الآفاق المستقبلية لاستخدامات الذكاء الاصطناعي في تحلية المياه بالمملكة العربية السعودية | مركز سمت للدراسات

الآفاق المستقبلية لاستخدامات الذكاء الاصطناعي في تحلية المياه بالمملكة العربية السعودية

التاريخ والوقت : الأربعاء, 7 سبتمبر 2022

ملخص تنفيذي 

تناولت الورقة آفاق استخدامات الذكاء الاصطناعي في تحلية المياه بالتطبيق على التجربة السعودية الواعدة، وقد اشتملت الورقة على أربعة محاور، هي: تطبيقات الذكاء الاصطناعي في نظام تحلية المياه بالطاقة المتجددة، وتطبيقات الذكاء الاصطناعي في أتمتة عمليات “الامتزاز ” Adsorption Processes، وتكنولوجيا التنقية بدون ترشيح Filterless Technology، وتوجهات توطين تقنيات الذكاء الاصطناعي في تحلية المياه بالمملكة العربية السعودية. وألقت الورقة الضوء على تطورات جهود المملكة العربية السعودية في توطين تقنيات الذكاء الاصطناعي في تحلية المياه لأغراض الزراعية، وخلصت إلى أن تطبيقات الذكاء الاصطناعي باتت تتخلل كافة تفاصيل عمليات تحلية مياه الشرب والزراعة بالمملكة.

مقدمة 

مع دخول المملكة العربية السعودية عصر الثورة الرابعة في كافة المجالات التنموية، أضحت تقنيات الذكاء الاصطناعي AI تفرض نفسها على الأطر التنفيذية لبرامج التنمية التي تتبناها المملكة في إطار برنامج التحول الوطني “رؤية السعودية 2030″، وبخاصة على مستوى مواجهة التحديات المرتبطة بالوضع المائي وطموحات التوسع الزراعي والمشروعات التنموية المرتبطة به. ورغم تبوؤ المملكة مكانةً هامةً على الخريطة العالمية لقطاع تحلية المياه، كونها تعد أحد أكبر منتجي المياه المُحَلَّاة في العالم (بنسبة 18% من الإنتاج العالمي)، فإن الطموحات التنموية الهائلة للمملكة لمواجهة متطلبات التنمية المستقبلية، تفرض المزيد من الحلول الابتكارية لكافة المشكلات. وإن ذلك يفرض ضرورة الاستفادة من الطفرة التي تحققت في جميع المجالات التقنية، لا سيما فيما يتعلق بالذكاء الاصطناعي، وتوظيف تقنياته في مشروعات معالجة المياه والتحلية؛ وهو ما تسعى إليه الورقة من خلال المحاور التالية: 

أولاً: تطبيقات الذكاء الاصطناعي في نظام تحلية المياه بالطاقة المتجددة

تقوم أنظمة تحليل الذكاء الاصطناعي Artificial Intelligence على استخدام مجموعة من البيانات بما في ذلك صور الأقمار الصناعية والمناخ ودرجة الحرارة والرطوبة والتنبؤات الجوية لاتخاذ أو اقتراح القرارات الأمثل لإدارة المحاصيل وهدر أقل كمية ممكنة من المياه. إذ تقوم التربة ومستشعرات الضوء على تزويد البيانات لنظام الذكاء الاصطناعي حول الأوقات الأكثر مناسبة لتزويد التربة بالمياه واستخدام الأسمدة وغيرها. كما أن استخدام أنظمة الري الذكية لها القدرة على توفير مياه بدقة عالية وتعتبر حلاً لمشاكل التسريبات. وتوفر أساليب الذكاء الاصطناعي لصانعي القرار خيارات مختلفة للاستثمار، حيث يتكون كل منها من مجموعات تحلية مختلفة فيما يتعلق بالمواقع والقدرات ومصادر الطاقة على مستوى العديد من المقاييس. ذلك أن القرارات الذكية تحدد الموقع الأمثل للمحطات وقدرة نظام تحلية المياه للتوقعات المستقبلية. كذلك توفر لصانعي القرار إمكانية تكوين شبكة خطوط الأنابيب ونقل المياه بين مواقع الزراعة. وتستخدم تطبيقات الذكاء الاصطناعي بشكل متزايد في التحكم الأمثل في معالجة المياه وتحلية مياه البحر. وبوجه عام، يشتمل تصميم نظام تحلية المياه على أربع عمليات: اختيار الموقع، والتنبؤ بالطاقة، واختيار تقنية تحلية المياه، وتحسين المعايير النظامية. غير أن ميزات الذكاء الاصطناعي المستخدمة في تصميم أنظمة تحلية المياه لا تدرك الحد الأقصى من الكفاءة والحد الأدنى من التكلفة فقط، بل تطلق الموارد البشرية.

