الآلة الانتخابية لأردوغان صدئة ومهلهلة | مركز سمت للدراسات

الآلة الانتخابية لأردوغان صدئة ومهلهلة

التاريخ والوقت : الثلاثاء, 18 يونيو 2019

قدري غورسيل

 

في مساء يوم 16 يونيو، سوف تتندر تركيا بأجواء الديمقراطية التي جعلها حزب العدالة والتنمية، طي النسيان على مدار 17 عامًا في السلطة، وذلك من خلال مناظرة تلفزيونية بين الخصمين السياسيين، بن علي يلدريم، المرشح عن حزب العدالة والتنمية، و”أكرم إمام أوغلو” المرشح عن حزب الشعب الجمهوري المعارض الرئيسي، وهما المتنافسان الرئيسان في الانتخابات المقرر إجراؤها في الثالث والعشرين من يونيو الجاري على بلدية إسطنبول.

فلطالما حالت الثقافة السياسية لحزب العدالة والتنمية مرشحي الأحزاب دون مواجهة منافسيهم بشكل مباشر في المناظرات التلفزيونية السابقة على الانتخابات. فعلى مدار خمسة انتخابات برلمانية، وانتخابين رئاسيين، وأربعة انتخابات محلية وثلاثة استفتاءات، جرت في ظل حكم حزب العدالة والتنمية، لم يقم زعيم الحزب، رجب طيب أردوغان، بمناظرة تلفزيونية مع أي منافس قبيل الانتخابات. ففي البلدان الخاضعة للحكم الديمقراطي، تساعد المناظرات التلفزيونية الناخبين على مقارنة المرشحين وتشكيل آراء أكثر موضوعية. إلا أن أردوغان وحزبه اتبعوا في الغالب خطابًا استقطابيًا يستهدف النَيل من شرعية خصومهم، وبالتالي ظلوا بمنأى عن مواجهتهم في مثل هذه المناظرات على مدار الـ17 عامًا الماضية.

ما الذي تغير إذًا؟ فقبيل بدء العملية الانتخابية على منصب رئيس بلدية إسطنبول، وافق “بن علي يلدريم”، رئيس الوزراء السابق ووزير النقل، ورئيس البرلمان الذي تمَّ الضغط عليه لقبول الترشح لمنصب بلدية إسطنبول من قبل أردوغان، على خوض مناظرة تلفزيونية في مواجهة منافسه الشاب “أكرم إمام أوغلو”، وقد كان “يلدريم” يعارض إجراء تلك المناظرة قبل التصويت الأول في 31 مارس الماضي، والتي فاز فيها “أوغلو” بفارق ضئيل، لكن نتائج الانتخابات تمَّ إلغاؤها من قبل المجلس الأعلى للانتخابات بزعم أن رؤساء بعض لجان الاقتراع لم يكونوا موظفين عموميين كما يقتضي القانون.

وفي ظل غياب أيةِ إشارات مقنعة على أن الثقافة السياسية لأردوغان و”يلدريم” قد تغيرت لصالح التعددية منذ 31 مارس، فإن التغيير الرئيسي الوحيد الملاحظ تكشف عنه استطلاعات الرأي، والتي تشير إلى أن “إمام أوغلو” من المرجح أن يُوسِّع هامش الـ13000 صوت الذي كان لصالحه ضد “يلدريم” في الجولة الأولى للتصويت. وهو ما يعتبر، في واقع الأمر العامل الذي دفع “يلدريم” إلى الموافقة أخيرًا على مواجهة خصمه على شاشات التلفزيون. فقد بدا متراجعًا أمام “أكرم إمام أوغلو” في الاستطلاعات التي أجريت بين منتصف مايو والأسبوع الأول من يونيو، حيث يأمل في الحصول على أداء متلفز يسد تلك الفجوة.

