سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
اختتم العام الميلادي الماضي 2017، وتحديدًا في الشهر الأخير منه، بزيارة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان للخرطوم، زيارة تحمل في طياتها الكثير، وفي خفاياها تكمن العديد من التكهنات. فإذا كانت القاعدة الصحفية تقول إن في التفاصيل يكمن الشيطان، فما السبب الرئيسي وراء هذه الزيارة؟ وكيف ينظر الحليف العثماني إلى الشقيق السوداني العربي؟ وهل تتبدل أوراق اللعبة السياسية عقب تدويل قضية القدس والهوية الفلسطينية مع الأخذ في الاعتبار الموقف التركي المصاحب للكيان الصهيوني؟ ولِمَ عاد أردوغان لبلاده ومعه مفاتيح الكنز السوداني “جزيرة سواكن”؟ وما هو السيناريو الاستشرافي وراء تملك حفيد الخليفة العثماني لجزيرة السودان بالبحر الأحمر؟!
الزيارة التركيسودانية احتفت بها العديد من وكالات الأنباء العالمية، وصدرت وكالة أنباء “شينخوا” الصينية الزيارة بعنوان “قفزة كبيرة في العلاقات بين البلدين وزيارة تاريخية للرئيس التركي”، ثم توالى الخبر الصحفي في سرد تفاصيل نمطية حول زيارة الرؤساء من قبيل “توقيع معاهدات اتفاق اقتصادي بين البلدين لرفع سبل التعاون المشترك وتعزيز نمو التبادل التجاري بين البلدين”.
في حين ذكرت صحيفة daily nation، أصداء زيارة أردوغان لنظيره البشير، كونها زيارة واتفاقية ثنائية لمحاربة الإرهاب في المنطقة، حيث كان العنوان المتصدر هو “تركيا والسودان توقعان اتفاقية لمحاربة الإرهاب”، وسردت الصحيفة في تفاصيل الخبر، أن اتفاقية محاربة الإرهاب تشمل تبادل الخبرات العسكرية بين البلدين، إضافة إلى تعزيز الوجود العسكري داخل المياه الإقليمية السودانية في البحر الأحمر، إضافة إلى تناول الصحيفة متنًا أساسيًا يستوقف العديد من المحللين والباحثين، وهو :”الاستثمار التركي لجزيرة سواكن السودانية التي تعتبر من أقدم المعالم الأثرية داخل القارة الإفريقية وليست داخل السودان فقط”.
وعنونت وكالة الأنباء الفرنسية الزيارة بـ:”أردوغان يصل لخرطوم في زيارة رسمية”، وشملت تفاصيل الخبر الذي نشرته الوكالة الفرنسية، أن الزيارة تهدف إلى تعزيز التعاون التجاري المشترك بين البلدين، مضيفة في سردها الصحفي، وعلى لسان وزير خارجية تركيا مولود جاويش أوغلو، للصحافيين في مطار الخرطوم أن “السودان دولة مهمة بالنسبة لنا ليس في إفريقيا فحسب، ولكن في العالم، والرئيس أردوغان سيبحث العلاقات الثنائية والقضايا الإقليمية”. وأعلنت الخارجية السودانية الخميس، أنه سيتم خلال الزيارة التوقيع على اتفاقيات اقتصادية. ووصف وزير الخارجية السوداني إبراهيم غندور الزيارة، بأنها “تاريخية”، وقال للصحافيين “هذه زيارة تاريخية وتمثل علامة مضيئة في تاريخ البلدين وستبحث قضايا اقتصادية وسياسية”.
يبلغ حجم التبادل التجاري بين البلدين 500 مليون دولار سنويًا، فيما تستثمر تركيا ملياري دولار في السودان. ورافق أردوغان وفد رسمي ضمَّ عددًا من الوزراء، إضافة إلى رجال أعمال.