ويمكن النظر إلى هذه الفئات الأربعة على النحو التالي: 

1- بالنسبة لعملية اتخاذ القرار، فإن اختيار موقع المحطة يعد قرارًا استراتيجيًا، حيث يحتاج صانعو القرار إلى مجموعة متنوعة من المعايير والعوامل المختلفة. كما يجب مراعاة الاستدامة البيئية والاجتماعية والاقتصادية عند اختيار الموقع (Dweiri and Almulla, 2018). في هذا الإطار يؤدي الذكاء الاصطناعي دورًا في اتخاذ هذه القرارات من خلال نموذج دعم القرار متعدد المعايير Multi-criteria Decision Support System (DSS) لترتيب هذه المعايير(Ishimatsu et al, 2017). ويتوافق هذا النموذج مع القيود البيئية والتكنولوجية والمالية المصاحبة لتقنيات تحلية المياه الشائعة. ويقوم هذا النموذج على أساس نهج لاتخاذ القرار قائم على عملية هرمية تحليلية Analytical Hierarchal Process لتحديد أفضل تقنية لمحطات التناضح العكسي للحفاظ على اتخاذ القرار الاستراتيجي بشأن موقع محطة تمكين المياه (Bick and Oron, 2011). 

2- بالنسبة لتحسين الوسائط، فقد تقسم وسائط التشغيل إلى أربع فئات، وذلك على النحو التالي: وسائط الطاقة (مدخلات الطاقة)، ووسائط الهيكل (حجم محطة التحلية)، ووسائط التغذية (الضغط، قيمة الأُس الهيدروجيني، معدل تدفق التغذية، إجمالي المواد الصلبة الذائبة، درجة حرارة البحر)، والوسائط المحيطة (درجة حرارة المجال المحيط، سرعة الرياح، الإشعاع الشمسي). بجانب ذلك، هناك العديد من المتغيرات المتضمنة في عملية تحلية مياه البحر، لذا لا يمكن للطرق الرياضية التقليدية الحصول على التصميم الأمثل بكفاءة. وعلى ذلك، فإن ظهور الذكاء الاصطناعي مثل الخوارزمية الجينية Genetic Algorithm وخوارزمية تحسين الجسيمات Particle swarm Optimization Algorithm التي تحل هذه المشكلة لتحسين وضع وسائط التشغيل بما ينعكس على أداء تشغيل النظم من خلال الخوارزميات التي تمثل استراتيجيات بحث مختلفة تؤثر بدورها على العمليات الحسابية وحل المشكلات الهندسية المعقدة باستخدام طريقة متعددة المتغيرات للحصول على الحل الأمثل. 

3- بالنسبة إلى توقع الوسائط، أو توقع الطاقة، فمن الضروري اختيار نظام تحلية مياه البحر مع تقييم الوسائط ذات الصلة بالتوقع بالطاقة ومدخلاتها (سواء كانت طاقة شمسية أو طاقة هجينة)، وكذلك درجة المقياس وكفاءة النظام. وهنا تؤدي آليات الذكاء الاصطناعي دورًا في عملية التنبؤ، إذ تتمتع الخوارزميات بمزايا فريدة في القدرة والتخصيص للنظام  .(Mashaly and Alazba, 2017)وتستخدم الشبكة العصبية الاصطناعية  Artificial Neural Network (ANN)للتنبؤ بكفاءة إنتاج الطاقة الشمسية، وهناك أيضًا نماذج الشبكة العصبية الاصطناعية ذات الانتشار العكسي لتحليل أداء الطاقة الشمسية Back-Propagation Artificial Network (BP-ANN) (Braga et al, 2002). 

