سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
د. ياسر عبد العزيز
كتب مُعارض مصري معروف تلك العبارة على موقع «تويتر»: «المصلحة الحقيقية لمصر هي في المساهمة في إعادة توحيد ليبيا عبر الحوار السياسي والتفاوض تحت مظلة الأمم المتحدة، لا في تغذية المشاحنات القبلية والسياسية. استقرار ووحدة الليبيين واستقلال دولتهم يوفر أيضًا الاستقرار للأمن على حدود مصر الغربية، والعكس صحيح».
وبموازاة هذا التعليق المثير للجدل، وضع موقع «رصد» التابع لتنظيم «الإخوان» والممول من قطر وتركيا استطلاعًا للرأي، يخير المستطلعة آراؤهم بين موقفين على النحو التالي: «ما بين حرب خارج الحدود، وأخرى داخلها تهدد أمن مصر.. برأيك أيهما أولى، ليبيا أم سيناء؟».
هذا الاستطلاع بالذات تم استنساخه على موقع «رصد» نفسه وغيره من المنصات التابعة للتنظيم «الإخواني» أو الممولة من الدوحة وأنقرة مرات عديدة، لكن مع تغيير بسيط؛ إذ يُطرح السؤال على هذا النحو ببساطة: ليبيا أم إثيوبيا؟
منذ بدأ تدفق آلاف المرتزقة والإرهابيين المدفوعين من أنقرة مع جنود وآليات الجيش التركي إلى ليبيا الشقيقة لاحتلال هذا البلد المنكوب والسيطرة على مقدراته وثرواته وتكوين بؤرة إرهابية على حدودنا الغربية، لم تتوقف المنابر المعادية عن الترويج لفكرة رئيسة: «على مصر أن تنشغل بسيناء أو إثيوبيا، وتتوقف تمامًا عن أى فعل صلب تجاه الكارثة التي تحدث في ليبيا».
آلاف البرامج التليفزيونية، والمساجلات الحوارية، والأفلام الوثائقية، والتقارير الإخبارية، واستطلاعات الرأي، و«التغريدات والبوستات»، والتحليلات ومقالات الرأي، تتدفق على مدار الساعة على مئات المنصات والوسائط، بهدف واحد: «على مصر أن تتوقف عن أي فعل ميداني تجاه ليبيا، وتبحث عن حلول لمشكلاتها الأخرى، سواء كان هذا فى الشرق أو الجنوب، أما الغرب فلنتركه لأردوغان».
يفترض هذا الطرح المنسق والمدبر والمرجو له الرواج على أوسع نطاق ثلاثة افتراضات مأفونة؛ أولها أن تدخُّل تركيا عسكريًا فى ليبيا عمل سياسى أخلاقى يتمتع بشرعية كاملة، وهو تدخل جاد ومدروس، وهدفه الوحيد استقرار البلاد وأمنها والحفاظ على مقدراتها، وثانيها أن مصر دولة ضعيفة تُزيغ الأخطار بصرها وتتخاطفها التحديات، وعليها أن تركز فقط فى عدد محدود من المخاطر التى تحدق بها، وتترك الباقي للقادرين على الفعل والحسم، وثالثها أن القيادة والجمهور في مصر سيخيل عليهما هذا الاقتراب وسيبتلعان هذا الطعم ويتركان ليبيا للسلطان المزعوم، الذي يثقان فى «عظمته» و«أخلاقيته» و«نقاء سريرته إزاء الليبيين» و«رغبته العميقة في إحلال السلام وصنع الاستقرار».
يقاتل الجنود الأتراك في العراق وسوريا وليبيا عدوانًا وارتزاقًا، وتنشر أنقرة جنودًا وقواعد عسكرية في عدد آخر من بلدان المنطقة توسعًا واستعلاءً، وتنخرط فى صراعات سياسية حادة مع كل جار قريب وبعيد لها تقريبًا من أجل «مصلحة البلاد العليا»، ولا يرى هذا المعارض البارز، الذي ينصح القاهرة على «تويتر» بترك ليبيا غنيمة سائغة للسلطان أردوغان، بأسًا في كل هذا أو تشتيتًا للقدرة والتركيز، لكنه يُظهر الخوف على مصر، وينصحها بترك ليبيا تنعم في أمن واستقرار سيجلبه لها الغزو التركي.
يكشف هذا الموقف عن تهافت فكري وأخلاقي وإعلامي وغرض سياسي، وتخلٍّ عن المنطق، وازدواج في المعايير، والأخطر من ذلك أنه استهانة بعقلنا الجمعى وازدراء للمصريين شعبًا وقيادة.
مصر دولة تهددها التحديات الجسام، وتلك حقيقة نعيها ونعمل على مواجهتها، لكنها أيضًا دولة تمتلك قدرًا من الرشد والقدرة على الفعل؛ ولذلك فواجبها أن تعمل على الملفات الثلاثة بالقدر اللازم من التوازن والفطنة في توزيع الاهتمام والموارد والجهود، رغم نصائح أنصار «أردوغان».
المصدر: المصري اليوم
سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
تابعوا أحدث أخبارنا وخدماتنا عبر حسابنا بتويتر