الأزمة الفنزويلية تضع السياسة الإسبانية على المحك | مركز سمت للدراسات

الأزمة الفنزويلية تضع السياسة الإسبانية على المحك

التاريخ والوقت : الإثنين, 28 يناير 2019

خوسيه مانويل كالفو

 

اعتادت فنزويلا – دومًا – مواجهة التموجات التي تكتنف السياسة الإسبانية، لكن الأزمة الحالية تنطوي على عاصفة شديدة.

وأخيرًا، وبعد إعلان “خوان غوايدو” توليه السلطة الانتقالية في البلاد، أعلنت جبهة المعارضة الليبرالية المعروفة باسم”سيودادونز”، وكذلك عدد من المحافظين المنتمين إلى حزب الشعب، دعمهم المطلق لرئيس الجمعية الوطنية “البرلمان الفنزويلي”، بينما أعلن كلٌّ من “بوديموس” و ليزكويردا أونيدا”المنتميين إلى تيار أقصى اليسار أن ما حدث يُعدُّ انقلابًا.

لقد آثرت الحكومة الاشتراكية تحت قيادة رئيس الوزراء “بيدرو سانشيز” الانتظار بضع ساعات حتى تتخذ موقفًا مشتركًا مع الاتحاد الأوروبي، الذي يعد ائتلافًا بطيئًا ومعقدًا من خلال أعضائه الثمانية والعشرين، التي لدى كلٍّ واحدة منها وجهات نظر خاصة.وبينما كان الإسبان ينتظرون، تحدث “سانشيز” مع “غوايدو” هاتفيًا، واعترف خلالها بشرعية “الجمعية الوطنية”،وليس بشرعية “غوايدو” نفسه. وأخيرًا، أعرب وزير الخارجية الإسباني عن موقف بلاده، الذي يتطابق مع الموقف الأوروبي عمومًا؛ فإذا لم يدعُ “مادورو” لإجراء انتخابات في الأسبوع المقبل، فسيتم الاعتراف بـ”غوايدو” رئيسًا شرعيًا.

أمَّا زعيم الحزب الشعبي “بابولو كاسادو”، فقد تعامل مع البيان متأخرًا، حيث قال: “من المؤسف أن يكون لدينا رئيس وزراء ضعيف، لا يدعم حرية فنزويلا. ويجب على إسبانيا أن تقود العمل في أوروبا ضد (مادورو). لكن قادته في جبهة (بودموس) لن يسمحوا له بذلك”.

وقال “بابلو إليسيوس”، زعيم حزب “بودموس” اليساري المتطرف، إن “ترمب وحلفاءه” لا يهتمون بالديمقراطية، فما يعنيهم فقط هو النفط؛ إذ حثوا إسبانيا وأوروبا على “الدفاع عن الشرعية الدولية والحوار والوساطة السلمية، وليس الانقلاب”. وذهب السياسي “كارولوس مونديروا”، الذي كان مستشارًا لـ”هوغو شافيز”، إلى أن “هناك انقلابًا وقع في فنزويلا، مدعومًا بـ”أعداء الديمقراطية مؤيدي الانقلاب”.

لقد كان النقد الرئيس لحكومة “سانشيز” بسبب رفضه القيام بدور قيادي داخل منظومة الاتحاد الأوروبي في هذه الأزمة، التي يعتبرها الكثيرون في إسبانيا أمرًا طبيعيًا بسبب علاقاته الوثيقة مع الدولة الواقعة في أمريكا اللاتينية؛ فبجانب التاريخ والاقتصاد والثقافة، هناك حوالي 200 ألف مواطن إسباني في فنزويلا وأكثر من 250 ألف فنزويلي في إسبانيا. وإن الداعين لدور قيادي منشغلون في دعم الموقف الأوروبي المشترك الذي يتسم بقدر من التعقيد، وإنهم ينشغلون أيضًا بتوجيه إشارات ورسائل تحمل نفس المضمون؛ ومثال على ذلك ما فعله الرئيس الفرنسي “إيمانويل ماكرون”عندما قال إن “أوروبا تدعم إعادة الديمقراطية في فنزويلا”، وكذلك ما فعلته الحكومة الألمانية بقيادة المستشارة “أنجيلا ميركل”، حينما أنكرت شرعية “مادورو” واعتبرت الانتخابات الأخيرة التي شهدتها البلاد مزورة.