4- بالنسبة إلى التحكم الآلي في تحلية المياه بواسطة الذكاء الاصطناعي، فيعتبر استقرار تشغيل عملية التحلية ذا أهمية كبيرة لإنتاج مستقر للمياه العذبة. كما أن هناك العديد من المتغيرات مثل درجة حرارة المياه ومعدل التدفق ووسائط التشغيل. وبالتالي تبدو الحاجة ماسة للاستجابة في الوقت المناسب والتحكم الكمي لأفضل ظروف للعمل. وهنا يعكس الذكاء الاصطناعي قوة الآلة المستخدمة والإدارة التشغيلية القائمة مثل العقل البشري (Kalogirou, 2003). ففي حين تبرز مشكلات مثل تلوث الأغشية واستقطاب التركيز لتقنية التناضح العكسي التي تؤدي إلى زيادة تكلفة التشغيل، فإن الذكاء الاصطناعي يسهم في حل هذه المشكلة من خلال نماذج التحكم التنبؤية Model Predictive Control (MPC) التي تساعد في التغلب على قيود وحدة التحكم في محطات التحلية. وتعد خوارزميات الشبكة العصبية الاصطناعية هي الأكثر استخدامًا في التحكم بالذكاء الاصطناعي لأنها تتمتع بمزايا الخوارزمية البسيطة والدقة المناسبة (Zilouchian and Jafar, 2001).

دور الذكاء الاصطناعي في ترشيد كفاءة المياه في الزراعة (الزراعة الإلكترونية، أو الزراعة المائية بالأكوابونيك)

اكتسبت التكنولوجيا الذكية، بالتوازي مع أساليب الذكاء الاصطناعي والتعلم الآلي، اهتمامًا كبيرًا من قبل الباحثين؛ إذ أثبتت التكنولوجيا الذكية Smart Tech المرتبطة بأساليب الذكاء الاصطناعي ونماذج التعلم الآلي وغيرها من الأنظمة الذكية، فعاليتها في أتمتة ومراقبة عملية نمو وسلامة هذه الأنظمة الزراعية القائمة على المياه. وقد تم تطوير جميع النماذج باستخدام برنامج مفتوح المصدر للغة البرمجةR ، والمعروفة باستخدامها في الحساب الإحصائي. وللتدريب واختبار النتائج، تم تقسيم مجموعة البيانات إلى مجموعتين مع استخدام 80% للتدريب، في حين كانت الـ20% المتبقية مستخدمة للاختبار (Hajeeh and Al-Othman, 2005).

برزت أنظمة الزراعة المائية التي لا تستخدم التربة، إذ تُزرع النباتات في محلول مغذٍّ يكون مصممًا في الغالب بشكل مخصص، بحيث يتم تزويد النبات بجميع احتياجاته الغذائية والمائية. وفي حين أن ذلك يمثل أحد أشكال الزراعة الأكثر تقنية مقارنة بالزراعة التقليدية، إلا أن الزراعة المائية تتمتع بميزة خاصة تتمثل في إنتاج غلات لمحاصيل أعلى، ومع كثافة نباتية أكبر في مساحة أقل جدًا وبمتوسط ​​استخدام أقل للمياه. وتُزرع المحاصيل معلَّقة في محلولٍ مغذٍّ مُفصل بحيث يُحفظ عند درجة الحموضة المناسبة للنمو. كما يجب الحفاظ على غرف النمو في درجة حرارة ورطوبة مناسبة. وعادةً ما يتم تخزين المحاليل الغذائية في خزانات منفصلة ويتم تسليمها للمحاصيل باستخدام مضخة وشبكة أنابيب. أما بالنسبة إلى أنظمة الاستزراع النباتي والسمكي، فإن النباتات تتلقى مغذياتها من المنتجات الثانوية للأسماك (التي عادة ما تكون الفضلات) مخزنة في خزانات مجاورة (أو قريبة منها) ومتصلة من خلال مضخة وشبكة أنابيب. وفي المقابل، غالبًا ما تعمل المحاصيل كمنقٍّ للمياه للأسماك من خلال إزالة منتجاتها الثانوية والفضلات (AlZu’bi, et al, 2019).