الرئيس السوداني البشير ضيفًا على نظيره التركي بأنقرة منذ عشرة أعوام
الزيارة التي قام بها الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، في غضون الأيام القليلة الماضية، للعاصمة السودانية الخرطوم، تعيد للأذهان زيارة الرئيس السوداني عمر البشير، لأنقرة وقت احتدام أزمة المحكمة الدولية واتهام الرئيس السوداني بجريمة الإبادة الجماعية في دارفور، وتحديدًا في عام 2008م. فعاليات عشرة أعوام مضت حملت عنوان أعمال القمة الإفريقية التركية، وذكرت وكالة الأنباء التركية والعديد من الصحف السودانية، تفاصيل القمة وما دار فيها، نذكر منها على – سبيل المثال لا الحصر -: “انطلقت أعمال القمة الإفريقية التركية التي افتتح جلستها الرسمية، رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان، لتستمر يومين متتالين بهدف وضع خارطة طريق لتطوير العلاقات بين تركيا وإفريقيا في مختلف المجالات السياسية والاقتصادية والعسكرية والثقافية. وتعد زيارة الرئيس السوداني إلى تركيا على رأس وفد للمشاركة في القمة، الأولى له بعد أن وجهت له المحكمة الجنائية الدولية تهمة الإبادة الجماعية في دارفور. وتشكل القمة أهمية كبرى بالنسبة للسودان، يطلع خلالها الرؤساء المشاركون على تداعيات التهم الموجهة إلى البشير، كما القيادة التركية التي تعمل بصمت كمبرد لكثير من الملفات الشائكة. في حين تهدف القمة إلى إيجاد طرق لتحسين علاقات تركيا مع البلدان الإفريقية، ووضع مسار للتعاون الدائم لتعزيز علاقاتها معها للاستفادة من دعم القارة الإفريقية للمساعي التركية بالحصول على مقعد في مجلس الأمن.
وجد البشير القمة فرصة سانحة لشرح أبعاد الاستهداف الغربي للسودان، ووضع في أجندته برنامجًا للالتقاء بأكبر عدد من الرؤساء المشاركين على هامش القمة الإفريقية التركية، مع الرئيس التركي عبدالله غول، ورئيس الوزراء رجب طيب أردوغان، بالإضافة إلى عدد من رؤساء الدول المشاركين في القمة الاقتصادية الإفريقية التركية لشرح المؤامرة التي يتعرض لها السودان من قبل المحكمة الجنائية الدولية واستهدافها للدول الإفريقية في المقام الأول وإطلاعهم على الجهود المبذولة من قبل الحكومة لحل مشكلة دارفور”.
التأريخ الزمني للعلاقات السودانية التركية
عبر دراسة بحثية للبروفيسور إشراقة عباس، حملت عنوان “العلاقات الاقتصادية بين السودان وتركيا”، أوضح أن العلاقة التاريخية بين تركيا والسودان تعود إلى بدايات القرن السادس عشر، أي حوالي عام 1520م، وإلى عهد السلطان التركي العظيم سليم الأول، وليس إلى بدايات القرن التاسع عشر 1821م، وعهد محمد علي باشا والي مصر. فالوجود التركي في السودان أقدم مما هو معروف ومشهور وسط العامة في السودان، بل حتى الكثير من المثقفين والمتعلمين، الذين يظنون أن تركيا السابقة في الفترة من 1821-1898 التي بدأت بغزو محمد علي باشا للسودان، هي أول اتصال بين السودان وتركيا. فقد ذكر نعوم شقير في كتابه “المرجع”، تأريخ وجغرافية السودان، بأسانيد مروية أن السلطان سليم الأول قدم إلى سواكن ومصوع واحتلهما، ثم دخل الحبشة بقصد الزحف على سنار، وأنه خاطب ملكها – آنذاك – عمارة دنقس يدعوه للطاعة، غير أن الأخير ردَّ عليه بما صرفه عن عزمه، بأن قال له إن أكثر أهل بلاده عرب ومسلمون، وأن ليس لديهم ما يدفعونه للجزية، فقنع سليم بذلك وعاد إلى الأستانة.