أمَّا وزير الخارجية “بوريل”، الذي تباكى، بالأمس، على أن إسبانيا “هي البلد الوحيد الذي يعتبر ما يحدث بفنزويلا يعبر عن سياسات داخلية في المقام الأول”، فقد بدا غاضبًا حينما سأله أحد الصحفيين: هل يجب على الحكومة أن تمضي قُدمًا قبل فرنسا وألمانيا؟ وردَّ قائلاً: “لسنا بالصفوف الخلفية، إنه الاتحاد الأوروبي”. في الحقيقة أن رد الحكومة جاء متأخرًا، بل إنها غابت عن دورها في ممارسة القيادة، لتعطي إشارة إلى حكومات أخرى بالاتحاد الأوروبي، وهو ما ينطوي على تحذير ضروري في السياسة الخارجية الأوروبية، لكن هذا الحذر يجب ألا يؤدي إلى تجاوز السياسة الخارجية الإسبانية، وخاصة حينما يتعلق الأمر بأميركا اللاتينية في السياق الأوروبي. صحيح أن السلطة التنفيذية شعرت بعدم ارتياح، سواء كان بسبب العداء المتبادل بين المعارضة الليبرالية والمحافظة، أو موقف حلفائها في جبهة “بودموس” التي تبدو في أشد الحاجة إلى أصواتهم بالبرلمان من أجل البقاء في السلطة.

وكانت التصريحات التي أدلى بها رئيس البرلمان الأوروبي، “أنطونيو تاجاني”، ورئيس الاتحاد الأوروبي، “دونالد تاسك”، أكثر وضوحًا من تصريحات الدول الأعضاء الـ28، ورئيس الوزراء الاشتراكي السابق، “فيليب غونزاليز”، الذي يعرف خفايا الشؤون الفنزويلية أفضل من كافة المراقبين في المجتمع الدولي، (والذي لا يختلف كثيرًا في رؤيته عن رئيس الوزراء السابق ثاباتيرو، وهو اشتراكي أيضًا) حيث كان – كذلك – حازمًا بشدة.

فقد قال “غونزاليز”، الذي طلب من دول الاتحاد الأوروبي والدول “الديمقراطية” في أميركا الاعتراف بشرعية “غوايدو” رئيسًا لفنزويلا، إنه “لا يمكن لأي ديمقراطيٍ، بغض النظر عن الموقف الأيديولوجي أو المسؤولية المؤسسية، أن يقبل مادورو رئيسًا شرعيًا لفنزويلا”، وهو الرأي نفسه الذي تبناه رئيس الوزراء المحافظ السابق “خوسيه ماريا أزنار”.

لكن أزمة الحكومة الإسبانية لا تنتهي عند هذا الحد؛ إذ يتم استغلال موقفها المعقد، والمتشابك تجاه “مادورو”، والذي يبدو في نبراته عنف معتاد ضد معظم القادة والسياسيين الإسبان، وهو ما يضفي المزيد من التعقيد في مواجهة “سانشيز”، الذي يعاني من كونه يمثل الأقلية في البرلمان الإسباني، إذ وصل إلى السلطة قبل ثمانية أشهر، وفي الوقت نفسه يعاني محاصرة من قبل المعارضة التي قررت من الآن عدم نيتها الذهاب إلى صناديق الاقتراع.

أمَّا بالنسبة لـ”مادورو”، فإن تلك الحكومة المطالبة بإجراء انتخابات في فنزويلا، تعاني إشكاليات كبيرة؛ ولهذا، فإذا كان عليها أن تجري انتخابات، فليكن ذلك في إسبانيا، لأن “سانشيز” رئيس الوزراء الإسباني، لم يتم انتخابه عن طريق التصويت الشعبي.

 

إعداد: وحدة الترجمات بمركز سمت للدراسات

المصدر: كراكاس كرونيكالي

النشرة البريدية

سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!

تابعونا على

تابعوا أحدث أخبارنا وخدماتنا عبر حسابنا بتويتر