هنا يتم اعتماد طرق الذكاء الاصطناعي ونماذج تعلم الآلات Machin Learning (ML) والتطبيقات الذكية المستخدمة في الدراسات المائية والبيئية التي تعرف باسم “النماذج والأساليب والتكنولوجيا الذكية”؛ إذ إنها تتضمن العديد من تطبيقات التحكم والمراقبة باستخدام الأجهزة الذكية تعتمد على إنترنت الأشياء Internet of Things (IoT) التي تستخدم أجهزة الاستشعار الذكية للتحكم والأتمتة، وتعتمد هذه الإعدادات على استخدام المدخلات الهامة لمراقبة المعلومات وإجراءات الأنظمة المستخدمة (Subramani and Jacangelo, 2015). 

وفي هذه الحالات، فإن بيانات مستشعر الماء والمياه الشائعة تتضمن الرقم الهيدروجيني ودرجة حرارة الماء ودرجة حرارة الهواء والرطوبة والمغذيات، ويتم قياسها باستخدام مستشعر فوق صوتي، وتوصيل كهربائي. بينما تشتمل المدخلات الأخرى الخاصة بنظام تربية الأحياء المائية على المواد الصلبة الذائبة الكلية وتركيز الأمونيا. ومع حالة استخدام إنترنت الأشياء أو الاستشعار الذكي لمراقبة صحة النظام والأتمتة، فإن المخرجات عادةً ما ترتبط بتغذية مضخة المغذيات، والرطوبة، والتحكم في درجة الحرارة، والتحكم في درجة الحموضة، والتحكم في الضوء. ولتحقيق هذه المستويات من الأتمتة، تقترن أنظمة إنترنت الأشياء بأساليب الذكاء الاصطناعي ونماذج التعلم الآلي مثل شبكات الأعصاب الذكية وتطبيقات الخدمات المعلوماتية FIS. كما أن هذه الأنظمة تقترن بوحدات تحكم أو معالجة مركزية. بينما تعتبر وحدات التحكم المستندة إلى الألواح الإلكترونية Arduino هي الأكثر شيوعًا، إذ أبدت نتائج هائلة في تنفيذ نماذج التعلم الآلي في عمليات الحصاد، وارتفاع جودة وكميات المحاصيل، وأوزان الأسماك، وتركيزات مكونات محلول المغذيات. وتم تحقيق هذه النتائج باستخدام نماذج الشبكات العصبية الصناعية (He et al, 2022).