جزيرة سواكن صراع الماضي وعطية الحاضر
ومثلما استدعت بعض وكالات الأنباء العالمية، تفاصيل زيارة الرئيس التركي للخرطوم، وتصريحاته حول الاستثمار التركي داخل السودان وحق انتفاعها لجزيرة سواكن، كانت الجزيرة الأثرية هي منبت الصراع في الماضي، حيث شكك البروفيسور محمد إبراهيم أبو سليم، في هذه الرواية وعدَّها من (أوهام الرواة)؛ لأنه ليس مؤكدًا – أيضًا – أن سليم الأول الذي ضمَّ سواكن ومصوع في عام 1520 إلى الإمبراطورية العثمانية، قد فعل ذلك بنفسه، أو أنه غزا الحبشة ورتب لغزو الفونج. ويقال إن مشورة قُدمت للوزير الأعلى إبراهيم باشا، في إسطنبول بشأن استراتيجية حدود الإمبراطورية العثمانية، شملت اقتراحًا باحتلال المنطقة الممتدة ما بين سواكن على البحر الأحمر والنيل بما فيها وادي نهر عطبرة باعتباره منطقة غنية بالذهب والعاج. ولكن من الثابت أن الأتراك تمددوا حتى بلاد النوبة في عهد سليم الأول، حين أرسل حاكمه على مصر في عام 1530 سرية من العساكر إلى بلاد النوبة بقيادة حسن قوسي قومندانًا للعساكر وحاكمًا على النوبة، وقد استقر بعض أفراد السرية في بلدة الدر بالنوبة المصرية، وبعض آخر بجزيرة صاي جنوب عبري. والواقع أن أول وجود للعثمانيين في السودان، كان في الثلاثينيات من القرن السادس عشر 1530، فمع توسع الإمبراطورية العثمانية في ذلك القرن، تركز اهتمامهم على سواحل البحر الأحمر في الجانب الإفريقي، وتحديدًا ميناء سواكن.
اندماج “الأتراك “في النسيج الإفريقي
وكانت القوات العثمانية الموجودة بالقلعتين، مكونة من عناصر إثنية كثيرة، منهم البوسنيون والهرسك والمجريون، وبعض الجاليات المتوسطة الشمالية. وكانوا يمارسون مهام إدارية لصالح الدولة العثمانية، ويرسلون إيراداتهم إلى إيالة مصر. حيث فرض على كل ساقية 24 مدًا نوبيًا من الحبوب، و13 ثوبًا من نسيج النوبة المسمى قونجي، وهو ما يعرف حاليًا بثوب الدمور. وقد تزاوج هؤلاء الأتراك مع النوبيين ونسوا لغتهم التي جاؤوا بها وأخذوا لغة النوبيين وثقافتهم. ونتيجة لهذا الاندماج القوي أصبح من الصعب التفرقة إثنيًا بينهم وبين أهل النوبة اليوم، كما ذكر ذلك محمد إبراهيم أبو سليم، في ورقة دور العثمانيين في إفريقيا وفى السودان على وجه الخصوص، مقدمة ضمن سمنار العيد المئوي السابع للدولة العثمانية، جامعة الخرطوم.
البشير وافق على تسليم تركيا إدارة جزيرة سواكن
الخبر الذي نشرته وكالة الأنباء الفرنسية وسبَّب أزمة بين العديد من أبناء القطر السوداني، والذي حمل عنوانًا رئيسيًا: “السودان يسلم تركيا جزيرة سواكن الواقعة في البحر الأحمر”، كانت تفاصيله ومتنه على النحو التالي:” قال الرئيس التركي رجب طيب أردوغان الإثنين من السودان، أولى محطات جولته الإفريقية، إن الرئيس عمر البشير، قد وافق على تسليم تركيا إدارة جزيرة سواكن الواقعة في البحر الأحمر، لفترة زمنية لم يحددها.
أعلن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان أمس الإثنين في الخرطوم أن السودان سلم جزيرة سواكن الواقعة في البحر الأحمر شرقي السودان لتركيا كي تتولى إعادة تأهيلها وإدارتها لفترة زمنية لم يحددها.
ويعتبر ميناء سواكن الأقدم في السودان، ويستخدم في الغالب لنقل المسافرين والبضائع إلى ميناء جدة في السعودية، وهو الميناء الثاني للسودان بعد بور سودان الذي يبعد 60 كلم إلى الشمال منه، وسبق للدولة العثمانية استخدام جزيرة سواكن مركزًا لبحريتها في البحر الأحمر، وضمَّ الميناء مقر الحاكم العثماني لمنطقة جنوب البحر الأحمر بين عامي 1821 و1885.”