وتشير العمليات الحسابية للانتخابات إلى أن الفائز في سباق رئاسة البلدية سيكون الحزب الذي ينجح في إخراج الناخبين الذين امتنعوا عن التصويت في الانتخابات التي أجريت يوم 31 مارس. وكانت نسبة المشاركة في التصويت بإسطنبول قد بلغت 83.9٪، حيث تراجعت من 88.4٪ في الانتخابات البرلمانية والرئاسية العام الماضي. فاستطلاعات الرأي، تقوم على أساس ما يذهب إليه الخبراء من أن عدد المتسابقين في المدينة زاد بمقدار 600 ألف شخص لهم حق التصويت مقارنة بالعام الماضي. وبالطبع بينهم ناخبو حزب العدالة والتنمية غير الراضين عن أداء حزبهم وعن المسار العام لتركيا، وكذلك الأكراد الذين أصبحوا غير مهتمين بعد أن قرر حزبهم الديمقراطي خوض السباق الانتخابي، بالإضافة إلى أنصار حزب الشعب الجمهوري الذين يشعرون بالاستياء تجاه أداء حزبهم في الانتخابات الرئاسية العام الماضي.

وبالنظر إلى السباق الشرس، فإن القضايا التي يمكن أن تؤثر على 60 ألف ناخب يوم 23 يونيو وجميع الناخبين، في واقع الأمر، لها أهمية حاسمة.

ووفقًا لاستطلاعٍ أجرته مؤسسة إسطنبول للأبحاث الاقتصادية، فمن المتوقع أن تؤثر الأزمة الاقتصادية التي تعصف بتركيا والمشكلة المتزايدة المتمثلة في البطالة، على كيفية تقرير الناخبين مواقفهم. وكذلك وفقًا للاستطلاع الذي أُجري لـ1500 شخص في 39 مدينة في إسطنبول في الفترة من 24 إلى 26 مايو، يذهب أربعة من بين كل عشرة من أنصار “يلدريم” إلى أنه إمَّا أحد أفراد أسرته أو شخص من عائلة قريبة قد فقد وظيفته في الأشهر الثلاثة الماضية.

الإشكالية الثانية تتمثل في إلغاء المجلس الأعلى للانتخابات نتيجة الانتخابات التي أجريت في 31 مارس. فاثنان من كل 10 أشخاص صوتوا لصالح “يلدريم” يقولون إنهم لا يوافقون على هذا القرار. كما يقول واحدٌ من بين كل أربعة ناخبين صوتو لـ”يلدريم” إنهم تابعوا أنشطة “إمام أوغلو” وأبدوا إعجابهم بها خلال فترة حكمه التي استمرت 18 يومًا كرئيس بلدية.

ومنذ هزيمة “يلدريم” في انتخابات 31 مارس، قام تحالف الشعب، المكون من حزب العدالة والتنمية وحزب الحركة القومية اليمينية المتطرفة، بمراجعة مواقفه الانتخابية. وكان أردوغان قال إنه سيعقد اجتماعات حاشدة في كل مقاطعات إسطنبول البالغ عددها 39 قبيل بدء الانتخابات. كما أن “دولت بهشلي” حليف أردوغان لم يرافق الأخير في جولته أوائل مايو.

لقد أسقط التحالف رواية أردوغان القائلة بأن الانتخابات المحلية كانت “مسألة بقاء” بالنسبة لتركيا، والتي أثبتت أنها غير فعالة جدًا في تصويت 31 مارس. وبدلاً من ذلك، تحولت تلك الرواية إلى شعار يركز على الخدمات، حيث قال “يلدريم” في أواخر مايو لأنصاره “لقد فعلنا ما وعدنا به وسنفعله مرة أخرى”؛ فعلى سبيل المثال، وعد بخلق وظائف لـ100 ألف شاب من أبناء إسطنبول كل عام، ومنح 10 جيجابايت من الإنترنت المجاني لطلاب الجامعات، فضلاً عن تعهده بأن تصبح وسائل النقل العام مجانية للمعلمين.

ورغم كل هذه التعهدات، يكافح “يلدريم” للتغلب على الموقف العصيب الذي يجد نفسه فيه قبيل انتخابات 23 يونيو. ولا يرجع ذلك إلى الأزمة الاقتصادية فقط، بل إلى تواصل “إمام أوغلو” الفعال مع مختلف شرائح المجتمع أيضًا. إذ يتضرر موقف “يلدريم” بسبب الفوضى الخطيرة وعدم التنسيق في صفوف حزب العدالة والتنمية والحكومة.