ومن هنا، يتخلل الذكاء الاصطناعي كافة تفاصيل الاتجاهات الحديثة لمعالجة المياه لكافة الأغراض، لا سيما الزراعة. فمن خلال بناء النماذج الذكية للخوارزميات، يمكن بالذكاء الاصطناعي حل المشكلات بشكل معقول وتجريبي. كما أنه من تحسين الأهداف وتعظيم المصالح، يكون الذكاء الاصطناعي أكثر ملاءمة لتحقيق توفير الطاقة وحماية البيئة ومتطلبات البناء الهندسي الفعال للمجتمع المعاصر. لذا، فإن أداء الذكاء الاصطناعي يعتمد بشكل أساسي على الخوارزمية المتقدمة. فشبكة الأعصاب الصناعية تتمتع بميزة كبيرة في نماذج الانحدار. ثم إن  الخوارزميات الجينية تبدو آخذة في التحسن عالميًا. وفي هذا السياق، فإن الجمع بين طرق النمذجة العكسية وأدوات الذكاء الاصطناعي يمكن أن تولد إمكانات أكبر للعمليات المثلى، خاصة في بيئات التشغيل المعقدة. فقد أصبح النظام الذكي الهجين شائعًا بشكل متزايد في السنوات الأخيرة، بسبب النجاح في حل العديد من المشكلات المعقدة في العالم الحقيقي. ومن خلال توفير أساليب التفكير والبحث التكميلية، فإن مكونات الذكاء الحسابي مثل التعلم الآلي والمنطق الضبابي والشبكات العصبية والخوارزميات الجينية، تولِّد التآزر الذي يقود النجاح. وعلى هذا، فإن الذكاء الاصطناعي يميل في المستقبل إلى استخدام خوارزمية مركبة للتنبؤ والتحسين. ومن خلال الاستفادة الكاملة من مزايا الخوارزميات المختلفة يمكن تحسين التحكم الذكي، وهو ما يسهم في تحسين الكفاءة وزيادة إنتاجية المياه العذبة بنسبة 10% (Zheng et al, 2022).

ثانيًا: تطبيقات الذكاء الاصطناعي في أتمتة عملياتالامتزازAdsorption Processes

تعرف عملية الامتزاز بأنها عملية ترتبط فيها قوى جذابة (مكثفة) بسطح صلب (مادة ماصة). وتتكون المادة الصلبة المستخدمة في الامتزاز من وسط مسامي مع مساحة سطح داخلية عالية. أي أنها تتضمن تراكم ذرات أو جزيئات على سطح المادة. وتخلق هذه العملية طبقة من الجزيئات أو الذرات التي تراكمت بكثافة على سطح الممتصات. وهو يختلف عن الامتصاص بانتشار المادة في السائل أو الصلب لتشكل محلولاً. ولعملية الامتزاز نمطان يمكن الإشارة إليهما على النحو التالي: 

الامتزاز الكيميائي: يحدث هذا النمط باستخدام ما يعرف بـ”قوى فان در فالز”، وهي قوى التأثير المتبادلة بين جزيئات المادة المتعادلة كهربيًا بعضها مع بعض، حيث لا تزيد الحرارة المنطلقة عن هذا النمط من التمزز على رتبة 5 حرة/ مول. ويزداد هذا التمزز بازدياد ضغط الغاز، وينقص بارتفاع درجة الحرارة؛ ففي درجة حرارة وضغط معينين يكون الغاز أكثر قابلية للتمزز كلما كان أسهل تسييلاً. 

الامتزاز الفيزيائي: هو تكوّن روابط بين الجزيئات السطحية لمعدن (أو لأي مادة أخرى ذات طاقة سطحية عالية) ومادة أخرى (غاز أو سائل) على تماس معه. وتعد هذه الروابط المتشكلة قابلة للمقارنة من حيث الشدة بالروابط الكيمياوية العادية، وهي أقوى بكثير من قوى فاندرفالس المميزة للتمزز الفيزيائي؛ إذ تكون الحرارة المنطلقة عن هذا التمزز من رتبة 100حرة /مول (Alam et. al, 2022).

لقد شغلت عملية الامتزاز حيزًا واسعًا من اهتمام الباحثين، إذ تركز على التنبؤ بإزالة أيونات النحاس التي تعتمد على طين الأتابولجيت باعتبارها المادة الأولية للامتزاز؛ ومن خلال تقنيات الذكاء الاصطناعي، تم تطوير نماذج لتحديد الشكل الأمثل للتنبؤ. وقد تضمنت هذه النماذج شبكة عصبية اصطناعية، مع آلة للناقلات الداعمة، بالإضافة إلى مجال عشوائي يقوم على تحسين الشبكة العصبية الاصطناعية. وتقوم هذه النماذج على الجمع بين الخيارات الذكية التي تتمثل في تركيز النحاس الأولي، وجرعة الممتزات، ودرجة حموضة الماء، ووقت التلامس، والقوة الأيونية للمحلول عند إضافتها (Al-Gobaisi, 1994).