وهو الخبر الذي نشرته صحيفة اليوم السابع المصرية، وجاء تحت عنوان: “السودان يخصص جزيرة سواكن في البحر الأحمر لتركيا لإدارتها”، وكان متن الخبر الصحفي لا يختلف كثيرًا عمَّا أوردته وكالة الأنباء الفرنسية، حيث كانت التفاصيل: “أعلن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان الإثنين في الخرطوم، أن السودان خصص جزيرة سواكن الواقعة في البحر الأحمر شرقي السودان لتركيا كي تتولى إعادة تأهيلها وإدارتها لفترة زمنية لم يحددها. وميناء سواكن هو الأقدم في السودان، ويستخدم في الغالب لنقل المسافرين والبضائع إلى ميناء جدة في السعودية، وهو الميناء الثاني للسودان بعد بور سودان، الذي يبعد 60 كلم إلى الشمال منه. وقال أردوغان، وهو يتحدث في ختام ملتقى اقتصادي بين رجال أعمال سودانيين وأتراك في اليوم الثاني لزيارته للسودان، أولى محطات جولته الإفريقية: “طلبنا تخصيص جزيرة سواكن لوقت معين لنعيد إنشاءها وإعادتها إلى أصلها القديم، والرئيس البشير قال نعم”. وزار أردوغان برفقة نظيره السوداني عمر البشير، سواكن حيث تنفذ وكالة التعاون والتنسيق التركية “تيكا” مشروعًا لترميم الآثار العثمانية، وتفقد الرئيسان خلالها مبنى الجمارك ومسجدي الحنفي والشافعي التاريخيين في الجزيرة. وقال أردوغان “الأتراك الذين يريدون الذهاب للعمرة (في السعودية) سيأتون إلى سواكن ومنها يذهبون إلى العمرة في سياحة مبرمجة”.
سواكن .. بداية الامتداد التركي بالمنطقة
زيارة أردوغان لم تكن من قبيل الزيارات الكلاسيكية لرؤساء الدول، التي تنتهي بالخروج باتفاقية من شأنها تعزيز العلاقات الاقتصادية فقط. زيارة الرئيس التركي، أسفرت عن وقوع جزيرة سواكن السودانية في يد حفيد الخليفة العثماني، وهو ما يجعل العديد من الشكوك تثار حول طبيعة الدور التركي في المنطقة الإفريقية، ومنها إلى المنطقة العربية، ثم إلى ساحل البحر الأحمر، مع الأخذ في الاعتبار المدرسة الفكرية الواحدة التي ينتمي إليها كل من الرئيس السوداني ونظيره التركي، مدرسة الإسلام السياسي، ناهيك عن الدور القوي والتحالف العسكري واللوجيستي الذي تلعبه أنقرة مع الكيان الإسرائيلي، فقد تختلف الأوراق والأدوار طالما كان المنهج هو منهج البرغماتية النفعية القائم على تبدل الهويات والأقنعة.
الأبعاد الجيواستراتيجية.. “من سواكن نبدأ”
في مطلع الثمانينيات بدأت تركيا تنفتح على البلدان العربية وتعمق صلاتها أمام الضغوط الاقتصادية التي تعرضت لها من الدول الغربية. فصارت تبحث عن دور فعَّال في منظمة المؤتمر الإسلامي. وهذا ما ذكره البروفيسور إشراقة عباس، في دراسته البحثية المشار إليها.
من هذا المنطلق، سعت تركيا لتعميق علاقتها بالدولة السودانية التي تعتبر بوابة إفريقية شديدة الأهمية، وفي يونيو عام 1980، تمَّ توقيع أول بروتوكول تجاري بين البلدين للتبادل السلعي.
موقع السودان هو ما أغرى تركيا بالاهتمام به. إذ تريد تركيا أن تجعل من (السودان باب تركيا المنفتح على إفريقيا خلال المرحلة القادمة) حسبما يذكر ذلك المسؤولون في الحكومة التركية. فالسودان الذي يرتبط مع سبع دول إفريقية بحدود مشتركة، يعتبر دولة كبيرة بحكم موقعه الجغرافي والسياسي.
وترى تركيا في موقع السودان الجيواستراتيجي، وفي دوره السياسي والأمني والاقتصادي والتجاري في القارة الإفريقية، وعضويته في منظمة الوحدة الإفريقية والكوميسا ومجموعة الساحل والصحراء، ما يؤهله لأن يقدم لها ما ترغب فيه لتحقيق انفتاحها على الدول الإفريقية. وفقًا لإدارة الشؤون الأوروبية بوزارة العلاقات الخارجية.