ولنأخذ على سبيل المثال، الادعاء بأن “إمام أوغلو” ذا أصول يونانية باعتبار أنه ينحدر من “طرابزون”، وهي مدينة ساحلية في منطقة البحر الأسود الشرقية، والتي كانت عاصمة يونانية حتى غزاها العثمانيون في القرن الخامس عشر. قام رئيس بلدية حزب العدالة والتنمية في أحد أحياء إسطنبول بالمطالبة في 15 مايو، بحملة اعتقد قادة حزب العدالة والتنمية أنها يمكن أن تؤجج مشاعر الجماهير ضد مرشح حزب الشعب الجمهوري، لكنها عادت بنتائج عكسية، مما عزز من جاذبية “إمام أوغلو” بين الأشخاص الذين لهم جذور في منطقة البحر الأسود، كما أدى ذلك إلى تأجيج مشاعرهم ضد حزب العدالة والتنمية. وقد سافر “إمام أوغلو” الأسبوع الماضي إلى مسقط رأسه بمناسبة عطلة عيد الفطر وعقد واحدة من أكبر التجمعات التي شهدتها “طرابزون” على الإطلاق.

لقد أصبحت الحملة الانتخابية لحزب العدالة والتنمية أشبه بالمسرح لعدم الاتساق الصارخ بين “يلدريم”، الذي يحاول إظهار الاعتدال، ووزير الداخلية المتشدد “سليمان صويلو”، الذي يفعل عكس ذلك تمامًا؛ فقد ساهم “صويلو” بشكل خاص في “حملة بونتوس”، حيث انتقد أحد المتظاهرين في “طرابزون” يوم 9 يونيو، وقال عنه إنه مرتبط بدوائر يزعم أنها تسعى إلى إحياء “بونتوس” القديمة.

يصل عدد ناخبي إسطنبول إلى 2.5 مليون شخص من منطقة البحر الأسود، وإذا كان للجدل الدائر حول “بونتوس” أن يكون ذا تأثير على المسار التصويتي في 23 يونيو، فمن غير المرجح أن يكون ذلك في صالح حزب العدالة والتنمية.

وفي الحملة السابقة (31 مارس)، نشر متحدثون باسم حزب العدالة والتنمية أن تحالف الأمة الذي يقوده حزب الشعب الجمهوري كان “متضامنًا يدًا بيد مع الإرهابيين”، وذلك في إشارة إلى الدعم الذي تلقاه من حزب الشعوب الديمقراطي في غرب تركيا.

وقد أدى ذلك إلى إثارة استياء الأكراد من حزب العدالة والتنمية، ما أسهم في فقدان الأصوات. لذا يحاول “يلدريم” حاليًا التغلب على موقف الأكراد. ففي السادس من يونيو، قام بزيارة ديار بكر، أكبر مدينة في الجنوب الشرقي ذات الأغلبية الكردية، وفي الخطاب الذي ألقاه هناك أشار إلى أن البرلمان التركي كان لديه “نائب كردستاني” عندما تشكل لأول مرة عام 1920.

وقد تسبب هذا التصريح بالاستياء والشك في صفوف الحركة القومية العليا، مما دفع الكثيرين إلى الإيحاء بأن هجوم “يلدريم” الساحر لجذب الأكراد قد ينتهي به المطاف إلى عزل القوميين الذين يعتبرون “كردستان” كلمة محرمة مرتبطة بالانفصالية الكردية. وخلال حملة 31 مارس، أكد أردوغان أنه “لا يوجد مكان يدعى كردستان في تركيا”. وبينما كان “يلدريم” يزور ديار بكر، ادعى أحد نواب حزب العدالة والتنمية أنه إذا فاز حزب الشعب الجمهوري في إسطنبول، فسوف يمنح هذا العمل المربح موقفًا جيدًا في السباق الانتخابي، ما يتناقض مع صورة “يلدريم” التي يسعى أن يبدو فيها معتدلاً.

وباختصار، يبدو حزب العدالة والتنمية، الذي اعتاد أن يعمل من خلال آلةٍ انتخابية عالية الكفاءة ومنضبطة وقوية في سنواته الأولى في السلطة، أنه قد بات في حالة من اللبس عشية السباق على منصب رئاسة البلدية في إسطنبول، كما يبدو مفتقرًا أيضًا إلى التماسك، والانضباط بعد 17 سنة في السلطة.

 

إعداد: وحدة الترجمات مركز سمت للدراسات

المصدر: المونيتور Al – Monitor

النشرة البريدية

سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!

تابعونا على

تابعوا أحدث أخبارنا وخدماتنا عبر حسابنا بتويتر