ثالثًا: تكنولوجيا التنقية بدون ترشيح Filterless Technology

إزاء ذلك، طور باحثون بمعهد ماساتشوستس للتكنولوجيا جهازًا محمولاً لتحلية المياه، يزن أقل من 10 كجم، يمكنه إزالة الجسيمات والأملاح لتوليد مياه الشرب. ويتطلب هذا الجهاز القليل من الطاقة للعمل، ويقوم تلقائيًا بتوليد مياه الشرب التي تتحقق فيها معايير الجودة. ويستخدم هذا الجهاز الطاقة الكهربائية لإزالة الجزيئات من مياه الشرب. ويؤدي التخلص من الحاجة لاستبدال المرشحات إلى تقليل متطلبات الصيانة على المدى الطويل بشكل كبير؛ إذ قد يسمح ذلك بنشر الوحدة في المناطق النائية ذات الموارد المحدودة جدًا مثل المجتمعات التي لا تتوفر فيها المياه بشكل آمن. إذ يعالج هذا الجهاز أوجه القصور التي تعاني منها طرق التحلية الشائعة مثل التناضح العكسي، والتي تستخدم أغشية ترشح الملح، لكنها تتطلب مضخات قوية للحفاظ على الضغط العالي اللازم لدفع المياه عبر الأغشية. كما أنها عرضة لترسب الفضلات وانسداد المسام في غشاء بالملح والملوثات (Shirazian and Alibabaei, 2017). 

ويعتمد الجهاز على تقنية استقطاب تركيز الأيونات Ion concentration polarization بدلاً من تصفية المياه، حيث تطبق مجالات كهربية على الأغشية الموضوعة فوق وتحت قناة من الماء، وتقوم الأغشية بصد الجسيمات المشحونة إيجابًا أو سلبًا، بما في ذلك جزيئات الملح والبكتريا والفيروسات أثناء مرورها، ويتم توجيه الجسيمات المشحونة إلى تيار ثانٍ من الماء ليتم تصريفه في النهاية. ويعمل هذا الجهاز باستخدام طرق تصنيع لأجهزة الموائع الدقيقة على غرار الرقائق الدقيقة، لكن باستخدام مواد مثل السليكون (المطاط الصناعي). وبالتالي، تتم إزالة عملية المواد الصلبة المذابة والعالقة بما يسمح للمياه النظيفة بالمرور عبر القناة نفسها. ونظرًا لأن ذلك لا يتطلب سوى مضخة ضغط منخفض، فإنها تستخدم طاقة أقل من التقنيات الأخرى. ولأن جميع الأملاح العالقة لا تزال في بداية العملية، قام الباحثون بدمج عملية ثانية تعرف بالديلزة الكهربائية لإزالة أيونات الملح المتبقية. ومن خلال تقنيات الذكاء الاصطناعي، تم استخدام تقنيات مثل التعلم الآلي لإيجاد المزيج المثالي من استقطاب تركيز الأيونان ووحدات الغسيل الكهربائي؛ إذ يتضمن التكوين الأمثل عملية الاستقطاب تلك من مرحلتين، حيث يتدفق الماء عبر ست وحدات في المرحلة الأولى من خلال ثلاث وحدات في المرحلة الثانية، ثم تعقبها عملية غسيل كهربي واحدة. ولتطوير تلك الديناميكية، أنشأ الباحثون تطبيقات للجوال بحيث يمكن التحكم فيها لاسلكيًا ورصد البيانات في الوقت الفعلي حول استهلاك الطاقة وملوحة المياه.

