات عبر الإنترنت على مستوى العالم أجمع.

مع ذلك، هناك أيضًا شعور بأن موسكو ربما كانت تفكر بالعدول عن القيام بهذا الأمر. قد يكون لدى الرئيس “فلاديمير بوتين” مخطط أكبر يتوافق مع طريقة التفكير تلك بسلاح رقمي مدمر لم نره بعد، إذ أصدر تهديدات ضمنية حول نشر أسلحة نووية مع استمرار الصراع الروسي الأوكراني. من المؤكد أن البيت الأبيض حذر بشأن الحرب السيبرانية، وقد حذر من أن الولايات المتحدة نفسها مهددة بالتعرض لمثل تلك الهجمات بسبب دعمها المستمر لأوكرانيا وزعيمها “فولوديمير زيلينسكي”.

يوجد حاليًا ما يصل إلى تسعة أعضاء من الدول في “النادي النووي”، بما في ذلك أولئك الذين تم التأكد من امتلاكهم مثل هذه الأسلحة، وآخرون يُفترض أنهم يمتلكونها.

لكن هناك ثلاث دول فقط قد أعتبرها قوى عظمى من الناحية الإلكترونية والسيبرانية. من بينها جمهورية الصين الشعبية، التي أثبتت أنها من الدول المقرصنة الماهرة والعدوانية، لكنها لم تظهر حتى الآن الكثير من الأدلة على أنها عازمة على سبب في حدوث دمار تام؛ إذ تركزت معظم هجمات الصين، التي يعتقد على نطاق واسع أنها حصلت على موافقة ضمنية أو صريحة، على النطاق الأمني أو معرفة الأسرار الصناعية. كما كان لعدد قليل منها دوافع اقتصادية، مثل برامج الابتزاز. ونفت بكين مزاعم القيام بعمليات القرصنة. إن براعة روسيا أسطورية ومعروفة للعالم أجمع، إذ أطلقت عصابات الجرائم السيبرانية بتوجيه من موسكو، أو على الأقل بموافقتها، برامج ضارة أدت إلى توقف خطوط الأنابيب. كما أصدرت كميات كبيرة من البيانات الحساسة وتسببت في أنواع أخرى من الأضرار واسعة النطاق والخبيثة. وقد تسبب هجوم القراصنة الذي استخدم شركة SolarWinds كقاعدة لاختراق أنظمة العديد من المؤسسات الحكومية عام 2020 بتوجيه من الوكالات الروسية في حدوث أضرار تصل قيمتها إلى 100 مليار دولار.

تأتي في المرتبة الثانية الولايات المتحدة الأميركية. وتختلف الهجمات التي تقودها واشنطن عن تلك التي تنفذها الصين وروسيا. ويرجع أحد الأسباب إلى أن الوكالات الأميركية، بما في ذلك مكتب التحقيقات الفيدرالي ووزارة العدل الأميركية، تقوم بنشر الهجمات السيبرانية بشكل منتظم من بلدان أجنبية، ربما كوسيلة للحصول على دعم للميزانية الخاصة بالدولة وإظهار للجميع أنها تعمل بجد. ومن ناحية أخرى، لا تميل بكين وموسكو إلى الاعتراف بكونهما ضحية لتلك الهجمات وتحتفظان بهذه الانتهاكات لأنفسهما بشكل عام. كان من بين الهجمات الأكثر شهرة وتدميرًا التي قامت الولايات المتحدة بتنفيذها هي اختراق المنشآت النووية الإيرانية باستخدام الجرثومة الإلكترونية المسماة “ستكسنيت” Stuxnet في عام 2009 (ويُعتقد على نطاق واسع أن الكيان الصهيوني كان له دور بارز بتلك الهجمات).