ليس هذا فحسب، بل تنظر تركيا باهتمام – أيضًا – إلى علاقة السودان بالدول الإسلامية وعضويته في منظمة المؤتمر الإسلامي. فالسودان باستطاعته أن يساهم في دعم تركيا في سياساتها التي تطبقها منذ عام 1995 إزاء إفريقيا. بحسب مؤسسة الأبحاث التركية.
وكذلك في سياسات تركيا التي تقوم الآن بتطويرها بكل اهتمام بهدف تعزيز موقعها بين الدول والشعوب الإسلامية. وفي إطار منظمة المؤتمر الإسلامي، كذلك يستطيع السودان أن يقدم دعمًا هامًا لتركيا في علاقاتها التاريخية.
إن تركيا يهمُّها كسب مساعدة ودعم السودان لها في توطيد علاقاتها مع الدول العربية والإسلامية التي يتمتع السودان معها بعلاقات طيبة، وخاصة في الخليج. وقد شكرت تركيا السودان لمساندته لها ووقفته معها، في منظمة المؤتمر الإسلامي وجامعة الدول العربية. وأعرب لها السودان عن سعادته بتحسن العلاقات معها وجيرانها العرب. والسودان هنا يؤدي دورًا مزدوجًا أو وسيطًا بينها وبين جيرانها من العرب.
وما يهمُّ تركيا – أيضًا – هو كسب موقف السودان إزاء القضايا التي تهمُّها. فقد سبق للسودان، أن ساند تركيا في قضية الأقلية المسلمة في بلغاريا في إطار المؤتمر الإسلامي وخارجه. وظلت تركيا تحاول كسب موقف السودان إلى جانبها في موقفها من القضية القبرصية، بيد أن السودان ظل متمسكًا بموقفه المنسجم مع قرارات الأمم المتحدة، الداعية إلى حل سلمي للقضية في إطار وحدة الجزيرة.
ولتركيا أهداف محددة ضمن علاقتها بالسودان، فهي تريد التجارة بمستوى أساسي، وهي تحاول وتعمل بجهد نشط ودءوب من أجل توفير وبلورة علاقة تجارية جادة ومهمة مع السودان.
وكذلك السودان، بالنسبة إلى تركيا، دولة في غاية الأهمية فهي كبيرة وغنية بالموارد، وهم يقولون، أي الأتراك، بأن السودان سيصير في القريب أحد أهم الدول في النفط والزراعة؛ ولذلك ينظرون إليه باهتمام فيما يتعلق بالإمكانات التجارية التي يوفرها لهم. بحسب ما أوضحت ذلك مؤسسة الأبحاث الاقتصادية التركية.
والسودان ليست دولة كبيرة بنفسها فقط، بل لأنها عضو في تجمع السوق الاقتصادية لدول شرق وجنوب إفريقيا المعروفة بـ(الكوميسا). فهذا التجمع يضم 20 دولة. ويبلغ عدد سكانه حوالي 300 مليون نسمة. وبإمكان السودان أن يصير معبرًا للاستثمارات التركية، المشتركة أو غير المشتركة. لذلك، كثيرًا ما يستخدم الأتراك، في وصفهم لعلاقتهم بالسودان (نافذة) تركيا إلى إفريقيا و(باب) تركيا المنفتح نحو إفريقيا.
وتستطيع أن تقوم هذه الاستثمارات، بإنتاج السلع والخدمات، التي يمكن أن تصل إلى هذه الدول وتتمتع بميزة التخفيض الجمركي الممنوح للسلع السودانية المنشأ، حيث اتفق سوق الكوميسا على تصفير(القيمة صفر) الجمارك بالنسبة للواردات والتبادل التجاري فيما بينها. ويشكل الهدف التجاري البعد الأول في علاقة تركيا بالسودان.