رابعًا: توجهات توطين تقنيات الذكاء الاصطناعي في تحلية المياه بالمملكة العربية السعودية

تتسارع الخطى في السنوات الأخيرة نحو توطين تقنيات الذكاء الاصطناعي في كافة المشروعات التنموية التي تشهدها الحكومة السعودية وذلك في إطار برنامج التحول الوطني (رؤية السعودية 2030) لمواجهة التحديات المستقبلية. ولما كانت الندرة النسبية للمياه إحدى هذه التحديات، فقد مثلت مشروعات تحلية المياه في قلب الخريطة وذلك بالتوازي مع الطفرة التي تشهدها المملكة فيما يتصل بتقنيات الذكاء الاصطناعي وتوطينها. ففي 7 ديسمبر 2021، أبرمت المؤسسة العامة لتحلية المياه المالحة بالمملكة مذكرة تفاهم مع شركة شنايدر إلكتريك العالمية المتخصصة في مجالات الاستفادة من الطاقة والتشغيل بهدف تفعيل الحلول الرقمية المتقدمة والتقنيات المتطورة في مجال الذكاء الاصطناعي لخدمة المشاريع المستقبلية لقطاع المياه، وتبادل الخبرات والمعرفة لتوطين حلول الذكاء الاصطناعي. وفي 2 يونيو 2022 دشنت “تحلية” مع “منظمة التحلية العالمية” نظام الذكاء الاصطناعي الذي تضمنت مجموعة من المنصات والتقنيات ذات الصلة بتفعيل حلول الذكاء الاصطناعي، وكانت على النحو التالي: المنصة المتكاملة لإدارة الأمن السلامة الذكية SSS، والمنصة المتكاملة للتشغيل والصيانة الذكية SOM، والمنصة المتكاملة للمنشآت الذكيةSC ، والمنصة الذكية المتكاملة لإدارة المستودعات SWM، ومنصة المشاريع الذكية SPM، والمنصة المتكاملة للمحاكاة ثلاثي الأبعادVXP، والمنصة المتكاملة للدرونزDP. 

وتجدر الإشارة إلى وحدة إنتاج المغنيسيوم بالشعيبة التي تعد أول منظومة تجارية في العالم تعمل باستخدام تقنية النانو لإنتاج المغنسيوم وضخه في المياه باستخدام تقنية الصفر رجيع ملحي التي طورته المؤسسة العامة لتحلية المياه بالسعودية. كما أن المملكة بصدد تنظيم مؤتمر دولي تحت عنوان “مستقبل التحلية الدولي” بالرياض في الفترة من 11 إلى 13 سبتمبر 2022، ويعد هذا المؤتمر تجمعًا لشركاء صناعات التحلية إقليميًا وعالميًا، ولا سيما أن المملكة لديها تاريخ عريق في هذا المجال يرجع إلى عام 1932، كما تأسَّسَت المؤسسة العامة لتحلية المياه المالحة عام 1974 كمؤسسة حكومية مستقلة ذات شخصية اعتبارية. وبالتالي، يأتي هذا المؤتمر الذي تستضيفه المملكة كخطوة رائدة في الجهود الدولية لإزالة التحديات التي تواجه صناعة تحلية المياه سواء على مستوى التكلفة (بالوصول إلى تكلفة تحلية اللتر إلى 0.32 دولار)، أو على مستوى خفض الانبعاثات الكربونية (من بين أهداف المؤتمر خفضها إلى 50%)، أو حتى على مستوى الإيرادات غير المالية التي يهدف المؤتمر إلى زيادتها إلى 10%. وبالتالي، ومن خلال محاور المؤتمر المتعددة نكون بصدد خطوة جديدة في إطار مسيرة برنامج التحول الوطني “رؤية السعودية 2030” الذي تتبناه المملكة لمواجهة تحديات المستقبل وفتح آفاقٍ واسعةٍ لتوطين تقنيات الذكاء الاصطناعي في مجال تحلية المياه لأغراض الزراعة ودعم مخططات التنمية بما يضمن للمملكة الريادة الإقليمية والعالمية في هذا المجال الحيوي.

وحدة دراسات رؤية السعودية 2030*

النشرة البريدية

سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!

تابعونا على

تابعوا أحدث أخبارنا وخدماتنا عبر حسابنا بتويتر