على الرغم من أن الهجمات السيبرانية مدمرة إلى حد كبير، فإن لا شيء من الهجمات التي شهدناها حتى الآن ترتقي إلى أن توصف بالدمار الشامل، بل يمكن أن توصف على أنها المكافئ الرقمي للأسلحة التقليدية. لكن ما زال علينا القلق؛ لأن هذه الدول العظمى في عالم الإجرام السيبراني إلى جانب حلفائها – بما في ذلك كوريا الشمالية من جهة والمملكة المتحدة وأستراليا من جهة أخرى – تركز على تطوير أسلحة رقمية أكثر فتكًا وقوة؛ إذ وضعت كانبرا الشهر المنصرم ميزانية تاريخية بقيمة 7.5 مليار دولار لمدة 10 سنوات لتعزيز قدرات أستراليا السيبرانية، التي ستتضمن أدوات هجومية تستهدف الصين بشكل مباشر.

وقف التصعيد

في أعقاب معاهدة الحد من انتشار الأسلحة النووية لعام 1970، انخفض عدد الدول التي تفكر في الحصول على أسلحة نووية أو تسعى وراءها.

ولأن هذا التصعيد لا يُظهر أي نهاية واضحة تلوح في الأفق، فستستمر الهجمات. ولكن إذا تمكنت إحدى القوى من إثبات أنها تمتلك سلاحًا ساحقًا لا يمكن إيقافه، ولحق الآخرون بها بسرعة، فقد يكون هناك أمل في نوع من الهدنة. فقد كان هذا واضحًا مع الأسلحة النووية. بمجرد أن جمعت الولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي السابق مخزونات كافية لتدمير بعضهما البعض عدة مرات، تُرك الباب مفتوحًا لتهب الرياح. إذ كانت الخطوة الأولى هي معاهدة الحد من انتشار الأسلحة النووية، التي دخلت حيز التنفيذ في عام 1970 وثبطت المزيد من الدول عن الانضمام إلى النادي النووي.

على الرغم من أن الأمر استغرق 15 عامًا أخرى، وانهيار الاتحاد السوفييتي، حتى توقفت القوتان الرئيسيتان فعليًا تعزيزهما النووي، فإن المخزون النووي اليوم عند أدنى مستوى له منذ عام 1958، ولم تضف دول أخرى إلا بشكل هامشي إلى المخزون.

الجبل النووي

قادت روسيا (الاتحاد السوفييتي) والولايات المتحدة سباق تسلح نووي إلى حدٍّ لم يعد منطقيًا، كما وصلت المخزونات النووية إلى أدنى مستوى لها منذ 64 عامًا.

لن يكون وقف التصعيد السيبراني بهذه السهولة لأن الذخيرة عبارة عن حزم بيانات والهدف عبارة عن برنامج لا يمكن حمله أو لمسه. وبسبب طبيعتها التي لا يمكن التنبؤ بها، يصعب استخدام مثل هذه الأسلحة كتهديد ويصعب تحديدها كميًا.

“عندما تطلق سلاحًا نوويًا، فأنت تعلم أنه سينفجر وسيكون له التأثير المطلوب. وعندما تطلق سلاحًا إلكترونيًا، فأنت لا تعرف أبدًا ما إذا كان سيهبط أو يتم اعتراضه”. يقول “جريج أوستن”، زميل أول في الصراع السيبراني والفضائي والمستقبلي في المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية في سنغافورة: “لا يمكننا حصر حزم الفضاء الإلكتروني، لكن يمكننا حصر الرؤوس الحربية النووية”.

حتى في ظل وجود سلاح إلكتروني ساحق، لا تزال هناك فرصة لشن معارك بالوكالة، على غرار الحروب البرية التي شُنت في فيتنام وشبه الجزيرة الكورية، إذ يقوم المقاتلون الرقميون بالاستعانة بمصادر خارجية للعمليات وينكرون المسؤولية. هذا يعني أنه لا يمكننا بشكل واقعي أن نتوقع وقفًا كاملاً لجميع الحروب عبر الإنترنت. ولكن مع الانفراج الرقمي، يمكننا على الأقل أن نأمل في عالم أكثر سلامًا للفضاء السيبراني.

المصدر: bloomberg

النشرة البريدية

سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!

تابعونا على

تابعوا أحدث أخبارنا وخدماتنا عبر حسابنا بتويتر