عودة إلى سواكن .. جزيرة البحر
وعودة مرة أخرى إلى سواكن الجزيرة السودانية التي وقعت – حاليًا – في أيدي أحفاد الخلافة العثمانية بحجة تنمية الاستثمار فيها وحق الانتفاع المؤقت مما يجعل راية إسطنبول موجودة بمنطقة الشرق الأوسط بين بلدان العالم العربي. التحليل السياسي الذي تعرضت له صحيفة “New york times ” نستقطع جزءًا منه لتوضيح ما نود أن نستكشفه عن دور الأتراك في المنطقة العربية، حيث يوضح التحليل: “يظهر هذا التنافر نفسه من الناحية السياسية. ويقال إن القيادة التركية تحاول أن تضع نفسها كمحكم للمعارك داخل الإسلام، الفصائلية التي تتجاوز السنية والشيعية لمختلف التيارات الأصولية والمحافظة والإصلاح والاعتدال. كل يوم يتبادل القادة العرب والأتراك الاتهامات، حيث يطلب العرب من القيادة التركية عدم التدخل في السياسة العربية، لدرجة أن سمعة تركيا تتغير بين العرب من التيار الرئيسي للدولة الحديثة إلى دولة تدعم “داعش”، وأصبح هذا جليًا في كثير من مواقف القيادة التركية إزاء العديد من المذابح في سوريا وغيرها من هجمات الأصوليين في بعض بلدان العرب”.
من الدفاع للهجوم
وفي دراسة أعدها المركز العربي للبحوث والدراسات، تناول الباحث هاني سليمان، الوجود التركي بالمنطقة العربية عبر تبدل الاستراتيجية من الدفاع للهجوم والتأثير، حيث يرى الباحث: “أن السياسة الخارجية التركية حيال الشرق الأوسط، كانت سياسة ردّ فعل منذ عقد الثمانينيات، وقد تبدّلت إلى المفهوم الاستباقي (PROACTIVE) بدلاً من الوقوف بعيدًا عن الشرق الأوسط وخلافاته. وبدأ تنفيذ هذه السياسة في عهد حزب العدالة والتنمية مع أحمد داود أوغلو، مستشارًا لوزارة الخارجية، ثم وزيرًا لها.
تخلت تركيا عن السياسة الدفاعية بعد 2011 بعد سنوات من اعتماد “صفر مشاكل” التي يعد عرّابها أحمد داود أوغلو، رئيس الحكومة السابق. أمَّا الآن، فالسياسة الهجومية، هي محرك السياسة التركية الخارجية، إذ لم تعد تركيا تنتظر مشاكل المنطقة من حولها وتشاهدها من دون تدخل، فعلى لسان أردوغان في معرض تعليقه على التحديات الإقليمية التي تواجه تركيا بالخطر، داخليًا وخارجيًا، قال في 19 أكتوبر 2016: “اعتبارًا من الآن لن ننتظر المشاكل لتدق أبوابنا ولن نصبر على المخاطر والتهديدات حتى تصل إلينا، إنما سنسير باتجاه المشاكل بأنفسنا … لن ننتظر التنظيمات الإرهابية لتهاجمنا، إنما سنهاجم المناطق التي تختبئ فيها تلك التنظيمات وسندمر قواعدهم فوق رؤوسهم وسنجتث جذور كافة الأطراف الداعمة لها.
تركيا رأت أن الهجوم هو أفضل وسيلة للدفاع عن نفسها، وأن تسهم في صياغة الخرائط الجديدة بدلًا أن تكون جزءًا منها، وخصوصًا بعد محاولة الانقلاب التي حصلت في منتصف يوليو 2016. وقد أقر البرلمان التركي مؤخرًا، القيام بعمليات عسكرية خارج الحدود، وتحديدًا في سوريا والعراق لسنة إضافية”.
دوافع التحرك التركي في البلدان العربية
تأتي التحركات التركية في إطار السياسة الدفاعية الخارجية التركية، التي تدعم استمرارية وجودها في المنطقة، والتي انتهجتها أنقرة في الآونة الأخيرة لحماية مصالحها الوطنية، انطلاقًا من إيمانها بأن القوة الناعمة لم تعد ذات فاعلية لتحقيق طموحها الخارجي، خاصة في ظل التنافس بين القوى الإقليمية والدولية في المنطقة؛ لذا فقد بدأت بتفعيل الأداة العسكرية لعدة أسباب على النحو التالي:
الرغبة في فتح أسواق جديدة للأسلحة التركية التي تنتجها أنقرة، فقد ارتفعت الصناعات العسكرية التركية في عام 2015 لتصل إلى 4.3 مليار دولار، صدرت منها ما قيمته 1.3 مليار دولار، وهو ما سينعكس على الاقتصاد التركي بشكل إيجابي.
الرغبة في فتح أسواق جديدة للأسلحة التركية التي تنتجها أنقرة، فقد ارتفعت الصناعات العسكرية التركية في عام 2015 لتصل إلى 4.3 مليار دولار، صدرت منها ما قيمته 1.3 مليار دولار، وهو ما سينعكس على الاقتصاد التركي بشكل إيجابي.
تعزيز وجودها في المنطقة العربية وإفريقيا، من خلال السيطرة على المعابر الدولية لحماية مصالحها التجارية من أي مقاطعة قد تفرض عليها في المستقبل نتيجة سياساتها الخارجية ذات المعايير المزدوجة التي تتناسب مع طموحها الإقليمي.
الرغبة في المشاركة في التحالف الدولي لمكافحة الإرهاب، ليس لرغبتها في التصدي لخطر الإرهاب على حدودها فقط، لكن يعد الهدف الحقيقي منه هو وقف تمدد القومية الكردية في العراق وسوريا خوفًا من استقلالها.
الرغبة في محاصرة أعدائها في مناطق نفوذهم والحصول على الدعم اللوجيستي في مواجهتهم، خاصة في إفريقيا، كمحاولتها تطويق جماعة “فتح الله جولن” التي يتهمها أردوغان بمحاولتها الانقلاب في تركيا.
مواكبة التحركات الإقليمية والدولية تجاه المنطقة، للحد من تداعياتها السلبية المستقبلية على النفوذ التركي، خاصة في ظل تنامي النفوذ الإيراني والروسي.
تركيا .. والخليج
من المعلوم أن تركيا وقطر لديهما مشكلات مشتركة، وتشعران بالقلق من التطورات في المنطقة، وسياسات بعض الدول الأخرى، وبخاصة بعد أزمة الخليج واستصدار قرار من البرلمان التركي بإرسال قوات تركية للقاعدة التركية في قطر، وهو ما يشكل مواجهة مباشرة لدول الأزمة مع قطر، وتحديدًا الإمارات، والسعودية، والبحرين، علاوة على التنسيق مع العدو التقليدي لدول الخليج، وهي إيران. مع اندلاع الأزمة القطرية مع دول الرباعية: الإمارات، والسعودية، والبحرين، ومصر، سعت تركيا لاستغلال الأزمة لتوطيد أركانها في المنطقة باعتبارها فرصة تاريخية، فاستصدر أردوغان موافقة البرلمان على إرسال قوة تركية، وفتح باب اتصال مع طهران؛ مما يكسب إسطنبول لأول مرة قدرة ووجودًا عسكريًا قويًا داخل دول الخليج، بما يعزز قدراتها التفاوضية ونفوذها الإقليمي.
كما أن أحلام التوسع التركي، وحلم إعادة الإمبراطورية العثمانية، تلزمها قدرات مالية كبيرة، لا يمكن تحقيقها في ظل تراجع الاقتصاد التركي، ومعاناته من عدة أزمات، خاصة مع توتر علاقته مع روسيا والسعودية، وبالتالي وجد أردوغان أن علاقاته مع قطر حل حاسم لمشاكله المالية، لما تملكه الإمارة من احتياطي هائل للغاز وموارد بترولية كبيرة، لدرجة أن استثماراتها في تركيا تتعدى الـ10 مليارات دولار.
باب المندب حلم بوابة الدخول للمنطقة العربية
زيارة الرئيس التركي للسودان، وعطية الرئيس السوداني للرئيس التركي من خلال منحه جزيرة سواكن الأثرية، التي تشغل موقعًا متميزًا بالبحر الأحمر، تعيد للذاكرة التاريخية التمدد التركي في الصومال.
كانت الصومال البوابة الأوسع لتركيا في سعيها لتوسيع نفوذها بإفريقيا، ففي الوقت الذي انشغل فيه العالم أجمع عن المجاعة والمأساة الإنسانية التي تعيشها الصومال، كان أردوغان في عام 2011 أول زعيم غير إفريقي يزور الدولة الفقيرة غير الآمنة منذ أكثر من 20 عامًا، فاتحًا الباب أمام مساعدات إنسانية واقتصادية وتنموية تركية غير محدودة للصومال. وبعد سنوات من الدعم الاقتصادي والإنساني اتفقت أنقرة مع الحكومة الصومالية على استضافة قاعدة عسكرية للجيش التركي على أراضيها تطل على خليج عدن الاستراتيجي، ولتكون بذلك ثاني قاعدة عسكرية للجيش التركي خارج أراضيه بعد القاعدة العسكرية في قطر والمطلة على الخليج العربي. راحت تركيا تمدد نفوذها نحو المضيق ذاته، عن طريق دول القرن الإفريقي في مقدمتها الصومال، أمَّا الدول العربية فخرجت من المعادلة. وقد أكد الخبراء أن التحرك التركي نحو المضيق لا يصب في صالح الدول العربية والخليجية.
من الصومال مرورًا بالسودان، حلم باب المندب، المنطقة الجيواستراتيجية شديدة العمق والأهمية لمنطقة الخليج العربي والبر الشرقي للمملكة العربية السعودية، والتحالف المعلن بين الثنائي القطري والتركي، الأمر أشبه برقعة شطرنج لحظ العرب، تمدد واضح لبيادق ووجود لأحفاد الباب العالي – في الأستانة، أنقرة، إسطنبول – على الرقعة العربية بمختلف الجهات، فمن الشرق كانت قطر، ثم من الوسط كانت السودان، وسبقتها الصومال، ثم إلى الشمال حيث الوجود التركي بمنطقة أرض الشام حيث سوريا والعراق، وهو ما يرسم خريطة تدق أجراس الإنذار لبلدان الوطن العربي حول الحلم الجديد والنفوذ المستشري لحلم أردوغان الذي باتت مفرداته وطموحه وجموحه تتسع يومًا بعد يوم.
وحدة الدراسات السياسية*
المراجع:
1 – وكالة أنباء شينخوا، Sudan, Turkey hail great leap in bilateral ties on president’s historical debut visit
2 – Turkey and Sudan sign deal to fight terror, daily nation.
3 – المرجع نفسه.
4 – وكالة الأنباء الفرنسية، الخرطوم (أ ف ب)، وصول أردوغان إلى الخرطوم في زيارة رسمية للسودان.
5 – ترك برس، وكالة الأنباء التركية، الإحصاءات تتحدث عن نفسها، كما ينظر في الموقع الصحفي السوداني http://www.alnilin.com
6 – إشراقة عباس، العلاقات الاقتصادية بين السودان وتركيا، تاريخ الدولة العثمانية، معهد الدراسات الإفريقية والآسيوية، جامعة الخرطوم.
7 – المرجع نفسه.
8 – أحمد عبدالرحيم مصطفى، أصول التاريخ العثماني، بيروت، 1986، من ص 12 – 20.
9 – وكالة الأنباء الفرنسية، (أ.ف.ب)، السودان يسلم تركيا جزيرة سواكن الواقعة في البحر الأحمر.
10 – المرجع نفسه.
11 – جريدة اليوم السابع المصرية، السودان يخصص جزيرة سواكن في البحر الأحمر لتركيا لإدارتها، 26 ديسمبر، 2017م.
12 – المرجع نفسه.
13 – اتحاد أصحاب العمل السوداني، ووزارة الصناعة والاستثمار، ورقة عن مؤشرات الاقتصاد السوداني.
14 – يمكن الرجوع إلى الدراسة البحثية للبروفيسور إشراقة عباس، مرجع سابق.
15 -“Turks are not Arabs!”
Even those who know the difference are questioning their identities.New yourk times
16 – الفرص والتحديات: النفوذ التركي في الدول العربية، المركز العربي للبحوث والدراسات، دراسة بحثية للباحث هاني سليمان، أكتوبر 2017م.
17 – آية عبدالعزيز، النفوذ العسكري التركي في المنطقة العربية .. الدوافع والأهداف، 17 يونيو 2017، مركز البديل للتخطيط والدراسات الاستراتيجية.
18 – جريدة اليوم السابع المصرية، حسين يوسف، “الاحتلال العثماني” لقطر محاولة للسيطرة على الخليج.. الإثنين، 26 يونيو 2017.
19 – وائل مجدي، والعرب يخرجون من معادلة القرن الإفريقي- باب المندب.. صراع نفوذ تركي إيراني، مصر العربية، 11 فبراير 2015
سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
تابعوا أحدث أخبارنا وخدماتنا عبر حسابنا بتويتر